|
حوار مع الكاتبة المغربية فاطمة الزهراء المرابط
فتيحة سلام
الحوار المتمدن-العدد: 3168 - 2010 / 10 / 28 - 19:04
المحور:
مقابلات و حوارات
ملف اجتماعي حول العنف ضد المرأة حوار مع الكاتبة المغربية فاطمة الزهراء المرابط
أجرى الحوار:الإعلامي العراقي هاوزين عمر
العنف ضد المرأة ظاهرة، اجتماعية خطيرة منتشرة بشكل واسع في المجتمعات المتخلفة نستطيع أن نصفها بالظاهرة الأكثر شيوعاَّ في الشرق الأوسط والهند وباكستان وبعض المجتمعات الإسلامية الأخرى ، برأيكم ما هي أسبابها؟
مما لا شك فيه أن التنشئة الاجتماعية تلعب دورا مهما في تكريس العنف الموجه ضد المرأة، بحيث إن التمييز بين الذكور والإناث في التربية والتغذية والعناية الصحية، ونوعية المعاملة وتوزيع الأدوار داخل الأسرة، وعدم تكافؤ فرص التعليم والعمل، وعدم إعطاء الفتاة الفرصة لتقرير مصيرها وتزويجها في سن مبكرة هي أسباب لإنتاج العنف داخل الأسرة والمجتمع، وتكريس دونية المرأة وتبعيتها للرجل اقتصاديا واجتماعيا وفكريا، كما أن انعدام الوعي والجهل بحقوق المرأة وتدني المستوى الثقافي للأسر والأفراد، وكذا قلة فرص الشغل وانتشار البطالة وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة هي أسباب أخرى لتفريغ شحنات الغضب والسخط على جسد المرأة والمتجلي في العنف الزوجي والأسري والمجتمعي، هذا دون أن ننسى العنف الذي تمارسه السلطات والحكومات العربية ضد المرأة من خلال القوانين التي تسنها والتي نادرا ما تكون في صالح المرأة، إضافة إلى الإعلام الذي يساهم بشكل كبير في تدعيم العنف الموجه ضد المرأة من خلال برامجه التي تستغل بشكل غير سليم من طرف أفراد المجتمع. كما أن النظرة الاحتقارية للمرأة التي تلجأ إلى السلطة الأمنية من طرف أفراد الأسرة والمجتمع، من أجل رفع الظلم أو العنف عنها، وعدم وجود دعم وسند حقيقي للمرأة، وعدم توفرها على ملجإ مناسب في حالة قررت الانفصال عن هذا الزوج العنيف، يضطرها إلى الصبر على كل المصائب التي تتعرض لها، حفاظا على استقرار بيتها وحماية أطفالها من مصير مجهول والخوف من العار الناجم عن الطلاق، خاصة وأن هذا العار لن ينعكس عليها وحدها فحسب وإنما ستمتد آثاره إلى كافة العائلة، لذلك تفضل أغلب النساء تجرع مرارة الألم في صمت كبير، خاصة وأن معظم الأسر في المجتمع العربي تفضل موت بناتهن على الطلاق الذي قد يطالهن، لأنه سيزيد من عبئهم من جهة وسيجلب الحظ السيء لأخواتهن العازبات من جهة أخرى.
