|
في المعرفة الدياليكتيك الماركسي عند لينين الجزء 4
امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 3178 - 2010 / 11 / 7 - 21:26
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
في المعرفة الدياليكتيك الماركسي عند لينين ـ الجزء 4
لقد وجه إنجلس لمنظور كانط حول "الشيء في ذاته" نقدا صارخا و نعت الكانطية باللاعرفانية ، و صنف الفلاسفة إلى معسكرين اثنين أحدهما مادي و الثاني مثالي إلا أنه أكد على وجود فلاسفة متذبذبين ، و هم يتأرجحون بين هذا المعسكر و ذاك من منطلقات لاعرفانية في عجز تام عن تحديد الموقف الصريح من المادية و المثالية ، و لا يستطيعون تحديد العلاقة بين الفكر و الواقع الموضوعي. و يقول إنجلس عنهم في كتابه "لودفيغ فورباخ و نهاية الفلسفة الألمانية الكلاسيكية" : "لكن هناك ، إلى جانب ذلك"(أي إلى جانب الماديين و إلى جانب المثاليين المنسجمين) "عدد من الفلاسفة الآخرين ممن يشكون في إمكانية معرفة العالم أو ، على الأقل ، معرفته معرفة كاملة ، و في عداد هؤلاء ، نجد بين الفلاسفة الحديثين هيوم و كانط اللذين قاما بدور على جانب كبير من الأهمية في تطوير الفلسفة...". و أكد إنجلس أن اللاعرفانية الكانطية تتجلى في كونها لا تعترف بإمكانية معرفة الواقع الموضوعي رغم التسليم بوجود "الشيء في ذاته" ، لكن من منطلق المثالية الذاتية التي تقول بعجزنا عن معرفة المادة التي يعتبرها كانط غيبية ، بإنكاره لإمكانية معرفة الواقع الموضوعي بواسطة فكرنا ، و كل ما قام به كانط هو التسليم بوجود "الشيء في ذاته" دون التوصل إلى تحديد أثره المادي و علاقته بالفكر. و يقول إنجلس في نفس المرجع عن ذلك : "... ما هي العلاقة بين أفكارنا عن العالم المحيط بنا ، و هذا العالم نفسه ؟ و هل يستطيع فكرنا أن يعرف العالم الواقعي ؟ و هل نستطيع في تصوراتنا و مفاهيمنا عن العالم الواقعي أن نكون انعكاسا صادقا عن الواقع ؟". و حسب إنجلس فإن أكثرية الفلاسفة الكبار قد أجابوا عن هذه المسألة بالإيجاب ، لكن ليسوا جميعهم مؤكدين لإمكانية معرفة الواقع الموضوعي عن طريق فكرنا ، و ليس فقط الماديين منهم بل كذلك "المثاليين الأشد انسجاما" كما يقول لينين ، و على رأسهم هيكل الذي يؤمن ب"الفكرة المطلقة" التي "وجدت في مكان ما منذ الأزل". و جاء إرنس ماخ و أفيناريوس ليعيدا إحياء الفلسفة المثالية البركلية مرورا بلاعرفانية هيوم محاولين نقد اللاعرفانية الكانطية ، في جهل تام بمنطلقاتهما المثالية الذاتية التي جعلتهما يكرسان مبدأ اللاعرفانية الذي تتسم به فلسفة كانط. يقول إرنست ماخ في كتابه "تحليل الإحساسات ، ص:292 " في نقده لمثالية كانط : "بجزيل الشكر ، يجب أن أعترف أن مثاليته النقدية بالذات هي التي كانت نقطة الإنطلاق لكل تفكير النقاد . و لكني لم أستطع البقاء وفيا له . فبعد فترة وجيزة جدا عدت من جديد إلى نظرات بركلي ... توصلت إلى نظرات قريبة من نظرات هيوم ... و في الوقت الحاضر أيضا ، لا أزال أعتبر بركلي و هيوم مفكرين أكثر انسجاما من كانط". في هذا النص، تصريح يؤكد فيه ماخ أنه انطلق من كانط ليصل إلى بركلي و هيوم . و يقول أفيناريوس عن تطهير فلسفة كانط من اللاعرفانية في كتابه "مقدمات "لنقد التجربة الخالصة": "إن مسألة ما إذا كان يجب أن نستبعد من مضمون التجربة "مفاهيم العقل القبلية" بوصفها نافلة ، و تخلق بهذه الصورة و على الأغلب تجربة خالصة ، توضع هنا ، بقدر ما أعلم ، للمرة الأولى". حسب