أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد عبد اللطيف سالم - دفاتر الحرب ( مقاطع من هذيان جندي مسن من بقايا الحرب العراقية -الأيرانية )















المزيد.....


دفاتر الحرب ( مقاطع من هذيان جندي مسن من بقايا الحرب العراقية -الأيرانية )


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 3170 - 2010 / 10 / 30 - 21:05
المحور: الادب والفن
    


دفاتر الحرب

( مقاطع من هذيان جندي مسن من بقايا الحرب العراقية – الأيرانية )



حين ذهبنا الى الحرب ..
كنا نغني .
كانت مدن العراق كلها لاتزال ضاحكة
الا البصرة .
كانت تعرف ان الخراب سيبدأ فيها
ثم يعّم العراق
شيئا
فشيئا .



***




في قطار الجنود
النازل للبصرة
كانت الأضواء مطفأة
وثمة من يبيع " العرق " في العربات .
كرع رفيق الدرب نصف " البطل "
وأستلّ من جيب "القمصلة الرومانية " حزمة صور
وقال هذه حبيبتي
وهذه فقط ..
صور الأسبوع الأخير من البهجة .
حين وصلنا " المعقل "
كنت شاردا
ومأخوذا بالخراب الجديد .
كان رفيقي في درب الحرب قد أكمل كرع " البطل "
وفي الطريق الى " الأحواز " كان يعتذر وهو يبكي
لأنه كان يعتقد ان المرأة في صور البهجة
هي احدى قريباتي .


***



جاءوا بنا من ضفاف الفرات
وسفوح دجلة .
حشرونا في القطارات , وشاحنات " الأيفا " , وباصات الريم
وألقوا بنا في نهر جاسم .
كان الرماد يملأ الفم
والفرات بعيد
ودجلة خارج الذاكرة
ولم يكن " الكارون " قد أصبح بعد
نهرنا المفضّل .






الأحوازيون
الخوزاستانيون
يتحدثون بلهجة أهل العمارة .
صرخ بي أحدهم
وأنا أحدّق مذهولا بأكواخهم المنهوبة
من صخّم وجوهكم
وجاء بكم الى هنا ؟


***


في بساتين " الزريجي "
كنت أسمع النخيل يئن
ويتمدد بين سرفات الدبابات
ويموت من الدهشة .


***



في بساتين " الجباسي "
سرقنا عذقا من نخلة برحي .
كل شيء قابل للسرقة
مادامت الحرب قائمة
والملاك غائبون
والجيوش ترث الأرض بمن عليها .


***


لماذا يسرق الجنود دوما
أشياء عظيمة
لامعنى لها في الحروب
كنخل البصرة ؟


***



ألتفّ حولي جنود كثيرون
وعلى ضوء الفانوس
ورائحة " الجولة "
رحت أروي لهم قصص بطولاتي
في مدن بعيدة
عصّية على الفهم .
ولأن أفواههم كانت فاغرة
وأنصاتهم يغري بالمزيد من الوقاحة
رويت لهم أكذوبة عشقي العابر لامرأة في " استوكهولم "
وأخرى في " فيينا ".
كل الأشياء كانت مجرد أسماء
لم تكن لنا أمكنة
وكنت أريد أن أعوّض خيبات الجنود
بأمكنة مبهمة .
رشقنا الأيرانيون بدفعة من قذائف المهداد 175 ملم
قاطعني " عبيد علي عبيد " :
ستكون معجزة اذا عدت انت الى بغداد
وعدت أنا الى أهلي
في " التّنومة " .



***


بين " المحطة العالمية " .. و "محطة المعقل "
بين " كراج النهضة " .. و " ساحة سعد "
ثمانية أعوام من التواصل
والشاي المعدّ على عجل
والصباحات المطفأة
واللحم الرخيص .


***



حساء عدس
وصمون حجري
و" قصعة " بلا لون ولا طعم ولارائحة
وبيريات وبساطيل
وأوسمة وأنواط ونياشين
وكرامات مهدورة
واذلال وذهول
وموت مجاني
موت زائف
موت محض
هذه هي الحرب .


***



في " مهران "
كان دوي المدافع بعيدا جدا
وكان عبير الورد
يصّم الآذان .


***

على مشارف " ديزفول "
مرت زخة صواريخ أرض – أرض
من فوق رؤوسنا
ذاهبة الى قلب المدينة .
وحين تسقط هناك
لن تتحول أبدا الى قصائد حب
نتبادلها مع الأمهات
في الجانب الآخر من المحنة .



***


حين نفدت سجائرنا ليلا
تسللنا من " الحجابات "
وزحفنا الى " الأرض الحرام " .
تفحصنا جيوب الجنود الموتى في الحروب الغبية .
كانت السجائر مخلوطة بالعفن .
عدنا الى " حجاباتنا "
ونفثنا طويلا ( بعمق ونشوة )
غبار الجنود العراقيين – الأيرانيين
النائمين منذ دهور
في الأرض السبخة .


