|
المسرح الاستعراضى عند القبانى - بقلم : د / محمدعبدالمنعم - قسم المسرح بكلية الاداب - جامعة الاسكندرية
محمدعبدالمنعم
الحوار المتمدن-العدد: 3177 - 2010 / 11 / 6 - 22:35
المحور:
الادب والفن
عُرِفَ عن أحمد أبو خليل القبانى أنه دائم الإطلاع على الأدب، يجيد رواية الشعر العربى وتذوقه، وله معرفة بالألعاب الشعبية التقليدية، وكان ملماً بأحداث التاريخ العربى والإسلامى والتراث الشعبى كقصص ألف ليلة وليلة، كذلك كان يتمتع بخيال خصب يمكنه دوماً من صياغة معادلات من النثر والشعر والرقص والموسيقى والغناء والإيماء المعبر، خاصة وقد عرف أصول التخت والغناء العربى وقواعد الموسيقى العربية وكذلك الرقص واكتسب مهارة فى كل ذلك .
الأمر الذى ساهم فى تكوين شخصيته الفنية وتنوع مواهبه الإبداعية، مما أثر على نشأة المسرح الغنائى العربى فى سوريا وانتقاله إلى مصر بعد ذلك، خاصة وقد اكتملت لديه معرفته بالمسرح من خلال مُشاهدة الفرق الفرنسية التى كانت تفد إلى دمشق.
جهوده المسرحية وآثارها فى نشأة مسرحنا الغنائى العربى المصرى
شغف أحمد أبو خليل القبانى بالفن المسرحى خاصة الغنائى منه فقام بتكوين فرقته المسرحية فى سوريا عام 1865 وقد قَدَّمَ أول مسرحياته الغنائية (ناكر الجميل) ونجحت نجاحاً مدوياً لمع معه اسمه وذاع صيته، فتبعها بعدد من المسرحيات العربية الأخرى المقتبسة من التاريخ العربى والإسلامى، واستمر نشاطه المسرحى حتى أغلق والى سوريا مسرحه وأوقف نشاطه الفنى، فابتعد عن المسرح لفترة من الزمن ثم انتقل بفرقته إلى مصر عام 1884 ليساهم فى وضع أسس مسرحنا الغنائى المصرى.
قدم أولى مسرحياته الغنائية بالإسكندرية بعنوان (أُنس الجليس)، فنجحت هى الأخرى نجاحاً كبيراً شجعه على الانتقال إلى القاهرة ثم التَجَوّل بين محافظات مصر،( ) مُقَدماً روائعه الفنية فى مجال المسرحية الغنائية، نذكر منها (هارون الرشيد مع الأمير غانم – السلطان حسين – الشاة محمود – جميل وجميلة – ملتقى المحبين) وغيرها من الأعمال المسرحية التى نعتبرها إرثاً فنياً عظيماً تركه أحمد أبو خليل القبانى للمسرح الغنائى العربى والمصرى.
ملامح دوره الإخراجى
المتأمل فى العناصر الفنية لأعماله المسرحية فى مجال المسرح الغنائى، يدرك على الفور مدى اكتمال عناصر المسرح الغنائى كاملة لديه، مضافاً إليها منابع ثرية من التراث العربى والقصص الإسلامى لمادته الدرامية، مهتماً بشكل ملحوظ بعناصر الرؤية التشكيلية ودورها فى طرح رؤيته الإخراجية للعمل المسرحى.
وهذا ما يوضحه الباحث من خلال الوقوف عند عناصر الإخراج لديه، خاصة إذا علمنا أنه مؤلف مسرحياته، وملحن أناشيدها، وبطل أدائها على المسرح، وهو مخرجها القائم على تقديمها للجماهير.
