أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - باسكال مينوريه - المجتمع يضحك على قياس مآسيه- المسلسل الذي يربك المجتمع السعودي















المزيد.....

المجتمع يضحك على قياس مآسيه- المسلسل الذي يربك المجتمع السعودي


باسكال مينوريه

الحوار المتمدن-العدد: 951 - 2004 / 9 / 9 - 10:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


في مطلع شهر رمضان (كانون الثاني/يناير 2003) أقلقت تظاهرة غير معهودة سكون الرياض. فبينما كانت السيارات القليلة تمر مسرعة في الجادات الخالية قبيل الإفطار، كان أربعون شخصاً يسيرون إلى مبنى التلفزيون الرسمي ليطالبوا بالصوت العالي بوقف احد البرامج التي تعرض على شاشته. أما سبب غضبهم فهو المسلسل المشهور [1] "طاش ما طاش" الذي يبث كل ليلة من ليالي رمضان منذ 11 عاما. وكان يتطرق هذا المساء إلى موضوع "المحرم" أو الوصي الذكر الذي لا يمكن المرأة السعودية (نظرياً) التصرف من دون علمه.

وتظهر بطلتا الحلقة من دون الزوج والشقيق اللذين يمضيان بضعة أسابيع في باريس فتتعرضان للمضايقة في الحدائق العامة وتطردان من المحلات التجارية والمصارف. ومن أجل استرداد حرية الحركة، "تستعيران" جدا سقيما ـ دواء أسوأ من الداء ـ وتبدلان سحنة الابنة الصغيرة لتظهر في مظهر... الصبي. مزيج من المبالغات والفظاظة واللعب على الألفاظ المحلية وعرض لمفارقات الحياة اليومية، هذا ما يكسب "طاش ما طاش" شهرته وهو إنتاج سعودي مئة في المئة يبث في كل أنحاء العالم العربي ويتابع باهتمام خاص في شبه الجزيرة والأردن حيث تفرغ الشوارع ساعة عرض المسلسل الذائع الصيت.

لكن في ذلك المساء لم يرق الجميع الانتقاد الموجه إلى المجتمع السعودي من خلال أكثر العناصر رمزية وسرية، ألا هي المرأة. فقرر بضعة أشخاص تحريك الشارع في تظاهرة لا يمكن تخيل حدوثها في الغرب حيث التلفزيون مدعاة للسلبية أكثر منه للتمرد. لكن محطة التلفزيون لم تبد تجاوباً واضطر المتظاهرون للعودة إلى بيوتهم بخفي حنين.

تدل الحادثة على عادات السعوديين التلفزيونية وعلاقتهم بتلفزيون الدولة ومصلحة الإعلام المسؤولة عنه والمتهمة دائماً بالانحياز للسلطة ضد المجتمع. فالمحطتان الرسميتان انفردتا طويلا بما يشبه الصحراء السمعية البصرية إلى أن اجتاح العراق الكويت عام 1990 فمضت أيام طويلة حافظت فيها المحطتان على صمت مطبق تجاه الحدث لتسقط عنها الأقنعة وتطلق عليها تسميات "الكذابة الأولى" و"الكذابة الثانية" في تعبير عن رذل المجتمع لخيانة خبراء الإعلام هذه.

ومع ظهور محطة "الجزيرة" القطرية صار من الصعب على المحطتين استعادة مكانتهما في أوساط المشاهدين، وكانت آخر الابتكارات عام 2003 إنشاء محطة رياضية وخصوصاً محطة الأخبار المستمرة، "الإخبارية"، والاثنان تبثان عبر الأقمار الاصطناعية. في ذلك إقرار بالطبع أن الصحون اللاقطة التي حرّمتها بعض الفتاوى باتت من عادات هذا المجتمع الذي يضم أكثر من 23 مليون نسمة وهي تساهم في نشؤ رأي عام ومناخ سياسي [2] . كذلك فان تعدد البرامج الدينية التي تبثها "الجزيرة" وتلفزيون أبو ظبي أو الشارقة يساهم في تنويع الممارسات ويؤدي إلى نزع الطابع الوهابي عن الإسلام السعودي.

