أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فائز الحيدر - من الذاكرة ، المخابرات العراقية وإغتيال الدكتور توفيق رشدي في عدن ، الحلقة الثامنة عشرة















المزيد.....

من الذاكرة ، المخابرات العراقية وإغتيال الدكتور توفيق رشدي في عدن ، الحلقة الثامنة عشرة


فائز الحيدر

الحوار المتمدن-العدد: 3145 - 2010 / 10 / 5 - 20:03
المحور: سيرة ذاتية
    


من الذاكـرة
المخابرات العراقية وإغتيال
الدكتور توفيق رشدي في عـدن

الحلقة الثامنة عشرة

فائز الحيدر

بالرغم من عدم وجود تعريف دقيق متفق عليه لعمليـة الإغتيال Assassination ، إلا إن كلمة الإغتيال هو مصطلح يستعمل لوصف جريمة قتـل منظمة تستهدف شخصا" ما ذا تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيـادي ، يعتبره منظموا عملية الأغتيال عائقا" في طريق إنتشار أفكارهم أو هدافهم السياسية أو الأقتصادية أو العقائدية .وعادة ما تكون الجهة المنظمة لعملية الإغتيال مكونة من شخص واحد أو جهـة مخابراتية تابعة لدولة ما أو حكومة أو حزب معين ، ومن المؤكد لا يوجـد لحد الأن إتفاق على مصطلح الإغتيـال ، فالذي يعتبـره المتعاطفون مع الضحية عملية قتل متعمدة للأسباب السابقة ، قد يعتبره أنصار الجهة المنظمة لها عملا" بطوليا" يهدف إلى تحقيق طموحاتهم .

إن ظاهـرة الاغتيالات ظاهرة قديمة وشائعة لا تخلوا منها أي فترة تاريخية ، وعادة ما تتم بعد تخطيط وتحظير مسبق ، وقد شهـد التأريخ القديم أبشع الاغتيالات من أجـل الأستحـواذ على السلطة وذلك بتصفية الخصوم السياسيين ، لقد كانت الأغتيالات في تلك الفترة بدائية في تخطيطها وتنفيذها وسهولة الوصول إلى الهدف ، وعادة ما كانت عملية الاغتيال تتم بواسطة العصا أو الهراوة أو طعنة الخنجر ، ولكن مع إزدياد الوعي السياسي للشعب العراقي أصبحت مثل هذه الوسائل بدائية ولم تعد تنطلي على أحد ، لهذا طورت بعض الدول وأجهزة مخابراتها من أساليبها الأجرامية للتخلص من ضحاياها فأصبحت الوسائل الحديثة البعيدة عن الشبهات هي الأكثر حسما" وفعالية في عملية الأغتيال ، فأصبح إستعمال المسدس وكاتم الصوت أو الدهس بالسيارات أوإستخدام السيارات المفخخة أو العبوات اللاصقة أو الطرود البريدية هي الأكثر شيوعا" هذه الأيام .

والعراق أحد البلدان العربية ، له رصيـد حافل بضحايـا الأغتيالات ، ففيه تم إغتيال رؤساء وحكام ووزراء وعلماء وفلاسفـة ومناضلين سياسيين عسكريين ومدنيـن رجـالا" ونساء وبطرق مختلفة ، وعلى الرغم من إختـلاف مكانة وأهمية الضحايا في المجتمع إلا أن الإغتيال السياسي يبقى هـو الجامع بينهم وأن إختلفت طرقه ، وقد إستعمل حـزب البعث الفاشي في العراق ومنـذ إستلامه السلطة أثـر إنقـلاب شباط عام 1963 إسلوب التصفيات والأغتيـالات السياسية للعشرات من قادة وكوادر الحـزب الشيوعي العراقي وبطرق مختلفة لغرض إحتكار السلطة وفرض سلطتـه الفاشية على الشعب .

