حمدي فؤاد العاني
الحوار المتمدن-العدد: 3149 - 2010 / 10 / 9 - 14:51
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
ملاحظات حول ما جاء في الحوار الذي أجراه الحوار المتمدن مع الدكتور كاظم حبيب
ملاحظة: وصلتني الرسالة المرفقة من رفيق وصديق عزيز هو الصحفي الشيوعي حمدي فؤاد العاني, وأحد مرشحي الحزب في الانتخابات العامة الأخيرة 2010 في بغداد.
كنت والرفيق حمدي (ابو حمادة) مبعدين في بدرة في العام 1956, وكنا نعيش في دارين متجاورين. ومنذ ذلك الحين نشأت بيننا علاقة أخوة وصداقة ورفقة نضالية متينة. كانت اهتماماته السياسية تتركز حول حياة ومعيشة الناس في بغداد والعراق, وكان كصحفي ناشط لجريدة الحزب ودون مقابل يتنقل في أسواق بغداد, سوق الخضر والفواكه, سوق الشورجة واسواق كثيرة أخرى. يبحث عن الأسعار وشحة المواد وعن مصاعب الناس الفقراء والكادحين في العيش في ظل ارتفاع مستمر في أسعار السلع والإيجارات وغيرها.
وجه في الآونة الأخيرة رسالة لي يناقش بعض ما ورد من افكار لي في مجرى الحوار الذي دعا له الحوار المتمدن. ثم اتصل بي هاتفياً وأعلمني بأنه قد سلم هذه الرسالة والملاحظات المنشورة في أدناه إلى عضو في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي طالباً منه عرضها على المكتب السياسي. كما طلب مني نشرها. أبديت استعدادي للرجاء من الأخوة في موقع الحوار المتمدن على نشرها ومن ثم يتسنى لي مناقشتها. وها أنا أنشرها بناء على رغبته وطلبه.
سأناقشها بعد أن يتسنى للقارئات والقراء الإطلاع عليها.
كاظم حبيب
نص الرسالة والملاحظات
الدكتور كاظم حبيب المحترم .
تحية حارة ..
اطلعت مؤخراً على ما جاء بالحوار الذي اجرته معكم مؤسسة الحوار المتدمن , وقرأت ما جاء بأسئلة السائلين واجاباتكم عنها , وقد وصلتني هذه الملازم عن طريق ولدي محمد عندما كنت في اربيل , واخر تعليق كان مع السائل محمد علي محي الدين .
في البداية كان السؤالان وجيهين حول اسباب ازمة اليسار العربي واجابتكم كانت منطقية ومعقولة وشافيه ,تدل على عمق التفكير السياسي لرجل عاصر الحزب الشيوعي العراقي والحركة الوطنية قرابة نصف قرن , هو الدكتور كاظم حبيب .
الملاحظات :
برز دور المعسكر الاشتراكي وعلى رأسه الاتحاد السوفيتي بعد العدوان الثلاثي على مصر بأنذاره الشهير للدول المعتدية وكذلك المواقف التضامنية مع ثورة 14 تموز وتأييده لكافة الحركات الثورية في العالم , وخاصة حركة التحرر الوطني في الوطن العربي .
(ج) – وبصدد مقترحك بتبديل القيادات العليا , المكتب السياسي سكرتير الحزب او اللجنة المركزية , كما قلت غير وارد في تأريخ الاحزاب الشيوعية , بل يكتفون بالنقد الذاتي ويعودون مرة اخرى لقيادة الحزب وهذا صحيح .
ومقترحك بالالتزام بما ورد بقرار المؤتمر الخامس لبقاء السكرتير لدورتيين ( او اقرار هذا المقترح ) والتنحي عن المسؤولية هذا ايضاً غير وارد, او عدلتم عن هذا الرأي لوجود تعديل في النظام فحذفت هذه الفقرة لاحقاً ..
