جعفر هادي حسن
الحوار المتمدن-العدد: 3167 - 2010 / 10 / 27 - 16:15
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
الحاخامون والمرأة اليهودية
كانت الحركة النسوية اليهودية قد ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين ، وهي الفترة التي ظهرت فيها الحركة النسوية الأمريكية الحديثة ، التي سميت فيما بعد بحركة تحرير المرأة. ولكن ظهور الحركة اليهودية كان أساسا لتحقيق ذات المرأة وشخصيتها في الديانة اليهودية خاصة ، حيث رأت أنها أقصت المرأة وهمشتها ، ونظرت لها نظرة دونية تمثلت في موقف الحاخامين منها ومعاملتهم لها. إذ لم يسمح لها هؤلاء في أن تلعب دورها ، وتبرز قدراتها وبقيت لفترة طويلة مغلوب على أمرها. فالحاخامون كانوا هم المسيطرون على زمام الأمور في القرون الماضية ، ليس على الحياة الدينية حسب ولكن على الحياة اليهودية العامة أيضا. حيث أصبحت آراؤهم هي السائدة بين اليهود ، وأحكامهم هي النافذة والمؤثرة في حياتهم وكان لذلك تأثير كبير على المجتمع اليهودي نفسه ، فأصبح مجتمعا ذكوريا يسيطر عليه الرجال. فلم يكن يسمح للمرأة أن تكون شاهدة، أو حاخامة، أو منشدة في كنيس أو تعطى لها مسؤليات فيه، ولم يكن يسمح لها حتى المشاركة في الصلاة ، بل لم يسمح لها أن تعلم الدين أو تتعلمه. وهي كذلك لا يسمح لها أن تُطلَق إلا بموافقة زوجها وموافقته على إعطائها كتاب الطلاق بيدها كما نصت التوراة.* وقد وردت نصوص عديدة في كتب التراث الديني اليهودي تؤكد على هذا الوضع .
وتتمثل نظرة الحاخامين الدونية إلى المرأة في عدة قضايا تأخذها الحركة النسوية عليهم وتنتقدهم بها. ومن ذلك ما جاء عنهم في وصفهم لها بأوصاف غير لائقة. كوصفهم لها في انها متعجرفة ، وناشرة للإشاعة وأحاديث الأفك ومنهمكة في القيل والقال ، ومسترقة للسمع وصرَاخة وحسودة ، ومتسكعة من أجل المتعة. وقالوا عنها إنها مخلوق تافه ولعوب ، ورغبتها الجنسية لا حدود لها ، وأنها إذا لم تعط عملاً تشغل نفسها به ، وتراقب من بعيد فإنها تفلت من العقال ، وتخرج عن السيطرة. وهم اعتبروا رغبتها الجنسية في منتهى الخطورة يجب مراقيتها والحذر منها والسيطرة عليها. ومما جاء عنها في كتاب «فرقي أبوت» "إن أي شخص يتكلم كثيراً مع النساء فإنه يجلب الشرّ على نفسه ويخالف التوراة ويدخل جهنم" .(1) ومن أقوالهم في المرأة كذلك قولهم إن المشي خلف الأسد أكثر سلاماً من المشي خلف المرأة.
وجاء في في الفصل الثالث، في الفقرة 8 من كتاب "كتصور شلحان عاروخ" (وهو رسالة عملية للأحكام الشرعية عند اليهود): "لا يجوز للرجل أن يمشي بين امرأتين أو كلبين أو خنزيرين ، وكذلك لا يجوز للرجال أن يسمحوا للمرأة أن تمشي بينهم ولا للكلب أوالخنزير. (2)
ونجد في كتاب "الحكمة" ليشوع بن سيراخ: إن خبث الرجل أفضل من عطف المرأة ، إذ المرأة تجلب الخزي والفضيحة.(3) وجاء في كتاب سفر حسيديم (من القرون الوسطى) "قول إيشاه عرفاه": (إن كلام المرأة عورة.)(4)
ومن الصفات الشنيعة التي وصف بها الحاخامون المرأة اليهودية ما جاء في التلمود (في رسالة السبت 152b): إن المرأة عبارة عن كيس وساخة. وتتمثل أيضاً هذه النظرة فيما يقوله اليهودي كل صباح "الحمد لله الذي لم يخلقني امرأة" (شي لوعساني ايشاه).(5)
ومما تنتقد به الحركة النسوية الحاخامين هو حرمانهم لها من التعليم والتعلم ، إذ كان التأكيد طيلة القرون الماضية على تعليم الأولاد الذكور، وجاء في رسالة قدوشيم (أ و ب) في التلمود "إن الواجبات نحو الدين مفروضة على الأب وليس على الأم فالنساء مستثنيات".وهم اعتمدوا في هذا على ما جاء في سفر التثنية 6/4: اسمع يا إسرائيل تعلمها لأبنائك"
وهنا فسر الحاخامون هذا النص بأن التعليم يقتصر على الأبناء دون البنات ، إذ ليس هناك أمر بتعليم البنات ، وأنه ليس على النساء أن يعلمن أنفسهن أو يعلمن الآخرين.(6) وزاد الحاخام والفيلسوف موسى بن ميمون على ذلك قوله "إن الحاخامين أمروا الأب أن لا يعلم البنات التوراة ، لأن أكثر النساء لم يقصدن أبداً أن يتعلمن أي شيء ، وبسبب ضعف فهمهن فإنهن سيحولن كلام التوراة إلى أشياء لا معنى لها". أما رأيه هو فهو"إن كل شخص يعلم ابنته التوراة فإنه مثل الذي يعلمها الأمور التافهة". (7)
وتعلق راحيل بيالا على هذا الموضوع وتقول إن الرجال هم ضمن حلقة التعلم والتعليم ، وإن النساء دائماً خارج هذه الدائرة ... والنساء لا يجب أن يعلمن ن وليس هناك ضرورة لتعليم أنفسهن، فهن خارج هذه الحلقة ولذلك تبقى الصلة فقط بين الآباء والأبناء على مرّ العصور(8).وهذه الأقوال عادة تتعلق بالكتب الدينية ولكنها أخذت تشمل الموضوعات العامة ، ولذلك كانت نسبة الأمية بين اليهوديات عالية جدا في الأزمنة الماضية. ويصف لورنس هوفمان (وهو باحث أمريكي يهودي) اليهودية بأنها مثل مكتبة نصفها خال لأن مصادر اليهودية وهي التوراة والمشناة والتلمود وكتب الصلوات ، إنما كتبها رجال ولذلك فهي تعطي نظرة ذكورية إلى العالم، فصوت النساء غير موجود إذ هو غائب . (9)
والرجل في اليهودية هو الذي يقيم العهد مع الرب من خلال ختانه، وهو الذي يدرس ، وهو الذي له الحق في مراجعة النصوص وقراءتها ، وهو الذي يؤدي الشعائر عندما يبلغ سن الرشد وهو الذي يتزوج الزوجة ويطلقها، وعلى عاتقه يقع أداء الواجبات من نواه وأوامر .(10) وتقول ماري دالي: إن النساء (اليهوديات) كن زائدات على المجتمع البشري "ونحن كن أجنبيات ليس فقط على قلاع السياسة بل كذلك على قلاع الفكر، وفي عالم ذكوري – أناني فإن نظام الرموز ، وجهاز الأفكار قد خلقها الذكر، وهذه كلها لم تعكس تجربة المرأة "بل إنها حرفت صورتنا وتجربتنا".
