أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - سيمفونية العودة- المشهد الثاني- 9















المزيد.....

سيمفونية العودة- المشهد الثاني- 9


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 3150 - 2010 / 10 / 10 - 08:43
المحور: الادب والفن
    


زهرة ُ عبّادِ الشّمس ِ أنا، أرفعُ رأسي وأحيا، فبقائي في كبريائي.

*


حبّي لآدم ما كانَ زَلـَّة َ قدم ٍ أو قدر ٍ، ولا كان وعكة ً عاطفيّة ً عابرة كما ادّعى البعض، إنـَّما هو قدري الأجمل الذي وأنا أبحثُ عنـّي.. وجدتــُهُ.
قلوبُ الإناثِ كنــَّا فنادقَ متعددّةِ النجوم ِ لآدم، الذي اعتادَ أن يقتحمها بلهفة باحثا عن أنثاه منذ أضاعَ حواءَ، ويغادرها بلا مبالاة متأبطًا حقائبَ النسيان. قلبي أنا كانَ لهُ وطنـًا، عثرَ فيه على الماءِ والهواءِ وفائض ٍمن شـُحناتِ الانتماء.

*


في غفلةٍ عن مارد الألم، صارَ آدمُ قيثارَة، صرتُ لهُ الأوتارَ. صارَ لؤلؤة، صرتُ لهُ المحارَة . صارَ الحبُّ ُ سيمفونيّة يعزفها القلبُ فتسمعها البلابلُ وتحتارْ.

*


ها أنا أمضي إليهِ ممتلئة ً نعمة، منتصبة َ القامَةِ، راضية ً مرضية.
ها "أصالة" ترافقني، عبر مذياع السيارة، بصوتها الفائض ِ أنوثة ً:


معاك رجعت لي تاني حياتي ودنيتي
معاك بعيش حبيبي في الدنيا جنتي
ويّاك شفتِ بعيوني طريقي وسكّتي
ماليش غيرك حبيبي، معاك حاسّة بأمان
وطول ما انتَ معايا مابَخـَفـْش ِ من الزمان..

*


أتاني صوتـُهُ عميقــًا دافئــًا:
- سأعوِّضُكِ عن السنين التي أكلها الجراد.
رشقتــُهُ بنظراتٍ عاشقة ونحنُ نقتحمُ غرفة المأذون نتبعُ خطواتِ يوسف، ابنُ عمِّهِ ، الذي رافقنا لحمايتنا. انقبضَ قلبي وأنا ألهثُ خلفَ خطواته الغاضبة ونحن نغادر المكان وصوتُ المأذون يطاردنا: أنتم تأخذون الدين مطيّة لأهوائكم.
فجأة، أحسستُ أن لا مكان للعصافير بين البشر. أحسستُ أنـَّنا سنهيمُ في الشوارع لأنّ القلوب ستنبذ ُ حبّنا. تناهى لسمعي نبرة ُ الغضبِ في صوت يوسف وهو يوشوشُ آدم: يحلم بدولارات.. لن يحصل عليها.. سنبحث عن آخر...
تحسسَ المسدسَ وهو يقتحمُ صمتَ السّيارة التي راحت تطيرُ بنا إلى بلدة أخرى وعينايَ تراقبان ِ الدكاكين المتراصّة على جانبيّ الشارع، والبشر الذين بدوا كقطعة بازل كبيرة ، أجزاؤها ملصقة دونما انسجام بين القطعة والأخرى. تدفقَ صوتُ رويدا عطية يخفف بحنانه، وأحاسيسها المتفجرّة، حدّة التوتر:

"شو سهل الحكي..
مين اللي بيعرف في قلب التاني شو في ؟!
شو سهل الحكي..
أنا لولا وجوده في عمري.. عمري بينطفي"


لو أنَّ أبي لم يعثر على جواز سفري ويمزقه أربًا إربًا لكنـّا سافرنا إلى قبرص وتزوجنا زواجًا مدنيًا..!!


"لاموني العالم كلها
وقالولي عنه أتخلى
غيمة رح بتمرّ
إن شاء الله..."


ليته أبقى لنا منفذًا للأمل. أغلقَ كلَّ أبواب الحياة في وجهنا ودفن رأسَهُ في الرّمل كما النعامة، كأن لا مشكلة تزلزلُ أرضَ الواقع.

"كلن قالولي مجنونة
لازم تنسيه..."