ولماذا تبرز بشكل واسع في المجتمعات الإسلامية مقارنة بالمجتمعات الأخرى ؟
العنف يساهم في تهميش المرأة واضطهادها والوقوف في وجه ارتقائها الاجتماعي والعلمي، خاصة في المجتمعات العربية الإسلامية التي مازالت تسودها بعض العادات القديمة المتوارثة عبر التاريخ، مثل جرائم قتل الشرف التي تمارسها بعض المجتمعات الشرقية ضد المرأة كأسلوب تربوي يهدف إلى الحفاظ على سمعة الأسرة أو العائلة ومكانتها في المجتمع، وهذه العادة تطبق في حق المرأة فقط، في حين يظل الرجل خارج دائرة الاتهام، ذلك أن مفهوم الشرف لا يطال إلا المرأة التي يكون مصيرها الوحيد هو القتل، ومن جهة أخرى نجد الرجل، سواء كان أبا أو أخا أو زوجا، يتمادى كثيرا في إحكام سيطرته على المرأة ويقرر في حياتها، بمبرر أنه الوصي عليها والقائم بشؤونها، وبالتالي له الحق في الاعتداء على جسدها بالضرب والتشويه، مستمدا هذه الشرعية من الأعراف والدين، وقد روجت هذه الاعتقادات من طرف مجموعة من التيارات الإسلامية والحركات المناهضة لتحرر المرأة، إلى أن أصبحت راسخة في مختلف المجتمعات العربية، رغم أننا لا نلمس أية إشارة تدل على أن الإسلام نص على العنف ضد المرأة، أو رواية تدل على أن الرسول كان يستعمل العنف ضد بناته أو زوجاته، فعن الرسول ( ص) « ما ضرب رسول الله ( ص) امرأة قط ولا خادما ولا ضرب شيئا…..»، وقد تعددت وسائل العنف التي تمارس في حق المرأة باسم الدين، إلى درجة أنها وصلت في السودان إلى استعمال القوة العسكرية ضد المرأة. كما أن الأمية تعتبر عاملا مهما في تفشي العنف بشكل كبير في الأرياف الذي تحرم فيه الأنثى من حقها في التعليم مثل الذكر، بمبرر أن المرأة خلقت لتكون زوجة وأما فقط، واجبها الأول والأخير هو إنجاب الأطفال وطاعة الزوج وخدمة الأسرة، و للأسف فإن نسبة الأمية في صفوف النساء بالعالم العربي تتعدى ثلثي نسبة الأمية العامة، وليست هناك أية مؤشرات ملموسة تدل على انخفاضها خلال السنوات القادمة. وهذه الأمية التي تعاني منها المرأة تجعلها غير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية تتعلق بها وبمستقبلها، ولا تستطيع أن تقف أمام جبروت الأب أو الأخ، أو الاعتراض على زواجها في سن مبكرة، أو الاحتجاج على الظلم الذي يطالها بشكل مستمر. كما أن تفشي البطالة بين صفوف النساء والتي تصل حسب الإحصاءات الأخيرة إلى 48 % في العالم العربي، يجعل المرأة تحت السيطرة الذكورية والتبعية الاقتصادية للرجل.
برأيكم هل أن سن القوانين والتشريعات كافية في خلق مناخِ تشعر فيه المرأة بالمساواة، مع الرجل أم أننا بحاجة لخطوات اجتماعية واقتصادية والتوعوية؟
العنف ظاهرة رافقت المرأة منذ عصور قديمة، أي منذ ظهور الملكية الخاصة في التجمعات البدائية الأولى، وبروز التقسيم الاجتماعي للعمل، لذلك فإن القضاء عليها يحتاج إلى جهود كبيرة من أجل محاربته واقتلاع جذوره من المجتمع العربي، خاصة وأن القوانين لا تنصف المرأة ولا تحد من العنف الممارس ضدها، وخير دليل على ذلك أن القوانين والتشريعات الإسلامية التي نصت على تكريم المرأة ومنحتها كافة حقوقها وساوتها بالرجل في مختلف الأحكام، لم تطبق على أرض الواقع سواء في عهد الدول الإسلامية السابقة أو اللاحقة من طرف الحكومات العربية والمؤسسات الاجتماعية ومكونات المجتمع العربي، بل استغلت بعض النصوص القرآنية في تكريس العنف واضطهاد المرأة وإخضاعها لسيطرة الرجل، إلى درجة أن العنف أصبح أمرا عاديا داخل الأسرة، كما أن أغلب القوانين التي تم سنها لم تكن في صالح المرأة ولم تمنحها كافة الحقوق التي من المفترض أن تتمتع بها، وذلك بسبب غياب التوعية وجهل المرأة بحقوقها وكيفية الدفاع عنها وإيصال صوتها إلى العالم بواسطة الإعلام الذي يعتبر من الوسائل المهمة التي يمكن الاعتماد عليها لمحاربة العنف الموجه ضد المرأة في العالم العربي، إضافة إلى ذلك على المرأة النضال المستمر من أجل استرجاع حقوقها المسلوبة وتأسيس كيان واع ومستقل لوجودها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى نشر هذا الوعي في المجتمع الذكوري ونشر ثقافة احترام وتقدير المرأة ومراعاة حقوقها، وتغيير العقلية الذكورية والنظرة العامة اتجاه المرأة حتى تصبح ذات كيان ثابت غير قابل للاضطهاد والعنف وأعتقد أن هذه القيم يجب أن نغرسها في عقول الصغار بالمدارس، وهنا أشير بأن أكبر العراقيل التي تواجه حماية المرأة من العنف هو الفرق بين ما يقال وبين ما يمارس ومن المهم جدا أن يتطابق القول والممارسة في معاملة المرأة لتحس هذه الأخيرة بالأمن والأمان سواء في البيت أو في العمل أو في الشارع.