وفي17 تموز من عام 1968 عاد حزب البعث الفاشي لتولي زمام السلطة بأنقلابه المعروف ليواصل من جديد فكره الشوفيني الفاشي والتصفيات الجسدية لقادة وكوادر وأعضاء الحزب الشيوعي والأحزاب الوطنية الأخرى . وجرت تصفية العديد من قادته وكوادره عن طريق الأغتيالات في الشوارع والدهس بالسيارات أو الخطف ، مدعين بأنها حوادث مؤسفة لا علم للسلطة بها !!! وتقيّد ضد مجهول !! وكان من بين الذين استشهدوا بهذه الطريقة كل من عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الشهيد ( ستار خضير الحيدر ) في 28 حزيران عام 1968 والشهيد ( محمد أحمد الخضري ) عضو مكتب بغداد للحزب الشيوعي في 21 آذار من عام 1970 ، والشهيد( فكرت جاويد ) في السليمانية عام 1974 وأستاذ الفلسفة في جامعة البصرة الدكتور الشهيد ( عبد الرزاق مسلم الماجد ) في 31 آذار / 1968 ومحاولة الأغتيال الفاشلة للشهيد شاكر حسون الدجيلي ( * ) في جمهورية بولونيا من قبل طلبة الأتحاد الوطني وأعضاء في السفارة العراقية عام 1970 وإغتيال بعض القادة الفلسطينين وغيرهم .ولم يكتفي هذا الحزب طيلة تأريخه الأسود بتصفية الخصوم السياسيين داخـل الوطن ، بل لجأ في السبعينات وما بعدها إلى ملاحقة خصومه السياسيين إلى خارج الوطن وذلك بتكليف العاملين في سـفاراته بالخارج وجلهم من المخابرات المدربة لهذا الغرض .

إن كل ما سبق ذكره هو مقدمة لعملية إغتيال بشعة جرت على الساحة اليمنية عام 1979 ، قام بها رجال المخابرات العراقية العاملين بالسفارة العراقية في عدن وهم يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية .

في الأيام الأولى لوصولنـا إلى عـدن كان خبـر إغتيال الدكتور توفيق رشدي من قبل المخابرات العراقية العاملة في السفارة العرقية في عدن ، يتردد على لسان الجميع سواء من رفاقنا العراقيين أو الأصدقاء اليمنيين ، أو في النشرات الأخبارية ، حـدثت تلك الجريمة قبل وصولنـا إلى عدن بأربعة شهور ولكن لا زال الجميع يتحدث عنها وكأنها قد حدثت يوم أمس . قرأت أعـداد كثيرة لصحيفة 14 أكتوبر الرسمية التي تابعـت حيثيات وقائع المحاكمة ولأسابيع عديـدة . زرت الشقة التي يسكنها الشهيـد وأطلعت على مكان الجريمة بالضبط حيث لا زال هناك بقع صغيرة سوداء لدماء جافة على الأرض . تحدثت مع الكثيرين من الرفاق حول شخصيته ودراسته وخلقه والجميع أعطى نفس الأجابة ، أنسان بسيط ، متواضع ، رجل علم ، يحب وطنه أكثر من الكثيرين من حوله ، كان يأمل جمع أسرته من جديد بعد أن فرقهم الزمن والظروف والنظام الدكتاتوري .

توفيق رشدي مواطن عراقي كردي من مدينة السليمانية ، حصل على منحة دراسية من الحزب الشيوعي العراقي لغرض الدراسة العليا في الأتحاد السوفياتي في بداية الستينات من القرن الماضي ، وهناك أنهى دراسته بتفوق وحصل على شهادة الدكتوراه في الإقتصاد والعلوم السياسية ، وبعد تخرجه إرتبط بفتاة روسية لتشاركه حياته الزوجية وأنجب منها ولد وبنت . بعد تخرجه وعمله فترة قصيرة هناك أخذ يحس بالحنين للوطن ويأمل أن تتحسن الأوضاع السياسية ليتسنى له وعائلته العودة أليه ليضع طاقته ومؤهلاته في خدمته ، هذا الحنين للوطن كان السبب في إنهاء علاقته الزوجية نتيجة رفض زوجته مصاحبته إلى الوطن الذي فارقه من سنوات عديدة بسبب معرفتها بالفارق الحضاري والمعاشي الكبير بين الأتحاد السوفياتي والعراق والذي لم يوفر لأولادها العيش السعيد ، لذلك أضطر الشهيد توفيق لتغيير وجهته من العراق وتوجه حزينا" ووحيدا" للأستقرار والعمل في جمهورية اليمن الديمقراطية في أواسط السبعينات من القرن الماضي تاركا" ولده وأبنته مع أمهم وعلى أمل دعوتهم للحاق به بعد إستقراره ، في عدن وبعد أسابيع قليلة عيّن أستاذاً في جامعة عدن وفق عقد عمل مع دولة الكويت.

