أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - متعب عالي القرني - الحداثة في السعودية















المزيد.....


الحداثة في السعودية


متعب عالي القرني

الحوار المتمدن-العدد: 3178 - 2010 / 11 / 7 - 21:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


علينا في البداية أن نلفت الإنتباه إلى أن كلمة "حداثة" دخيلة أو محاولة ترجميّة للفظة في اللغة الإنجليزية هي modernity، والأمر الذي لا يدركه غالباً إلا المترجمون أن المصطلحات الأعجمية كثيراً ما تستعصي على الإندماج مع الثقافة العربية، لاسيما إذا لم يتوفر في الثقافة العربية ما يتوافق معها في الشكل والمضمون، ولاسيما إذا أفرزت الثقافة الغربية إشكالات وارتباطات عالقة بالمفهوم يزيده عمقاً وغموضا، كما قد يكون السبب وراء غموضها اشتراكها وانخراطها في ميادين ومجالات متفرقة ما يجعل المصطلح مطاطي وفضفاض ومن الصعب إحتوائه في حيّز صغير يمكن الناس معرفته. ومع ذا، فإن أولى المحاولات للتعامل مع هذا الرطانة الغامضة وهذا التمدد المصطلحي تتمثل في نحت مصلطح عربي جديد يناسب هذة اللفظة، وبهذا بزغت كلمة حداثة كنتاج ومخاض لمحاولاتهم.

الحداثة كمفهوم نشأ في أوربا في عصر النهضة وعصر التنوير في الوقت الذي كانت الصراعات مشتعلة بين التقليديين والمنفتحين منذ القرن السادس عشر، وقد تناولها جوقة من الإجتماعيين كعالم الإجتماع الفرنسي ألان توين والذي قال بأنها في هيئتها ثورة الإنسان المنفتح على تقاليده وعاداته، فهي تقوم على تبديد ظلام التقاليد وتفكيك العادات الثقافية العتيقة التي تشكل نسيج مجتمع معين، وهي انتصار للذات قبل انتصار للعقائد المَمْليّة على الناس!

فيجد المتأمل أن الحداثي يعتزل الإملاءات الخارجية المألوفة التي نبعت من العقيدة والسلطة، ويعود في استقصاء ما تمليه ذاته التي تدله على معرفة الخير والشر سيّما والحداثة لها صلة بأمور الإجتماع والتربية وذلك في رؤيتها للمجتمع كهيئة سلطوية لها القدرة على تقرير الحسن والقبيح الموصل إلى مجتمع حديث متمدن تعلوه سمات الإندماج والانسجام، دون الركون إلى الأيدلوجيات التي تحرّض على نبذ الآخر والتفلت من معايشته.

فالحداثة باختصار مأخوذة من الحديث، ونقيضه القديم، فيأخذ الحداثيون ما يستجد ويفوّقونه على القديم مهما كان شكله وصورته أو كملجأ ثانوي يضطلعون بروتشة وحسّنة القديم ليظهر بلبوس الجديد المواكب للعصر الحديث. وهذا اللبوس ذو رُقَع فلسفية ثلاثية كالعقلانية كما يقول لا بتننز "ان لكل شيء سبب معقول" وكالفكرية والذاتية كما يقول ديكارت "أنا أفكر اذن أنا موجود" وكالحرية كما يقول ديغل "إن مكون أهمية وعظمة عصرنا هو الإعتراف بالحرية"، فالحداثي عقلاني مفكر يدعو ويسعى وراء الحرية.