فالمؤتمر الثامن صوت بالاجماع للرفيق حميد مجيد موسى بـ ( 207 ) صوتاً لدورة اخرى , واستدركتم في تعليق اخر بأنه لم يخالف النظام الداخلي , كما استشف من اجابتكم انك توافق الرأي بصدد بقاء السكرتير لدورتين فقط .
هل تريد ان نضع دستور الجمهورية العراقية موضع التطبيق ؟.
يعني ما ينطبق على رئيس الجمهورية ينطبق على سكرتير الحزب ؟ .
يا سيدي وما الضير من بقاء سكرتير الحزب مدى الدهر ؟.
اذا لم يرتكب خطأً فادحاً في حياته السياسية , ولو ان ذلك قد يكون شبه المستحيل في تأريخ الحزب الشيوعي العراقي !فالاخطاء كثيرة ومدمرة ووضعتنا في موقع اخر( ولو مؤقتاً ) كما هو حالنا اليوم فالمؤتمرات اللاحقة هي التي تقرر بقاء هذا اوذاك .
اما مطالعتكم برفد القيادات بعناصر شابة الى مركز القيادة من اجل التغيير فهذا الكلام لا استسيغه ولا افهمه ابداً , فالحزب الماركسي لا ينطلق من جدارة الرفيق القيادي , هذا الشاب وهذا كهل وهذا شيخ , وانما ينطلق من سيمائه السياسي ونضوج افكاره ومتابعة للاحداث وصلابة تفكيره وتحليلاته وخبرته في الحياة السياسية , ومقدرته على تجاوز الازمات واتخاذ القرارات الصائبة في المنعطفات الحادة , وتضحياته طيلة وجوده في الحزب .
اقول من اين جاءت خبرة العناصر الشبابية في فهم الماركسية وتطبيقاتها على الواقع ( الانتصارات والاخفاقات ) قبل ان يمضي شوطاً طويلاً في المعارك النضالية الوطنية والطبقية ليكون جديراً لهذه المهمة .
الا توجد مفارقات بين تأريخك النضالي عما كنت شاباً يافعاً متحمساً تلتهم الكتب الاقتصادية والسياسية والفلسفية وبين ما انت عليه الان ؟ وبالرغم من كل هذا فهل مستواك السياسي والفكري والعلمي الان هو نفس المستوى الذي كنت فيه شاباً وعضواً في اللجنة المركزية ؟ .
ان اجاباتك التي وردت في هذا الحوار تدل على تجربتك النضالية الطويلة ونضوج افكارك وانت في شيخوختك لا في شبابك .
فهل ثقافتك عندما كنت شاباً تساوي ثقافتك الان وعمرك (75) عاماً , وهذه الخبرة او الخبر او التجارب التي مرت عليك عبر عقود من الزمن , هي التي صقلت تجاربك المريرة التي مرت على الحزب الشيوعي العراقي . فكيف يمكن ان يحتل الشباب مراكز الصدارة وهم في بداية الطريق ؟
مثال اخر :
انتخب الحزب الشيوعي اللبناني سكرتيراً شاباً عمره تجاوز (35) عاماً , وعلمت من احد اعضاء اللجنة المركزية , ان هذا الشاب ( السكرتير ) حضر مأتماً في بيروت لتأبين الجلاد صدام حسين !! حلو , طبق الماركسية من الخلف ! .