كان غالبية المدرسين العرب وقلة من العراقيين الذين وصلوا اليمن في بداية وأواسط السبعينات يتقاضون رواتبهم وفق عقود مبرمة مع دولة الكويت كجزء من مساعدة الكويت لجمهورية اليمن الديمقراطية الحديثة وهي رواتب تعتبر عالية نسبيا" وتعادل أربعة أضعاف عقود العمل المحلية للمواطن اليمني وكان الشهيد أحدهم ، أما العراقيين الذين وصلوا في نهاية السبعينات وبكافة الأختصاصات فقد تم الأتفاق بين الحزب الشيوعي العراقي والحكومة اليمنية على تعينهم بعقود عمل محلية أسوة بالأخوة اليمنيين ، وهي رواتب لا تكفي لتسديد تكاليف الحياة ولكي تتمكن الحكومة اليمنية من إستقبال أكبر عدد منهم .

تكيف الشهيد توفيق بسرعة للحياة البسيطة الهادئة في عدن رغم ظروفه النفسية الصعبة التي كان يمر بها وخاصة بعده عن عائلته ، كان محبوبا" من قبل الجميع ، رئاسة الجامعة ، زملاءه من الأساتذة اليمنيين ، طلبته ، جيرانه ، رفاقه العراقيين ، لما يملكه من إمكانيات علمية وثقافية واسعة أسهمت في تثبيت شخصيته وموقعه التدريسي في الجامعة ، ولهذه الصفات وغيرها رشحه الحزب الشيوعي العراقي ليكون ممثله في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية .

سكن توفيق في شقة متواضعة في حي المنصورة الجديدة في عدن ، هذا الحي الشعبي الذي بنته قوات الإحتلال البريطاني قبل الأستقلال ليكون سكنا" لجنودها ، ويعتبر من الأحياء الحديثة نسبيا" قياسا" لأحياء عدن القديمة والمجاورة ، وبعد الأستقلال وزعت شقق هذا الحي على المواطنين من أصحاب الدخل المحدود وسكنه الكثير من العراقيين والعرب واليمنيين العاملين في حقل التدريس في وزارة التربية اليمنية وجامعة عدن .

كانت شقة الشهيد في عمارة في ذلك الحي تطل على ساحة فارغة كان من المؤمل أن تتحول كبقية الساحات الفارغة في هذا الحي والتي تتوسط العمارات السكنية المتجاورة الى حدائق وأماكن للعب الأطفال في المستقبل ، ولكن بسبب قلة التخصيصات المالية وشحة المياه تم تأجيل العمل في المشروع وتحولت هذه الساحات الجرداء من حدائق الى أماكن لرمي القمامة ومسرحاً يتجمع فيه النسور وآلاف الغربان السود والكلاب السائبة وهي تلتهم بسرعة كل ما يتواجد ويرمى يها من فضلات الأكل والأوساخ!!! ، ويقال إن تلك الغربان أدخلت الى عدن من قبل الجيش الأنكليزي من أجل التخلص من الثعابين والعقارب التي كانت تنتشر في المنطقة ولكنها لم تقض على الثعابين كما كان مخطط لها بل قضت على أنواع عديدة من الطيور وأصبحت تسيطر على سماء عدن بصولاتها وقاذوراتها ونعيقها المزعج .

كان من عادة الشهيد أن يجلس كل مساء وكعادة العراقيين وسكان الحي في شرفة شقته الصغيرة المطلة على تلك الساحة وهو يحتسي القهوة ويطالع صحيفة 14 أكتوبر الرسمية وما تحمله من أخبار جديدة ، وعندما تميل الشمس إلى الغروب وتهبط درجة الحرارة يخرج من شقته ليقوم بالمشي وهي هوايته المفضلة لديه مع بعض أصدقاءه المقربين ويعود قبل أن يحل الظلام فهناك عمل شاق ينتظره يوم غد .