وتنتقد الحركة ماتسميه نظرة الحاخامين إلى المرأة كموضوع للجنس. وتقول ماريكا بلمب "إذا نظرنا إلى الشعائر نظرة فاحصة نجد أن النساء غير مرئيات ، وليس لهن ذكر في عيون الحاخامين ، وهن يظهرن فقط عندما تتعلق المسألة بالجنس ، فهم قد اهتموا بالشعائر عندما يكون لها أساس جنسي أو يكون لها نتائج جنسية للرجال.
وتقول أيضا : نظر المجتمع الذكوري الحاخامي إلى النساء على أنهن مخلوقات للجنس ، كما أن تشريعات الحاخامين تهتم بنشاطهن عندما يتعلق الأمر بقضايا جنسية .(11)
وتقول سوزانا هشل: تدخل النساء نقاش الحاخامين عندما يتعلق الأمر بحياة الرجل ، فهن يُذكرن عندما يتعلق الأمر بطلاقه وزواجه مثلاً ، كما أن الرجال هم الفاعلون دائماً في القضايا الشرعية ، والمرأة تكون الموضوع في هذه القضايا وليس الفاعل الذي يفتي (في الأمور) أو يفسر النصوص أو ينظم القوانين .(12)
ولم تكن المرأة اليهودية لتجرأ في السابق على رفع صوتها احتجاجا على هذه المعاملة ، إذ كان الحاخامون هم المسؤولون عن الحياة العامة التي يعيشها اليهود ، بل وعن سلوكهم كما ذكرنا ، وإذا ماكان هناك مااعتبروه مخالفة للشريعة وخروجا على حكمهم كان سلاح "الحرم " (الطرد من اليهودية) هو السلاح القوي والمؤثر الذي كانوا يستعملونه ضد مَن يعتبرونه خارجاً عن اليهودية.
ولكن بعد العصر الذي سمي بعصر تحرير اليهود في أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وإعطائهم حقوقاً ، والتي جعلتهم على قدم المساواة مع أبناء البلد الذي هم فيه ، أخذت سيطرة الحاخامين تضعف. وبدأت بعض المجموعات من اليهود المتأثرين بالقوانين التي صدرت من الحكومات الأوربية لصالحهم تخرج عن سيطرة الحاخامين، إما لأنها علمانية ، أو أنها أنشأت فرقا دينية أخرى على قدم المساواة مع الفرقة السائدة ، التي كانت الوحيدة والتي كان الحاخامون يسيطرون من خلالها على المجتمع. وكان من الطبيعي أن يكون لهذا التحرر من ربقة الحاخامين تأثير على المرأة، خاصة ضمن هذه المجموعات التي ظهرت. لأن هذه المجموعات الجديدة أرادت بالأساس فك القيود اليهودية الأرثودكسية عنها والتحرر من تشددها، والتخلص من قيودها ولكن نتائج هذا التأثير على المرأة لم تظهر إلا بعد عقود ، إذ لم يكن من السهل رفع قيود استمرت لعدة قرون بين ليلة وضحاها.
ظهور الحركة النسوية اليهودية
وكانت بداية الحركة النسوية اليهودية قد ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان يعيش أغلب اليهود هناك. ومما ساعد على ظهورها ما ُسمي بالموجة الثانية للحركة النسوية الأمريكية – حيث سبقتها موجة في بداية القرن العشرين- وتؤرخ هذه الموجة بصدور كتاب Feminist Mystique للكاتبة اليسارية بتي فريدن عام 1963م وهي كانت يهودية. وهي في كتابها هذا انتقدت وضع المرأة وسيطرة الرجل عليها واعتمادها عليه مالياً. وقالت إن هذا الوضع قد جعل المرأة محصورة في حياة خاوية وإحباط ، وجعلها مشدودة لحياة البيت، واتهمت المؤلفة في الوقت نفسه المؤسسات الدينية خاصة بوضع القيود على النساء ، وفرض الرجال عليهن في المجال الديني عامة ، وعدم إعطاء فرصة لهن ليعبرن عن هذا الجانب فيهنّ.
وكان لهذا الكتاب تأثير كبير على حياة المرأة الأمريكية ، وظهر على أثر نشره عدد كبير من المقالات والدراسات والكتب حول هذا الموضوع. وفي عام 1966م شُكلت منظمة وطنية نسائية في الولايات المتحدة الأمريكية باسم National Organization for Women وأصبح مختصرها (NOW) ورأست المنظمة بتي فريدن نفسها لفترة من الزمن. وكان هذا التاريخ قد بدأ مرحلة جديدة في تاريخ الحركة النسوية الأمريكية. وكانت من مطالب هذه المنظمة إزالة التفرقة بين الجنسين ، والتوقف عن التحرش الجنسي بالنساء في المكاتب والمدارس ، والسماح بإسقاط الجنين إذا رغبت المرأة بذلك ، وحرية منع الحمل ، وكذلك رفض العنف ضد النساء، وغير ذلك من مطالب أصبحت مميزة فيما بعد للحركة النسوية.
وكانت هذه الدعوات قد أثرت على النساء اليهوديات ، خاصة اللائي كنّ مهتمات بوضع المرأة في الحياة اليهودية وأخذن يكتبن ويتكلمن عن حقوقهن، . وانطلقن من المطالبة في أن يكون للنساء موقع رئيس وغير مهمش في الديانة اليهودية ، وإعطاؤهنّ فرصة مساوية أو شبه مساوية للرجل في الواجبات الدينية في العبادة ، وفي النشاط الديني وفي إدارة الكنيس. فطالبن بأن يكن حاخامات ومنشدات دينيات ، وعضوات في مجالس الكنس ومسؤولات تربية دينية إلى غير ذلك. ثم توسعت مطالبهن في المراحل اللاحقة حيث شملت القضايا الثقافية والإجتماعية ، وأمورا أخرى غيرها ، وهكذا نشأت الحركة النسوية في اليهودية بطريقة تختلف عن غيرها من الحركات النسوية الأخرى.