ما ورد في اجابتكم على السؤال . ما هي اسباب مطالبتك بتغيير اسم الحزب الشيوعي العراقي ؟
تقول بصدد طبيعة المرحلة التي لا تهدف الى اقامة مجتمع اشتراكي او شيوعي , بل يسعى الحزب الى استكمال الاستقلال والسيادة الوطنية ,اي مرحلة الخلاص من وجود القوات الاجنبية في العراق وتعزيز الامن والاستقرار والعدالة الاجتماعية والسلم الاجتماعي , كما ان الفقرات الواردة ب , ت ,ث . ج , ح هذا هو رأي الحزب ومطابقة لرأيكم في مضمون كل هذه الفقرات وحسب قرار المؤتمر الثامن اما موضوع تبديل اسم الحزب الشيوعي الى اسم اخر مثلاً حزب الشعب الديمقراطي او حزب اليسار الديمقراطي او اي تسمية لا تضع مفردة الاشتراكية او الشيوعي فيه . قرأت مقترحك قبل انعقاد المؤتمر الثامن ولم اسمع اي شيء بصدد المقترح داخل المؤتمر ولم يجر التصويت عليه . ولكن .. احب ان اشير الى ان الاحزاب الشيوعية تشكلت بعد خيانة الاحزاب الاشتراكية لمبادئ مؤتمر ((بازل)) عام 1912 والذي تنبأ (( لنين )) بكتابه الامبريالزم ( الاستعمار )) اعلى مراحل الرأسمالية , ودعا فيه الى التصدي للحرب القادمة والنضال من اجل اقامة نظام اشتراكي عالمي , لان الحزب ستكون ضحاياه من العمال والفلاحيين , يقتل بعضهم بعضاً , وهدف هذه الحرب ( الحرب العالمية الاولى ) هو تقسيم العالم ( تقسيم النفوذ ) بين المنتصرين والاستحواذ على اسواق جديدة واستعباد شعوبها وخلال هذه الفترة ( كما تعلم ) نفذ الحزب الاشتراكي الروسي بقيادة (( لنين )) واللجنة المركزية , هذه المهمة بجدارة بعد اسقاط قيصر روسيا وبالتالي حكومة (( كرنسكي )) وأعلان السلطة السوفيتية في انحاء روسيا تحت قيادة الاليرولتياريا الروسية .. وخانت كل الاحزاب الاشتراكية في اورباً مقررات مؤتمر ((بازل )) عام 1912 , وبالتالي تشكلت الاحزاب الشيوعية التي هي من اهداف الاممية الثانية .
قد يكون مبرر لهذا الاسم في اورباً ( الحزب الشيوعي ) ولكنه انسحب الى كافة دول العالم بما فيها الدول النامية والتي سميت بالمختلفة اقتصادياً واجتماعياً , وقليل منها سميت بأسم احزاب الشعب والحركة الاشتراكية واحزاب الطليعة التقدمية .. الخ اود ان اسأل مقامكم ...
هل كانت تسمية الحزب الشيوعي العراقي منذ تأسيسه عام 1934 خطأ ؟
هل اثرت التسمية على جماهير شعبنا ؟
هل تم عزله عن الجماهير وحيدت عنه ؟
انت تعلم علم اليقين , ان الحزب الشيوعي منذ تأسيسه ضم في صفوفه خيرة المثقفين ومن مختلف الشرائح الاجتماعية من العمال والفلاحين والمثقفين .. الخ وانتهج سياسة عقلانية في النضال من اجل استكمال السيداة الوطنية ( كما هو حاله الان ) واقامة حكومة تضم اطياف الشعب العراقي وعمل على توحيد كافة القوى السياسية , من اجل اقامة حكومة وطنية ديمقراطية تهدف الى النضال من اجل حل مشاكل الشعب الاقتصادية والاجتماعية ..الخ .
وعلى هذا الاساس التف الشعب وراء شعارات الحزب رغم تسمية ( بالحزب الشيوعي ) ودخل مع جماهير الشعب في معاركة الوطنية والطبقية للدفاع عن مصالح شغيلة اليد والفكر , وكان على رأس انتفاضات شعبنا عام 1948 , 1952 1956 ,وثورة 14تموز المجيدة , ويعد الحزب الشيوعي العراقي اقوى الاحزاب السياسية التي تأسست في تلك الفترة , وتصدر المعارك الوطنية بجدارة .. وقدم على مذبح الحرية الاف الشهداء ( كما اشرت ) وتصدر مركز الصدارة للحركة الوطنية وكان الداينمو المحرك لنضال الجماهير السياسي والاقتصادي والاجتماعي . ترى يا رفقي العزيز هل اخطأ في التسمية ؟ ام مواقفنا اليمينية واليسارية وظروف الردة في العراق والعالم اجمع هي التي دعت تبنيكم موقف تغيير اسم الحزب الشيوعي الى اسم اخر ؟ .