عند وصول الشهيد إلى عدن كان الحزب الشيوعي العراقي عضوا" في الجبهة الوطنية مع حزب البعث ، وكان عليه وبتكليف من الحزب أن يحضر المناسبات التي تقيمها السفارة العراقية في عدن ، رغم كرهه الشديد لحزب البعث كونه السبب في غربته وعذاباته وفراق عائلته ، ولكن مع إنهيار الجبهة وتدهور الأوضاع السياسية فضل الإبتعاد عن نشاطات السفارة ولقاء العاملين فيها .

في تلك الفترة وبعد إستقراره النسبي أخذ يحاول جمع شمل عائلته للعيش معه في عدن حيث كان يشعر بشوق كبير لرؤية أطفاله الصغار ، وتطلب هذا الأمر الحصول على تأييد من السفارة العراقية لكي يتم إجراء المعاملات الرسمية بين موسكو وعدن ، تقدم بطلب إلى السفارة للحصول على بعض الأوراق لكن السفارة أخذت بالضغط عليه وتماطل ولم تستجيب لطلبه بالحصول على ما يود الحصول عليه بحجة إنتظار الموافقات الرسمية من وزارة الخارجية في بغداد .

وفي مساء الأول من حزيران / 1979 جاءت التوجيهات من المخابرات العامة في بغداد لعملائها في السفارة لتصفيته غدرا" ، كانت الشمس على وشك المغيب ، توجهوا إلى الشقة التي يسكنها والتي رصدوها من قبل ، طرقوا الباب فلم يجدوه فقرروا إنتظاره بسيارتهم في أحدى زوايا الحي القريبة من العمارة ، ومن خلال رصدهم المسبق لتحركاته أدركوا إنه سيعود لشقته حتما" لأرتباطه بعمله ، ولدى وصوله العمارة التي يسكنها نزل القتلة من السيارة وتوجهوا إليه ليخبروه بأن الموافقة على طلبه بإستدعاء عائلته من موسكو قد تمت وعليه توقيع ورقة كانت بيد أحدهم ، ولكن بسبب الظلام رفض التوقيع على تلك الورقة لعدم تمكنه من قراءة محتوياتها ، طلبوا منه أن يدخل شقته أو سيارتهم وقراءة الورقة على الضوء الموجود داخلها ، ولكنه رفض أيضا" وعندها حاولوا إدخاله السيارة عنوة وقد أشهروا مسدساتهم عليه لكنه تمكن من الإفلات منهم بعد أن أدرك إن غايتهم الغدر به ، وأخذ يطلب النجدة بصوت عال عسى أن يسمعه أحد من الجيران ، في تلك اللحظات أطلقوا عليه عدة عيارات نارية وسقط على أثرها صريعا" على الأرض ، توجه القتلة لسيارتهم بكل برود هاربين على الطريق الساحلي المؤدي الى مبنى السفارة العراقية ليختبأوا فيها.
في تلك الدقائق كانت فتاة يمنية واقفة في شرفة شقتها وهي تراقب المشهد عن قرب ولم يلحظها القتلة وقد سمعت الحوار الذي جرى بين الشهيد والقتلة وهم ينفذون جريمتهم ، فإتصلت بجهاز الشرطة وأخبرتهم بالجريمة . وفي نفس الوقت كانت دورية المليشيا الشعبية في منطقة خور مكسر حيث تقع السفارة العراقية قد لاحظت مرور سيارة مسرعة وقد أطفأت أنوارها ولم تتوقف عند الأشارة الضوئية الحمراء ، فشكوا بأمرها مما إضطرهم لمتابعتها حتى دخولها مبنى السفارة العراقية مما حدى بالدورية الأتصال بقيادتهم ليخبروهم بالأمر وكان هذا أول خيوط كشف الجريمة ، لقد ظن القتله إن لجوءهم الى دار السفارة العراقية سيحميهم ويبعدهم عن مسؤولية إرتكاب الجريمة !!!