ومن مهام الحداثة كما أسلفنا تبني الجديد والطارف في كل حقل ومجال، مع الأخذ بالإعتبار نجاعة وفائدة الحديث ولو ببعض المقاييس. فهي تدعو لتحسين ظروف الأوضاع السياسية والإجتماعية والإقتصادية والعلمية والعملية وغيرها. فتجد مطالباتها بحرية التعبير والديمقراطية والجمهورية والشعبوية وغيرها من أفكار سياسية وتطالب المجتمعات بالإنفتاح وتقبل الآخر والتعايش معه والإحسان له تعاطياً ومعاملة، وتطالب الأنظمة الإقتصادية بالنظر في الفلسفات الجديدة والحديثة كالرأسمالية والاشتراكية وغيرها من أنظمة وتطالب التعليم أن يكون وفق مناهج تقنية واقراص ممغنطة ومحاضرات عن بعد ومدارس جديدة أدبية ونقدية تخالف المدارس التقليدية القديمة وأن يتقبل الناس بكافة طبقاتهم أشكال الأعمال كالبنشري والزّبال وغيرها من أعمال ينتقصها ذو الطبقات المتوسطة فضلاً عن العليا.

هذة المطالبات في هيئتها قد تتعارض مع مطالبات الإسلام وإرشاداته، وبإعتبار الإسلام ممثل ديني ثيولوجي فإن الموقف الديني من الحداثة ينسحب على كافة الأديان السماوية الأخرى كاليهودية والمسيحية وإن اختلفت تلك الأديان في العقائد والأصول، لأن منهج الأديان منهج لاحداثي يتجسد في التمسك بالقديم وتقديس النص وتقديم النقل على العقل إذا تصادما! ومع ذلك إلا أنني أرى أن الإسلام والحداثة قد يتعايشان ويتزاوجان في ميادين المستحبات والمباحات وقد يكون في كافة الميادين متى ما سمح المجتمع المسلم بالإنفصام عن القديم والدخول في الجديد حتى وإن بدا الجديد لا يتوافق مع بعض ثوابت الدين وهذا أمراً مستحيلاً في المجتمعات الثيوقراطية كدول الخليج وغالبية دول العالم العربي. أما إذا كان الجديد يتعارض مع معطيات الدين الإسلامي، كجديد السينما وقيادة المرأة للسيارة فإن المتشددون والمعظّمون للسلف وحالهم سيستحيلون إلى أعداء ومناهضين لفكرة الحداثة فحسب، وسيجد العوام رغبة في التضامن والتكاتف مع رموزهم وشاراتهم. وقد وقف كثير من الإسلاميين والنقاد في وجه الحداثة ورموزها كسعيد الغامدي وعوض القرني ومحمد مليباري وسعوا جاهدين للإطاحة بها نظرياً وتطبيقا.

وفي تقديري فإن الأديان ليست السلطان الوحيد الذي يعادي الحداثة بل قد تساهم القبلية في الحد من زحف الحداثة من مناظير متعددة، فمطالبة الحداثة بمعاصرة الحديث وتبنية يتضارب مع مطالبة القبيلة بالتمسك بالعادات والتقاليد، فعلى سبيل التمثيل والتوضيح والتبسيط فقد لا يقبل البدوي أو القبلي بإنسان مرتدٍ لزي حديث كالكرافتة والجينز وغيرها! وقد يستهجن ما يقدمه الحداثي للقبلي كعصير برتقال أو مقبّلات خضار قبل أو مع وجبة دجاج مشوي في الإحتفالات والمآتم على حدٍ سواء، فالبدوي يرى ارتباطات العقال والشماغ (في السعودية مثلاً) بعراقة وأصالة العروبة في الماضي كما يرى أن تلك الصنوف من الأطعمة الصحيّة المقدمة للضيوف لا يمكن أن تحل عوضاً عن العصيرات الغازية ومقبلات السمن والعصيد والمفطحات والمندي. أما على المستوى السياسي، فقد يختلف الحداثي مع السياسي في مساحات قافرة، متى ما طالب الحداثي بحرية التعبير والديمقراطية في بيئة لا تسمح للحرية والديمقراطية كما في بعض الدول العربية، وبهذا تتصارع الحداثة مع الأديان والقبليات والسياسيات العربية، الأمر الذي يعزلها عن مرحلة توهجها في المجتمعات المتبنية لتلك الفلسفات.