ان لا اتفق معكم حول تغيير اسم الحزب الى اسم اخر مهما كانت الظروف والاحوال التي يمر بها بلدنا ..
يا عزيزي فهذا الانحسار هو مؤقت . ومن يتصور ان هذه القوى التي تكالبت على السلطة جادة في حل مشاكل الشعب الاقتصادية والاجتماعية فهو واهم . ومن يتصور ان هذه القوى تكون بديلة عن اهداف وطموحات الحزب الشيوعي واهدافه القريبة والبعيدة فهو واهم ومن يتصور ان هذه القوى بأمكانها حل مشاكل الزراعة والسكن والصحة والتعليم وتقديم الخدمات فهو مخطئ ان هذه القوى نتصارع فيما بينها من اجل مصالحها الطبقية الضعيفة اولاً , وثانياً تهدف الى تشويه بناء المؤسسات الدستورية وبالتالي اقامة سلطة دكتاتورية .
ان الايام المقبلة كما نتصورها في تراجع عن كثير من الامور التي تهم الشعب في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية , ولا طريق اخر غير طريق المشروع الوطني لبناء دولة ديمقراطية مدنية , تنتهج سياسة تحترم
مصالح الوطن العليا ولبناء عراق ديمقراطي اتحادي فيدرالي , ينعم الشعب بالخير والسلام وينشر الحرية المساواة والعدالة الاجتماعية .
من قال يا عزيزي ان المرحلة هي مرحلة بناء الاشتراكية ؟ هذه وثائق المؤتمر الثامن لا تشير في الوقت الحاضر الى ان المرحلة هي مرحلة بناء الاشتراكية , بل هي مرحلة النضال من اجل استكمال السيادة الوطنية وبناء عراق جديد ذي طابع وطني وديمقراطي . ومن اجل ماجاء بالفقرات الواردة , حول السؤال الذي طرح ( الاحزاب الشيوعية العربية , كيف تصيغ مطلبك لها بأعادة النظر في مناهجها بشكل عام بحيث تكون اكثر قرباً . للحركات العالية والجمهورية ؟ ) .
لكن اود ان اتوقف عند الفقرة ( ز ) بالانتباه الى التحولات الجارية في المفاهيم السابقة وخاصة مفهوم الطبقة وظل العالم الرأسمالي والمعولم , كما يفترض دراسة التغييرات الحاصلة على الرأسمالية والطبقة العاملة .
ماذا تقصد بالطبقة وكل العالم الرأسمالي المعولم ؟
كما يفترض دراسة التغييرات الحاصلة على الرأسمالية والطبقة العاملة ؟ .
- هل تقصد ان الرأسمالية اتخذت اجراءات في حلة جديدة لصالح الطبقة العاملة ؟ .
- هل تغيير جواهر النظام الرأسمالي ؟
- هل النظام الرأسمالي في طور التطور ام الانحدار نحو الهاوية ؟ .
- هل تغير مفهوم استغلال الانسان لاخيه الانسان ؟
- هل تغيرت علاقات الانتاج الرأسمالية من علاقات تناحرية الى علاقات اكثر عدلاً ؟
وكي نستذكر الاحداث التي مرت على بلدنا العزيز في الحقبة المنصرمة والتي تعرفونها جيداً , كما نحن نعرفها وكي يطلع من لم يلطع عليها انذاك من ابناء شعبنا الكرام نسوق بعضها تعزيزاً لما نؤمن به من الرأي ..
