أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - الأحدبُ في مصعد العمارة














المزيد.....

الأحدبُ في مصعد العمارة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3177 - 2010 / 11 / 6 - 16:18
المحور: حقوق الانسان
    


أثناء دراستنا العمارة بهندسة عين شمس، كنا نستعير المَراجعَ من مكتبة المركز الثقافي البريطاني بالقنصلية المطلّة على نيل العجوزة. أمتع لحظات أعمارنا النحيلة، قضيناها هناك، نقرأ ونكتب أبحاثنا، ونحن لا نعرف من أين نبدأ، ولا أين ننتهي، وحولنا كل تلك الكنوز الفكرية من فلسفة وعلوم وعمارة وفنون وآداب، ما يجعل المرءَ يتحسّر أنْ لن يعيش ألف عامٍ، لكي يُنهيها! وقبل عام، أطفأت المكتبةُ شمعتَها الأخيرة، وأغلقت أبوابها، بعد خمسة وسبعين عامًا من الإشراق. لماذا؟ لأن أحدًا، تقريبًا، لم يعد يرتاد المكتبة! نذكرُ دمعةً خاتلت عيني "كاثي كوستين"، آخر أمناء المكتبة، وهي تودّع حبيبتها المكتبة، بصوت يتهدج قائلةً: Farewell Sweet Heart!. يومها قال "بول سميث" مدير، إن أبواب المكتبة توصَدُ بسبب ضعف ارتباط المصريين بالقراءة! فأنْ يرتاد المكتبةَ 2000 مواطن سنويًّا، من أصل مجتمع قُوامه ثمانون مليون إنسان، فذاك مؤشر خطير!
علّق الأستاذ محمود أبو الوفا، على مقالي السابق، بأنْ اقترح إنشاءَ مكتبة صغيرة في مدخل كل عمارة، يقوم عليها أحد السُّكّان لتنظيم الإعارة، علّها تكون خطوة في اجتذاب الشباب للكتاب. وذكرني هذا المقترح "بالجرثومة" الأولى التي زجّت بي إلى ذلك العالم الساحر. فأنا أؤمن أن ثمة جرثومةً، إن ضربتك يومًا، لوقعتَ من فورك في شَرَك الكتاب، فلا تبرحه، ولا يبرحك. جيراننا بالدور السابع كانوا "يعزّلون" إلى مكان آخر. الشيّالون يحملون صناديق الأغراض إلى الشاحنة أسفل العمارة. وكنت عائدة من المدرسة، وما أن دخلتُ المصعد، حتى لمحتُ كتابًا يسقط من أحد الصناديق. فكّرَ الشِّقُّ "الطيبُ" داخلي في أن أنبه الرجلَ لما سقط منه، لكن "اللصَّ الشريرَ" داخلي انتصر، فالتقطتُ الكتاب وأخفيته في حقيبتي، وصعدتُ إلى شقتنا بالثالث. وقتها كنت أقرأ، المكتبة الخضراء وألغاز المغامرين الخمسة، وأرسين لوبين، وأجاثا كريستي وهيتشكوك. لكن الكتابَ "المسروق" كان جديدًا على ثقافتي. عنوانه "أحدب نوتردام" للفرنسي العملاق فيكتور إيجو. يومها خبأتُ الروايةَ داخل كتاب التاريخ، "الغلس"، أسترق منه مثل "خِلسة المُختلس"، بعيدًا عن عين أمي، حتى أنهيته. لازلتُ أذكر كمَّ المتعة الخرافية التي اعتمرتني لساعات، وظلّت تحلّق بي من سماء إلى سماء حتى وصلتُ إلى الفردوس الأعلى من النشوة، مع أزميرالدا الجميلة، والأحدب كوازيمودو، وأجراس كنيسة نوتردام. منذ ذلك اليوم وأنا أطارد تلك النشوة دون كلل، وأتتبع آثارها، من كتاب إلى كتاب، ومن ورقة إلى ورقة، ومن كلمة إلى أخرى. نشوةٌ عارمة، لا هي ترتوي، ولا الكتبُ تنفد.
أقول لشباب بلادي، الذين في أعناقهم وحدهم مستقبلُ البلد، دعوا الجرثومةَ الطيبةَ تضربكم. جرّبوا لسْعتَها النبيلة، واستسلموا لخَدَر مَصْلها الساحر، حتى تدمنوا إكسيرها، ولن تندموا. فمن المخجل حقًّا، أن توصِدَ مكتبةٌ بريطانيةٌ أبوابَها في بلد علّم العالمَ القراءةَ والتدوين. بلد كان يومًا معقلَ العلم والفكر والفن، ومعقل أوراق البردي وأدوات الكتابة. البلد الذي شيّد أولَ مكتبات التاريخ في معابده الفرعونية، قبل سبعين قرنًا. والبلد ذاته الذي اختاره الإسكندر الأكبر وخلفاؤه البطالمة، قبل ثلاثة وعشرين قرنًا، لكي يشيدوا على أرضه أهمَّ وأكبرَ مكتبةٍ عرفها التاريخ، ببلتيكا دي لو اكسندرينا، التي ضمّت بين رفوفها 700 ألف مجلد، لتعبر السنوات والقرون، قبل أن يحرقها "مَن أحرقها"، ويدمّرها "الذي يُدمِّر"! فظلت مصرُ النبيلةُ تبكي طفلتها، مثلما بكت كاثي حبيبتها، إلى أن شاء القدرُ أن تبتني مصرُ لنفسها مكتبةً أخرى قبل سنوات، هي واحدة من أعظم صروح العالم الراهن. مكتبة الإسكندرية الجديدة. بالقراءة والمعرفة، نعيد لمصر بعض بريقها الذي خَفُت!



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لستُ إرهابيًّا، بل مريضٌ بالجمال
- في صالون الرئيس مبارك
- ولاد العمّ- دراما تنتصر لكل ما هو إسرائيلي، ضد كل ما هو مصري ...
- تخليص الشباب، في تلخيص الكتاب
- رغم إن اللصَّ مازال طليقًا! شكرًا وزارة الداخلية
- آسف على الإزعاج- مضطرون أن نعيش الحُلمَ مادام الواقعُ مُرًّا
- سأختارُ دينَ الحرامي
- سوزان مبارك، والبرادعي
- صور آل البرادعي على فيس-بوك
- فليحاسبْني القانونُ على ذلك!
- شكرًا للصّ زهرة الخُشخاش
- الرحابُ فى جفاف
- مسرحية -قطط الشارع-
- مجدي أحمد علي مُخرج اللقطات الملهمة
- عسلٌ أسود، مرآةُ ميدوزا
- البنت المصرية سعاد حسني
- مسرحية -أوديب وشفيقة-
- مسرحية -العميان--أشعرُ بالقمر فوق يدي
- جبل راشمور في الشيخ زايد
- متشوّقون للجمال


المزيد.....




- أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
- كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ ...
- مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...
- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...
- أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه ...
- أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
- -وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس ...
- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - الأحدبُ في مصعد العمارة