|
آخر نكتة / قصة قصيرة
مراد سليمان علو
شاعر وكاتب
(Murad Hakrash)
الحوار المتمدن-العدد: 3180 - 2010 / 11 / 9 - 20:54
المحور:
الادب والفن
آخر نكتة همس دلدار في أذن شقيقه الأصغر ... سأنتقم .! ثم اعتدل في جلسته ثانية دون أن يتأكد من إنه قد سمعه جيدا بسبب الدماء التي كانت لا تزال تسيل من أذنيه نتيجة التعذيب ، فقد كان دوره في الاستنطاق . كل واحد ودوره يجرّونه إلى غرفة التحقيق جرّا ليس لممانعتهم مرافقة الحرّاس بل لعدم قدرتهم على المشي فقد أثرّت الضربات المتتالية بالأسلاك المعدنية على باطن أقدامهم ولم يعد بمقدورهم حتى الوقوف . كان للنقيب محمد وهو آمر السرية الجديد طريقة تختلف عن الضبّاط الذين سبقوه في الخدمة على الراقم 1285 المطل على مدينة دهوك . كانت أوامره صريحة بإلقاء القبض على جميع المدنيّين الذين يتسّلقون الجبل وكان أحيانا يستكشف الشارع العام بواسطة الناظور بنفسه وإذا لمح أحدا ما استدعاه لمجرد المزاح ، وما أن يمثل أمامه حتى تتغير أسارير وجهه ويأمر بتعذيبه وغالبا يذيقه أسوأ أنواع الضرب والتنكيل بإنزال الضربات المتلاحقة على أعضاءه الحساسة للحصول على معلومات ولو تافهة ، فربما شفعت له بعض هذه المعلومات بإرجاع هيبته ومكانته في الفوج لأنه نفسه نقل نتيجة عقوبة إدارية وكانت تعليمات آمر الفوج المباشرة إليه تقتضي بأن يثبت جدارته في موقعه الجديد وإلا العقوبة ستكون أشد مستقبلا ، فجن جنونه وكان دائم التوتر ويثور لأتفه الأسباب ولسوء حظ دلدار وأخيه كانا على الشارع العام ينتظران سيارة لتقلهما إلى مكان سري لعقد اجتماع مهم لمناقشة الأوضاع الراهنة في المنطقة فألقي القبض عليهما رغم إنهما خارج حدود سلطة السرية وكانا أول من أودعا السجن في ذلك اليوم وتبعهما آخرون ، وكل يوم كان عدد الموقوفين يزداد إلى أن ضاقت بهم مساحة السجن . التفت أخو دلدار إليه قائلا . كيف .؟ أجابه الأخير . ــ ستعرف ... ستعرف من تلقاء نفسك . ساد الصمت ثانية ، فهو يثق بأخيه تماما يثق بعقله وبقدراته مثلما وثق به دائما ، إنه قدوته وهو الذي شجعه للانضمام إلى البيشمركة سرّا وإضافة إلى هذا كله أليس هو مسؤوله المباشر ، وكم عملية قاما بها ضد الجيش معا ، ولكن هذه المرة ويا لسخرية القدر كانا ذاهبين في مهمة أخرى غير مسلحين ووقعا في كمين عسكري . على الأقل هذا ما كان يظنه دلدار . كمين غادر وأسلوب قذر لانتزاع المعلومات منه لذا فكر بطريقة جريئة يخّلص بها أخيه من براثن الضابط دون أن يعطيه أية معلومات ثم الانتقام منه جراء سلوكه . شعر دلدار بقشعريرة تسري في جسده . لم يكن خائفا فقد تحمّل في حياته الكثير من الآلام والتعب والمشاق وواجه العديد من الأعداء . بشر ، وحيوانات ، ولكنه لم يفكر يوما بتعذيب أحد كان يحتج على التعذيب ، لأن الإنسان عند التعذيب يبدو في حالة مؤسفة وتجرح كرامته لما يلاقيه من سباب وشتائم ويرجو ويتوسل وهذا غير لائق ، وفكر في نفسه كرجل فمن الأفضل لو يعدم رميا بالرصاص على أن يبدو ضعيفا أمام شقيقه الأصغر . جاء دور دلدار وجيء به إلى الغرفة المخصصة للتحقيق والتعذيب وكان ينتظره الضابط على أحّر من الجمر وبيده سلك معدني ، ولكن دلدار بادر أولا ، وأومأ إلى النقيب انه يريد أن يقول له شيئا ، وطلب مترجما . ثم قال دلدار : ــ ياسيدي . أنا لا أخاف الموت لأنني لن أموت على يد إنسان . وسّري إنني اعرف تعويذة عندما أقرأها ثلاث مرات متتالية لا يخترق جسدي الرصاص . وسأل الضابط بلهفة : ــ وما هي هذه التعويذة .؟