عبد الصاحب ثاني يسأل:
- استطاع حزب البعث استلام السلطة لاكثر من مرة فهل كانت للحزب الشيوعي يوماً فكرة استلام السلطة في العراق ؟
في تقديري ان رد كاظم جيب على هذا السؤال ( مقتضب ) هو تسلسل الاحداث من بناء الحزب وبرنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الى النضال من اجل تحقيقه , وسيرته في بناء الجبهة الوطنية الى ثورة 14 تموز واختلاف في الرؤى في مواقف جبهة الاتحاد الوطني , وعدم اشراك الحزب الشيوعي في السطلة , رغم قوة تنظيمه والجماهرية على الصعيدين العسكري والمدني . وهذا ما نحقق عند تشكيل حكومة الثورة من افتراق وتناحر مما ادي ببعض الضباط للمطالبة بالاطاحة بعبد الكريم قاسم .. ولكن كانت لفترة الوقائع ما بين 1959- 1960 , وما يتمتع به من جماهرية , وبصرف النظر عن هذا الموضوع وأخيراً حدث انقلاب 8 شباط ( انتهى حديث الدكتور ) كنت شاهداً على مجريات الامور , وقرارات حكومة الثورة ابتداءً من ساعة الصفر مروراً بكل الاحداث السياسية والاقتصادية وصولاً الى 8 شباط الاسود .
عدم اشراك الحزب الشيوعي العراقي حكومة الثورة , كانت البذرة الاولى لسقوط الحكومة , وهذه الفجوة اما ان تردم واما في طريقها الى التوسع لاحقاً لتشمل اجراءات القمع والاعتقالات والسجون واعدامات الشيوعيين .
قلت في ندوة قبل 4 سنوات مع فضائية الحرية وبمناسبة احياء ذكرى ثورة 14 تموز .. ان الثورة حملت بذرة سقوطها في يومها الاول , بسبب التشكيلة الوزارية والتي خلت من ممثل الحزب الشيوعي , بينما ضمن في صفوفها الاطراف الاخرى من جبهة الاتحاد الوطني , والتأمر على الثورة ايضاً , بدا من يومها الاول , مع ذلك فأن الحزب قدم كل خدماته من اجل ترسيخ اجراءات الثورة والدفاع عنها ..
التفت جماهير شعبنا حول شعارات الحزب ومنظماته الجماهرية , العمال , الفلاحون , الطلبة , الشبيبة , المرأة ولعبت دوراً كبيراً في مجرى الاحداث , وسيطر الحزب على الشارع في شعاراته ومسيراتها , وتصدى لاعنف هجمة تأمرية تكللت بسحق مؤمراة الشواف .. وصاحب الاحداث نهوض ثوري هائل , رغم ما حدث من ملابسات في هذه الاحداث .. وكان التأمر الخفي والمبطن من قبل المجموعة التي كانت تحتل الكثير من المواقع في السلطة لعبت دوراً خبيثاً لزعزعة الاستقرار واجهاض الثورة تحت شعار معزوفة القوانة المشروخة , المد الشيوعي المزعوم او المد الاحمر , كما لعبت القوى الخارجية دوراً اخر , فأرسلت الى منطقة الشرق الاوسط مبعوث الولايات المتحدة الامريكية – رونتري – مر من هنا ليتوقف عند عبد الناصر لتكليفه بمهمة اسقاط السلطة في العراق تعقدت الامور , بحيث اصرت القوى القومية وحزب البعث على اسقاط السلطة وربطها بالجمهورية العربية المتحدة تحت شعار الوحدة , مقابل ذلك كان هناك شعب يرفض هذا التوجه , ولا ينقاد الى هذه المجموعة الصغيرة التي لا تمثل الا نفسها , وهي بعيدة كل البعد عن الاجراءات التي اتخذتها حكومة الثورة لصالح جماهير الشعب وكل اجراء تتخذه السلطة لصالح الشعب كان المد الثوري يتصاعد بشكل هائل , وهذا المد حمل السلطة البرجوازية الوطنية اكثر من طاقتها , فأرتعبت من هذا المد الثوري الذي جير لصالح الحزب الشيوعي العراقي وقواه التقدمة ولذلك فكرت ( هذه السلطة ) بالخروج من هذا التوجه نحو اليسار , فهيأت اجراءات كانت قد اتخذتها سراً , فأعلن عبد الكريم قاسم يوم 