|
جدال في الظاهرة الملائكية قراءة في كتاب-نازك الملائكة بين الكتابية وتأنيث القصيدة
عالية خليل إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3177 - 2010 / 11 / 6 - 18:39
المحور:
الادب والفن
ليست الكتابة عن منجزها تكرارا ، فهي المرأة الوحيدة التي دقت ازميلهابقوة في جسد الثقافة العراقية معلنة انتهاء عهد الابوية الذكورية بوجودها الفكري الممهد لعصر جديد تكون المرأة فيه فاعلة لامنفعلة قائدة لا تابعة كاتبة لا منكتبة ،فشكلت بمنجزها الابداعي ظاهرة مميزة وعلامة فارقة تدعى ظاهرة نازك الملائكة 0 من حقيقة ان الملائكة بريادتها للشعر الحر قد ساهمت بتشكيل وعي مغايرلجيل جديد في الثقافة العراقية والعربية وانها لابد ان تدرس بوصفها علامة ادبية وفكرية في تاريخ العراق الحديث قدم الدكتور عبد العظيم السلطاني كتابه الموسوم "نازك الملائكة بين الكتابية وتأنيث القصيدة"الصادر عن دار الشؤون الثقافية حديثا"لابد من وضع هذا المنجز في نسقه الثقافي المعاصر ليتم تفحص دلالة الرسالة الثقافية المبطنة التي يحملها المنجز بكليته في دروبه الثلاثة "الهيئة والسيرة ،الشعري،التنظيري"0 يحاول الباحث اخضاع الظاهرة الملائكية لمجهر دقيق يمكنه ان يعاين التفاصيل والاجزاء ويكشف العلل والاسباب التي منحت الظاهرة فرادتها من جانب ومعرفة دواعي تراجعها وتقهقرها من جانب اخر0 قد يكون الحقل المنهجي الذي ينتسب اليه البحث هو النقد الثقافي في محاولته لاجراء ممايزة بين النسق الشفاهي والنسق الكتابي والنسق الانثوي والذكوري في الثقافة ،غير ان الدكتور السلطاني لايقنع بوضع منجزه تحت بند النقد الثقافي ويجعل من مقدمة الكتاب اطلالا بانوراميا على المناهج الحداثية فتارة يرجع بحثه الى النقد البنيوي وتأثيثه للبنية القارة التي تتوارى خلف العلامات الجزئية وتارة ينسب بحثه لحقل السيمياء والعلامة كما تصورها بيرس والمعروف منهجيا عن النقد الثقافي بأنه طريقة في معاينة النصوص تستثمرمناهج منتقاة من اتجاهات متعددة نصية "النقد الحديث وما بعد البنيوية وسياقية"اجتماعية نفسية تاريخية وانثروبولوجية"كما ان مفهوم النسق الثقافي يتسع لحقيقة البنية الكامنة في العقل الانساني "وذلك في جمعه بين وظيفة التفسير والاستيعاب للتجربة الانسانية من جهة وبين وظيفة التحكم في سلو ك الافراد من جهة اخرى"0 فالبحث يقع في اطارمحددهو النقد الثقافي ولم يتمثل الاسس المنهجية للنقد البنيوي اوالسيمياء من بعيد او قريب اما تعداد المناهج الاخرى فجاء تلبية لواقع نقدي راهن ممتثل للطروحات النقدية الوافدة حد الرعب وانعدام الثقة بالذات القادرة على اختراق رؤى الاخر وتجاوزها لتلمس حقيقة الوقوف على ارضية نقدية راسخة 0 اذا جاز لنا ان نطلق على نازك الملائكة "وحيدة عصر" الثقافة النسوية العراقية التي لم تنجب انثى اخرى مهدت لثورة ثقافية كبرى وصفها عبد الله الغذامي بانها"مشروع انثوي من اجل تأنيث القصيدة" فلا بد ان نحملها تبعا لذلك ما نريده من المرأة الثائرة المتمردة الغير خاضعة لسياق الاعراف والتقاليد والعادات العتيقة ،وهذا ما تطرق له الباحث اثناء دراسته لهيئة وسيرة نازك الشخصية بوصفهما علامة مهدت لمنجزها الابداعي مشيرا الى ان دخولها الجامعة عام 1940 ضمن تسع طالبات في المرحلة الجامعية انذاك وسفورها في اروقة الجامعة بين الطلاب ومجاهرتها بكتابة الشعر وعزف الموسيقى وسفرها بمفردها في رحلة كشفية الى الولايات المتحدة جاء ضمن "منظومة معرفية داخلية تتكشف بأكثر من تجل يمكن ان تفحص عناصرها لتبين مدى تلائمها او تعارضها مع عناصر تجليات افكارها في المقدمة التنظيرية او تجليات عناصرها في متنها الشعري" حيث ان هيئة نازك بحسب قول الباحث"كانت تحمل دعوى اعادة الاعتبار العملي للانثى بوصفها جنسا مهمشا في مجمل واقع النسق الثقافي الذي كان سائدا