|
رؤى ومعالجات إخراجية للأزمة الاقتصادية في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي 2010
صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)
الحوار المتمدن-العدد: 3179 - 2010 / 11 / 8 - 20:48
المحور:
الادب والفن
يلعب الاقتصاد دوراً حاسماً في العالم المعاصر كونه يشكل حجر الزاوية في صناعة البلدان المستقرة . وتعد الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم في الآونة الأخيرة واحدة من أكثر الأزمات التي أدت الى انهيار عدد كبير من المؤسسات العملاقة في مختلف الدول . وقد كان للمسرح وجهة نظر في هذه الأزمة من خلال عدد من العروض المسرحية الأوروبية التي قدمت في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي للمدة (10-20 أكتوبر 2010 ) فعلى الرغم من اختلاف التجارب المسرحية بحسب اختلاف الرؤى الإخراجية لكل منها وأسلوب معالجتها للأزمة الاقتصادية التي تعد واحدة من أهم الأحداث في العالم بعد حوادث مثل (11-سبتمبر) او (حرب العراق2003) او غيرها من الأحداث التي غيرت وجهة نظر الفن بشكل عام والمسرح على وجه الخصوص. وقد اعتمد كل عرض مسرحي على تقنيات خاصة تعبر عن تفكير المخرج بالأزمة الاقتصادية ومدى تأثر مجتمعه بعصفها الاقتصادي ، واللافت للانتباه حقاً أن كل عرض مسرحي من هذه العروض مهما تنوع في طرحه السينوغرافي أو استخدامه لمنظومة الاتصال اللفظي (الحوار) او التخلي عنه بحثا عن وسائل أتصال لا لفظية ، إلا أنها جميعا كانت تتفق على مبدأ أساسي ألا وهو ضرورة إيصال الأفكار من أجل خلق حالة من التواصل مع المتلقي العربي الموجود في المهرجان والتعويض عن اللغة بأفعال وحركات تعبر عن مضمون المسرحية . كما هو الحال مع العرض المسرحي اليوناني (من البداية) الذي أعتمد بشكل كبير على المزج بين اللغة اليونانية من جهة واللغة الانكليزية التي وضحها لنا الممثل عبر لافتات يحملها للمتلقي بين الحين والآخر في محاولة من المخرج لتقريب الأفكار التي يطرحها عن طريق الحوار.. فيما بقيت الفكرة التي اراد العرض معالجتها واضحة للمتلقي دون الحاجة الى الحوار وذلك من خلال الافعال التي طرحها الممثلون عبر أداء كل منهم والتي كان توزيعها عليهم بشكل دقيق حيث كان وقوفهم على خشبة المسرح بتشكيل بصري معين ولدى كل منهم فعله الخاص به في الوقت نفسه الذي كان ممثل أخر يقوم بفعل يختلف عن غيره من الممثلين، في استخدام بدا واضحاً لأسلوب حديث في صناعة العرض المسرحي ، وقد وجب على المتلقي المشاركة فيه من خلال تجميع الأفكار التي يطرحها الممثلون في بؤر عدة وصولاً الى الفكرة الشاملة للعرض الذي تعامل مع الأزمة الاقتصادية من خلال طرحه لفكرة الرتابة في أداء العمل اليومي والاشتغال على منظمة التكرار الوظيفي وأعادة الفعل اكثر من مرة ، وقد ذكرنا ذلك بمنظومة مسرح اللامعقول كما في مسرحيات (بيكت ويونسكو وغيرهما) حيث البناء الدائري للحدث ونقطة الانطلاق هي ذاتها نقطة الانتهاء .. ليتحول الأنسان في المجتمعات الأوروبية الى آلة تنفذ ما يطلب منها من دون أن يكون شريكاً في صناعة القرار الصحيح او حتى معالجة الأخطاء التي قد تقع. أن هذا العرض يطرح فكرة الروتين القاتل الذي يعيش فيه الإنسان ضمن المؤسسة الرأسمالية ويحملها المسؤولية التي تسببت بحصول الأزمة الاقتصادية العالمية والتي تسببت بتجريد الفرد الأوروبي من العاطفة والتفكير بما يدور من حوله. أما عرض مسرحية (لقاءات) القادم من رومانيا ، فقد أستطاع بلغة (البانتومايم) الإمساك بالمتلقي من اللحظة الأولى إذ أن الفعل الصامت في هذا العرض كان يبحث عن التواصل مع الجالسين في صالة المشاهدة ، وقد وظف المخرج عدداً من الأفكار التي يجسدها ممثلين أثنين ..