|
تأسيس مسرحنا المصرى على يد يعقوب صنوع
محمدعبدالمنعم
الحوار المتمدن-العدد: 3176 - 2010 / 11 / 5 - 04:53
المحور:
الادب والفن
تأسيس مسرحنا المصرى على يد يعقوب صنوع (1839-1912) بقلم : د/محمدعبدالمنعم _ قسم المسرح بكلية الاداب جامعة الاسكندرية
يُسجل تاريخنا المسرحى أن يعقوب صنوع هو الرافد الأول والحقيقى للمسرح الغنائى المصرى، فعلى يديه دخل فن المسرح إلى التربة المصرية عام 1870، وكان هذا الفن بشكله الأوروبى حديث العهد بنا، والجدير بالذكر أنه لم يُولد الفن المسرحى فى مصر بمحض الصدفة، وإنما جاء حصيلة رحلة تكوين طويلة مر بها مؤسسه الأول يعقوب صنوع.
أتقن يعقوب صنوع – بجانب اللغة العربية – حوالى إحدى عشرة لغة أوروبية تأتى فى مقدمتها الإيطالية والفرنسية والإنجليزية وغيرها، ونظراً لإجادته للشعر والزجل فى سنٍ مبكرة أوفده الأمير فى بعثة إلى إيطاليا لمدة ثلاث سنوات شاهد خلالها الأوبرا الإيطالية، ودرس عدة فنون كالرسم والموسيقى، وبعد عودته إلى القاهرة شهد الظروف الحضارية للبلاد فى إطار محاولة الخديوى إسماعيل لفرنجة الحضارة المصرية، وما صاحبها من إنشاء عدة مسارح كبرى وهى (الكوميدى فرانسيز – مسرح حديقة الأزبكية – دار الأوبرا الخديوية)، وما تبع ذلك من مسرحيات غنائية وأوبرات عالمية انتظمت الفرق الأوروبية فى تقديمها على خشبات تلك المسارح، فأدرك أن هذا الفن المسرحى المستورد من الغرب لا يمس وجدان الشعب المصرى، حينئذ قرر أن يُدخِل إلى البيئة المصرية فناً مسرحياً محلياً وبلغة مصرية صميمة يفهمها الشعب المصرى ليعالج قضايا هذا المجتمع ومشكلات أفراده.
تلقى يعقوب صنوع مرانه المسرحى بالممارسة العملية من خلال مشاركته بالتمثيل فى عروض الفرقتين الأوروبيتين الإيطالية والفرنسية اللتين زارتا مصر عام 1870، وقدمتا أعمالاً تنوعت بين الهزليات والغنائيات، من هنا استوحى فكرة إنشاء مسرح مصرى عربى غنائى فكاهى على النسق الأوروبى، لذلك اتجه من الممارسة العملية إلى الدراسة النظرية إذ اطلع على كبار كُتَّاب المسرح الأوروبى ودرس جولدونى وموليير وشريدان كل فى لغته الأصلية، وحين تيقن أنه تمكن من هذا الفن المسرحى بجانبيه النظرى والعملى قدم المحاولة الأولى فى سبيل تأسيس مسرحنا المصرى.
مسرحية (راستور وشيخ البلد والقواص) 1870 كنموذج تطبيقى على ملامح دوره الإخراجى
إن الوقوف عند أعمال يعقوب صنوع المسرحية بشكل عام، وعند مسرحيته الأولى (راستور وشيخ البلد والقواص) – التى يؤرخ بها لميلاد المسرح المصرى – بشكل خاص باعتبارها تجربته البكر، يكشف لنا عن مدى إدراكه الفنى ووعيه بطبيعة العمل المسرحى منذ اللحظة الأولى التى قرر فيها أن يؤسس مسرحنا المصرى، فقد كان يقوم بدور المؤلف والملحن والمخرج، ويضطلع كذلك بمهمة تدريب الممثلين والراقصين والمغنين، فضلاً عن جهوده فى إدارة فرقته، ولم يكن هذا الانفراد بكل هذه الجهود الفنية دليلاً على احتكار العمل المسرحى وإنما دليلاً واضحاً يؤكد دوره الرائد فى نقل هذا الفن الجديد عن المسرح الأوروبى، مما ألزمه بكل هذه المسئوليات الفنية، وسيتوقف الباحث عند دوره الفنى تجاه كل عنصر من عناصر العمل المسرحى من خلال مسرحيته الأولى، حتى نرصد دوره الإخراجى، ونرسم صورة لملامح دور المخرج المسرحى المصرى فى بداياته الأولى.