ومع أن المملكة العربية السعودية مناراً ومعلماً للدين الإسلامي إلا أن الحداثة كغيرها من أفكار فلسفية في طريقها للدخول في المجتمع السعودي والتوالد بداخله، حتى وإن بدا أن المجتمع السعودي يتحلى بالمحافظة بمكانة الحرمين الشريفين، أو كبلد يتألف من نسيج قبلي عصبي لم يدع التناحر إلا قبل أربعة إلى خمسة عقود دابرة. فمن أبرز الرموز الحداثيين السعوديين في عصرنا الحالي الدكتور عبدالله الغذامي والذي له عطاءات فكرية متمثلة في كتب عديدة منهجية تناولت موضوع الحداثة، وقد سبقه إلى ذلك كما يشير في كتابه "حكاية الحداثة في المملكة العربية السعودية" حمزة شحاتة ومحمد حسن عواد وغيرهم من المثقفين من وقفوا صامدين في وجه المعارضات الإسلامية. ومن أراد أن يستزيد في تاريخ الحداثة وتحولاتها ومساراتها في الوسط السعودي فليطالع ذلك الكتاب مع الأخذ بالإعتبار انه كتاب غير منهجي وأكاديمي، فهو في المقابل سرد قصصي لأحداث مر بها الغذامي أثناء تأمله لمسيرة الحداثة قد تكون مجدية من الناحية المعرفية الإضافية. أما مسألة تطور الحداثة وتحسن بيئتها ومناخها في السعودية فقد يتجلى على ثلاثة أصعدة: (1) تقني و(2) معرفي و(3) فكري، فعلى الصعيد التقني نجد تقبل الناس للمنتجات العصرية الحديثة كالجوالات والستاليتات والميديا بكافة صنوفها، علماً أن ذات المنتجات كانت مرفوضة ومرذولة عند الصغير والكبير في فترة زمنية سالفة. وعلى الصعيد المعرفي، نرى إقبال الطلاب –رجالاً ونساءً- على التعليم بعد أن كان المجتمع يرفض فكرة تعليم المرأة، كما نلحظ الإنفجار المعرفي والسعي وراء تعلم اللغات وطلب العلم المتمثل في حركة البعثات الخارجية بحيث يعود الطالب السعودي بعد ان تكتسي عيناه بمظاهر الحداثة والتطور في الدول الغربية ويسعى جاهداً لتحقيق تلك التحسينات في بلده ومجتمعه. أما على الصعيد الفكري فنرى اضطرابات الإسلاميين فيما بينهم حيال خلافاتهم الفقهية (كفتوى حل السحر بالسحر، وفتوى رضاع الكبير، والإختلاط وسماع الأغاني) إلى جانب موجة النقد الصحفية الصريحة التي تنثال على بعض المشائخ والعلماء دون أدنى مسائلة، ما يجعل المواطن السعودي الآلف لهذة الانتقادات أكثر قرباً واتصالاً بالفكر الحداثي.



#متعب_عالي_القرني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية في الوطن العربي
- فقه المعارضة السياسية
- ملابسات المشاهد السياسية والإقتصادية
- لسان المأمون المقطوع!


المزيد.....




- إسرائيل تُشدد الخناق على صلاة الجمعة في الأقصى خلال رمضان
- الاحتلال يهدم 17 مبنى في نور شمس ويرسل تعزيزات عسكرية إلى جن ...
- الأمن السوري يفرض حظر تجوال في حمص وطرطوس
- واشنطن: الخطة العربية لغزة لا تلبي التوقعات
- توصيات وليست قرارات.. أول توجيه من ترامب بشأن صلاحيات ماسك
- زيلينسكي: سأزور السعودية الاثنين المقبل للقاء ولي العهد
- ترامب يلقي مجددا بظلال الشك على انخراط أميركا في الناتو
- حماس: أي تصعيد عسكري إسرائيلي قد يؤدي إلى مقتل رهائن
- مقتل 28 مسلحا مواليا للأسد في اشتباكات دامية باللاذقية
- الرئيس الأميركي يعلن زيارة السعودية -قريبا-


المزيد.....

- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - متعب عالي القرني - الحداثة في السعودية