ما هي الآثار التي ينتجها العنف في المجتمع بشكل عام وعلى المرأة بشكل خاص؟
أعتقد أنه من الصعب حصر الآثار الناتجة عن العنف الموجه ضد المرأة، وذلك لأنها كثيرة ومتعددة تختلف حسب نوعية العنف الممارس على المرأة، ونجد أن هناك أثار نفسية واجتماعية واقتصادية وصحية أيضا، أبرزها تدمير إنسانية المرأة وفقدان ثقتها في نفسها، الشعور بالإحباط والعجز والمهانة والتبعية للرجل وعدم الشعور بالاطمئنان، كما تعاني المرأة المعنفة من عدة آثار اجتماعية أبرزها الطلاق، التفكك الأسري، اضطراب العلاقات العائلية، العدوانية والعنف لدى أبناء الأسرة التي يسودها العنف، إن العنف يشكل عائقا أمام تنشئة الأبناء تنشئة سليمة، بحيث تظهر لدى الأبناء سلوكيات مدمرة (العدوانية، تبني العنف ضد الآخر، الانحراف، العزلة، الإحباط) هذا دون أن ننسى أن العنف يؤدي إلى أمراض جسدية مختلفة مثل فقدان الشهية واضطراب الدورة الدموية وصداع الرأس وقد تصل نتائج هذا العنف إلى الإعاقة الجسدية والذهنية، كما يؤدي العنف الأسري ضد المرأة إلى إعاقة اندماجها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضا، وينعكس ذلك على الأسرة والمجتمع ويطال مردودية المرأة في العمل إذا كانت عاملة في مؤسسة منتجة أو إدارية. ما هي الخطوات التي يجب إتباعها في الحد من هذه الظاهرة ووأدها؟
أصبح موضوع العنف ضد المرأة وما يتعلق به من مفاهيم مختلفة خلال السنوات الأخيرة، موضوع اهتمام وقلق لدى العديد من دول العالم العربي، إلا أن القليل من هذه الدول التي اتخذت خطوات حقيقية لمحاربة العنف الواقع على المرأة العربية واستئصاله من المجتمع كما هو الحال في تونس مثلا، بسبب ثقافته السائدة القائمة على الإيمان بالمعتقدات والتقاليد والعادات القديمة التي تمجد السيطرة الذكورية التي تحول دون تمكين المرأة من الحصول على كافة حقوقها، هكذا، ينبغي للإعلام أن يقوم بدور مهم من أجل محاربة العنف الذي تتعرض له المرأة والتحسيس به لا فضحه فقط بقالب من الإثارة والتشويق، من أجل إشباع رغبة الفضول لدى المستهلكين للصحف اليومية، أيضا الجمعيات النسائية التي تتخذ من قضية المرأة شعارا أساسا لها ولأنشطتها وتحاول بشكل مستمر تسليط الضوء على مختلف أشكال العنف الذي يمارس على المرأة العربية، سرعان ما تسيطر عليها النزعة الذاتية الأنانية وتتعرض لسيطرة الأحزاب والتبعية الاديولوجية والخضوع للهيمنة الذكورية. والخطوات التي يجب إتباعها من أجل مواجهة العنف ضد النساء والقضاء عليه هي سن تشريعات قانونية في مجال الأسرة، بالإضافة إلى القيام بثورة ثقافية واجتماعية وإعلامية للقضاء على الموروث الشعبي والعادات والصور النمطية المجحفة في حق المرأة العربية، دون أن نغفل دور الاقتصاد في المسألة، بحيث يجب أن يسمح بدخول المرأة إلى مجال العمل على نطاق واسع، إلا أن هذه الخطوات لن تجد الطريق للتطبيق والنجاح بسبب ثقافة المجتمع العربي التي أشرت إليها سالفا في المنظور القريب على الأقل، لذلك تبقى برامج الإرشاد الهاتفي والقانوني والنفسي والاجتماعي ومراكز الاستماع لضحايا العنف الموجودة في بعض الدول العربية، هي أهم البرامج التي تساعد المرأة على تخطي محنة العنف الموجه ضد جسدها، في انتظار حلول فعالة للقضاء على هذه الظاهرة المرافقة للبشرية منذ القدم.
#فتيحة_سلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500
...
-
ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
-
حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق
...
-
نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي
...
-
اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو
...
-
مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر
...
-
بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
-
لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
-
الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
-
تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|