|
الشِبريّة فوق البنفسجية وتحت الحمراء...
فاضل الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 3149 - 2010 / 10 / 9 - 15:51
المحور:
الادب والفن
الشِبريّة فوق البنفسجية وتحت الحمراء...
"الشبرية خطوة متقدمة من السكين.. الطائفية قفزة متقدمة من، على، فوق الوطن!"..
يُطِلّ خان الحرية العتيق –خمّارة جوليانا قديماً- على جامع قلب الليث المُرّ، عند باب المرمر، في المدينة. حيث يتردد مجموعة من حملة الشهادات الجامعية العاطلين عن العمل، المهتمين بالفلسفة ودخان الحشيش في النرجيلة (الشيشة) والقهوة المطبوخة على الطريقة التركية، وما يجذب بعض نشطاء حقوق الإنسان إلى هذا المكان هو رخص المشروبات الروحية ودخان مارلبورو المُهرّب إضافة لوجود إمكانية التواصل مع الانترنت وبعض الزبائن من مختلف الطوائف -خصوصاً الصغيرة. وكان يُعتبر الخان مكاناً لاستراحة مرافقي قوافل بغال التهريب والذين يترفعون دائماً عن حديث الطائفية... يدخل هلعاً، قامته طويلة ورأسه محلوق على الصفر، ثيابه غير مهندمة وتصدر منه رائحة العرق والدخان. توجه بنظره إلى أحد الأشخاص القريبين من الباب والذي انتبه لدخوله وتظهر عليه علامات شبه المثقف، ويربط على رقبته منديلاً بلونٍ قرفي أحمر، تلفّه غيمة كثيفة من الدخان وأمامه كأس خمرٍ فارغة. ينظر إليه، وبعد أن تنحنح ليُلفت انتباه الآخرين، يقول بصوت مسموعٍ من الجميع: ـ السلام عليكم، جئت من شان آخُذ الشبرية! + وعليكم السلام، أية شبرية وأين تركتها؟ ـ في ظهر واحد من المهربين، أو واحد من جماعات حقوق الإنسان، أو ربما في خاصرة واحد بلا جماعة! + ما هو شكلها أخي؟ ـ من الفولاذ. شفرتها حادة، مقوّسة شوية مثل كل شبرية! مين شافها يا شباب؟ + انتظر لحظة... على مهلك بحياة النبي ... شو شكل قبضتها؟ ـ من الصَدَف المحفور ومطعّمة بالفضة. + من كم قطعة مصنوع مقبضها؟ ـ من قطعة واحدة. + مو مشكلة عيني. لا تقلق. السكين موجود! ـ لك أخي مو سكين، شبرية بقيمة أكثر من عشر سكاكين! + أي نعم أخي، شبرية، يعني سكين من نوعية كويسة! ـ طيب وينها؟ + في ظهري أنا!. ـ شكراً... + تكرم عيونك!... قال لي الصبي شغّيل القهوة، شو جميل هذا السكين المغروز فيّ!. قطعة واحدة من الصَدَف المحفور بطول شبر كبير، يعتبر تحفة نادرة!. ـ أي بروم شوية –بالله- خلّيني شوف، ورجيني إياها، حتى إسحبها من ظهرك! أنا مستعجل وجئت فقط لآخذ شبريتي... + شوية صبر عيني! -قال المعلم، لازم أترك السكين في مكانه مغروز بالظَهر حتى يوصل الطبيب، وإلاّ يمكن يحدث نزيف. المعلم، معلّم كمان بهذه الشغلات، في هذا المكان وقعت حالات قتل أكثر من مرة. هذا خان قديم ومعروف!. ـ لكنّي أنا مستعجل! متى يصل الطبيب؟.. بدون شبرية أو سكين ما بقدر روح على البيت في هذا الليل المعتّم. + بيت الطبيب قريب، وراح المعلم يطلبه حتى