لينين فإن أفيناريوس قد سبق له أن اعتقد أنه قام ب"تطهير الكانطية" من الإعتراف ب"الضرورة و السببية" و التسليم ب"الجوهر أي بالشيء في ذاته" ، كما يعتقد في هذا النص أنه طهر "التجربة" التي قام كانط ب"تطهيرها بشكل غير كاف" حتى تصبح "تجربة خالصة" و لأول مرة. و هو بذلك يجهل أن شولتسه نصير لاعرفانية هيوم و فيخته نصير بركلي قاما قبله بنقد تسليم كانط ب"القبلية أي الشيء في ذاته". و يقول عنه لينين : و هكذا ، ضل أفيناريوس ضلالا شديدا حين توهم أنه يقوم "للمرة الأولى" "بتطهير التجربة" عند كانط من القبلية و من الشيء في ذاته . و حين توهم أنه يخلق بذلك اتجاها "جديدا" في الفلسفة. أما في الواقع ، فإنه واصل خطا قديما هو خط هيوم و بركلي و شولتسه ـ إينيزيدم و أي. غ. فيخته . لقد توهم أفيناريوس أنه "يطهر التجربة" على العموم ، أما في الواقع ، فإنه لم يفعل غير أنه طهر اللاعرفانية من الكانطية . فهو إذ ناضل ، لم يناضل ضد لاعرفانية كانط (اللاعرفانية هي إنكار للواقع الموضوعي ، المعطى لنا في الإحساس) ، بل ناضل في سبيل لاعرفانية أكثر طهارة". و يقول لينين أن كانط قد سلم ب"وجود الشيء في ذاته" لكن من منطلق الغيبية "حتى و إن كان مستحيلا على المعرفة و وهميا و غيبيا" كما يزعم كانط ، و هو يعترف بوجود "الضرورة و السببية" "حتى و إن كانت قبلية ، معطاة في التفكير ، و ليس في الواقع الموضوعي " كما يدعي. و أكد لينين أن أفيناريوس قد ناضل ضد كانط من منطلق الإتجاه اليميني و ليس من الإتجاه اليساري ، فهو مثله في ذلك مثل الريبيين و المثاليين عكس الماديين ، و لم يستطع الوصول إلى ضبط منظور كانط الفلسفي ، الذي يتسم بمحاولة التوافق بين المادية و المثالية. و قال لينين عن فلسفته اللاعرفانية : "أن السمة الأساسية التي تختص بها فلسفة كانط هي التوفيق بين المادية و المثالية ، و المساومة بين هذه و تلك ، الجمع في نظام واحد بين اتجاهات فلسفية مختلفة ، متضادة ، فعندما يسلم كانط بأن تصوراتنا يطابقها شيء ما خارج عنا ، شيء ما في ذاته ، فإن كانط هنا مادي ، و عندما يعلن كانط أن هذا الشيء في ذاته مستحيل على المعرفة ، متعال ، غيبي ، فإنه يبرز هنا كمثالي . و بما أن كانط يعترف بأن التجربة ، الإحساسات هي المصدر الوحيد لمعارفنا ، فإنه يوجه فلسفته في خط المذهب الحسي ، و عبر المذهب الحسي ، و بشروط معينة ، في خط المادية . و بما أن كانط يعترف بقبلية المكان و الزمان و السببية إلخ..، فإنه يوجه فلسفته صوب المثالية. إن التذبذب الحاصل لدى كانط وضعه في موقف حرج بين الإتجاهين المادي و المثالي معا ، فتعرض للنقد من طرف الفلاسفة الماديون و المثاليون على السواء ، نتيجة عدم قدرته على حسم اتجاهه الفلسفي حيث حاول الخلط بين فلسفتين متناقضتين متعارضتين ، عاشتا منذ بروز الفكر الفلسفي صراعا مرير حول سيادة تفكير أحد الإتجاهين و هما المادية و المثالية. إن الفكر اللاعرفاني قد استمد أصوله من فلسفة بركلي المعادية للمادية مرورا بفلسفة هيوم اللاعرفانية وصولا إلى الكانطية ، و حاول ماخ و أفيناريوس ترسيخ هذا الفكر عبر نشر "المذهب النقدي التجريبي" المعادي للماركسية ، و سار أتباعهما من أساتذة التعليم الرسمي في القرن 20 على خطى هذا المذهب ضد المادية ، و حوله التحريفيون الإنتهازيون في القرن 21 إلى مرشدهم ضد الماركسية اللينينية ، عبر محاولة التوفيق بين الفكر البورجوازي و الماركسية في نضالهم ضد الماركسية اللينينية.