وكان من المقالات التي أثرت في تطور الحركة النسوية اليهودية مقالتان نشرتا في بداية ظهورها في أوائل السبعينات ، إحداهما بعنوان " حرية المرأة اليهودية المفقودة " كتبتها ترود ويس– روز– مرن وهي انتقدت في مقالتها ما اسمته ظلم الشريعة اليهودية للمرأة ومعاملتها وخذلانها لها ، خاصة في قضايا الزواج والطلاق . والمقالة الأخرى بعنوان "اليهودي الذي لم يكن هناك: الشريعة اليهودية والمرأة اليهودية" لراحيل أدلر، وهي أيضا انتقدت موقف الشريعة اليهودية منها وطالبت بتغيير نظرتها إلى تجربتها الدينية(13). وفي هذه الفترة أيضا أنشأت مجموعة من اليهوديات ينتمين إلى فرقة اليهودية المحافظة منظمة مهمة باسم "عزرت ناشيم" ، وهذه العبارة تطلق عادة على المكان المعزول الخاص بالنساء في الكنيس، ولكن المعنى الحرفي للكلمة الأولى يعني "مساعدة" وللثانية يعني "نساء" ويكون معنى الكلمتين " مساعدة النساء " وهو المقصود هنا باسم هذه المنظمة.
وعندما عقدت الفرقة المذكورة مؤتمرها السنوي عام 1972عقدت النساء في فترة انعقاده مؤتمرا خاصا بهن ، وفي نهاية المؤتمر أصدرن بياناً يحتوي على مجموعة من المطالب، وكان عنوان البيان " دعوة إلى التغيير " حيث انتقدن فيه معاملة الديانة اليهودية للمرأة وطالبن بالأمور التالية:
1- أن يسمح للنساء في أن يكن أعضاء في الكنيس.
2- وأن يكن جزءاً من المنيان (وهو العدد المطلوب في صلاة الجماعة وأقلّه عشرة وهو عادة يقتصر على الرجال البالغين).
3- وأن يسمح لهنّ بممارسة الشعائر الدينية كاملة.
4- وأن يسمح لهنّ بأداء الشهادة (التي هي عادة مقتصرة على الرجال).
5- وأن يسمح لهنّ بطلب الطلاق بدل أن يكون الطلاق من قبل الرجل فقط.
6- وأن يسمح لهنّ كذلك بأن يكن حاخامات ومنشدات دينيات.(14)
وإلى جانب كون هذا البيان فيه تحد للمؤسسة الدينية ، فإنه كان له صدىً كبير بين اليهود وبين أعضاء الحركة النسوية. وبعد سنة من صدوره صوتت فرقة اليهودية المحافظة بالموافقة على أن تكون المرأة جزءاً من "المنيان" وأن ينادى عليها لقراءة التوراة في الكنيس أمام المصلين وهو مايقوم به الرجال فقط . وكان هذا التصويت قد أحدث جدلاً بين أعضاء الفرقة ، حيث رفض بعض الحاخامين أن يطبقوا هذا القرار، وقد أظهر الاستطلاع في حينها أن 7٪ فقط من حاخامي هذه الفرقة يوافقون على ذلك.
بل إن الحاخامين المعارضين كونوا جمعية ضمن الفرقة نفسها أسموها "لجنة الحفاظ على التقاليد "(15) وقد تطورت هذه فيما بعد إلى منظمة كبيرة سميت "الاتحاد من أجل اليهودية التقليدية". وأصبحت المنظمة تضم مئات الحاخامين والعوائل ثم استقلت ، وأنشأت بعد ذلك كلية ترأًسها حاخام معروف ممن يعارضون الحركة النسوية. وعلى الرغم من معارضة هؤلاء فقد كانت الفرقة تسير في اتجاه الاستجابة لمطالب الحركة النسوية وإن ببطء.
وفي فترة السبعينات أيضاً أخذت تظهر بعض المظاهر الأخرى للحركة النسوية حيث قامت بعض النساء بإنشاء مجموعات سمّيت "الحبوروت" (الصديقات) ، وأخذن بأداء الصلاة سوية (والصلاة غير واجبة على المرأة في الشريعة اليهودية) ، ويدرسن سوية مع بعضهن البعض مستقلات ودون علاقة بفرقة من الفرق اليهودية.
وكان من مؤسسات مجموعات الحبوروت شخصيات نسوية مهمة ، مثل بولا هيمن ، وهي أستاذة جامعية معروفة ومن رائدات الحركة النسوية والمؤلفات فيها ، وقد شاركت في تأليف كتاب بعنوان"النساء اليهوديات في الولايات المتحدة الأمريكية" الذي نشر عام 1976م وغيره من كتب، وهي أيضا من مؤسسات "عزرت ناشيم". وجودث بلاسكو وهي أستاذة علوم دينية ، وكذلك المحررة المعروفة اليزابث كولتن ، التي شاركت في تحرير كتاب مهم عن الحركة النسوية اليهودية في سبعينات القرن الماضي. ومن المحاولات المهمة في هذه الفترة ، هو إنشاء معهد للدراسات النسائية في كليفورنيا أسسته غيرين فاين إحدى رائدات الحركة عام 1977م وأغلب المدرسات فيه من النساء وتدرس فيه التوراة والتلمود والكتب الدينية الأخرى.
وفي هذه الفترة أيضاً ظهرت بعض المجلات التي تهتم بالحركة النسوية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وربما كان أهم مجلة بينها هي مجلة "ليليث" ، وهي تكتب على غلافها عبارة " مجلة نسوية بامتياز . وهي بصورة عامة تعالج قضايا المرأة اليهودية ، وتدافع عن حقوقها وتركز على نشاطاتها ودورها في المجتمع اليهودي. كما أنها تكشف بين فترة وأخرى عن قضايا التحرش الجنسي ، التي تتعرض لها المرأة اليهودية ، خاصة تلك التي يمارسها بعض الحاخامين ، والتي تبقى عادة مسكوتاً عنها .
ويشارك في الكتابة فيها يهوديات مشهورات، مثل سنثيا أوزك وهي مؤلفة وراوئية وكاتبة معروفة، وكذلك بلاو غرينبورغ ، وهي مؤلفة أيضاً وصاحبة كتاب "المرأة واليهودية "، وإنما سمّيت المجلة باسم « ليليث » تيمناً بليليث التي ذكرت في الميثولوجيا اليهودية على أنها أول امرأة خلقت مع آدم (ولكن ليس من ضلعه كما هو مذكور في التوراة عن خلق حواء بل خلقت من تراب كما خلق آدم). وهي رفضت قيمومة آدم عليها كما ورد عن حواء في سفر التكوين 3/16 حيث جاء فيه مخاطباً الرب حواء "وإلى رجلك تنقاد أشواقك وهو يسود عليك ".