أكانَ يتوّقع أن أتنازل عن حبّي لآدم..؟ أكان يتوقـَّعُ أن أحيا بقية عمري جثة ً هامدة كأمّي وخالتي وعمتي وجارتي وغيرهن ...!!!

" شو سهل الحكي..!!"


الموتُ أرحم من حياة ٍ بلا معنى . الموتُ أرحم من حياة تبدو كما البحر هادئة لكنـّها تخفي داخلها حيتان القلق والأرق والموت اليوميّ البطئ.

*


هدأ هديرُ السيارة في محطة بنزين فاتجهنا نحو الكافيتريا واتجه يوسف نحو التلفون العموميّ.
عادَ إلينا ببشارة:

- سنرجعُ للحارة.
= لماذا..؟
- هذه رغبة ُ أبيكَ.
- اتصلتَ بهِ..؟!
= نعم. أخبرته بكلِّ التفاصيل. أبوكَ مصرّ على عودتك للحارة.
يقول :" ستكونا في حماية العائلة".

*


ارتجفتُ كعصفور داهمته زخة ُ مطر.
لا بدّ أنّ أبي قد اكتشفَ الآن سرَّ فراري من المنزل.
اتصلَ يوسف بجارنا، صديق أبي، وأخبره بأمرنا وطلب منه أن يكون مع أبي في اللحظات الحاسمة التالية.
آه، كم اخشى أن تكونَ أمّي ضحية َ نوبة ِ عنفٍ حتمًا ستنتابُ أبي.

*


انتظرنا، أنا وآدم وبعض أقربائه والمأذون، أن يصلَ والدُ آدم لنعقد قراننا.
مرّتِ الدقائق بطيئة متثاقلة. مرّت ربعُ ساعة.. نصف ساعة.. ساعة وأكثر.
أخيرًا وصلَ.
هو يعرفني، فقد كان سائقَ حافلة ِ البلد التي اعتادت أن تقلني من المنزل لمحطة ِ حافلاتِ حيفا.

استفقتُ من غيبوبةِ الذكريات على صوتٍ يسألني بإلحاح:
- كم من المهر تطلبين..؟!
= لا أريدُ مهرًا.
-لا يجوز.
باغتني آدم بنظرة، ففهمتُ أنه يحثني على تحديد أيّ مبلغ.
كانَ لسانُ حالي يقول:"لستُ سلعة تباعُ وتشترى وعلاقتي بكَ فوق كلّ الماديات.
حتى وان فشلت علاقتنا، لن أقبَض الثمن."
قالَ أحدُهم: ليكن شاقلا لأجل الاجراءات.
رددتُ باعياء: حسنًا ليكن شاقلا.
اقتربَ آدم من أذني ووشوشني:
-خذي شاقلأ وروحي وانتِ ..
= لا تقلها، ولا حتى مازحًا.

رفعوا ايديهم ليقرأوا الفاتحة.
رفعتُ يديّ وطلبتُ من ربّي أن يباركَ زواجنا وأن أكون لآدم معينًا نظيره في السّراء وفي الضَّراء.

*



جلسنا في غرفة المعيشة، نشاهدُ التلفاز. أخبرني أبوه أنــّه يتحدث اللغة الانجليزية بطلاقة لكونه خدمَ كسائق سيارة في الجيش التركي. لم يبدُ على ملامح أختهِ التي تصغرنا سنّا سوى الامتعاض أمّا ملامحُ أخيهِ الصغير فقد كانتْ مُحايدة.
راقبتُ البابَ المقفلَ خلفي.
لا بدَّ أن تأتي أمُّه في أيّة لحظة.
ما أصعبَ اللقاء الأوّل بيننا.
انتظرتُ طويلا.
لم تأتِ.
- "ربّما هي متوعكة". طمأنتُ نفسي.

