اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة
(Asmaa M Mustafa)
الحوار المتمدن-العدد: 3149 - 2010 / 10 / 9 - 21:18
المحور:
كتابات ساخرة
كنت صغيرة جداً ، حين سمعت للمرة الأولى أغنية احمد عدوية : زحمة يادنيا زحمة .. ولم تكن شوارعنا تعرف الزحام ، لذا كانت من نعم الله علينا أن الوقت لم يكن يضيع من الإنسان العراقي هباءً في الشوارع ..
لكن الحال تغيرت اليوم ، حتى بت ُ كلما أخرج لعملي صباحاً وأعود منه بعد الظهر أسمع في ذهني أصداء تلك الأغنية .. حيث تصل الزحمة بشوارعنا الى أن يكون السير متوقفاً في كثير من الأحيان حتى ليشعر المرء أنه محشور في علبة سردين ، وهو شعور ينتابه يومياً مع تفاقم ظاهرة الاختناق المروري الذي يسبب هدر الزمن والطاقة ، فالى جانب مايضيع من أعمارنا ، نشعر بالإنهاك الذي يرافقه صداع مزمن بعمر الزحام . فنعود الى منازلنا مرهقين عاجزين عن عمل أي شيء ، فأي حياة هذه التي نعيشها ونحن نقضيها في الشوارع !!
إننا يومياً نشهد الحلقة نفسها من المسلسل التراجيدي الذي يبدأ بتايتل ترافقه المقدمة الغنائية زحمة يادنيا زحمة ، ويومياً يتعرض الموظف للوم مدير عمله او دائرته ، حتى لنتخيل أن بعض المديرين ممن يفرضون ضوابط وأوامر مشددة وعقوبات صارمة بحق المتأخرين ، قادمون من كوكب آخر ويستقلون مركبات فضائية من طراز كريندايزر للوصول الى دوائرهم ، بينما يضطر الموظفون من عباد الله الفقراء الى ركوب السلاحف للوصول الى أعمالهم او غاياتهم ، وياليت تلك السلاحف كانت سلاحف النينجا ، لهان الأمر .
ومع تفاقم الزحام لاوجود حتى لمنافذ بديلة يتنفس فيها السمك البشري وصولاً في وقت مبكر الى مقاصده ، حيث ازدادت الشوارع المغلقة والعوارض الكونكريتية ، وأينما ولى المواطن وجهه وجد نفسه محاصراً بل محشوراً في علبة السردين تلك . والسبيل الوحيد للخلاص من قهر الازدحام هو المشي .. وأي مشي على أرصفة وشوارع محفورة ومليئة بالتخسفات والأنقاض بأرجل مبتلاة بداء المفاصل الشائع بين العراقيين .. فأين المفر؟
ومتى تضع الجهات المعنية خطة شاملة لإنقاذ المواطن من كل هذا العناء اليومي المتصاعد واحتراماً للزمن الذي يجب استغلاله أفضل استغلال في بلد يحتاج الى كل دقيقة لكي ينهض نهوضاَ شاملاً ؟
إن مسؤولية إعادة تنظيم الشوارع وبحث سبل علاج الاختناق المروري واجب حتمي ، إذ لايعقل أن يقضي المواطن حياته في الشارع ، ينام ويحلم ويستيقظ فيها !!
فلتكن هناك التفاتة جادة الى هذه المسألة التي تؤرق كل المواطنين الذين لايملكون مركبات فضائية للوصول الى مقاصدهم بعيداً عن شوارع الأرض .. وقد يتسببون بزحام في الفضاء إن هم امتلكوا تلك المركبات ، من هنا تتجلى حكمة الفوارق الطبقية بين الموظفين والمسؤولين واقتصار العبور بمركبات الفضاء على علية القوم من الذين لم يسمعوا في حياتهم أغنية زحمة يادنيا زحمة !!!
#اسماء_محمد_مصطفى (هاشتاغ)
Asmaa_M_Mustafa#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