أولاً: النص الأدبى
لم يكن النص المسرحى فى هذه المرحلة نصاً مؤلفاً تأليفاً مصرياً خالصاً وإنما كان نصاً مقتبساً عن أصول أوروبية، حيث اقتبس يعقوب صنوع تجربته المسرحية البكر (راستور وشيخ البلد والقواص)، وكتبها باللغة العامية، وصاغها فى فصل واحد، وأضفى على أحداثها جواً من المرح والفكاهة، وأدار مشاهدها داخل أحد قصور الأغنياء فى جو المراهنات واللهو واقتناء الحريم ناقداً حياة الإسراف والبذخ الأمر الذى يكشف كيف كانت نصوصه نصوصاً كوميدية انتقادية لاذعة تعالج القضايا التى تمس الجمهور وتطرح مظاهر التخلف وتنتقدها، بواسطة العامية التى يفهمها الجميع، فاستطاع بذلك أن يؤثر فى الشعب المصرى بكل طبقاته.
وقد تنوع يعقوب صنوع فى كتابة نصوصه بين ما هو مقتبس عن المسرحيات العالمية مثل (الصداقة – العليل – زبيدة والوطن – بورصة مصر – غندور مصر – الضرتان) وغيرها، وما هو مترجم قد ترجمه له كبار الأدباء عن روائع المسرح العالمى مثل (أندرو مارك) للشاعر الفرنسى راسين والتى ترجمها أديب إسحق، و(روميو وجوليت) للشاعر الإنجليزى شكسبير والتى ترجمها نجيب حداد فبلغ إنتاجه المسرحى نحو (32) مسرحية خلال عامين هما العمر الزمنى لمسرحه، وكل هذه الأعمال كان يصبغها بالصبغة المحلية، ويطعمها بالموسيقى والغناء حتى يجتذب جمهوره، ويُحَمِّلها غمزات سياسية ونقداً اجتماعياً مُستهدِفاً تبصير المصريين بنوايا المستعمر ومعالجة مثالب الواقع الاجتماعى. ويلاحظ الباحث بعض عيوب التأليف فى نصوصه بداية من تجربته الأولى (راستور وشيخ البلد والقواص) فيما يتعلق بالفكرة والبناء والحوار وغيرها "أما المسرحيات فكان بعضها ساذج الفكرة، ضعيف البناء، كثير الحوار، وكانت المونولوجات الفردية تستغرق أحياناً وقتاً طويلاً وكانت الأحداث تجرى بلا مبرر ولا منطق فى بعض الأحيان، وكانت الأغانى مفروضة على جميع المسرحيات وكانت نهايات بعض المسرحيات تتسم بالسرعة والارتجال"، ورغم كل هذه العيوب الفنية فى مسرحه فإن فضله لا يُنكر على المسرح الغنائى المصرى باعتباره مؤسسه الأول بلا منازع.