أولاً: النص الأدبى
بحكم إلمامه بأحداث التاريخ العربى والإسلامى، ولخياله الخصب، وإجادته للأدب والشعر العربى، لم يعتمد أحمد أبو خليل القبانى فى كتابة نصوصه المسرحية على الاقتباس والترجمة عن المسرح الأوروبى – الذى شهده – مثل مارون النقاش، وإنما كان يقوم بتأليف نصوصه وصياغتها فى جو عربى أصيل فيصبغها بصبغة عربية خالصة، لذلك كان يستلهم موضوعاته من التراث العربى والقصص الإسلامى، والبطولات والملاحم العربية، والحكايات الشعبية الشهيرة مثل حكايات ألف ليلة وليلة وغيره.
والجدير بالذكر هنا أنه كان لا يغير فى الأصل العربى لمادته الدرامية إلا فى حدود المتطلبات المسرحية مضيفاً إليها الأغانى العربية، خالقاً بذلك دراما غنائية استعراضية مستلهمة من التراث العربى والشرقى الأصيل، ومكتوبة باللغة العربية الفصحى الصحيحة.
وعن ارتباط نصوصه المسرحية بالألحان الغنائية نذكر أن ارتكازه على الناحية الموسيقية فى إخراج عروضه، فرض عليه طبيعة الموضوعات المثارة، فكان يحشد مسرحياته بموضوعات عاطفية موظفاً قصص الحب والغرام ليلتقى مع المشاهد عاطفياً وليبرر كثرة الألحان والأغانى داخل العمل المسرحى، فقصة المسرحية عنده تنشئ المواقف التى يتغنى فيها الشخوص أو تخلق المناسبة التى يُقَدْم فيها الرقص.
ثانياً: الألحان الغنائية
نظراً لمعرفته الواسعة بضروب الموسيقى العربية، كانت عناصر الموسيقى والغناء تشكل ركناً رئيسياً فى إخراج عروضه المسرحية، إذ لاحظنا أن اهتمامه الأكبر فى العملية التمثيلية كان موجهاً إلى إتقان الألحان الغنائية، خاصة وهو أستاذ التلحين المسرحى فى ذاك العصر.
فمنذ أن أسس المسرح الغنائى العربى فى سوريا وهو يشحذ مسرحياته بالغناء الفردى والجماعى وغناء الموشحات الذى يتسم بالإيقاعات الموسيقية المُرَكَّبة، وما إن نقل فنه المسرحى هذا إلى مصرحتى أخذ يُعمق هذا اللون الغنائى من ألوان الأداء المسرحى، لذلك اقترب بأعماله المسرحية من شكل الأوبريت المسرحى، خاصة وتوافقت النغمات مع طبيعة الكلمات والمواقف الدرامية، فضلاً عن اعتماده على الكورس الغنائى فى إنشاد الألحان الجماعية فى انسجام هارمونى.
ثالثاً: الاستعراضـــــات
إن معرفته بفنون الغناء والرقص وامتلاكه خيالاً خصباً، له علاقة وثيقة باكتمال عناصر المسرح الغنائى لديه، إذ ساعده ذلك على أن يكون أسبق من أضاف الرقص إلى عناصر التمثيل العربى "فإلى جانب رقص السماح قد ابتكر القبانى رقصات أخرى مثل (رقص إيقاع المحجر – رقص إيقاع المخمس – رقص إيقاع المدوَّر)".
وهى جميعها من نوع الرقص الإيقاعى الذى يؤديه الراقصون فى جماعة على الإيقاعات المتنوعة، وقد يرقصها جماعات من الرجال أو النساء أو منهما معاً، وكانت هذه الرقصات تتخلل المشاهد الدرامية وتصاحب الأغانى المسرحية، وكانت عنصراً من عناصر الجذب والامتاع فى أعمال المسرح الغنائى المصرى والعربى.