انذاك" هكذا اراد الكاتب ان تكون عليه الملائكة داعية عصرها لحقوق المرأة ضد الظلم والاستلاب والحقيقة ان هذا ما نريده نحن في عصرنا الحاضر المختنق بالعنف والقمع والتطرف انها نازك التي نستوحيها من تاريخنا لتغير واقعنا(النسوي) المحاصر بالاصولية والكبت والتهميش،نغدق عليها سمات عصرنا المشبع بالايديولوجيا العدائية بين الرجل والمرأة ،غير ان الثابت ان عصر نازك كان اكثر نضارة وصفاء" بل وتقدما من حاضرنا الراهن وكانت الطبقة المتوسطة المثقفة في ذلك الوقت في اوج استعدادها لتقبل المرأة عنصرا فاعلا ومؤثرا في المجتمع ونازك بحكم نشئتها في عائلة مثقفة وميسورة لم تعاني مشاعر الاقصاء والكبت والتهميش بل وفرت لها عائلتها وطبيعة عصرها الناهض جميع ممكنات الثقة بالنفس والتميز والابداع 0 ان نازك في الاربيعينيات لم تمارس لعبة الخروج عن النسق بذاتها بل استثمرت بفطنة وذكاء متوقد لعبة الخروج عن النسق التي كانت سمة من سمات عصرها الذي كان يقف بين منعطف التقدم والرجعية فانتهزت الفرصة التاريخية السانحة ودفعت بطاقة الخلق الانثوية الى مداها وهنا من الممكن ان نعكس سؤالا عن حاضرنا الراهن والعراق يقف بين منعطف الديكتاتورية والديمقراطية هل نمتلك نازكا اخرى تستثمر الفرصة التاريخية وتقود النسوة نحو تحقيق انجاز ابداع ادبي او فكري اوسياسي ؟0 بعد دراسة الباحث لهيئة وسيرة نازك يلتفت الى منجزها الشعري في الفصل الثاني من الباب الاول متخذا من ديوان "شظايا ورماد" بوصفه الديوان الذي حمل ثمرة التغيير من العمودي الى التفعيلة0 الفصل ركز على دراسة مشروع نازك عروضيا في الاستغناء عن عدد التفاعيل الذي اقره الفراهيدي وترك الباب مفتوحا لاختيار عدد التفاعيل والصيغ الممكنة لاكساب التفعيلة مرونة وانسيابية0 في الباب الثاني من الكتاب يحاول الباحث تفسير حالة التذبذب في منتج نازك بين التفعيلة والعمودي معللا ذلك بقوله"فالنسق الشفوي لم يمت تماما في ذاتها حين ولد النسق الكتابي ونما وفرض حضوره"0 فالباحث يرجح نشأة شعر التفعيلة استجابة لتمدد عروق الثقافة الكتابية على حساب قيم الثقافة الشفوية ،وهذا التعليل حفظ شيئا من الحقيقة وغابت في ثناياه اشياء،ان دخول العراق عصر الدولة الحديثة وتبلور افكا ر الحداثة السياسية والفكرية والثقافية قد فرض اشترطاته في مغادرة ثقافة الفرد والقبيلة والغنائم والذي كان الشعر العمودي الكلاسيكي احد اعمدتها المهمة فكان لابد من الانقلاب على الاخير لافساح المجال للدخول في عصر جديد ،غير ان ما حدث كان انقلابا ولم يكن تغييرا جذريا نابعا من قوة الارادة والايمان بمنهجيات الحداثة،لان الثقافة الشفاهية ظلت حاضرة وبقوة في شعر التفعيلة وعند رواد المشروع وليس من مريديه فاذا ما انجلت غبرة صراعات التحديث في الخمسينيات والستينيات في الادب والسياسة والفكر واذا بالثقافة العراقية والعربية تعود ادراجها متحصنة بحصن الشفاهية الحصين وليس ادل على صحة ما نقول هو تخلي نازك عن قصيدة التفعيلة التي بشرت بها لتعلن عن فشل مشروع التحديث الذي لم يرسخ على ارض الواقع والذي صار نهبا لادعياء الثقافة والفكر فكان تراجعها بمثابة اعتراف جيل الرواد بفشل انقلاب الحداثة بشكل عام والحداثة الشعرية على وجه الخصوص0
#عالية_خليل_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-آثارها الجانبية الرقص-.. شركة تستخدم الموسيقى لعلاج الخرف
-
سوريا.. نقابة الفنانين تعيد 100 نجم فصلوا إبان حكم الأسد (صو
...
-
من برونر النازي معلم حافظ الأسد فنون القمع والتعذيب؟
-
حماس تدعو لترجمة القرارات الأممية إلى خطوات تنهي الاحتلال وت
...
-
محكمة برازيلية تتهم المغنية البريطانية أديل بسرقة أغنية
-
نور الدين هواري: مستقبل واعد للذكاء الاصطناعي باللغة العربية
...
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|