28/4/1959 ان الاحزاب هي رجس من عمل الشيطان , واعلن ايضاً ان الجيش فوق الميول والاتجاهات , وكان عبد الكريم على موعد مع ايار الذي انطلقت فيه الجماهير الشعبية ومنظماته التقدمية الى احياءهذه المسيرة التي ظلت تمر امام وزارة الدفاع حتى الصباح , وكان شعارها حزب الشيوعي بالحكم مطلب عظيم – عاش الزعيم .. فقد اغتاض عبد الكريم قاسم من هذه المسيرة , وكان يقف مقابل وزارة الدفاع الشهيد محمد حسين ابو العيس ( عضو المكتب السياسي ) (( وبيده المايكروفون )) ليعلن اخواني اتركوا هذا الشعار فالشعار لا ينفعنا , كرر مرات عديدة ولكن بدون جدوى بعد ان وضعت بصماته المسيرة التي مرت في منطقة الشورجة امام سكرتير الحزب وقيادته .. وطلب الحزب اشراك ( 4 ) وزراء في الحكومة الجديدة بمقابلة مع عبد الكريم قاسم وبحضور عامر عبد الله والسكرتير الاول , الا ان عبد الكريم حسم الاجتماع بسرعة وكان غير راض على ما جرى في هذه المسيرة المليونية .
وفي يوم 12/5/1959 نظم الجناح اليميني للحزب الوطني الديمقراطي مظاهرة فلاحية , تجمعت في علاوي الحلة , بقيادة ( عراك الزكم ) , وكانت شعاراتها يسقط اتحاد الجمعيات الفلاحية وتسقط الشيوعية واصطدمت بالجماهير في الميدان , كما طالب الحزب ان تسير هذه المسيرة بدون اعتراض احد .. ولكن هذه المعركة , وانا كنت حاضراً فيها , اتابع الاحداث مع رفاقي واخلي الجرحى وتخليص اعداد من الفلاحين من هذا العنف الذي كان يقوم به الجنود والانضباطية فتوالت سريعا ووجهت الصحافة , الثورة , الفجر الجديد بغداد , الحرية سهامها الى الحزب الشيوعي والحركة الوطنية بشكل لم يسبق له مثيل في تأريخ الدولة العراقية ولا يمر يوم واحد الا وتجد فيه صفحة على هذه الجريدة او تلك تنبث الماضي وتفبرك الاحداث وتضع المسؤولية على الحزب , كما رافقت الحملة الصحفية الاغتيالات والاعتقالات ومهاجمة مقرات المنظمات الجماهرية بالسلاح , فقتل الكثير من رفاقنا في بغداد وكافة المحافظات وزجوا في المعتقلات , ونظمت حملة هستيرية بقيادة السلطة وبالتعاون مع كافة القوى الرجعية واليمينية , ونشطت الاجهزة الامنية والاستخبارية في هذا المجال وجاءت احداث كركوك لتزيد الطين بله فنشطت القوى الرجعية من اجل ايقاف هذا المد الثوري وكبح جماحه , ففي مدينة الموصل اغتيل وجرح اكثر من ( 250 ) شخصاً , وهجرت العوائل المسيحية من الموصل وتدهورت الامور بشكل يدعو الى القلق وعدم الاستقرار ونقل مقر البارزاني من بغداد الى كلالة , وقد توزعت الادوار , وتعرض الفلاحون الى حملة مطاردة واغتيال العناصر الفلاحية البارزة , وعزل الكثير من الضباط الموالين للحركة الديمقراطية وابعادهم من المراكز الحساسة في الجيش , كما شملت ايضاً هذه الحملة دوائر الدولة للعناصر المخلصة للنظام , وهذا كان يجري بعلم السلطة وعلى رأسها عبد الكريم قاسم وجرت محاولة اشبه بالتمرين العسكري الخاطفة لمواجهة هذا التحدي , الا ان قرار اتخذ على السرعة لايقافه .. وبدأت الامور تسير من سيء الى اسوأ وجرت محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم من بداية تشرين الاول عام 1959 ونجا من الموت , وكانت المؤامرة معدة سلفاً فالمقدم صبحي عبد الحميد قد نبه الحاكم العسكري احمد صالح العبيدي بالبدء بتنفيذ ما تبقى من المؤامرة الا انه فاجاه ببقاء قاسم على قيد الحياة ونجى من الموت .
