فراس الغضبان الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 3155 - 2010 / 10 / 15 - 21:09
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في الأسبوع الماضي كنت في زيارة عابرة لمحافظة الناصرية وسمعت هناك قصصا اغرب من الخيال عن السطو الهمجي للكنوز السومرية فلم اصدق ذلك واتهمت المتحدثين بالمبالغة وتهويل الحقائق لأهداف شتى حتى أجبرني احدهم للقيام بجولة في إحدى المواقع لأرى بأم عيني ما يجري في محافظة ذي قار من نهب منظم لكنوزنا الاثارية السومرية المنتشرة في أكثر من 1000 موقع آثاري رسمي مازالت مكشوفة بالعراء بدون حماية أو حراسة وتتجول في هذه الأماكن مافيات عراقية وأجنبية بكامل معداتها التنقيبية مثل الشفلات ومكائن حفر حديدية .
والمؤلم في الأمر إن النبش عن هذه الكنوز واللقى الاثارية والحلى الذهبية يتم بطريقة بدائية حيث تستخرج هذه الكنوز بعد إن يدمر الموقع بكامله .. ونحن نعرف بان التنقيب الاثاري يمتاز بالدقة والمهارة ويستخدم المنقب أحيانا أجهزة دقيقة جدا تصل إلى حجم الإبرة خوفا على سلامة الأثر أو اللوح المكتوب من الأذى .
ولكن هذه العصابات المجنونة لا تعرف هذه الأبجدية وان كل ما يهمها نهب وسرقة الآثار والقطع الذهبية الصغيرة ولا يترددون من تدمير حضارة بكاملها عمرها يتجاوز 5000 سنة .
يحدث ذلك ووزارة الدولة لشؤون السياحة والآثار مغيبة لا تصحو وتنتبه لهذا الواقع الخطير الذي يمثل قتل هوية العراق ومسح جزء هام من تاريخه بل إن أكثر ما يشغل وزيرها ووكيلها ومدرائها العامين الإدمان على الايفادات شرقا وغربا ويتبجحون هناك أمام العالم ويتحدثون عن تاريخنا العريق وعن مظلوميتنا في نهب آثارنا خلال أيام الغزو الأولى وهم يعلمون إن الذي ينهب الآن ومن موقعه الأصلي وليس من المتاحف يزيد على ذلك الذي نهب بآلاف المرات .
إن الناطقين باسم هذه الوزارة يتحدثون أمام وسائل الإعلام ومن خلال الفضائيات وبطرق ساخرة وعلنية لا نجد من يرد عليها لأنهم دائما يتحدثون عن انجازاتهم ويخدعون أنفسهم حينما يقولون تم استرداد بعض القطع الاثارية وكان الأحرى بهم إن يحافظوا أولا على المواقع التي تنهب يوميا دون ان يكون لهم موقف في ذلك فكيف تحفظ الأمانة وان حاميها حراميها وكيف نثق بمثل هكذا أشخاص وهم غير مبالين بالحرص على تاريخ العراق وحضارته .
إننا لو تركنا هذه الآثار للبعثات التنقيبية الأجنبية لكان ارحم لنا ولآثارنا فهي على الأقل مازالت لحد هذا اليوم مصانة ومهابة في اكبر متاحف العالم والعجيب في الأمر إن الغرباء يقدرونها ويحترمونها ويحمونها ونحن أهلها نهينها ونحطمها ونسرقها ونجعلها لقمة سائغة للصوص والجهلة وقطاع الطرق .. فهل هناك كارثة اكبر من ذلك وهل بعد ذلك يحق لنا إن نتحدث عن الحضارة أو نصدق لها وزارة .
#فراس_الغضبان_الحمداني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