كان الهدف الرئيسي من وراء إطلاق مسلسل "طاش ما طاش" عام 1993 إعادة تلميع صورة الإعلام الرسمي المرئي والمسموع. ويبدو أن الهدف تحقق بعد مرور 11 عاما وهذا ما لا يتوانى عن تأكيده الرسميون السعوديون أمثال مدير الإدارة المركزية في وزارة المعارف: "تستعيض جميع الأسر عن الفضائيات بالرغم من ابتكاراتها الرمضانية لتتحلق حول التلفزيون الوطني في انتظار موعد طاش ما طاش". من جهتها، تخصص الصحف اليومية التعليقات المطولة كل عام لحلقات المسلسل.

فاق النجاح آمال صانعي المسلسل عبد الله السدهان وناصر القصيبي اللذين كانا يحضّران شهادة في الهندسة الزراعية فتحولا إلى المسرح الساخر في الجامعة ليتخليا سريعا عن مهنة إدارية لا حيوية فيها من اجل الشروع في كتابة السيناريوهات التلفزيونية. في مطلع التسعينات تقدما بمشروع برنامج رمضاني إلى وزير الإعلام في حينه السيد علي الشاعر، فولد برنامج "طاش ما طاش" بعد 3 سنوات. وكان الغرض المعلن للكاتبين "انتقاد العادات الاجتماعية والتقاليد والروتين الإداري والممارسات السياسية".

لا شيء يفلت من نظرتهما الثاقبة: التزمت الديني، التمييز في حق النساء، التعصب الثقافي والرياضي، بيروقراطية إدارة الدولة، أخطاء الشرطة وبقايا العقلية القبلية... يصار فقط إلى الالتفاف بعناية على العائلة المالكة وسياستها الخارجية. لكن البرجوازيين المرائين والذكوريين المعقدين والشبان المتأمركين وحتى رجال الدين أنفسهم هم من أهداف انتقادات السدهان والقصيبي.

في إحدى الحلقات تتحكم النساء بالرجال فيما ينصرف الرجال إلى تربية الأولاد وأشغال البيت. وفي حلقة أخرى يتبارى عجوزان محتالان بالدهاء وخلافا للحياء في كسب ود العجوز المدعوة روجيا. في ليلة أخرى يرتكب ضباط المخابرات العامة سلسلة من الحماقات بعد أن أرهبتهم اعتداءات الرياض ونشاط المجموعات المسلحة بينما تروي حكاية أخرى تجنيد الإسلاميين الشباب في استنكار صريح ـ ومنضبط سياسيا! ـ لما يمكن أن تؤدي إليه المعارضة السياسية من قتل للأبرياء.

في العام 1996 ظهرت أولى الممثلات على الشاشة من دون حجاب ومنع التلفزيون الرسمي المسلسل حتى تعيين السيد علي الفارسي في الوزارة إذ بادر إلى رفع المنع. في العام 2000، تطور جديد إذ أقدمت الهيئة الدائمة لكبار العلماء على منع "طاش ما طاش" بسبب انتقاداته اللاذعة للتدين. مرة أخرى تجاهلت الحكومة المسألة وآثرت الاستمرار إذ فضلت التغاضي عن التعرض للمؤسسة الدينية حفاظا على أرقام المشاهدة القياسية التي يحصدها المسلسل.

يشرح أحد علماء الاجتماع في الرياض إفلات المسلسل من العقاب كما يلي: "يمارس طاش ما طاش انتقادا هامشيا يسمح به كونه خفيفا ومضحكا. وتحتوي كل حلقة على رسالة يجب فك رموزها لأنها ليست مبينة بالضرورة. إنه نقد دقيق لكنه في الوقت نفسه لا يعيد النظر في النظام، انه مجرد نقد اجتماعي في إطار المجتمع. وضمن هذا السياق يتناول المسلسل مواضيع سياسية مثل الفساد الإداري". ولكون "طاش ما طاش" يغفل عن الأخطاء العميقة للنظام فان وزارة الإعلام عمدت إلى تبنيه.

وعبدالله السدهان ممتن لذلك: "نحن مشروع خاص ومستقل نتعاون مع التلفزيون الرسمي الذي حمانا من الحمير والأغبياء". المقصود... رجال الدين. من المتظاهرين عام 2003 أو من ناصر العمر، الشيخ المنشق الذي دان المسلسل في سياق إدانة العلماء الرسميين. لكن أصحاب المسلسل يدركون أنهم مدينون أيضا لمنتقديهم: "يمكن قياس نجاح طاش ما طاش بنسبة ما قام به بعض الشبان داخل الحلقات الدينية من كتابات مضادة للمسلسل ومن بحث عن وسائل لمنعه باسم الدين".