وقبل هذا بأشهر اي منتصف تموز اجمعت اللجنة ووجهت نقداً لاذعا لسياسة الحزب في هذه الفترة واعتبره بعض قادة الحزب ( جلداً ذاتياً ) اعود الى محاولة الاغتيال , حيث عقدت اللجنة المركزية في يوم الاغتيال اجتماعاً, وطلب الرفيقان عبد الرحيم شريف وحمزة سلمان استلام السلطة ولكن هذا المقترح رفض من قبل الاكثرية , وسهرت جماهير الشعب في ذلك اليوم حتى الصباح لمجابهة اي احتمال , كما تحفزت القوى المسلحة للرد وانزوت كافة العناصر المحسوبة على التيار القومي او البعثي والعناصر اليمينية في مواقعها واحتمت بالعناصر المؤيدة للثورة من مخطار الانقضاض عليها .. وهذه الفرصة ضاعت على الحزب .. وتصورت قيادة الحزب ان الامور ستسير بشكل اخر بعد الضربة , ويسترد عبد الكريم قاسم مواقعه لصالح القوى الديمقراطية ولكن بعد خروجه من المستشفى , استمر على نفس النهج . بل زاد من معاداته للقوى الديمقراطية , فشكل المجالس العرفية لمحاكمة العناصر الديمقراطية المعتقلين منهم , فحكم على الكثير منهم بالاعدام او بأحكام مختلفة وخاصة ما يتعلق بأحداث الموصل وكركوك , وتدهورت الاوضاع السياسية وبناء على طلب الشركات النفطية اغلقت جريدة اتحاد الشعب فلجأ الحزب الى العمل السري , واتخذ الحزب شعاره التضامن مع ايجابيات السلطة والكفاح ضد سلبياتها ( يعني تضامن كفاح ) .. واستمرت القوى القومية واليمينية والبعثيين والعملاء على نهجها بأسقاط السلطة و عبد الكريم يسجل هذه المؤتمرات في ملفات خاصة به , يقال انها وصلت الى اكثر من ( 27) مؤامرة .. فوضع الحزب خطة الطوارئ لتنفيذها عند حدوث اية مؤامرة قد تحصل بعد ان تم عزل الجماهير عن السلطة ودق اسفين ما بين السلطة والجماهير , وضعفت يقظة الجماهير من جراء هذه الاجراءات التي طالت مصالحها ولم تعد قادرة على الدفاع عن نظام عبد الكريم قاسم فأختلف الامر عن الايام الاولى للثورة وما بعد الاغتيال ولم تعد النداءات التي كانت يطلقها الحزب من خلال جريدة السرية لايقاف التدهور السياسي , فلا اذن صاغية لدى السلطة ! .