رابعاً: عناصر العرض الأخرى
رغم اهتمامه بالموسيقى والغناء والرقص اهتماماً كبيراً، - عند إخراج عروضه المسرحية – فإنه لم يغفل كذلك عناصر العرض الأخرى كالديكور والإضاءة وغيرها، بل كان يتولاها بنفسه بجانب إدارته للمسرح ويوليها عنايته، وهذا ما يوضحه الباحث فيما يلـى:
يذكر الباحث هنا أنه كان ملماً بأنواع الديكـور الذى يتوافق وجو التمثيل المسرحى، وكان الديكور بسيطاً ومقنعاً، مجرد عدة ستائر من القماش الملون، لكل منها لون مختلف عن الأخرى، وكان يتفنن فى عرضها وفقاً لكل منظر مسرحى "فكان يستخدم الستائر الخضراء ليرمز إلى الثراء وجو القصور، والستائر الحمراء يوظفها للحدث الذى يمثل عرساً أو فرحاً، أما إذا كان المنظر المسرحى يمثل بحراً أو سماءًا فيستخدم الستائر الزرقاء، بينما يوظف الستائر ذات اللون الأسود فى مناظر السجن والتعذيب . الأمر الذى يدل على اهتمامه بكل شئ فى العرض المسرحى حتى عناصر الديكور والإطار التشكيلى.
برع كذلك فى توكيد تلك اللحظات الدرامية التى يهيئها الديكور المسرحى بواسطة الإضـاءة المنعكسة التى تتمشى معها وتوحى بها، أى إنه يوظف الإضاءة المسرحية داخل المشهد المسرحى بما يتوائم مع هذه الرموز والإيحاءات .
إما بالنسبة للأداء التمثيلـى فكان لإجادته العربية الفصحى ولتمكنه من قواعد النحو والصرف أثر كبير فى توجيه أداء الممثل، فكان أحمد أبو خليل القبانى نموذجاً للمخرج المهتم باللغة العربية الفصحى فى عروضه المسرحية كأن يدرب الممثل على أداء المشهد المسرحى بلغة عربية مضبوطة، سليمة النحو، واضحة الحروف، صحيحة النبرات، وكان لا يتهاون فى هذا الأمر بل كان يأخذ ممثليه بقوة وإحكام فى ذلك، فبدا الممثلون فى أدائهم التمثيلى أشبه بالخطباء فى مواقفهم المسرحية.
وكما كان هو أول من استخدم الرقص كأحد وسائل التعبير المختلفة داخل العرض المسرحى، فقد استعان كذلك بالتمثيل الصامت، فاعتاد أن يؤدى بنجاح بعض المشاهد الصامتة فى بداية المسرحية أو ختامها، فكان بذلك أول من قدم التمثيل الصامت أمام الجمهور المصرى والعربى.
وكان يستعيض أحياناً عن هذه المشاهد الصامتة، بمشاهد تمثيلية ضاحكة وقصيرة من أجل الترفيه عن المشاهد والتمهيد لبداية العرض المسرحى أو اختتامه . ويسجل الباحث إنه بذلك قد اكتملت لديه عناصر المسرحية الغنائية التى تجمع بين (التمثيل المنطوق - التمثيل الصامت – الموسيقى – الأغانى - الرقصات).
•• ومما سبق يسجل الباحث أن أحمد أبو خليل القبانى لم يقصر فنه المسرحى على التمثيل الخالص، بل جمع بين المشاهد التمثيلية والمشاهد الغنائية والمشاهد الاستعراضية الراقصة، فتحققت لفنه ملامح المسرح الغنائى بشكله شبه المتكامل، واستهوته الجماهير، فكان صاحب الفصل فى تثبيت أقدام هذا الفن المسرحى فى مصر.
مع تحياتى
بقلم : د / محمدعبدالمنعم قسم المسرح بكلية الاداب - جامعة الاسكندرية
#محمدعبدالمنعم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرح نجيب الريحانى ومسرح على الكسا ر
-
تأسيس مسرحنا المصرى على يد يعقوب صنوع
-
مسرح خيال الظل ..
-
الاخراج فى المسرح الملحمى
-
مسرح القهوة فى مصر
-
مسرح المنوعات ( الميوزيك هول )
-
فى المسرح الغنائى ارتباط الدراما بالموسيقى والغناء والرقص..
...
-
من المسرح الموسيقى (الكوميدبا الموسيقية ).. بقلم : د/ محمدعب
...
-
من المسرح الموسيقى( الاوبرا العالمية )
-
الالقاء هل هوعلم ام فن؟
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|