أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - مشغول جدا














المزيد.....

مشغول جدا


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3156 - 2010 / 10 / 16 - 10:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أنا مشغول جدا ومتعب جدا من كُثرة التفكير ولا أستطيع أن أحتمل مع كثرة التفكير أعباء إضافية جديدة في حياتي, فأنا لا أستطيع حتى أن أضع الماء على وجهي أو على جسمي للاستحمام فحين أفكرُ بالاستحمام أو بحلاقة وجهي أشعرُ وكأنني أريد أن أقطع عرض المحيط سباحة على ظهري, وكوني خبير في الأمراض النفسية لكثرة ما شاهدتُ من مرضى نفسيين في حارتي وعائلتي الكبيرة ولكثرة ما قرأتُ عن المرضى النفسيين فإنني أستطيع تشخيص وضعي بأنني (مكتئب جدا) أو مشغول جدا وقلق ولأن دماغي مشغول بالتفكير فإنه يستحيل أن يدخل إلى دماغي أي شيء من أمور الحياة حتى الطعام والشراب لا أستسيغ طعمهما في فمي واليوم بالذات نادتني أمي بصوتها الناعم أكثر من ثلاث مرات حتى قالت بالنهاية: شو صاير أطرم؟ فصحوت لها وأعطيتها أذني فقالت: شو مالك مش سامع؟ فقلت لا, فقالت غريبه وين فكرك مشغول؟, أما زوجتي فقد قالت: اللي ماخذه عقله تتهنى به وأشارت بيدها إلى التلفزيون, طبعا كل هذا وأنا مشغول جدا ولا أستمع ولا أنصت لِما يقولون , وأنا فعلاً هذه الأيام لا أعمل في أي عمل ولكنني مشغول جدا وكلما طلبت مني أمي شيئا أقول لها: تعبان من كُثر الشغل, فتقول: وين شغلك ليك أكثر من 10 أيام جالس في الدار بدون شغل, فأقول: ذهني مشغول وشغل الذهن والعقل متعب جدا جدا أنا طوال النهار وأنا مشغول في التفكير وصدقيني أنني أكثر شخص في العالم مخه بشتغل , فترد أمي وتقول: لو كان مخك أكثر مخ بالعالم بشتغل ما كانش ولا بكون وضعك هيك ومن ثم أقول (ماران أثا) وأقول ذلك وأمي تهزُ برأسها عجبا وتتمتم بصوت تعتقد بأنني لا أعرف معناه والمعنى واضح وهو (ألله يهديك ويصلح حالك).. ومن ثم ألتفتُ إلى نفسي وأقول: لازم أبطل شغل لازم أريح المخ على الأقل يوم واحد, وفي الحقيقة هذا صعب جدا على انسان مثلي أن يريح مخه وعقله فأنا دائما في أعلى الرأس مشغول جدا بحكايا التراث وبمشاكل الناس وبحياتهم العامة وبما يدور حولي من أحداث أنا دائما مشغول جدا بما أقرأه من كتب فلسفية وأحياناً أكون في حالة اجترارٍ للكتب التي قرأتها قديما وأتخيل المدن والجماهير القديمة وهم يمشون في شوارع ر وما والقدس والناصرة وبيت لحم ومكة,و (ممفيس) و (أثينا) و(بابل) أنا دائما مشغول بالقديم وبالجديد.


ولا يعرف أي أحدٍ من المقربين مني كم هو أنا مشغول جدا هذه الأيام, فأنا طوال الليل والنهار وأنا أشعرُ بأن ذهني وعقلي وقلبي مشغولين جدا, ورغم أنني منذ 10 عشرة أيام لم أخرج للعمل غير أنني لا أستطيع أن أفعلَ أي شيء وأشعرُ بأنني مشغول جدا حتى الخبز وأنا ذاهب لشرائه أشعر بالتعب منه وأشعرُ كأنني أريدُ أن أحمل على رأسي وكتفي أكثر من وزن الكرة الأرضية, أنا مشغول جدا ودمي يفور وأعصابي هائجة ومائجة وكل شيء من حولي يتحرك والماضي في رأسي يتحرك علماً أنه لو جلس أي شخصٍ بجواري لشعر بأن المكان صامت جدا ويصلح كثيرا للنوم, غير أني أراه صاخبا جدا تعجُ به من حولي الحكايات الرومنسية ومآسي العشاق ومصرع أنطونيو و كليو بترا ونهاية مجنون ليلى فأقول (معقول نهايتي تكون مأساة تراجيدية !) , وأشعر بأحداث المدينة الفاضلة وهي تجري من حولي وأتخيل العظماء القدامى الذين أقاموا المباني والصروح العظيمة لتعيش إلى الأبد وأقارن بين أسلوب البناء القديم وأسلوب البناء الحديث الذي يُقامُ فقط ل100عام أو لخمسين عامٍ على أبلغ تقدير, فلم تعد المباني تُشيد من أجل أن تعيش للأبد وكذلك لم تعد الأغنية تُغنى وتُلحن من أجل أن تعيش للأبد ولم تعد الكتب تُطبع لتعيش للأبد بل من أجل أن تعيش لشهرٍ أو لسنة أو لسنتين لذلك العمران والأبنية تتتابع زمنياً وفلسفياً مع الآداب والثقافة والفنون, فقد كانت المباني قديما تُبنى من أجل أن تعيش للأبد كمعبد (أوتوكارتا) الذي بناه (الخمير) في وكمبوديا , وكأهرامات مصر, وعاشت مع هؤلاء مبانيهم وآدابهم وثقافاتهم, أما اليوم فإن أي بناء يبقى قائما فقط ل100 عام وكذلك الأدب في كل يوم يقصر عمره ويتناقص بكافة فنونه, فالأغنية تولد اليوم وتنتشر ُ بسرعة وتموتُ بسرعة مثل الفقاعات الغازية وكذلك القصيدة تولدُ اليوم وتنتشر اليوم في كافة أنحاء العالم وتموت بسرعة, إن هذا هو ما يشغل ذهني وما يقلقني فأنا لم أعد أديبا يعيش العمر كله إذا أنتجتُ شيئا للفرقعة فقط لا غير وإنما يجب أن أراقب نفسي وإبداعي لكي يعيش للأبد كما تعيش أو كما عاشت المعابد القديمة.

وأنا مشغول جدا في توزيع الابتسامات على من أحب وعلى من أتخيل وجوده إلى جانبي وعلى من أتخيل حضورها في قلبي مثل حضور الفودكا والمشروبات الروحية, وأنا أعتصرُ نفسي ألماً وحزناً على أصدقاء أضعتهم في حياتي حيث كان لابُدُ من اكتسابهم للأبد.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ارضاع الكبير
- أحلمُ بالتغيير
- أدعية شرانية
- أطالب بعودة الاستعمار
- الحاكم والجلاد
- احتفظ بنصائحك لنفسك
- باب النجار إمخلّع
- انسوني يا أصدقائي
- الغريب
- إخراج القرآن
- ظل الغراب
- لا تلوموني على كثرة الكتابة
- بيت جدي
- نزهة المشتاق في كشف النفاق
- أسبوع راحه
- سمفونية الحياة
- فلسفة الوجود
- سأعيش أكثر من جلادي
- فوائد الشاي الأخضر
- من هو الأفضل؟


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جهاد علاونه - مشغول جدا