واعتبرت نفسها مساوية له. وتضع المجلة على كل عدد من أعدادها عبارة وردت في كتاب « الفباء بن سيرا » والعبارة هي " في جنة عدن وقبل أكل التفاحة خلق الرب المقدس أول مخلوق اسمه آدم وخلق امرأة اسمها ليليث وقالت لآدم نحن متساويان لأننا خلقنا من نفس الأرض (16).
وقد ورد اسم ليليث في سفر اشعيا 34/14 في النص التالي " وتلاقي وحوش القفر الضباع ويصيح الأشعر بصاحبه وهناك تقرّ ليليث "(17).
وفي عام 1981 أنشأت جودث بلاسكو منظمة باسم "بنوت إيش " ، وجاء في البيان الأول لهذه المنظمة أن هدفها استكشاف الجانب الروحي عند النساء. وأخذت نساء هذه المجموعة ، التي بدأت بست عشرة امرأة يجتمعن في نيويورك ويدرسن نصوصاً ويتناقشن حول النسوية نظرياً وعملياً ويصلين ، كما أنهنَ كن يركزن على الالتزام بالسبت كعمل روحي مهم.
وعلى الرغم من أن هذه المنظمة ظلت صغيرة إلا أنها أصبحت مؤثرة على الحركة النسوية اليهودية بسبب النشاط الذي تقوم به من نشر المقالات والدراسات ، والكتب التي تتعلق بالحركة النسوية ، خاصة تلك التي نشرتها مؤسِسة الحركة بلاسكو ، وقد تفرعت عن هذه المنظمة بعض المجموعات كان أهمها "أحوت نور" (أخوات النور).
وفي عام 1983م حدث شيء مهم لصالح الحركة ، إذ وافقت فرقة اليهودية المحافظة على قبول الإناث في معهد تخريج الحاخامين، وكان طلاب المعهد قبل ذلك من الذكور فقط. وكانت الدفعة الأولى التي قبلت تتكون من تسع عشرة طالبة .وقد تخرجت أولى الحاخامات عام 1985م (18).
كما أن فرقة اليهودية الإصلاحية أيضاً قامت بهذا العمل ، حتى أصبح فيما بعد عدد الحاخامات مساوياً لعدد الحاخامين في هذه الفرقة. كما أن اليهود الأرثودكس الذين هو أكثر إنشداداً للماضي وتمسكاً بالشريعة والتقاليد القديمة أصابهم هذا التأثير ، إذ أخذت مجموعات نسائية منهم يقمن بدراسة التلمود – وهو شيء لم يكن معروفاً من قبل – وكذلك إقامة صلوات خاصة بهنَ فاضطر زعماء اليهود الأرثودكس بسبب قوة الحركة النسوية أن يسمحوا لبعض النساء بأن يكن مرشدات إلى جانب المرشدين في الجماعة.(19)
وانتشر نشاط النساء الأرثودكسيات في عدة دول ، ومنها بريطانيا حيث اخذت جماعات من "الحبوروت" يقمن الصلاة سوية ، وببعض النشاطات الأخرى بعضها مرتبطة بالكنيس وبعضها غير مرتبطة به، وأخرى مرتبطة بمعاهد دراسية .وهناك منظمة في الولايات المتحدة وكندا تجمع عدداً كبيراً من هذه الحبوروت وتسمى "لجنة الحبوروت الوطنية" ، وهي تنظم حلقات دراسية واسعة في الصيف يشترك فيها عدة مئات من النساء والرجال (20).
كما أنشأت النسويات الأرثودكسيات منظمة خاصة بهن عام 1997م اسمها "الاتحاد اليهودي للنسويات الارثودكسيات" عندما عقد المؤتمر العالمي الأول حول النسوية والأرثودكسية. وقد واجهت هذه المجموعات نقداً شديداً من اليهود الأرثودكس في الولايات المتحدة الأمريكية ،ومع ذلك فإن انتشارها قد توسع. ولهذه المنظمة اليوم حضور قوي في بريطانيا إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية. كما أعلن حاخام معروف-أفي ويز- من نيويورك ، وهو من اليهود الأرثودكس أنه منح لقب حاخامة لإمرأة تخرجت من مدرسته ، ولكن مجلس الحاخامين في الولايات المتحدة الأمريكية أعلن عن رفضه القاطع لذلك ، وقرر في اجتماعه السنوي بأنه سوف لايقبل أن تنضم إمرأة للمجلس بأي عنوان كان. وكانت هناك دعوة لطرد الحاخام من هذا المجلس وهو اضطر تحت الضغط أن يتعهد بأن لايضفي صفة حاخامة على أية خريجة من مدرسته. وقد اعتبرت بلاو غرينبرغ –إحدى رائدات الحركة- أن قرار المجلس كان خطوة كبيرة إلى الوراء. (21)
وتأثرت اليهوديات في إسرائيل كذلك ، وأخذت أصوات بعضهن ترتفع مطالبة بدور أكبر في مجال الدين وبدأن بالقيام بممارسات لم تكن معهودة أو معروفة في إسرائيل ، وقمن بتنظيم مجموعات منها مجموعة " نساء الحائط " وتتزعم هذه المجموعة زوجة أحد الحاخامين .(22). وتذهب هؤلاء النساء إلى حائط المبكى للصلاة والدعاء عنده في كل رأس شهر، ويلبسن الطاليت والكباه(وهما خاصان بالرجال في التقاليد اليهودية) ويقرأن التوراة. ولما كان هذا النشاط يعتبر عند اليهود الحريديم خاصة مخالفا للشريعة اليهودية ، فإنهن يتعرضن في كل مرة إلى هجوم من قبل طلاب المدارس الدينية (اليشفوت) ، حيث ينادى عليهنَ بكلمة " نازيات" وغيرها من الشتائم ، ويسحب الطاليت منهنّ بل ويرمَين أحياناً بأكياس من الغائط. وفوق هذا فقد أصدرت المحكمة العليا قرارا عام 2003م طبقا لرغبة الحكومة يمنع المنظمة من قراءة التوراة ،أو تلبس نساؤها الطاليت أو يضعن التفلين في المكان العام عند حائط المبكى ، بدعوى أن هذا يسيئ للأمن الإجتماعي. وعلى اثر هذا القرار أخذت الشرطة تقوم باعتقال النساء اللائي يخالفن هذا القرار. ولم يمنعهنّ هذا الاعتداء من الإستمرار في الذهاب إلى حائط المبكى إذ هن مازلن يقمن بذلك.