فأجابه دلدار : ــ سأقايضك إياها بأخي . تترك أخي يذهب في حال سبيله وأعلمّك سرّها . صمت النقيب محمد لبرهة غير مصدقا ما يجري ثم همس في إذن دلدار قائلا : ــ لا أصدق ماتقوله ، فليس ثمة تعويذة مثل هذه في الدنيا . وأعقب دلدار على كلامه بكل ثقة وهو يقول : ــ أقول لك . وجدتها في كتاب قديم لأحد المنجّمين وقد جرّبتها بنفسي أكثر من مرّة فكان مفعولها ناجحا جدا . ــ وكيف لي أن أتأكد إن التعويذة سارية المفعول .؟ ــ الأمر سهل . سوف أجرّبها ثانية على نفسي وأطلق أنت النار علىّ إن شئت ، ولتكن عشر طلقات متتالية . ــ حسنا . ستنال ما طلبته ، والآن أتلو علي كلمات التعويذة لأدّونها أولا ثم سنخرج لتجربتها عليك وسيكون ذلك بمرأى من الضّباط والجنود ، وإياك خدّاعي فسيكلفك ذلك حياتك . أخذ دلدار يردّد الكلمات التالية على مسمع الضابط مبتسما : ــ ( قس مس سرقس مسا قرس ) في الجهة الخلفية من المعسكر الصغير . حلقات من ذوي الملابس الكاكية ينظرون بشغف إلى السجين وكيف سترتدّ الطلقات عن جسمه وتطّلع النقيب إلى وجوه ضبّاطه وجنوده وبيده بندقية آلية ينتظر إشارة دلدار ، وما أن رفع يده حتى ضغط النقيب بسّبابته اليمنى على الزناد واستقرت الرصاصات العشر في صدره دفعة واحدة وإذا به يسقط ، وساد صمت عميق عليهم جميعا ، وبدأوا يفهمون الأمر شيئا فشيئا . إن مسألة التعويذة لم تكن سوى خدعة ولا توجد في تلك الكلمات أية مقدرة سحرية أو سرّ من الأسرار وهي بالتالي مجموعة من الألفاظ الجوفاء التي لا معنى لها وهذا الرجل قد سخر من النقيب . استطاع أن يخلص أخوه ويجتاز التعذيب . أخذ الجنود يقهقهون عاليا والضباط الصغار يهزّون برؤوسهم بينما النقيب محمد بقيَ مطأطئ الرأس وهو على يقين بأنه أصبح آخر نكتة في الجيش كله .
#مراد_سليمان_علو (هاشتاغ)
Murad_Hakrash#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مواسم الهجرة
-
رجل من الشمال / قصة قصيرة
-
غدا ساحزن
-
نشيد الجوع / قصة قصيرة
-
يوميات مهاجر
-
قصة قصيرة
المزيد.....
-
افتتاح مهرجان -أوراسيا- السينمائي الدولي في كازاخستان
-
“مالهون تنقذ بالا ونهاية كونجا“.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة
...
-
دانيال كريغ يبهر الجمهور بفيلم -كوير-.. اختبار لحدود الحب وا
...
-
الأديب المغربي ياسين كني.. مغامرة الانتقال من الدراسات العلم
...
-
“عيش الاثارة والرعب في بيتك” نزل تردد قناة mbc 2 علي القمر ا
...
-
وفاة الفنان المصري خالد جمال الدين بشكل مفاجئ
-
ميليسا باريرا: عروض التمثيل توقفت 10 أشهر بعد دعمي لغزة
-
-بانيبال- الإسبانية تسلط الضوء على الأدب الفلسطيني وكوارث غز
...
-
كي لا يكون مصيرها سلة المهملات.. فنان يحوّل حبال الصيد إلى ل
...
-
هل يكتب الذكاء الاصطناعي نهاية صناعة النشر؟
المزيد.....
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
المزيد.....
|