كما ان القتال الذي اندلع في شمال العراق لعب دوراً كبيراً في اصفاف السلطة , وتدهورت العلاقات بين السلطة والحركة الكردية لعدم تلبية مطاليب الاكراد في الحكم الذاتي لكردستان والديمقراطية للعراق ومن اجل درع مخاطر التأمر وضع الحزب خطة للطوارئ بالتعاون بين تنيظم الضباط وضباط الصف في كل وحدةعسكرية بها تنيظم للحزب الشيوعي لصد اية محاولة تأمرية يقوم بها الجيش اما الجانب المدني فمهمته الهجوم على مراكز الشركة واستلام اسلحتها للدفاع عن الثورة , وهذا ما حدث في مركز شرطة الكاظمية يوم الانقلاب 8 شباط الدموي .
وهذه الخطة على النطاقين العسكري والمدني فشلت في تنفيذ مهامها في الساعات الاولى لدحر المؤامرة حيث احكم المهاجمون سيطرتهم على الطرق المؤدية الى معسكرات الجيش واعتقال كل الجنود والمارة منهم في مركز شرطة المأمون في ساعة الصفر كما تمت السيطرة على اللواء التاسع عشر في معسكر الرشيد وبوابة المعسكر , وامطرت الطائرات المغيرة مطار الرشيد والدفاع بالقذائف واغتيل قائد القوة الجوية الشهيد جلال الاوقاتي كان مركز التأمر كتيبة الدبابات الرابعة في معسكر ابو غريب , هي التي احكمت السيطرة على مراسلات الاذاعة , وانفردت بالعناصر الموالية لها .
وقبل الحركة بشهر كامل صدرت نشرة خاصة عن هذه المؤامرة ومركز انطلاقها وحركتها وحتى اشارت النشرة الى القطع الخضراء التي سيضعها افراد الحرس اللا قومي على ايديهم .
وخلاصة القول :
طالما هناك اصرار على اسقاط السلطة من قبل القوى المتأمرة , فألاجدر بالحزب وتنظيماته العسكرية الهائلة والموجودة في كافة قطعات الجيش المبادرة الى تحريكها بأتجاه انهاء حكومة قاسم , وتشكيل حكومة وطنية تضم كافة القوى التقدمية تحضى بتأييد الشعب كله والاستمرار في منهج ثورة 14 تموز ودفعتها خطوات اخرى الى امام , وكنا نحن اعضاء الحزب ننتظر هذه المبادرة وكانت هناك محاولات عديدة من قبل رفاق الحزب وعلى رأسهم العميد الركن جلال الاوقاتي الذي وضع الخطة بالتعاون مع ثابت حبيب العاني , مسؤول الخط العسكري والذي طالب ( جلال الاوقاتي )بفوج واحد فقط للاسناد والتغيير , وكان موجوداً في معسكر الوشاش فوج(27) ويضم في صفوفه الكثير من الضباط الشيوعيين واصدقائهم الا ان هذا المقترح رفض رغم اقترانه بموافقة سكرتير الحزب ( سلام عادل ) عند المناقشة مع الاطراف ( ثابت حبيب وجلال الاوقاتي ) واخيراً وفي تقديري ان المسؤولية تقع على عاتق السكرتير الاول والمكتب السياسي واللجنة المركزية لعدم تنفيذ هذه الخطة وخططاً اخرى واخيرا سلم عبد الكريم قاسم والجناح اليميني في الحزب الوطني الديمقراطي وحزبنا الشيوعي الشعب العراقي وتنظيم الحزب الى الفاشست في 8 شباط الاسود الدامي .
وفي تقديري ان هذه المحاولة لو تم تنفيذها لتضاعف المد الثوري بشكل لم يسبق له مثيل من قبل , ولتحمل شعبنا كل اجراءات الرد بصلابة منقطعة النظير .
كل هذه الأخطاء والأخطاء المتتالية وضعت حركة اليسار بهذا الموقع الذي نحن فيه ألأن.
يا دكتور كاظم حبيب
عذراً للإطالة
الصحفي
حمدي فؤاد العاني
#حمدي_فؤاد_العاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