وفي بعض الكنس في إسرائيل مثل كنيس " شيراه حدشاه " (الأغنية الجديدة) تقوم النساء بقراءة التوراة ، وكذلك يقمن بقراءة جزء من الصلاة أيضاً أمام المصلين ، وهو شيئ محرم عليهن عند اليهود الأرثودكس.والحركة النسوية في إسرائيل اليوم هي حركة قوية ونشطة وقد صدرت كتب ودراسات عن نشأتها وتاريخها ونشاطها.
وفي عام 2008م أعلن معهد شالوم هارتمن للدراسات اليهودية – وهو معهد أرثودكسي)للأرثودكس المحدثين) في إسرائيل – أنه سيبدأ بفصول دراسية للرجال والنساء تستمر لأربع سنوات لتتخرج المرأة فيه حاخامة أرثودكسية. ويعتقد أن هذه الخطوة ستثير حفيظة المؤسسة الدينية الأرثودكسية حيث تعتبرها تحدياً لها. إذ أن المعهد سيؤهل النساء ليس فقط كمعلمات للدراسة الدينية ، بل كحاخامات للكنس يصلين ويخطبن ، كما هو موجود في بقية الفرق اليهودية.
وعلى الرغم من أن الحاخامات النساء-في الفرق غير الأرثوكسية- قد كثر عددهن وأصبحن ظاهرة عادية اليوم ،إلا أن بعض أعضاء الحركة يعتبرن ماتحقق هو مساواة شكلية وليست حقيقية، بل هو على أحسن تقدير كما يقلن مساواة جزئية ويجب أن يقود إلى مساواة كاملة ، إذ أن الحاخامات-كما يقلن هؤلاء- مازلن يدرسن التاريخ الذكوري ، ويعظن بالوعظ الذكوري ، ويصلين بالصلاة التي تشير إلى الرب والى المصلي بضمير المذكر.
أحتفالات ومناسبات خاصة بالمرأة
ترى الحركة النسوية اليهودية ضرورابتداع مناسبات واحتفالات خاصة بالمراة كجزء من تحقيق هويتها واستقلاليتها، ولذلك أخذت الحركة تنشئ وتبتدع بعض المناسبات لبعض الحالات الخاصة بالنساء، أو تطور ما هو موجود في اليهودية أوتضيف عليه. فأصبحت أحداث مثل ،الولادة ،والفطام ، والبلوغ والزواج والطلاق ، وسن اليأس والعقر، والحمل وسقوط الحمل ، والإجهاض والشهر الجديد، مناسبات تحتفل بها الحركة النسوية وتحتفي بها. ومن الاحتفالات التي ابتدعتها هي تلك التي تتعلق بولادة البنت ، كما يُحتفل بولادة الذكر (حيث يعطى له اسما عبريا). وقد سمَت الحركة النسوية هذا الاحتفال بالعبرية "سمحت بت" (مسرّة البنت) وبعضهن يسمينه " شالوم بت " (سلامة البنت). وفي هذا الاحتفال يتحدث الأبوان حديثاً قصيراً يرتبط بالمناسبة وهدفها واهميتها للبنت.
كما ابتدعت الحركة أيضاً احتفالاً يسمى " بريت بانوت " (عهد البنات) وهو يقابل " بريت ملاه "(عهد الختان) ، الذي يحتفل فيه اليهود عند ختان الطفل الذكر في اليوم الثامن. وبهذه المناسبة يتحدث الأبوان حديثاً قصيراً أيضاً. وعند بعض المجموعات تغطس البنت في حمام شرعي ، أو تٌغسل رجلاها وهو عمل يتعلق بالجسم كما الختان عند الذكر .(23). وهذه الاحتفالات التي ابتدعتها الحركة غرضها التأكيد على أهمية المرأة وجعلها مثيلة للرجل منذ الصغر.
وربما بسبب تأثير الحركة النسوية ، أدخلت الفرقة الإصلاحية بعض الأدعية والطقوس في كتب الصلوات تتعلق بالاحتفال بالبنت . ومن هذه الاحتفالات الاحتفال الذي سمّي "فديون هابت" (فدية البنت) عندما تكون أول من يولد ، وهو أيضاً يقابل الاحتفال بالذكر البكر الذي يسمى "فديون هابن" (فدية الإبن) ، الذي يكون عادة في اليوم الواحد والثلاثين بعد ولادته.
كما أن الحركة أوجدت احتفالاً بمناسبة فطام البنت ، وكذلك أوجدت صلوات خاصة تقرؤها المرأة عند حملها وعند سقوط جنينها .(24) .
وقد أصدرت Deburah Kohen كتاباً عام 2001م يتضمن طرقاً للاحتفال بولادة البنت ، وبعض مراحل حياتها أسمته Celebrating your new Jewish Daughter .(25) أما بالنسبة إلى احتفال " البت مصفاه" (الذي يعني حرفيا بنت التكليف الشرعي)، والذي يحتفل به بمناسبة بلوغ البنت سن الرشد (12 سنة) فهو احتفال كان معمولاً به منذ عشرينات القرن الماضي. ويعتقد أن الحاخام مردخاي قبلان – مؤسس فرقة إعادة بناء اليهودية – هو رائده والبادئ به في الولايات المتحدة الأمريكية ، عندما احتفل ببلوغ ابنته سن الرشد. وقد أصبح هذا الاحتفال شائعاً بين الفرق اليهودية ، عدا اليهود الأرثودكس وهو يقابل احتفال "بار مصفاه" ، عندما يبلغ الذكر سن الرشد في الثالثة عشرة من عمره.
ومن هذه الاحتفالات التي أنشأتها الحركة النسوية احتفال خاص عندما تبدأ المرأة دورتها الشهرية، وهي في هذه الحالة تعتبر طبقاً للشريعة اليهودية نجسة ، وتكون معزولة حتى تطهر من طمثها بعد اغتسالها في الحمام الشرعي. وعند بعض اليهود لا تكون المرأة نجسة فقط ، بل إنها تنجس ماتلبسه وما تمسّه. وكان من عادات بعض اليهود الأوربيين أن البنت إذا أخبرت عن بداية الدورة تُضرب على وجهها ضربا خفيفا ، وعند يهود إيران كان يقال للبنت "لقد بدأت المشاكل". ويبدو أن ابتداع الاحتفال بهذه المناسبة ، هو تعبير عن الرفض لهذه المعاملة وتغيير طبيعتها. كذلك تحتفل الحركة بعد أن تطِهر المرأة نفسها من دورتها في الحمام الشرعي.
