|
تراجع اليسار في الادب والفن والفكر
حسين علاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3152 - 2010 / 10 / 12 - 15:25
المحور:
الادب والفن
كان الوسط اليساري في الخمسينات والستينات والسبعينات.. هو الوسط الذهبي الذي يبغي الميل الى العدالة والمساواة وتخطي الحدود والقارات.. ويحث على اصلاح العالم والغاء الفوارق وتوحيده متجاوزا اختلاف اللغات والاجناس والديانات. وكان يحلم بعالم اجمل من الواقع، رغم تلذذ الكثير من اليساريين بفقرهم وبساطة عيشهم، فكان الذهاب الى الأمسيات الشعرية والثقافية وقراءة القصائد الشعرية واقتفاء دواوين الشعر والروايات العالمية والعربية والمحلية.. والذهاب الى المسرح وخاصة الجاد منه يفوق البحث عن رغيف الخبز.. بل كان رغيف الخبز وحده وخشبة المسرح عند الفنان اليساري تكفي لنشر الثقافة والجمال والوعي لكل طبقات الجمتمع.. وكانت الموسيقى غذاء حقيقيا للروح.. وان العدالة الاجتماعية عند الكثير من الشعراء والادباء والفنانين ومثقفي اليسار لا تتحقق الا في ظل الماركسية.. وكانت افكار اليسار ذات نزعة أنسانية ترفض التقوقع في حدود الاديان والمذاهب وحدود الجغرافيا والمناطقية. ولم تتوقف عن الايمان بالانفتاح على الآخر والوعي بازالة الحدود المصطنعة بين البشر، بل سبقت العولمة وقريتها بعالمية الطبقات العمالية والفلاحية.. التي تشكل الاكثرية في عالمنا.. الا أن هذا كان يجري ضمن نطاق الايديولوجية، التي تفرق بين الانظمة والشعوب.. فامريكا وبعض المعسكر الغربي انظمة رأسمالية، الا أن شعوبها تطمح للعدالة والمساواة.. والعلاقة بين الاديب والفنان والمثقف والسياسي في هذه الدول علاقة ايديولولجية وان جاك لندن وويتهان ويوريان وهنري فونده وانجيله دفز لهم الاولية في الانتشار من غيرهم في صحافة اليسار العربي والاوربي. والانسان كان هو الاقدس بين الذي لا يخلو من ملاك ينطوي على كل ما هو حق وخير وجمال.. سواء كان في افرقيا ام امريكا اللاتينية.. ام في الشرق او الغرب.. او الجنوب والشمال. اما العشق للطبيعة فهو المجلى الموازي للانسان ومرآته العاكسة.. وان عشق الطبيعة وعشق الواقع يفوق ما يعانيه الانسان من اضطهاد وتغير وتحول وتبدل.. فهو يتأضل من أجل الحياة أجمل.. والطبيعة هي المحفز للابداع سواءً في الوصف ام الرسم او التأمل من خلال سفرات ونزهات الرفاق والرفيقات وعشقها والغناء لها في الهواء الطلق.. بل أن الفن لا يبتعد عن الواقع.. انما هو انعكاس له في جمال الكلمة والايقاع والرقص.. فكانت أغاني الحصاد ورش البذور.. وعمال المصانع والبناء والفلكور الشعبي هي المفضلة لدى مثقفي اليسار.. وقد اثرت جمالياتها وايقاعاتها في الكثير من المجتمعات ومنها مجتمعنا.. فكانت تحفز وتدفع الى زيادة الانتاج الزراعي والصناعي.. ومصدر بهجة ومرح وعشق في الاعراس وخاصة في المناطق الشعبية. وكان المركز الذي يدور حوله الفكر اليساري هو الانسان باحلامه غير المحدودة.. وبمقاومته للشر الذي يقتل الجمال والابداع ويحد من حرية الانسان.. فكان يواجه الظلم والاستعباد والاستبداد والديكاتورية والعنصرية.. ويؤكد على قدرة الانسان.. وعلى انشاء العالم في أفضل صورة واحسن نظام.. فكان الانتساب للانسان يعني انتساب الى قضايا الانسانية في كل مكان وبعيدا عن المدارات المغلقة للنزاعات العرقية والدعاوى اليساسية.. والتاويلات الدينية التي تنغلق على بالكائن على نفسه.. وتزوي بالحضارة عن حركة التأريخ.. وتهبط بالمبدع الى فراره من التعصب العقلي والانحدار الروحي.. فكان بحق انتساب الى التراث الانساني من غير الخصوصية الجغرافية فكان شعر وأدب بوشكين ولبرمانتوف ودستوفايكي وتولستوي ومايكوفسلي ولويس اراغون وديلون توماس وكازنتزاكميا وبرخت ولوركا وايلوار وناظم حكمت والجواهري والسياب والبياتي وصلاح عبد الصبور ومحمود درويش وسميح القاسم وغيرهم الكثير.. هؤلاء الادباء والشعراء كلهم في وحدة لا تعرف التمييز والتحيز.. بل ان ما يجمع بينهم الايمان بالقيم والحرية والعدل والحب والتجديد والابداع.. بل أن دورهم هو شبيه بدور الشاعر الذي يعمل لقبيلته في كل مكان.. الا ان هذا كله تراجع الى التمسك بالقبيلة التي سكن مكانا محددا.. وبالطائفية التي تتعصب لافكارها التي عفا عليها الزمن.. ولا لها علاقة بواقع وعالم نعيشه الان.. ونظرة سلفية تجاه الفن والجمال ترفض في بعض الاحيان حتى المحلية المستمدة من العادات والتقاليد التي تضيف شيئا من البهجة والسرور للارواح المكلومة والحزينة.. بل أن الكثير من الافراد الدين كانوا ينتمون لليسار ويعرفون قبل عقود بالتقدميين.. اصبحوا رجعيين..!! فالبعض منهم انتمى لحركات متطرفة فأزداد تطرفاً.. والكثير منهم يرفض فكر الآخر ولا يعترف بغير أفكاره التي تجاوز البعض منها الزمن.. فيقبت دون تجديد ومواكبة لحركة العصر والافكار والاشياء.. لانها ظلت تراوح مكانها ولم تتقدم خطوة الى الامام رغم ما يحيطها ويطغى عليها من افكار حداثوية.. وعولمية.. كان اقطاب الفكر اليساري يتمنون تحقيقها آنذاك.. قدلا اكون موضوعيا إذا عممت هذا التراجع على اللذين ينتمون الى الفكر اليساري كافة.. الا أن الكثير منهم اصبحت افكاره سلفية وبالية وباهتة لا تصمت امام رياح الحداثة وقبول الاخر والتعايش معه.. وسوبر ماركت الافكار..
#حسين_علاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايديولوجية عراقية واحدة لا ايديولوجيات متفرقة..
المزيد.....
-
الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
-
فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف
...
-
تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
-
دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة
...
-
Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق
...
-
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف
...
-
نقط تحت الصفر
-
غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
-
يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
-
انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|