كان لخبر إغتيال الدكتور توفيق رشدي وهو الشخصية المعروفة لدى الحكومة اليمنية وبالقرب من شقته في حي المنصورة أثره الكبير على الحكومة اليمنية ذات التوجه اليساري والتي ترتبط بعلاقات جيدة مع الحزب الشيوعي العراقي الأمر الذي أعتبرته إنتهاكا" خطيرا" لسيادتها ! وهي أول جريمة من هذا النوع تحدث في هذا البلد الهادئ والذي يتواجد فيه الكثير من منظمات حركة التحرر العربية ، لذا أعتبرت هذه الجريمة جرح لكرامتهم وإهانة للدولة اليمنية ولنظامها السياسي ، مما أوجب على الحكومة أن تأخذ موقفاً حازماً حتى لا يفكر آخرون بالجوء الى هذا التصرف مستقبلا" .

وضعت الدولة كل قواتها الأمنية في حالة الأستنفار ، وكان قرارها أن لا تمر هذه الجريمة دون عقاب ، ليكون درسا" لمن يحاول التطاول على سيادة الدولة اليمنية وجلب الجناة للعدالة . وبعد أن تأكدت السلطات اليمنية ومن خلال المعلومات التي جمعتها إن منفذي الجريمة هم من العاملين في السفارة العراقية فقد أحاطت القوى الأمنية مبنى السفارة بالمدرعات والأسلحة الثقيلة وطالبت الجناة بالخروج وتسليم أنفسهم للسلطات ، وفي نفس الوقت إستدعت وزارة الخارجية اليمنية على عجل كافة أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في عدن بما فيهم السفير العراقي لأطلاعهم على تفاصيل الجريمة وخرق السفارة العراقية للأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها . وطالبت السفير العراقي بتسليم القتلة الذين يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية وأتخذوا من السفارة ملجاً لهم بعد الجريمة وفي حالة الرفض فسيتم أقتحام السفارة وإعتقالهم
رفض القتلة في بداية الأمر تسليم أنفسهم مما حدى بالقوى الأمنية التي تحيط بالسفارة أن تطلق قذيفة تحذير من أحدى المدرعات بإتجاة المبنى ليأكدوا للقتلة أن الحكومة اليمنية جادة بما صرحت به وستقوم بإقتحام السفارة لأن المكان الذي يظم قتلة لا يمكن أن يتمتع بالحصانة الدبلوماسية مما أجبر القتلة الى الخروج ورفع رايات بيضاء معلنين عن تسليم أنفسهم .

جرت عملية الأغتيال في فترة كانت منظمات الحزب الشيوعي العراقي في داخل الوطن في عامي 1977- 1978 تتعرض لضربات موجعة من قبل أجهزة النظام الدكتاتوري ، وتحولت تلك العمليات الى نهج ثابت ومخطط له للقضاء على الحزب ومنظماته في الداخل والخارج ، وهذا ما تم التأكد منه في الوثائق الأمنية التي حصل عليها الحزب بعد إنتفاضة آذار 1991 حيث إن تلك الخطة كانت قد وضعت قبل منتصف السبعينيات لتصفية الحزب وخاصة في أعقاب إجتماع لجنته المركزية في آذار 1978 الذي وجه نقدا" شديدا" للسلطة والحزب الحاكم .

شاركت القيادات الحكومية والحزبية والسلك الدبلوماسي الأجنبي والعربي والمنظمات العاملة في عدن وجميع الجاليات إضافة الى جماهير غفيرة من كافة أبناء الشعب اليمني في تشييع مهيب للدكتور توفيق لحجم الصدمة وتأثيرها على الجميع وسط الهتافات ( يا بغداد ثوري خلي البعث يلحق نوري ) و ( سنمضي سنمضي الى ما نريد وطن حر وشعب سعيد ) .