مع عدد كبير من الشخصيات التي يقومان بأدائها على خشبة المسرح .. إلا أن الفكرة الأبرز في هذا العرض والتي سعى المخرج الى تأكيدها تكمن في إمكانية السمو بالحب في عالم تحول إلى آلات بشرية تنطلق بإيقاع متسارع الى العمل ولا تجد في النهاية سوى أزمات اقتصادية تنتظرها ، حتى بات تكوين علاقة عاطفية إنسانية بين رجل وامرأة واحداً من الأمور المستحيلة بسبب عدد من العقبات التي تمكن الممثلين من تجسيدها على المسرح بشكل يدعوا الى الدهشة ، ولم يهمل فريق هذا العرض التوجه نحو روح الفكاهة في محاولة لكسر الجمود الذي تصنعه متابعة الفكرة الرئيسية بما فيها من معوقات تحول دون لقاء الحبيبين . وفي رؤية جديدة لمسرحية (اوديب ملكا) جاء العرض الايطالي تحت عنوان (أوديب فوق القمة) ، وقد سبق أن قرأنا أوديب ملكا عبر سوفوكلس والتي تعد واحدة من روائع المسرح العالمي وقد تم اخراجها على خشبات المسارح مئات المرات . وقد جاء العرض الايطالي بقراءة جديدة لهذا النص الهام الذي حاول المخرج استثمار ما يدور في العالم من أحداث اقتصادية واعتبر مملكة طيبة التي يحكمها الملك (لايوس) عالما ً مصغراً للعالم الذي نعيش فيه ، ليظهر لنا تلك المملكة وهي تعاني من الفقر والبؤس حتى أنه يظهر ملكها يعيش بين كومة من الفضلات وأكياس النفايات والملابس القديمة ،كأنه ملك الشحاذين ، وفي ظل ذلك الفقر يرتفع عرش الملك (لايوس). أن فرضية الإخراج لهذا العرض انطلقت من ثلاثة محاور : المحور الأول : محاولة المخرج التخلي عن لغة سوفوكليس الكلاسيكية والبحث عن لغة تعبيرية بديلة متمثلة بأصوات وصرخات يستخدمها الممثلون بين الحين والآخر وقد تقترب تلك الصرخات كثيراً من تلك اللغة التي كان (انطوان ارتو) يدعو اليها في مسرح القسوة. المحور الثاني: ونكتشف من خلاله أن المخرج قد حول الشخصية الهامشية في نص سوفوكليس الأصلي (أوديب ملكاً) الى شخصية رئيسية، في إشارة الى رغبة المخرج بإلغاء المركزية الأوروبية والبحث عن عوالم أخرى يتم من خلالها إيجاد حلول للأزمة التي وقعت على المجتمع ، وقد بدا ذلك واضحاً في العرض عبر شخصية الخادم الذي يأمره الملك (لايوس) بالقضاء على الطفل (أوديب)، الذي يتحول في العرض الايطالي الى شخصية محورية تراقب الأحداث وتتفاعل معها وتساهم في تغيير مسار الشخصية الأساسية (أوديب ) . المحور الثالث : وقد استفاد فيه المخرج من نظريات علم النفس في معالجة شخصية (اوديب) الذي تشير الدراسات النفسية الى ان سبب تسميته بهذا الاسم يعود الى وجود ثقب في قدميه وقد نتج عن هذه الحادثة ظهور سلوك ينقسم الى قسمين احدهما يتعلق بالجانب الفسيولوجي للشخصية الذي لا يسمح له بالتحكم بأعضاء جسده بشكل طبيعي ، فنراه يسير بشكل منحرف ولا يستطيع التحرك بشكل اعتيادي، أما الناحية الثانية فتكمن في السلوك السيكولوجي لهذه الشخصية التي ولّدت لديه الشعور بالنقص والتصرف بنوع من العدائية تجاه الآخرين وقد قاد هذا السلوك (اوديب ) الى قتل والده الملك (لايوس) في الطريق بسبب مزاحمة بسيطة وإحساس اوديب بالاهانة . اما خاتمة هذا العرض فقد جاءت مغايرة تماماً للنص الأصلي فقد عمل المخرج على جعل الشخصيات جميعها تصاب بالعمى وليس اوديب فحسب في إشارة منه الى أن القدر يمكن أن يشتمل على الجميع فحكمة القدر اشمل من أن يحددها بشر . أن عرض مسرحية (اوديب فوق القمة ) هو قراءة عصرية لمأساة يونانية قديمة أراد فريق العرض ان يؤشر بأنها مأساة لا تزال على قيد الحياة ومن الممكن إعادة اكتشافها والحفر في أعماقها .
#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)
Samem_Hassaballa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جلسة مسرحية في الجحيم !
-
-نصوص خشنة- : تقرأ الماضي بعيون المستقبل
-
المعنى المفقود في الأسطورة*
-
ذاكرة المكان الخالي(*)
-
فلم (أبن بابل) العراقي : قراءة في وحشة الموت
-
حامد خضر .. صورة للروح الحية
-
سيمياء براغ المسرحية ... ونظرية العرض المسرحي(*)
-
رحلة الانثربولوجيا في مسرح ايوجينيو باربا(*)
-
المحنة العراقية في نص مسرحي من أميركا اللاتينية ..اين العذرا
...
-
الدراماتورج .. وتعدد المفاهيم !!(*)
-
رؤى كلكامش ....خدعة الحلم !!
-
بعد الطوفان 2003 .. حرية في الحركة.. هروب من المعنى !!
-
تحت فوق / فوق تحت .. المسرح واللامسرح ؟
-
الكتابة ودلالات المعنى واللامعنى؟
-
ساعات الصفر….التجريب – التخريب ؟
-
العراق مسرحاً للأحداث !
-
ذاكرة الابرياء ؟
-
ورشة كاليكولا.. محاولة للبحث عن المدهش !!
-
غرفة الإنعاش .. بين الموت والضحك !
-
مسرحية : -نساء في الحرب-
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|