***

طيلة الحرب
لم تسقط أي مدينة .
لاعبادان
ولا خرمشهر
ولا البصرة
ولا ديزفول
ولا العمارة .
الذين سقطوا
هم الجنود فقط
على الجانبين الآسنين
من الحدود المشتركة .

***


كان " علي الأمام "
يعزف على العود
" تقسيم حجاز "
فلا أعرف معه
أين تقع بالضبط
حدود قلبي .
وكانت " سميرة سعيد " تغني
" عراق الكرامة "
فلا أعرف بالضبط
أين تبدأ حدود كرامتي
وأين تنتهي كرامة وطني .
وكانت الأناشيد الفارسية
تهدر خلسة في راديوات " الواز " .
والجنود العراقيون – الأيرانيون
لازالوا يموتون ( بأصرارعجيب )
في الأرض السبخة .


***

جندي يقرأ لسارتر
وآخر يقرأ لماركس
وثالث يقرأ لصدام حسين
والجنود الآخرون لايقرأون
وكل واحد منهم يسأل الآخر
ماالذي جاء بك الى هنا
ولماذا ؟


***



ليلى تطرق باب الخيمة في الليل
فيأتي غيم الرغبة صخّابا
يهمي .. يهمي .. يهمي
وتلة الروح عطشى
و " القعقاع " يحاول قطع الأسلاك الشائكة
وتعطيل ألغام " الفالمارا "
ولكن " رستم "
يمنعه من ذلك .



***


الطريق الى القدس
لاينبغي ان يكون شرقا .
ياويلتاه اذا تغير الأتجاه
وأصبح الطريق الى القدس
يمتد جنوبا .


***


حين نحارب الأتراك
تموت البصرة .
وحين نحارب الأسرائيليين
تموت البصرة .
وحين نحارب الأيرانيين
تموت البصرة .
وحين نغزوا الكويت
تموت البصرة .
وحين تحرر الولايات المتحدة الأمريكية
مدننا المأسورة
تموت البصرة .
متى تعيش البصرة ؟


***


" عبيد علي عبيد "
مات في " الطاهري " .
و "حسين عبد النبي "
كان يحلم بخولة .
كان يشرب الخمر على " الساتر " بصمت
ويعود ليبكي في خيمة " ضبّاط الصف " .
وحين داهمنا " ضابط الخفر "
متلبسين بجرم الحنين الى النسوة المفترضات
والزوجات الشاردات
والأمهات المخبولات
أجتّث كل شعرة في رأسنا
ورمانا بضعة أيام في الحبس
مع الجنود – المثليين - الأشاوس .


***



حين تتساقط قذائف المدفعية الثقيلة
قرب الخنادق
يخيّم السكون على الكون
ويتقيأ الجنود من الصدمة .
وحدها العصافير ..
لاتكّف عن الزقزقة .


***


حين آن أوان " الأجازة الدورية "
زار المجازون زميل " موضعي " ياسر .
سلاما سيّدنا ..
وأجهشوا بالبكاء .
كنت محشورا في زاوية " الموضع "
اتأبط شّر " المادية الديالكتيكية "
وأبحلق مبهورا بالوجه – الطفل لياسر.
قلت لرفيقي في الحرب
" رجاء نهيب زعيبل "
ماذا يحدث بالضبط يا " أبن زعيبل " ؟
أجابني : ان الضباط وضباط الصف والجنود
لايرتاحون لأمثالك من الفلاسفة .



***


حين تباد السرايا والأفواج والألوية.
حين تندثر الفرق في رماد الهزائم .
يسرق قادة الألوية
بنادق الجنود الموتى .



***


قبل أن أموت
أشتقت الى أمي .
قال لي آمر " السرية " :
اذا كنت تحلم بأجازة غير " دورية "
فأذهب " مأمورا " بشهيد
وسّلمه الى امه ..
والأبتسامة تعلو شفتيك .
أو تبرّع بثلاثة قنان من الدّم .
أو ...
استشهد أنت .


***



دائما ننتصر
لم نهزم يوما
ولن نهزم أبدا
وأعدائنا كذلك .



***



مات خمسة من أخوتي
أنا الجندي السادس
حين أموت
ستكون الحصيلة
ست أرامل
وثلاثون يتيما
ومعيل واحد
هو القائد العام للقوات المسلحة .


***



مسحت الدم عن علبة " الأرزاق الجافة "
وشربت نخب أنتصار القادة الأفذاذ
على أعداء لهم أول
وليس لهم آخر .


***

صاح أسير جريح
- لم يتبين بعد هوية آسريه –
عاش العراق
عاشت ايران
عاشت الحرب العراقية الأيرانية .


