|
بلفور الفلسطيني!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3156 - 2010 / 10 / 16 - 15:15
المحور:
القضية الفلسطينية
لو صَدَقَ زَعْم ياسر عبد ربه أنَّه في "الاقتراح الفلسطيني المضاد" الذي أدلى به لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تلبيةً لدعوة إدارة الرئيس أوباما الفلسطينيين إلى التقدُّم بهذا الاقتراح، كان يتحدَّث باسم "القيادة الفلسطينية" لَفَقَدَت تلك القيادة فوراً أهليتها وشرعيتها للتحدُّث باسم الشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون ليسوا قَوْماً من الأغبياء حتى يفهموا ما قاله عبد ربه على أنَّه أمْرٌ شكليٌّ خالص، وكأنَّ الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"، تخصُّ "الشعب اليهودي" حصراً، وتقوم على أرضٍ هي نفسها، أو هي، "الوطن القومي (السرمدي)" لهذا "الشعب"، يَعْدِل، لجهة "شكليته" وضآلة أهميته ووزنه، أنْ يعترف الفلسطينيون بإسرائيل على أنَّها "دولة صينية"، إذا ما أرادت!
لقد "اقترح" نتنياهو، في العاشر من تشرين الأوَّل الجاري، أنْ يُخاطِب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس شعبه، محيطاً إيَّاه عِلْماً أنَّه يعترف باسمه، أي باسم الشعب الفلسطيني، بإسرائيل على أنَّها "دولة يهوديه"؛ فإذا فعلها، أصبح ممكناً، على ما يُفْهَم من كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي، أنْ تقرِّر الحكومة الإسرائيلية تقديم "تنازل مؤلم"، هو تجميد النشاط الاستيطاني (كما جمَّدته من قبل عشرة أشهر) شهرين آخرين (لن يُجمَّد أبداً بعد انقضائهما)!
إنَّها "مقايضة" فيها مِمَّا يرضي الفلسطينيين ما يُعْجِزَهم عن مقاومة إغرائها، فسارعت إدارة الرئيس أوباما، التي بدت مؤيِّدة لاعتراف الفلسطينيين بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"، وفق "اقتراح" نتنياهو، إلى دعوة السلطة الفلسطينية إلى التقدُّم باقتراحها المضاد، والخاص بها، حتى يصبح في مقدور "الوسيط" أنْ يتقدَّم بـ "الاقتراح الثالث"، الذي فيه قد يدعو إلى "حلٍّ نهائي" يقوم على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية" في مقابل اعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية في حدود 1967، بعد تعديل للحدود، وتبادل للأراضي.
قد يصحُّ إداراج "اقتراح نتنياهو" و"اقتراح عبد ربه" في هذا السياق، فهل ترفض السلطة الفلسطينية هذا "الاقتراح الثالث (المحتمل)"، إذا ما قبله نتنياهو، أو بدا مستعداً لقبوله؟!
عبد ربه سرعان ما لبَّى دعوة إدارة الرئيس أوباما، متجشِّماً التقدُّم بـ "الاقتراح (الفلسطيني) المضاد"، فقال، وكأنَّه يلعب لعبة إحراج نتنياهو، إنَّه (بالأصالة عن نفسه، ونيابةً عن القيادة الفلسطينية) مستعدٌ للاعتراف بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية (او صينية..)" إذا ما قَبِل نتنياهو دولة فلسطينية يشمل إقليمها كل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران 1967، وتتَّخِذ من القدس الشرقية عاصمة لها.
وهذا "الشرط (الفلسطيني)"، والمُعبَّر عنه بعبارة "إذا ما"، قد يلبَّى باقتراح من قبيل أنْ يحصل الفلسطينيون على "المساحة نفسها"؛ لكن بعد "تعديل الحدود"، ومن خلال "تبادل الأراضي"!
وبقي النصف الآخر من المهمَّة، والذي لم يتجشَّم عبد ربه إنجازه، ألا وهو إقناع اللاجئين الفلسطينيين (نحو خمسة ملايين لاجئ) وما يسمَّى "عرب إسرائيل (نحو 1.3 مليون فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية)"، بأنَّ الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"، تخصُّ "الشعب اليهودي" فحسب، لن ينزل عليهم إلاَّ برداً وسلاماً، ولا يضرَّ بحقوقهم ومطالبهم ومصالحهم!