لا يوافق الجميع على هذا الانتقاد المباشر للدين وتأثيره الاجتماعي وذلك ليس فقط لأسباب تعود إلى التعصب. فها هو السيد محمد الحديف، العضو السابق في المعارضة الإسلامية عام 1991 يقول بلهجة غاضبة: "إن تحويل رجال الدين إلى متطرفين قذرين محدودي الأفق، تجاهل لوجود مئات رجال الدين من أطباء ومهندسين وجامعيين تلقوا تعليما ممتازا على المستويين الوطني والدولي". ثم يدعو إلى حماية الأقليات ضد اضطهاد الإعلام ويطالب بنظام الحصص الإعلامية على الطريقة الاميركية. خلاصة قوله أن الفئة الدينية في المجتمع ليست سوى أقلية تجب حمايتها.

يأخذ البعض الآخر على المسلسل سخريته من الانتماءات المحلية وخصوصا من خلال التقليد الناجح للهجات، وفي رأي احد اللغويين في جامعة جدة "فإن أهل الجنوب والحجاز لا يتماهون مع هذا الأسلوب الساخر الذي يعرض لنظرة أهل نجد (مقاطعة العاصمة، الرياض) إلى أبناء المناطق". هناك أيضاً من يشير إلى التواطؤ الضمني بين "طاش ما طاش" والنخبة المحافظة، فالناقد الأدبي محمود العباس يكتب في يومية "الرياض" أن المسلسل "يوصلنا إلى الحقيقة المحزنة بان الواقع مزحة كبيرة ساهمنا جميعا في صناعتها لكننا لا نملك الحق ولا القدرة على تغييره. لنا الحق فقط في مشاهدة الممثلين ينتقدون أخطاءنا ونسمع أصواتنا من خلال أصواتهم".

إنها لمن المبالغة تصوير "طاش ما طاش" على أنه جزء من الدعاية الرسمية. فمع أن بعض الحلقات يمثل بامتياز البرامج الحكومية الكبرى كمكافحة الفساد الإداري أو "سعودة" الوظائف، إلا أن هدف المسلسل هو في مكان آخر. يكتب محمود العباس: "المجتمع يضحك على قياس مآسيه". فمن خلال رسم عيوب السعودية، يساهم المسلسل في عملية الإنقاذ وتدل انتقاداته العديدة على حيوية النقاش في بلد طالما اتهم بالأحادية والسكوت.



--------------------------------------------------------------------------------
* أستاذ في الفلسفة، من مؤلفاته L’Enigme saoudienne, La Découverte, Paris, 2003



--------------------------------------------------------------------------------

[1] إشارة إلى احد ألعاب الأطفال الذين كانوا في الستينات يحاولون فتح زجاجات المشروبات الغازية من خلال خضها كي تفرقع سدتها.


[2] Alain Gresh, « Balbutiements de l’opinion publique en Arabie saoudite », Le Monde diplomatique, mai 2002.

جميع الحقوق محفوظة 2004© , العالم الدبلوماسي و مفهوم



#باسكال_مينوريه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مع تقدم القوات الأوكرانية.. روسيا تقدّم آلاف الدولارات لوظائ ...
- فيضانات وأضرار كبيرة في ألمانيا بعد عاصفة عنيفة وأمطار غزيرة ...
- سيرا على الأقدام.. قصة شابين إيرانيين هربا إلى ألمانيا
- بينيت يطالب بتغيير القيادات السياسية والعسكرية
- روسيا تكشف عن ناقلة جنود مطوّرة في منتدى -الجيش-2024-.
- اكتشاف هام قد يساهم في محاربة اضطراب شائع لدى الأطفال
- مارك زوكربيرغ يزيل الستار عن تمثال لزوجته
- الكشف عن طائرة نقل ضخمة روسية مسيرة ذات الإقلاع العمودي في م ...
- موسكو تندد بمحاولات الاستخبارات البريطانية تجنيد الدبلوماسيي ...
- الهند.. العثور على جسيمات بلاستيكية دقيقة في جميع عينات المل ...


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - باسكال مينوريه - المجتمع يضحك على قياس مآسيه- المسلسل الذي يربك المجتمع السعودي