ومن الاحتفالات التي ركزت عليها الحركة النسوية الاحتفال بعيد الفصح الذي يسمى عند اليهود " فصح " ، وهو قد أصبح احتفالاً مركزياً بالنسبة إلى أعضاء الحركة النسوية. لأن هذا الإحتفال يعتبر عند اليهود عيد تحرير لهم من المصريين القدماء ومن ظلم الفراعنة(26) طبقا لما تذكره التوراة. ويركز الاحتفال على دور المرأة في هذا الحدث ، والإهتمام بها وأخذت الحركة بابتداع بعض الشعائر والطقوس لهذه المناسبة.
ومن المناسبات التي اهتمت بها الحركة النسوية اليهودية هي الاحتفال بالشهر الجديد الذي يسمى بالعبرية " روش حدش "(راس ألشهر). وعلى الرغم من أن اليهود عموما يعتبرونه مناسبة ، إلا أنه أصبح احتفالا خاصا بالنساء ، حيث كانت تحتفل به المرأة في اليهودية في القرون الماضية.
وهذا الاحتفال لايؤكد عليه الحاخامون ، مع أن هناك اشارة له في التوراة عن توقف العمل فيه كما جاء في سفر عاموص8/5(... قائلين متى يمضي رأس الشهر فنبيع الحبوب و(يمضي)السبت فنصرف القمح..) ولكنهم أخذوا فيما بعد يعطون سببا لخصوصيته بالمرأة دون أدلة تاريخية. وهذا السبب كما يذكرون هو أن النساء امتنعن أن يعطين حليهن الذهبية عندما أراد بنو إسرائيل أن يصنعوا عجلا ذهبيا يعبدونه في غياب موسى ، وقلن لأزواجهن أنتم تريدون أن تصنعوا وثنا لايغني ولايسمن من جوع ونحن لانعطيكم حلينا، وبسبب ذلك كافأهن الرب ، وجعل رأس الشهر الجديد عيدا لهن. (27) وهذا الذي يذكره الحاخامون ليس مذكورا في التوراة ، وماهو مذكور فيها هو أن الرجال أُخبروا أن ينزعوا حلي زوجاتهم وبناتهم وأولادهم ويعطونها لصنع العجل.
وبمرور الزمن أخذوا يؤكدون على ضرورة توقف النساء عن القيام بأي عمل كغسل الملابس وغيره مما تقوم به المرأة في البيت. وهذا الامتناع مذكور في الأدبيات اليهودية وما أشير إليه في التوراة هو عام وليس خاصا بالنساء.
وفي القرون الوسطى كانت بعض النساء في أوروبا يستغللن الفراغ الذي هنَ فيه ويقمن بلعب القمار. ونعرف ذلك من إحدى فتاوى الحاخامين من هذه الفترة في إيطاليا حيث جاء فيها " إن النساء اليهوديات اللعوبات ، أخذن يبذرن مال العائلة ، ويقمن بلعب القمار أثناء فراغهنَ في (عطلة) الشهر الجديد " .(28) ومن مظاهر هذا الاحتفال هو إشعال الشموع في ليلة أول الشهر ، أو في اليوم الأول منه.(29) ، ولكن هذه العادة أخذت تتلاشى بمرور الزمن.
وفي العصر الحديث أعادت الحركة النسوية الحياة إلى هذه المناسبة ونفخت فيها الروح ، حيث تحتفل بها بشكل يتسم بالجدية والإهتمام والسعادة. وبدأت عضواتها في سبعينات القرن الماضي يحتفلن فيها جماعياً ، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ، ثم انتقلت هذه العادة إلى النساء الإسرائيليات. وتقوم النساء في هذه المناسبة بعدة نشاطات كالعروض الفنية ، وعزف الموسيقى وطبخ أنواع من الطعام مختلفة ، والتبرع للجمعيات الخيرية. كما وضعن بعض الابتهالات (تخنّوت) لهذه المناسبة ، وكذلك بعض الأناشيد حيث يقمن بأدائها سوية، كما نشرت بعض المقالات والكتب عنها.
وربما كانت أول مقالة مهمة نشرت حول هذا الاحتفال هي مقالة ارلين اوغس بعنوان " هذا الشهر لك: الاحتفال بالأول من الشهر كمناسبة للنساء " نشرتها في سبعينات القرن الماضي ثم نشرت بنينا ادرمان كتابا بعنوان ينبوع مريم.(30) وغيرهما من كتب.
لغة جديدة في الإشارة إلى الإله
وتقدمت الحركة النسوية خطوة أخرى أكثر جرأة وتحدياً فيما تسميه التحرر من السيطرة الذكورية ، حيث أخذ نقدها يطال اللغة التي تستعمل في الإشارة إلى الإله في الصلوات والأدعية والأناشيد الدينية . فما هو مستعمل في اليهودية هو صيغة التذكير عند الإشارة إلى الرب في الأسماء والصفات وغيرها ، مثل سيد وملك وراع إلى غير ذلك. وكذلك عندما يشبه بشيئ للدلالة على القوة فإنه يشبه باسم مذكر مثل تشبيهه بالكلمة العبرية "سلع" التي تعني بالعربية "صخرة"(وهي بالعبرية اسم مذكر). وتقول جودث بلاسكو "إن اللغة المستعملة (في الإشارة إلى الرب) هي لغة منتقاة وغير محايدة ، بينما يفترض في الإله أن يتجاوز الجنس فالأسماء والصفات المستعملة تعطي معنى القوة والتسلط. والرب في لاشعور اليهود هو صاحب الصوت الهادر، وهو الملك والسيد الذي يحكم الناس ويقودهم إلى الحرب.." وتقول أيضاً "عندما يكون الرب ذكراً ونحن خلقنا على صورته فكيف لا تكون الذكورية هي القاعدة العامة لليهود...إن كتاب الصلاة الذي يستعمل صيغة المذكر، يمنع المرأة من المشاركة في الحياة الدينية والتعليم وغيرهما ، إنه من الضروري أن يكون هناك جانب أنثوي للرب ، حيث سينعكس هذا على الطبيعة الإنسانية لليهودي. وهي ترى بأن هناك ما يمكن الاستعانة به في التراث اليهودي(في هذا الموضوع) والإستفادة منه." (31)
وبعضهن يرين بأن من الأفضل استعمال الصيغتين معاً أي التذكير والتأنيث إشارة إلى الرب ، ويشرن في هذا الصدد إلى أمثلة في التراث اليهودي استعملت الصيغتين. ومن الأمثلة التي يعطينها ما جاء في سفر اشعيا 42/13 – 14 (وإلاستعمال تشبيهي هنا): "الرب كجبار يبرز كرجل قتال ، يثير غيرته ويصرخ صرخة إنذار ، ويزعق ويتجبر على أعدائه. إني سكتُ طويلاً وصمت وضبطت نفسي ، والآن أئن كالتي تلد وأتنهد وألهث ".