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في المعرفة الدياليكتيك الماركسي عند لينين الجزء 3
-
في المعرفة الدياليكتيك الماركسي عند لينين الجزء 2
-
في المعرفة و الدياليكتيك الماركسي عند لينين الجزء 1
-
في الأسس المادية للإقتصاد الإشتراكي
-
بصدد نظرية -السيرورات الثلاث- : المنطلقات والانزلاقات الجزء
...
-
بصدد نظرية -السيرورات الثلاث- : المنطلقات والانزلاقات الجزء
...
-
بصدد نظرية -السيرورات الثلاث- : المنطلقات والانزلاقات الجزء
...
-
بصدد نظرية -السيرورات الثلاث- : المنطلقات والانزلاقات الجزء
...
-
التحريفية الإنتهازية بالنهج الديمقراطي و الهجوم على المناضلي
...
-
ملاحظات أولية حول ورقة -المرجعية التاريخية و الفكرية و السيا
...
-
ملاحظات أولية حول ورقة -المرجعية التاريخية و الفكرية و السيا
...
-
المرجعية التارخية و الفكرية للنهج الديمقراطي
-
الحد بين الخط الثوري و الخط التحريفي الإنتهازي بمنظمة -إلى ا
...
-
شروط الحياة المادية لنشأة منظمة إلى الأمام الجزء 4
-
شروط الحياة المادية لنشأة منظمة إلى الأمام الجزء 3
-
شروط الحياة المادية لنشأة منظمة إلى الأمام الجزء 2
-
شروط الحياة المادية لنشأة منظمة إلى الأمام الجزء 1
-
حزب النهج الديمقراطي و النظرية الماخية الجديدة
-
النهج الديمقراطي و نظرية الحزب الثوري 2
-
النهج الديمقراطي و نظرية الحزب الثوري
المزيد.....
-
العدد 590 من جريدة النهج الديمقراطي
-
اليمين المتطرف يحتفل برحيل أونروا من إسرائيل
-
الفصائل الفلسطينية تفرج عن دفعة جديدة من الأسرى بينهم أربيل
...
-
تسع خطوات عاجلة لـ 10 نقابات مهنية مصرية ضد تهجير ترامب للفل
...
-
انتهاء إضراب “النساجون الشرقيون”.. وهيكلة المرتبات خلال 15 ي
...
-
وقف إطلاق النار في غزة.. نصر فلسطيني جزئي بعد خسائر لا يمكن
...
-
خواطر واعتراض واحدة من “أطفال يناير” على ميراث الهزيمة
-
الانتخابات الألمانية القادمة والنضال ضد الفاشية
-
م.م.ن.ص// رقم إضافي لقائمة حرب الاستغلال البشع للطبقة العامل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي تدعو إلى التعبئة قصد التنزيل
...
المزيد.....
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
المزيد.....
|