أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف السقا - عودة














المزيد.....

عودة


شريف السقا

الحوار المتمدن-العدد: 3149 - 2010 / 10 / 9 - 14:55
المحور: الادب والفن
    


استلم الطريق عائداً ....سالكاً تلك الأزقة الأفعوانية مرة أخري ....ظلت السماء تذبح قطعان الغمام الأسود لتنزف مائها بغزارة علي الأنحاء ....و سياط البرق تجلد الأرض بلا هوادة .... دوي الرعد أجبر الجميع علي الإنسحاب إلي جحورهم ...حتي الكلاب و جرذان الحقول ....إنسحب الجميع تاركين الريح العاصفة تعربد بلا اكتراث ....

جرجر ساقيه في برك الوحل التي احتلت الطريق ...خاف علي لفافة اللحم الملتصقة بلزوجة علي كفه ...لم يجد مفراً سوي أن ينزع كوفيته الصوفية ليحميها بها ...تاركاً الريح الباردة تصفع عنقه بقسوة ...

وصل إلي باب الدار ...مبتلاً ...يقطر الماء منه كعصفور بلله المطر ....أصدر الباب العتيق صريره المعتاد ..بعد لحظات كان في صحن المنزل ....تلك الدار التي بنيت في الزمن الغابر علي عادة أهل الريف ...كلما احتاجوا غرفة جديدة بنوها و ألحقوها بالبناء ...ليصبح كتلة مضحكة مليئة بالنوافذ و الأبواب تماماً كقطعة الجبن المليئة بالثقوب ...و بعد أن جاء الغرباء كما يسميهم أهل القرية أصبحت كل دور القرية ظاهر بؤسها بشكل لافت ....

وضع لفافة اللحم علي الطاولة الخشبية الجانبية و كأنه يتخلص من حمل ثقيل أرهقه ....خلع تلك الملابس المبتلة و المكسوة ببقع الوحل و ارتدي جلباباً نظيفاً ...مشعلاً سيجارة و أخذ يتمتم بلحن أغنية قديمة ...سيلزم البيت في الإيام القادمة ...الجميع في اجازة ..ربما رغب الاوغاد أن ينزحوا ما تبقي من معدات صدئة في ذلك المصنع الخرب ...سحقاً للجميع و لتلك الحياة البائسة ....تعود جرذان الحقول ممتلئة البطون إلي جحورها و ننتظر نحن قطعة لحم تلقي الينا كالكلاب الضالة من حين لأخر .....

لم يعد يهم أي شيء الأن ...شحذ سكينه و أخذ يقطع اللحم قطعاً ...اجتذبه نباح متقطع يأتي من بعيد كأنما يذكره بأن الكلاب أيضاً لها نصيب فيما أخذ ....

تمدد الليل مبتلعاً القرية في جوفه ....لتغرق في الظلام كما هي غارقة في بؤسها منذ أن لفظتها الأرض علي سطحها .....لا يخدش ستارة الظلام

سوي بضع أنوار مرتعشة من هنا أو هناك ....

ألقي بقطع اللحم في الإناء ....ممنياً نفسه بعشاء ...يملأ تلك الأوردة الجافة بقليل من الحيوية المفقودة ......

تمدد منتظراً ...و جال بنظره في تلك الدار الفسيحة الموحشة التي طليت جدرانها بكأبة الإيام الكالحة اللون و طفحت برائحة الرتابة الباردة علي مر السنين ....تلك الدار التي غادرها أهلها و تركوه وحيداً ...تذكر يوم أن غادروا ضفة الحياة في صحبة قافلة الموت يومها جثا علي ركبتيه مناشداً إياه أن يصحبه معهم ...لكن الموت ضحك ضحكته الماكرة و أشاح بوجهه عنه و مضي بغنائمه بعيداً ....لم يجف نهر الدموع لكن القلب تناثر أشلاء ...

كادت أن تطبق جدران الأسي عليه و تعتصره كعادتها ...طفرت دمعة ملتهبة من عينيه ....اللعنة علي تلك الذكريات فهي تختبيء في الأركان حتي اذا شعرت أنك نسيت انقضت عليك ناشبة أنيابها الحادة في لحمك مخلفة ندوباً لا تندمل .......

حسده أهل القرية علي تلك الدار ...هؤلاء الأوغاد الملاعين يهمهم تلك الجدران البالية أكثر من الذي يسير علي قدمين ....يدعون الرحمة لكن قلوبهم قد قدت من صخر صلد ....يقتاتوا بعض متقاتلين علي الفتات الملقي لهم علي قارعة الطريق ....ود لو أنه هتف بهم ....نحن لا نرث الأرض لكن تلك اللعينة هي التي ترثنا ....تلفظنا الحياة لتلوكنا ببطء بين فكيها حتي اذا انتهت مننا بصقتنا بكل صفاقة ....

كم هو ثقيل أن تحمل من أحببت لتقدم لحمهم كوجبة شهية لديدان الأرض ....تعاملك الحياة كعاهرة تستلقي حاسرة ثوبها حتي اذا اشتعلت جذوتك و هممت بأن تعتليها ركلتك بقسوة لتنزف المك و تمضغ خجلك وحيداً و تنصرف ضاحكه بشبق لتوقع بضحايا اخرين ....

لا يتبقي لك ألا أن تنظر علي نفسك عبر شرخ قلبك المهدم ....

قطع صوت تلك الأفكار المؤلمة صوت اهتزاز الإناء ....قام سريعاً لينقذ عشاؤه .....



#شريف_السقا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رائحة وطن يحترق
- المصنع
- الرحلة
- مرض الرجوع إلي الخلف
- عدالة البؤس و بؤس العدالة
- الشرخ
- الفراغ
- داخل الغرفة
- أتذكر ؟
- كازابلانكا
- كلب السيد
- أميرة الأمل
- العزلة
- سفر الخروج
- فارس لا يموت
- روليت
- درج الذكريات
- قصة جارية
- مدينتنا و قميص عثمان
- كفتة و حواوشي أونلاين


المزيد.....




- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شريف السقا - عودة