*



في الصباح، وأنا أغسلُ وجهي، رأيتها.
وقفتْ خلفي بثوبها الفلسطينيّ الجميل، ومنديلها الأبيض. قالتْ:
- خذي شرفيتك وارجعي عند أمّك.
دارتْ بي الدنيا.
أحسستُ أنّ عصافيرَ كثيرة تهوي فوق رمل ٍ حارق بعدما أصابتها طلقاتُ صيّادٍ محترف.
تمالكتُ نفسي .
هي معركة مفاهيم، أنا رضيتُ أن أدخلها، لذا لا بدّ أن استبسل في الدفاع عن قراراتي واختياراتي . هذه عقليات اعتادت أن تعيشَ وفقَ مفاهيم ومبادئ متوارثة. أيّ تغيير في مفاهيمها يشكلّ خطرًا على كينونتها وبقائها.
= لماذا..؟!
سألتها وأنا أشفقُ عليها من هذا الموقف الذي وقعت فيه دون إرادتها.
على الفور أجابت:
-أمّك تبكي .
فهمتُ أنـّها متعاطفة كأمّ مع أمّي وربما في أعماقها تخشى على ابنها من المواجهة الدامية مع أهلي. برفق ٍ سألتها:
= هل الزواج من ابنك كارثة..؟!
-عودي لأمّك. هي تتألم لفراقك.
= لو تزوجتُ رجلاً آخر غير آدم ستتألم أيضًا، ومع الوقت ستعتادُ فراقي.

*


في صباح ِ اليوم الثاني، قررنا أن نغادر الحارة كي نتفادى منازعاتٍ لا يُجدي الحديث ُ فيها.
نحن لا نسعى لتغيير المجتمع، إنما اضطررنا أن نفرض اختيارنا على المجتمع كي نعيش بكرامة.
توجهنا إلى حيفا وقمنا باستئجار شقة مكونة من غرفة واحدة قرب الجامعة.
هكذا، بدأنا رحلة الشقاء:
نواصلُ تعليمنا الجامعيّ كي نحصل كلٌّ على شهادة ، نعملُ معًا في مطعم قربَ الجامعة لنوفر لنا ما يكفل بقاءنا، ونحافظ ُ على أنفسنا من رصاصة طائشة قد تنطلق من مسدس أبي أو أيّ فرد من أفراد أسرتي.

*



لقد قررنا أن نمشي في الشمس، حتــّى لو اضطررنا أن نجرَّ ظلــَّينا خلفنا. لن يعرفَ القلقُ طريقـَهُ إلى قلبينا، فنحنُ لا نضع شمسَ اليوم ِ تحتَ سحابِ الغدِ. ألم يكتبَ ماردن:
- إذا اردتَ أن تكونَ ناجحًا منتصرًا في حياتِكَ، يجب أن تنظر وتعمل وتفكر وتتكلم كفاتح ٍ،
لا كمَنْ أوشكَ على الهزيمة.



#ريتا_عودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني-8
- سيمفونية العودة- المشهد الثاني- 7
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-6
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-5
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-4
- سمفونية العودة-المشهد الثاني-3
- سمفونية العودة-المشهد الثاني- 2
- سمفونية العودة-المشهد الثاني- 1
- سمفونية العودة-الفصل السادس
- سمفونية العودة-الفصل الخامس
- سمفونية العودة-الفصل الرابع
- سمفونية العودة-الفصل الثالث
- سمفونية العودة-الفصل الثاني
- سمفونية العودة-الفصل الأول
- وأنَا أبحَثُ عنِّي.. وَجَدْتُكَ
- مذكراتُ أنثى عاطلة عن الأمل
- ومن لا يعرف ريتا ..!؟- عرض الأديب السيد حافظ
- الطَّريقُ هيَ الطَّريق
- ليسَ بالخُبْز وَحْدَهُ أحْيَا- ومضة قصصيّة
- قَانُونُ الجَاذبيَّةِ العِشْقِيَّة


المزيد.....




- تراث عربي عريق.. النجف موطن صناعة العقال العراقي
- الاحتفاء بذكرى أم كلثوم الـ50 في مهرجاني نوتردام وأسوان لسين ...
- رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا ...
- الرواية الصهيونية وتداعيات كذب الإحتلال باغتيال-محمد الضيف- ...
- الجزائر.. تحرك سريع بعد ضجة كبرى على واقعة نشر عمل روائي -إب ...
- كيف تناول الشعراء أحداث الهجرة النبوية في قصائدهم؟
- افتتاح التدريب العملي لطلاب الجامعات الروسية الدارسين باللغة ...
- “فنان” في ألمانيا عمره عامين فقط.. يبيع لوحاته بأكثر من 7500 ...
- -جرأة وفجور- .. فنانة مصرية تهدد بمقاضاة صفحة موثقة على -إكس ...
- RT العربية توقع مذكرة تعاون في مجال التفاعل الإعلامي مع جمهو ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - سيمفونية العودة- المشهد الثاني- 9