وكان قد ظهر كتاب صلاة في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1980 وفيه بعض المقاطع المترجمة من المزمور 147 استعملت فيه الصيغتان للمؤنث والمذكر حيث جاء فيه " إنها (بدل إنه) تجلل (بدل يجلل) السماء بالغيوم ويهيء المطر للأرض وتنبت (بدل وينبت) العشب في الجبال ، ويرزق البهائم طعامها ولفراخ الغربان التي تصرخ "(32)
ويعترض عدد من النسويات على هذا الإستعمال ويعتبرنه ثنوية في العقيدة ولكن أخريات يقلن بأن استعمال لغة التذكير والتأنيث معاً لا يعني الإشارة إلى إلهين مذكر ومؤنث ، "لأننا نعتقد بإله واحد"، بل إن استعمال الاثنين معاً كما يقلن يعني أن لا أحد منهما كافياً.(33). ويرى البعض منهنَ أن تبدل الاستعمالات المذكرة كليا بالمؤنثة فبدل ملك الكون تستعمل " ملكة الكون " وهكذا. وترد دينا غروس على من يقول إن استعمال الأسماء والصفات المذكرة إشارة إلى ألرب ليس استعمالا حقيقيا بل هو شيئ تعارف عليه الناس وساروا عليه، ولايقصد بها معناها الحقيقي بالقول "إذا لم تكن الاستعمالات المذكرة مقصودة لذاتها وأنها شيء قد تعارف عليه الناس ، فلماذا يكون هناك رفض للاستعمالات المؤنثة وهي تقترح الاستفادة من الرموز الأنثوية ، التي تستعمل في الأديان الأخرى وتطويرها كي تناسب اليهودية(34).
ولكن هذا الرأي يجد معارضة من قبل بعض النسويات الأخريات مثل سنثيا أوزك ، حيث يرين في هذا رجوعاً إلى الوثنية ، وإلى عبادة عشتار وفينوس وغيرهما ، والتي جاءت اليهودية للتخلص منها كما تقول .وتقول أيضاً "إذا أصبحت الاستعمالات مؤنثة فإن هذا سيغير اليهودية ، وستصبح شيئاً آخر ولا تبقى يهودية ، ويصبح ما كان يقوله اليهود ليلاً ونهاراً " إن الرب إلهنا واحد " في صلواتهم لقرون لا معنى له".(35).
وأخريات رأين أن يستعمل الضمير الحيادي (it) بدل التذكير والتأنيث ، كإشارة إلى الرب. وممن يرى هذا الرأي منهن الشاعرة الأمريكية مارشيا فولك ، التي نشرت في تسعينات القرن الماضي ديواناً بعنوان " كتاب البركات " ، وقد استعملت فيه الضمير الحيادي إشارة إلى الرب ، كما أنها استعملت صيغاً أخرى عند الإشارة إلى الجماعة التي تصلي ، تشمل النساء والرجال وتشمل الأجداد والجدات (كلمة آبائنا واجدادنا تستعمل كثيراً في الصلوات اليهودية). وهي تقول إن كل ما استعملته له جذور في اليهودية في الكتاب المقدس والمدراش (تفسيرات وتعليقات الحاخامين على التوراة) والفيوطيم (الأشعار الدينية).(36).
ولكن هذا أيضاً واجه نقداً من نسويات أخريات حيث يقلن إن فيه بعداً عن الرب وهو غريب تماماًعن تقاليد الصلوات اليهودية. وإضافة إلى هذا الإعتراض فإنه من غير الممكن استعمال الضمير الحيادي في اللغة العبرية ، لأنها مثل العربية ليس فيها إلا نوعان من الضمير لاثالث لهما ، وهما المذكر والمؤنث للبشر وللأشياء.
وما تقترحه الحركة النسوية في هذا الخصوص يثير حفيظة اليهود الأرثودكس وغضبهم ، ويرفضون كل ماتقترحه هذه الحركة ، إذ هم يرون أن كل ماورد في اللغة التقليدية من أسماء وصفات تشير إلى الرب هو مقدس ولايجوز التلاعب به أو تغييره ، ويضيفون أن ذلك سيحدث شرخا عميقا بين لغة الصلاة ولغة التلمود والمشناة. ولكن الجدل حول هذا الموضوع مازال محتدما إلى اليوم، وأصبح له تأثير واضح على اللغة التي يستعملها اليهود في إشارتهم إلى الرب ، حيث شاعت استعمالات ماكانت شائعة وظهرت مصطلحات ماكانت معهودة ، ككلمة "ملجأ" و"روح" وغيرهما إشارة إلى الرب من قبل الشعراء والشاعرات والروائيين والروائيات. كما يجد هذا النقاش حضورا واضحا في المؤتمرات والندوات التي يعقدها اليهود عن المرأة.
تأثير الحركة النسوية على اليهودية
وعلى الرغم من تحقق الكثير للنساء اليهوديات منذ أن بدأت حركتهن ، حيث أصبحن حاخامات ومشاركات في كثير من القضايا الدينية التي كن بعيدات عنها لفترة طويلة ، فإنهنَ مازلن يطالبن بالمزيد ، ويعتقدن بأنهن لم يحققن ما يطمحن إليه. فالحاخامات كما يقلن ما زلن يشعرن بالتفرقة ضدهن ، وصعوبة الحصول على عمل .
وقد اُعتبر ما قامت به الحركة النسوية في اليهودية ثورة بكل المقاييس ، فقد جاء في إحدى المجلات اليهودية الأمريكية في عام 1980م أن ما قامت به الحركة النسوية اليهودية يعتبر ثورة اجتماعية غيَرت مجرى الحياة اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد بدأت هذه الثورة قبل عشر سنوات بإعادة النظر بالشريعة اليهودية التي جعلت النساء في وضع من الدرجة الثانية.(37)
وآخرون رأوا فيها ليس ثورة اجتماعية حسب بل أيضاً ثورة دينية، فهي ثورة في وضع المرأة وحقوقها ودورها، ولايشبه هذه الثورة إلا ما حدث لليهود في حركة النهضة والحركة الصهيونية. فثورة النسوية لم تؤثر على المتدينين فحسب بل إنها أثرت على العلمانيين كنقد النسوية لدور العائلة في اليهودية، وهي أيضاً ثورة لأنها تتحدى الديانة اليهودية ونظامها ، وكذلك تتحدى التقاليد الاجتماعية المتعارف عليها.(38).