دَعُونا نصدِّقه، ونُقْنِع أنفسنا، بأنَّ "بلفور الفلسطيني" كان "يلعب" فحسب، وأنَّ "لعبته" لا تستهدف سوى "إحراج" نتنياهو، أو "إعادة الكرة إلى ملعبه"، فَلْيُعْلِن عبد ربه (ويفضَّل عبر صحيفة "هآرتس") أنَّه (وباسم القيادة الفلسطينية) لن يتخلَّى عن "حق العودة" لللاجئين الفلسطينيين، أي حقهم في العودة إلى أراضيهم وبيوتهم التي هجِّروا منها في خلال حرب 1948.
إنَّ الاعتراف (الفلسطيني) بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية" هو، في ما يخصُّ قضية اللاجئين الفلسطينيين، إعلان تخلٍّ، غير مباشِر، عن "حق العودة"، في معناه الحقيقي والأُم، وكأنَّ هذا الاعتراف، مقارنةً بإعلان التخلِّي الصريح والمباشِر عن "حق العودة"، هو أهون الشرِّين فلسطينياً!
ربَّما (فنحن في زمن فلسطيني وعربي يُعْجِزنا عن تمييز شيء من شيء) يُفجِّر عبد ربه "قنبلته الثانية"، مُعْلِناً، هذه المرَّة، في صحيفة "هآرتس" الفلسطينية، وليس الإسرائيلية، أنَّ الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية" لن ينال أبداً من قوَّة استمساكه بـ "حق العودة"، فإنَّ للاجئين الفلسطينيين جميعاً (وللاجئين الفلسطينيين في وطنهم، أي "عرب إسرائيل") الحق في "العودة" إلى إقليم الدولة الفلسطينية، الذي قد يشمل (بعد وبفضل "تعديل الحدود"، و"تبادل الأراضي") أراضي كانت تخصُّ إقليم دولة إسرائيل؛ فإذا شملها، وإذا ما وُطِّن قسم من هؤلاء اللاجئين في تلك الأراضي الإسرائيلية التي أصبحت فلسطينية، فهل من مبرِّر، بعد ذلك، لزعمٍ من قبيل أنَّ اللاجئين الذين عادوا لم يعودوا إلى إسرائيل، أي إلى أراضٍ إسرائيلية؟!
في التاسع من أيلول 1993، بعث الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رسالة إلى رئيس وزراء إسرائيل الراحل اسحق رابين أبلغ إليه فيها أنَّ "منظمة التحرير الفلسطينية" تعترف بـ "حقِّ إسرائيل في العيش في أمن وسلام، وتقبل قراري مجلس الأمن 242 و338"، وأنَّ "المنظَّمة" ما عادت، أو لن تظل، مستمسكة بتلك البنود من "الميثاق الفلسطيني" التي يمكن فهمها أو تفسيرها على أنَّها إنكار لحقِّ إسرائيل في الوجود.
أمَّا رابين فأبلغ إلى عرفات، في رسالته الجوابية، أنَّ إسرائيل "تعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثِّلاً للشعب الفلسطيني".
عرفات، وبصفة كونه رئيساً للمنظَّمة، اعترف بـ "حق إسرائيل في العيش في أمن وسلام"، ولم يعترف بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"، و"وطناً قومياً للشعب اليهودي"، أي لم يعترف بأنْ ليس للشعب الفلسطيني من حق قومي أو تاريخي في إقليم الرابع من حزيران 1967 لدولة إسرائيل؛ أمَّا رابين فأعلن اعتراف إسرائيل بالمنظمة ممثِّلاً للشعب الفلسطيني؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ إسرائيل لم تعترف حتى الآن بأنَّ لهذا الشعب "حقوقاً قومية (وتاريخية)"، ولو في جزء ضئيل من أرض فلسطين، هو الضفة الغربية وقطاع غزة، وبأنَّ هذه الحقوق يجب أن تُتَرْجَم بقيام دولة قومية مستقلة له في أراضيه التي احتلتها في حرب حزيران 1967.
وكأنَّ نتنياهو، في "اقتراحه"، يخاطب الآن عباس قائلاً له: عرفات باعترافه بحق إسرائيل في العيش في أمن وسلام اشترى من رابين اعتراف إسرائيل بالمنظمة على أنَّها ممثِّل الشعب الفلسطيني؛ وعليك أنْ تشتري منِّي دولة فلسطينية بثمنٍ (غير قابل للمساومة) هو اعترافك بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"، لا يحق للفلسطينيين، بعد ذلك، أن يزعموا أنَّ لهم، أو كان لهم، ولو نزراً من الحقوق القومية في إقليمها (الذي ستُضمُّ إليه، لا محالة، أراضٍ من الضفة الغربية يتركَّز فيها الاستيطان اليهودي).