***



مات نصف العراق
ولازال الجنود النبيلون
يسألون بعضهم بعضا
لماذا أندلعت هذه الحرب أصلا ؟


***


قال قائد الفرقة :
هاجموا خطوط العدو
فأذا لم تلحقوا به الهزيمة
لاأريد لأحد منكم أن يعود .
هاجمنا خطوط العدو
ولم يعد منا أحد
ليخبر القائد بما حدث
خلف خطوط العدو .


***



" أكرم هلال " .. ابن خالتي .
طيلة ست سنوات من الحرب
كان أكرم يذهب ويجيء
ولاعنوان له .. نراسله عليه .
قلنا له ياأكرم .. بحق السماوات السبع
اسأل جنديا من أقرانك عن عنوان " الوحدة ".. وأبعثه الينا .
عاد أكرم الى الجبهات الصفيقة
وأرسل الى خالتي " وفيّة "
سره الأبدي..
اذا أردتم مراسلتي
فأنا في " لهيب النار ..
قرب الجبل " .
لم يعد بعدها أكرم من الحرب أبدا.
وماتت خالتي .
وحتى هذه اللحظة
لم نعرف اين كان لهيب النار
وقرب أي جبل .
وحدها خالتي " وفيّة "
كانت تعرف ذلك .


***


مدة الأجازة الدورية
سبعة أيام .
كان الجنود يتزوجون فيها
ويعودون لثكناتهم
ليموتوا .
كنت أذهب "مأمورا "
لتسليم جثة العريس الى أهله .
دائما كانت العروس دون العشرين
حتى أنها لاتعرف كيف تلطم
والأمهات..
يضعون فرشة العرس على التابوت
والقريبات يهلهلن
والآباء يزفوّن ابناءهم الى المقبرة
" مبارك عرسك يابوية " .


***



" عبد الحسين عبد النبي "
يدندن على حافة " الموضع الشقيّ "
أغنية مريرة .
وأنا داخل الشق .
قال لي , ورجليه تلامس رأسي :
لقد نفد العرق في " المطارّة "
ولازلت مشتاقا لخولة .
قلت له هل يتطلب الوضع مزيدا من الخمر لنسكر ؟
عبد الحسين لم يرّد ...
أنزلقت قدماه قليلا عن رأسي
وتكوّم وجهه الضاحك في حضني .


***



" علي الأمام "
يعزف على العود
" تقسيم حجاز " .
و " يوسف عمر "
يغني " يايوسف الحزن "
من مقام " المنصوري " .
و " داخل حسن "
يموء كناعور .
والجندي يهمس لزميله قبل " الصولة " :
لماذا لايصمت هؤلاء
ليتسنى لنا الموت بحبور
في هذه الحرب السخيفة .


***


" جاسم " يتبول في دائرة قطرها عشرة أمتار.
لماذا لاتتبول حيث انت يا " جاسم " ؟
لأن في التبول .. في نقطة محددة
شيء من الضجيج
ولاينبغي ان يسمع العدو
ونحن في جبهة الحرب
أصوات تبوّلنا .


***


عدت من الأجازة
كانت الهزيمة مدويّة
وتشرذمت الوحدات .
ذهبت الى بائعة الشاي والقيمر , في ساحة " أم البروم "
أين هو الآن ياخالتي
الفوج السابع / من اللواء السادس / من الفرقة الخامسة ؟
انهم يعيدون تشكيلها يابني
" المتقدم " في " مجنون "
و " الخلفي " في " الهارثة " .


***



لاأعرف ماالذي تفعله الآلهة في الحروب
ان الأمر مربك حقا .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صحراء الربع الخالي
- الحوار الممكن .. بين الظلمة والنور
- مباديء الأقتصاد السياسي
- وطن الوجع .. ووجع الأمكنة
- ميكانزم الحب الأول
- ميكانزم الحب الأخير
- العراق وأشكاليات الفصل السابع :الابعاد الاقتصادية والسياسية ...
- الفساد في العراق : البنية والظاهرة ( محاولة للخروج من الحلقة ...
- جمهورية النفط في أرض ألصومال
- عراق مابعد الصناعة
- الريع النفطي في العراق : تحولات الدولة والسلطة وانماط الانتا ...
- اول اوكسيد الكراهية
- الابعاد الاقتصادية لاتفاقية سحب القوات الاجنبية من العراق
- وطن لايتسع لصباحات أمي
- قطار بغداد...
- يومياتِ يُتم ٍ غيرُ مُعْلَنْ
- اعداد ومناقشة واقرار الموازنة العامة الاتحادية في العراق
- ملاحظات عن الشأن الاقتصادي في مذكرات بول بريمرعن مهمته في ال ...


المزيد.....




- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد عبد اللطيف سالم - دفاتر الحرب ( مقاطع من هذيان جندي مسن من بقايا الحرب العراقية -الأيرانية )