ثانياً: الألحان الغنائية
لما كانت الأوبرا ومشتقاتها هى المعين الذى اغترف منه نشاطه المسرحى، فقد تناول نصوصه المسرحية – فى بداية محاولاته الإخراجية – تناولاً موسيقياً مقدماً إياها فى قالب مسرحى غنائى، فخذ مثلاً تجربته الفنية البكر (راستور وشيخ البلد والقواص) لقد وضعها فى قالب أقرب إلى الأوبريت المسرحى فتخللتها "مقطوعات زجلية ملحنة تلحيناً شعبياً"، وتضمنت "بعض الأغانى والرقصات الشعبية السائدة فى ذلك الوقت"
وكانت هناك تقاليد موسيقية يتبعها دوماً فى أعماله كأن تعزف الأوركسترا النشيد الخديوى أو مقطوعة موسيقية قبل رفع الستار، ويختم المسرحية ذات الفصل الواحد بأغنية قصيرة لا تزيد عن سطرين تؤديها الجوقة ملخصة لموضوع المسرحية، أما المسرحية التى تزيد عن فصل واحد فكان يختم كل فصل بأغنية من النوع الذى ذكرناه تلخص موضوع الفصل، أما أغنية الفصل الأخير فتلخص موضوع المسرحية ككل، وهناك العديد من الأمثلة التى توضح ذلك ولنأخذ مثال من مسرحية (الضرتين) وهى مسرحية ذات فصل واحد يختتمها بهذه الأغنية التى تلخص موضوعها:
اللى بده يعيش عيشة مره يدخل على أم ولاده ضره
أما اللى يعيش فرحان ما يعملوش قلادة من النسوان
ويسجل الباحث أن الغناء فى مسرح يعقوب صنوع كان يأتى بلا مناسبة واضحة وبلا ارتباط بموضوع الرواية لدرجة أنه قد اعترف بإقحامه للأغانى فى أعماله، الأمر الذى يشير إلى وعيه ومعرفته بذوق الجماهير ورغبته فى تقريب هذا الفن الحديث إليهم، ويدلل الباحث على ذلك بقول محمد كمال الدين "كانت الأغانى مفروضة على جميع المسرحيات بدءًا وختاماً بدون مقتضى، أو لمجرد التعليق على الموضوع أو تلخيصه"
وُيذْكَر أنه حول المسرح من الغناء إلى الدراما الخالصة ومرحلة المسرح الاجتماعى الكوميدى الهادف، لكنه أمام طغيان الأغنية وسيطرتها على اهتمامات الشعب المصرى لم تفلح محاولته، فاضطر إلى أن يبقى على عنصر الطرب فى أعماله، لذلك فأعماله الأخيرة لا تحوى سوى القليل من المقطوعات الغنائية والأغانى القصار.
ثالثاً: التمثيــل
أنطق صنوع ممثليه بالعامية، وقام بتدريبهم على الأداء التمثيلى الكوميدى، وعلى طريقة إلقاء النكات اللفظية والجنسية بمهارة شديدة تجتلب الضحك، وما يذكر حول الأداء التمثيلى فى مسرحيته (راستور وشيخ البلد والقواص) أنه اختار ممثليها من الشبان ودرَّب أحدهم على أداء دور الفتاة، إذ لم يكن وقتها مسموح بظهور المرأة على المسرح فيقول صنوع "علمت أدوارها لعشرة من الشبان الأذكياء الذين أخذتهم من بين تلاميذى وتزيا أحدهم بزى إمرأة وقام بدور العاشقة"
لكن الجدير بالذكر أن صنوع يُعْتَبر المخرج المسرحى المصرى الأول الذى أشرك المرأة فى التمثيل على المسرح وأوقفها جنباً إلى جنب الرجال والفتيان لتؤدى أدوار النساء وأدوار الهيام والغرام أمام المشاهدين مستغنياً عن الذكور فى هذه المهمة، رغم أن ذلك كان متبعاً من قبل عند كل من مارون النقاش وأحمد أبو خليل القبانى، فبعد تجربته المسرحية الأولى عثر على فتاتين فقيرتين وتبناهما وأقنعهما بالتمثيل، وعكف على تدريبهما وكلفهما بأدوار تناسبهما فى هذه المرحلة، واستقبلهما الجمهور بحفاوة شجعتهما على مواصلة التمثل فى أدوار أكبر . مع تحياتى
بقلم د : محمدعبد المنعم
قسم المسرح بكلية الاداب -جامعة الاسكندرية
#محمدعبدالمنعم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسرح خيال الظل ..
-
الاخراج فى المسرح الملحمى
-
مسرح القهوة فى مصر
-
مسرح المنوعات ( الميوزيك هول )
-
فى المسرح الغنائى ارتباط الدراما بالموسيقى والغناء والرقص..
...
-
من المسرح الموسيقى (الكوميدبا الموسيقية ).. بقلم : د/ محمدعب
...
-
من المسرح الموسيقى( الاوبرا العالمية )
-
الالقاء هل هوعلم ام فن؟
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|