وإنَّ عبد ربه لا يحق له أبداً مخاطبة نتنياهو كما خاطب الرب إبرام العبراني قائلاً له: لنسلك أُعطي هذه الأرض..!
لو كان الأمر لا يتعدَّى تلبية دعوة إدارة الرئيس أوباما الفلسطينيين إلى التقدُّم بـ "اقتراح مضاد" لقال عبد ربه الآتي: إنَّنا، وعملاً بقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية، وبالنزاع التاريخي بين الطرفين، وبما لا يُرتِّب علينا مسؤولية خرق وانتهاك هذه القرارات، والشرعية الدولية التي تحظى بها، نعترف بالدولة اليهودية؛ فهل اعترف المجتمع الدولي بالدولة اليهودية في غير قرار الأمم المتحدة الرقم 181؟!
وإذا كان نتنياهو يريد لإسرائيل أن تكون دولة يهودية خالصة (من الوجود العربي الفلسطيني) وأن يَضُمَّ إلى إقليمها اراضٍ فلسطينية من الضفة الغربية يتركَّز فيها الاستيطان اليهودي، فإنَّ عليه أنْ يقبل، في المقابل، ضَمَّ "عرب إسرائيل"، مع الأراضي التي فيها يتركَّز وجودهم الديمغرافي، إلى إقليم الدولة الفلسطينية.
إذا التزم نتنياهو حلاًّ نهائياً كهذا فسوف تنتفي لديه الحاجة عندئذٍ إلى مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"!
الشهر الذي أمهلته "لجنة مبادرة السلام العربية" لإدارة الرئيس أوباما حتى "تشقَّ البحر بعصاها" يوشك أن ينفد وينتهي؛ وإنِّي لأقترح على تلك اللجنة، التي وعدت وتوعَّدت بما يشبه "الانتفاضة" الدبلوماسية والسياسية العربية، أنْ تكون طلقتها الأولى، أو حجرها الأول، على هيئة قرار تُعْلِن فيه الدول العربية جميعاً، وتؤكِّد، أنَّها لم تعترف قط، ولن تعترف أبداً، بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"، تخصُّ "الشعب اليهودي" فحسب، وأنَّ هذا الذي أعلنته وأكَّدته هو ما عَنَته وقصدته الدول العربية جميعاً إذ أبدت استعداداً، في "مبادرة السلام العربية"، للاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقة معها؛ فهل يأتي "المُمْهِلون" بما يقيم الدليل على أنَّهم ليسوا بـ "مُهْملين"؟!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراع رُبْع الساعة الأخير.. إسرائيلياً وفلسطينياً!
-
-القرار الفلسطيني-.. معنىً ومبْنىً!
-
فتوى جيِّدة لزمن رديء!
-
26 أيلول.. ما قبله وما بعده!
-
هل تتلاشى فلسطينية -القضية الفلسطينية- بعد تلاشي قوميتها؟!
-
-شقَّة- ليبرمان و-حَماة- عباس!
-
الحكومة الأردنية تبحث عن -خلخال حزبي- للبرلمان المقبل!
-
التناقض في منطق الاعتراف العربي بإسرائيل!
-
العرب يحتاجون إلى هذا -التَّتريك الديمقراطي-!
-
نتنياهو إذ تحدَّث عن -الشراكة- و-الشعب الآخر-!
-
سنةٌ للاتِّفاقية وعشرة أمثالها للتنفيذ!
-
أسئلة 26 أيلول المقبل!
-
في انتظار التراجع الثاني والأخطر لإدارة أوباما!
-
لا تُفْرِطوا في -التفاؤل- ب -فشلها-!
-
حرب سعودية على -فوضى الإفتاء-!
-
في الطريق من -العربية- إلى -الرباعية الدولية-!
-
حُصَّة العرب من الضغوط التي يتعرَّض لها عباس!
-
حرارة الغلاء وحرارة الانتخابات ترتفعان في رمضان!
-
عُذْرٌ عربي أقبح من ذنب!
-
ظاهرة -بافيت وجيتس..- في معناها الحقيقي!
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|