وما يؤكد هذا ما قالته جودث بلاسكو بان ما سينتج عن الحركة النسوية اليهودية هو ليس فقط إعادة النظر بالهلخا (الشريعة) ، بل يتجاوز ذلك لأن تأثير الحركة سيشمل تغيير الأسس للحياة اليهودية بصورة عامة. فالحركة تطالب بفهم جديد للتوراة ، وفهم جديد للرب وبفهم جديد لليهود. والفهم الجديد للتوراة -كما تقول- يعني الاعتراف بظلم التوراة العميق (للمرأة) ، لأن النظرة الدونية لها سمَم مضمون الشريعة وبنيتها، وكذلك التقاليد والتراث بصورة عامة.(39).
ويرى البعض منهن أن تأثير الحركة النسوية على اليهودية هو تأثير إيجابي ، إذ أضاف إليها بعداً آخر يتسم بالروحانية والإبداع والحيوية، وإذا استمر بقاء الحركة النسوية على ما هو عليه فستكون اليهودية في المستقبل أكثر قوة وأكثر تمثيلا بحق لمُثل الأنبياء.
ويقول تشارلس سلبرمن " من المحتمل ان الطاقة التي أرسلتها الحركة النسوية اليهودية ستكون على المدى البعيد مصدرا مهما للتجديد الديني.(40)
ولكن الحركة النسوية اليهودية تُتقد من قبل الكثير من اليهود ، وقد رأينا كيف أن بعض الحاخامين احتج على قبول النساء كحاخامات وانشق على فرقته. وأكثر الذين ينتقدون الحركة هم اليهود الأرثوذكس بكل أطيافهم – متشددين وغير متشددين – حيث قال بعضهم:
" إن ما تقوم به الحركة النسوية هو تحريف كامل لليهودية التقليدية، وهوسيؤدي إلى الإنحراف عن الطريق السوي .(41) وقال آخرون بأن الحركة النسوية ستدمر اليهودية وشعائرها ، بل وتدمر العائلة اليهودية.
وتساءل غيرهم عما ستكون عليه طبيعة اليهودية الحالية بعد أن تطال الحركة النسوية التوراة والشريعة والأغداه (تعاليم الحاخامين غير الملزمة)، والأخلاق والصلوات و"الثيولوجي" ، وحينها ستكون اليهودية ضعيفة ومتهالكة.
-------------------------------------------
هوامش:
*هناك اليوم آلاف النساء اليهوديات داخل إسرائيل وخارجها ممن يرفض أزواجهن طلاقهن لأسباب مختلفة ومنها الإبتزاز. وتسمى المرأة التي في هذا الوضع بالعبرية "أغوناه" وهي تعني "المقيدة" لأنها لم تحرر من قيد العلاقة الزوجية بالطلاق وأصبحت هذه الحالة اليوم مشكلة كبيرة خصصت لها النساء اليهوديات منظمات كثيرة من أجل إيجاد حل لها
(1) S.Sheridan.(ed) Hear Our Voice,p.93(London,1994)
و"فرقي أبوت" هي رسالة في المشناة – تعني "أخلاق الآباء" وهي تحتوي
على اقوال الأحبار القدماء من اليهود ويقرأ بعضها في الاعياد
(2)I. Shahak I, andN. Mezvenisky,,Jewish Fundementalism in Israel(London,1999),p38
(3)42-14
(4) S. Sheridan(ed) op. cit.p.X11
(5R.)R.Biale, Women and Jewish Law,( New York 1984),pp.32-3
(6)S. Sheridan,(ed).op.cit. p.85
(7) Talmud Torah,Law,chapter 1, rule 13
(8)R.Biale Women and Jewish Law,pp 32-33
(9)S. Sheridan,(ed.) op.cit p152
(10)Ibid,p54
(11)Ibid.p.128and p. 138
(12)Ibid,p.154
(13)J.Wertheimer, A People Divided(New York,1993),p.22
وقد أصدرت راحيل أدلر عام 2002 كتابا بعنوان "اليهودية النسوية الماضي والمستقبل"
(14)Ibid,p.145
(15)Ibid, p.146
(16)
يعتقد ان بن سيرا عاش في القرن الثاني قبل الميلاد وهو صاحب كتاب يسمى "حكمة بن سيرا".وكتاب الألفباء الذي ينسب له يعتقد أنه ألف في القرون الوسطى وهو يحتوي على أمثال وقصص شعبية وأساطير وحكم مرتبة على الحروف الأبجدية
يرجع أصل ليليث إلى البابليين وربما إلى السومريين ففي17)) ميثولوجيا بلاد مابين النهرين نجد ليلو وليلتو (ذكر وانثى) وكذلك وجد نص أشوري لتميمة لمنع ضرر هذين ، وقد عثر في شمال سوريا على شكل لشيطانة مجنحة (من القرن السابع أو الثامن قبل الميلاد)حيث جاء فيه( (إلى من تطير في غرفة الظلام اخرجي بسرعة ياليليث).
وهي في تراث اليهود مخلوق سيئ وقبيح فقد وصفت بالمومس والشريرة والكاذبة والسوداء،وأخذت تعرف فيما بعد بأنها زوجة إبليس . ويعتقد الكثير من اليهود أن ليليث تحاول دائما أن تقتل الأولاد عند ولادتهم ولذلك يضعون عند ولادة الطفل أحرازا وتمائم عند رأسه وعلى جدران الغرفة لتمنع ليليث من ضرر الاطفال كما يعتقدون، وعند اليهود الشرقين ترسم ليليث مقيدة.
(18)S.G.Freedman, Jews VS Jews,(New York,)op.121
(19)Ibid,p.121
(20)H.Haker, S,Ross,S.,andM-Th.Wacker(eds) Women Voices in the World Religion(Londo.2006)p.17
(21 )Jewish Chronical Newspaper,30/4/2010
(22)S.G. Freedman, op.cit p.122
(23)S.Sheridan,(ed)op. cit.pp72-73
(24)Ibid,p73
(25) Jewish Chronical News paper, 18/5/2001
(26)S.G. Freeddman, op cit.p73
(27)
.وكانت بعض الشعوب القديمة تربط بين القمر والإخصاب وكان بعضها يسمي القمر سيد النساء
(28)S.Sheridan,(ed)op. cit. p.123
(29)Ibid, p 124
(30)Ibid,p.125
(31)S. Heschel,On Being a Jewish Faminist,(New York ,1983)pp.227-229
(32)S.Sheridan(ed),op.cit .p.147
(33)Ibid,pp166-168
(34)S.Heschel,op. cit p242
(35)Ibid,p.121
(36)J.Neusner andA. Avery-Peck.(eds.)The Blackwell Reader in Judaism,(Malden,Mass,2001) p.319
(37)S.Heschel, op. cit..,p.p337
(38)S.Sheridan,op. cit.p116
(39)S.Heschel,op cit.p.231
(40)Ch. Silberman,Certain People,p.262( USA 1986)
(41)S.G.Freedman,.op. cit.p123
#جعفر_هادي_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