يحضر. وبعدين إذا كنت أخي إنت تسليت بوخز وغرز ونكوشة الناس بسكينك، يعني لازم تنتظر شوية، لازم تتحمّل نتائج النكوشة. ـ آهههه! يعني إذا غرزوا فيك سكين أو شبرية، هذا ما بيعطيك الحق بالاحتفاظ فيه كغنيمة. باين عليك متعلم، وبتعرف يا أستاذ إنو كلامك هذا يعتبر مثل حكم مزاجي بدون قرار عدالة ومحكمة! الحمد لله أنه مازال هناك عدل في هذا العالم. + خاي أني ما استشهدت بالقانون والعدل والشرع والمحكمة، فقط لمّحت إلى قضية طبية. ورأي المعلم أن بقاء السكين في الظهر بمكانه هو الروشيتة. هذا قانون في الطب! ـ الأفضل للطبيب أن يعطي أوامر وروشيتات طبية تتعلق بحاجاته وأمتعته الشخصية، الشبرية أو السكين –سمّيها مثل ما بدّك، لكن هذا مِلكي ومن أغراضي الشخصية! + هممم... قضية صعبة... ـ بتعرف أستاذ؟ أني كمان عندي قلب وشفقة.. عيني، راح ساعدك في هالمشكلة. اسحب الشبرية من ظَهرك أستاذ، وحُطْ مكانها سكين ثاني! هذا السكين على الطاولة كمان يمكن يقوم بالمهمة حتى توصل المساعدة الطبية ويحضر الطبيب. + طيب ماشي الحال، أخي. لكن انتبه بصلاة النبي ما يكون السكين أصغر من شان يقدر يسكّر الجرح مليح، لأن الصحة أهم شي في الحياة، والروشيتة هذي .. هذي الرشيتة، ماااا بعرف شووو... ـ هدّي أعصابك يا رجل. اغروز مكانها سكين مطبخ كبير ومناسب، أخي بدها شوية تفكير وبتنحل المشكلة! + طيب خاي، أنا موافق. ـ بروم شوية عيني... كمان شوية الله يسترك... هوووب! هيك مليح، وقّف هيك!... + جهّز لي السكين الثاني وادحشه مكان الشبرية!... بس بسرعة الله يخليك! ـ هذا السكين على الطاولة، يمكن يكون مناسب بالضبط، رغم أنو قبضته من خشب. + طيب.. هُبْ.. لك شو هذا؟! ـ اللهم صلّي على النبي، شو هذا!... ما فيه دم، ولا عا بينزف جرحك. الظاهر إنو نِزلت الشفرة بجانب العظم، بين الغضاريف... يلعن الشيطان، تشقق رأس الشبرية! + كان يمكن أن تغرزه في اللحم، يبدو إنك مبتدئ عيني وما بتملك تجربة في غرز السكاكين! ـ انتظر لحظة أستاذ! لازم نوضع عليه منديل مبلل بالماء والخَلَ... قميصك من نوعية كويسة ويضغط بشكل مليح مثل الربطة فوق الجرح!... + أخي صدّق الكلام اللي بدك تسمعه مني! لازم وضع سكين بالجرح! هذا اللي قاله المعلم، وهو يعرف كثيراً. في هذا المكان كل يوم يُقتل شخص. حطّ السكين في مكانه، ما بكلفك شيء يا رجل! ـ ما بعرف أخي!. أني بتحمل مسئولية استخدام سكين الجيب، مو سكين المطبخ الكبير والعملية الجراحية! اطلب مساعدة من واحد من الشباب أو غيرهم، بعد فترة قصيرة يمكن ينتهي مفعول الخمرة وبيرجع وعيهم ويمكن بيقدروا يساعدوك أستاذ!. + هذا مليح خاي إنك حكيت بصراحة! سيدي! إنت ضربت مبارح سبعة من عمال التهريب اللي بيعملو لحسابي. ـ سقط على واحد منهم الراديو الكبير والرفّ اللي كان موضوع عليه، مو مسئوليتي يا أستاذ! + كان هذا العامل هو أفضل شغّيل مسئول عن التحري والاستطلاع عندي، كان دليل رقم واحد! ـ شو بيعرف زلمتك هذا عن الراديو ولّا عن التلفزيون؟ أو عن التحرّي والاستكشاف أو عن القافلة ولّا رئيسها؟ + وين يمكن لاقي مثل هيك شغّيل؟ القافلة بتمشي المساء بعد طلوع نجمة العشاء، وبترجع بكّير على المغاير الغربية قبل طلوع نجمة الصبح، وما فيه حدا يقدر يشتغل محله ولا مثله، والمعلم ما بيقدر يدبّر حدا، لأنك أنت ضربتهم كلهم! ـ كان معي حق في ضربهم، بيستاهلو الضرب أكثر كمان!. ضربني واحد منهم بكاس فارغة، وهيك عمل إهانة إلي وجرح شعوري وكرامتي ومكانتي! + لا، ما حدا ضرب باتجاهك ولا كاسة فارغة، كلهم جماعة أبرياء وناس بسطاء. ـ لكن مين اللي ضربني بالكاسة الفارغة؟ + أنا! ـ إنت!؟ وصلاة النبي إنك محظوظٌ إنت! لأنك عا بتنازع العذاب، وإلاّ كسّرت رأسك وحياة رأس النبي... (يخرج). + انتظر يا سيدي! ـ ما عندي وقت، لازم إمشي يا أستاذ! (قالها باستهتار). + ما بتريد تحط السكين في الجرح؟. مثل هيك شغلات ما بيجوز إهمالها. يمكن ينزف في الداخل. ـ من الداخل ما مشكلة، غرَزوا قبل فترة سكين فيّ وما عاد يوجع، يمكن صار السكين بالداخل جزء واحد مع اللحم. لكن لازم إنت تنتظر الطبيب، أكيد راح يساعدك! طبعاً إذا كان بيقدر وفيه أمل بالمساعدة. وإذا ما قِدِر يساعدك، اقعود بهدوء وسلّم على الحبيب. هذه سنّة الكون أستاذ. الله يرحمنا وأمواتنا آمين! + وأمواتنا والسامعين، آمين، ـ صار وقت الذهاب، أنا تأخرت... + ليش العجلة أخي؟ انتظر شوية! ـ مع الأسف إنك قمت بتوظيف شباب ضعفاء عندك... + أنا اللي لازم إطلع شوية هوّي رأسي حتى يوصل الطبيب! ـ لحظة من فضلك، أستاذ! بتسمح لي أن أرافقك. عندي فكرة وعرض لعمل يمكن يجلب علينا مصاري مليحة. + تعال عيني! الدنيا قسمة! ـ أوكي أستاذ منشوف إذا فينا نقوم مع بعضنا بشغلة تربّحنا قرشين، بس تكون مظبّطة ومرتّبة مليح. + وإذا ما ظبطت وانكمشنا، ما بيبقى لنا غير الشحاذة! ـ الشحاذ أيضاً عنصر متساوي المكانة الفردية في اقتصاد البلد! مو هيك أستاذ؟ (قالها مازحاً!). + انتظر شوية! وين شغّيل القهوة؟.. إذا رجع المعلم قُلّ له، إنّي رحت إتمشى شوية. لا تخاف من شيء، ما راح يكون فيه مشكلة، وإذا حدث أي طارئ راح أغرز سكين جديد في الجرح! لا تحمل هَمّ.... ـ لازم إنتبه أنا كمان مليح بسبب جرحك. لأن الإنسان لا يقتل شخصاً فقط إذا غرز في ظهره شبرية بل إذا ما يُقدّم له الإسعاف عند الحاجة! + شكراً على مشاعرك الطيبة، والله باين عليك إبن حلال. إلى أين تريد الذهاب؟ ـ خلينا نبقى بالقرب من المقهى بسبب الطبيب. + آووووه نسيت إسأل المعلم مسموح شرب الدخان في هذه الحالة الخطيرة، ما بعرف.. والله يمكن بدّي خاطِر ودخن سيجارة! - تفضل هذه سيجارة بتعجبك! + شكراً، طبعاً، شو بيصير منها! ـ ولا شيء والله يا أستاذ؟ + ولا شيء أبداً! ـ بأسوأ الحالات يمكن تموت، وهذا يمكن حدوثه بدون شرب دخان أو شرب كازوز أو حتى بدون شرب متي!. + كلام حِكَمْ! (قالها بتهكّم). ـ والله معك حق، كلامك كويس. لكن انتبه لي أخي بجدية أكثر شوية! أنا صاحب دكان في مزرعة المغاير، ومعارفي وعلاقاتي واسعة –إذا لا سمح الله فيه مشكلة، بيسحبوني منها مثل الشعرة من العجين، لكن إنت بعدك ما عرّفت عن حالك ودرجة معارفك، شو أخي من أيّ منطقة حضرتك أستاذ؟ + إسمي فرانسيس خسارة... ومن بلد الدكتور هلالي وزير الحمد لله!... ـ وليش إسمك بيضحّك يا خسارة؟ (مقاطعاً)! + لأني أحب الضحك وأكره الخسارة! (ضاحكاً)!... ـ من بلد الدكتور ما بيكفي، لازم تكون من حارته! + لا تهكل همّ أخي! إنت شو بدّك نعطيك شجرة العائلة؟ ـ لا أستاذ، استغفر الله! نحن ما منحكي عن العائلة أو الطائفية ولا شيء من هذا. + طبعاً أخي، مين عا بيحكي عن الطائفية؟ خلينا بموضوعنا...(ويبدأ حديث حول صفقة تهريب مشتركة!)...
بعد حوالي ربع ساعة، وبعد اتفاقهما الأولي عن كيفية التنسيق بينهما والمساهمة في أعمال مشتركة مُربحة... بعدها يرجع الأستاذ فرانسيس خسارة إلى خان الحرية العتيق... تمهّل بالقرب من المدخل، يده تشدّ قميصه على مكان السكين حول ظهره، يسمع صاحب الخمارة المعلم يتحدث مع الطبيب: "يعتقد الأستاذ فرنسيس خسارة أنه يعقد صفقة مربحة عندما يبيع نفسه إلى أبو علي الفحل، وأبو علي الفحل سيكون غير مُصدّق أنه اشترى فرنسيس بهذا الرخص!".. ويرد الطبيب بلهجة الناصح العارف الحكيم: "مهما حاول وجرّب الإنسان، لا يستطيع اليوم وبأي شكل من الأشكال غسل وساخة بُكرا!".. ملاحظة: جوهر إحدى الأفكار أعلاه تمّ تهريبها إلى متن الموضوع بدون سلاح ولا وساطة طائفية، ويبدو تموضع المجال "الطائي..في" حتى وقت قريب مازال فوق رفوف حقوق أشعة الإنسان البنفسجية وتحت سقف أشعة التهريب الحمراء!
بودابست، 9 / 10 / 2010، فاضل الخطيب.
#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حناجر بين قفزة أرمسترونغ ومتعة غروسكي ...
-
جملة واحدة عن الطغيان...
-
عاقل يحكي وأعقل يفهم...
-
تنذكَر وما تنعاد، تنعاد وما تِنذَكَر!..
-
الالتفاف حول الصفر المئوي 97%...
-
الدنيا كِدَه، وكِدَه! ولاّ كِدَه؟...
-
حوارات شامية
-
الغضب الساطع الأصلي آت!..
-
معلومات سياحية صياحية...
-
أوربا في الاتجاه الصحيح...
-
مرايا التجميل وخميرة -النفش-...
-
أسئلة على ضفاف غابات الهوبرة...
-
بانتظار سندويشة خالية من لحم الخنزير...
-
الثالوث غير المُقدّس للأواني المستطرقة...
-
ملاعق الجنة متساوية الطول
-
من قاسيون أُطِلُّ يا وطني...
-
المعرفة والاعتراف بها...
-
غزوة قلم الحبر الناشف...
-
ثقافة السباحة والتسبيح...
-
الطبقة العاملة عائدة من الجنة!..
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|