أجريت للمتهمين وهم القنصل العراقي ( عبد الرضا سعيد ) و ( سمير بشير ) وحارس السفارة محاكمة علنية كانت تبث على الهواء مباشرة لأطلاع العالم على هذه الجريمة البشعة وقد أعترفوا بأنهم أستلموا التعليمات بقتل الدكتور توفيق من قيادة المخابرات في بغداد مباشرة .. كما وإتضح من التحقيق والمحاكمة إن الورقة التي كان يريد القتلة أجبار الشهيد على توقيعها هي رسالة موجهة الى إحد القادة الأكراد وهو الشخصية السياسية الكردية ( محمود عثمان ) ، وهي توضح إن الشهيد توفيق رشدي والذي يرتبط بعلاقات جيدة مع القادة الأكراد ، يزكي الشخص حامل الرسالة وإنه مرسل من قبله لينظم للحركة المسلحة الكردية في محاولة يائسة من السلطة الفاشية لأختراق الحركة الكردية وزرع أحد عملائها فيها ، كما أظهرت تلك المحاكمة بجلاء إرتباط غالبية أعضاء السلك الدبلوماسي العراقي بأجهزة الأمن والمخابرات من خلال جرائم الأغتيال التي قام بها العاملين بالسفارات العراقية في الخارج والمرتبطين بالمخابرات العراقية في بلدان عديدة .

بعد أنتهاء المحاكمة وكشف ظروفها بإعتراف القتلة بجريمتهم ولكون القتلة يحملون صفات دبلوماسية فقد تم تسليمهم الى الحكومة العراقية ، وعلى ضوء ذلك قُطعت العلاقات الدبلوماسية مع بغداد ، وتم قطع المعونة المادية التي كانت تمنحها بغداد لليمن الديمقراطية بعد أن رفضوا المساومة على كرامتهم ومبادئهم وعلاقتهم مع الحزب الشيوعي العراقي .
وهنا لابد لنا أن نذكر بأجلال موقف شعب وحكومة اليمن الديمقراطية الشعبية على ذلك الموقف الشجاع ووقفتهم وتضامنهم مع محنة الشعب العراقي .

الهوامش
ــــــ
( * ) شاكر الدجيلي ، هو شاكر حسون الدجيلي ، كادر في الحزب الشيوعي العراقي ، مقيم في السويد ، في 31 / 3 / 2005 غادر السويد متوجها" إلى بغداد عبر دمشق ، وصل دمشق وأختفت أخباره ولم يعرف مصيره لحد الأن رغم الجهود المبذولة من قبل الحزب والحكومة السويدية ، وهو أخ الكادر الشيوعي محمد حسون الدجيلي الذي إختطفته أجهزة الأمن العراقية عام 1970 وتمت تصفيته على يد جلاوزة ناظم كزار والبعث .

يتبع في الحلقة القادمة
كندا / تشرين الأول / 2010..



#فائز_الحيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الذاكرة ، إنهاء المهمة في الغيظة والعودة إلى عدن ، الحلقة ...
- من الذاكرة ، الوصول إلى الغيضة عاصمة محافظة المهرة ، الحلقة ...
- من الذاكرة ، زيارة محافظة المهرة ، الحلقة الخامسة عشرة
- من الذاكرة ، مغادرة سيئون والعودة إلى عدن ، الحلقة الرابعة ع ...
- من الذاكرة ، زيارة قبر النبي هود في وادي حضرموت ، الحلقة الث ...
- من الذاكرة ، التوجه إلى مدينة سيئون ، الحلقة الثانية عشرة
- من الذاكرة ، التوجه إلى مدينة المكلا ، الحلقة الحادية عشرة
- من الذاكرة ، العمل في مزرعة الدولة في لحج ، الحلقة العاشرة
- من الذاكرة ، العودة إلى عدن ، الحلقة التاسعة
- من الذاكرة ، مواقف لا تنسى في عتق ، الحلقة الثامنة
- من الذاكرة ، البساطة والتواضع والتضحية في مدينة عتق ، الحلقة ...
- من الذاكرة ، الحياة في مدينة عتق ، الحلقة السادسة
- من الذاكرة ، التوجه إلى مدينة عتق ، الحلقة الخامسة
- من الذاكرة ، الوصول إلى عدن ، الحلقة الرابعة
- من الذاكرة ، التوجه الى مدينة روسا ، الحلقة الثالثة
- من الذاكرة ، مغادرة إسطنبول إلى صوفيا ، الحلقة الثانية
- لقطات من الذاكرة ، مغادرة الوطن ، الحلقة الأولى
- من ينقذ الصابئة المندائيين من عمليات القتل المبرمج ؟؟
- المندائيون والنقد وتقديس رجال الدين
- المندائيون وحرية الرأي والتعبير والسلفية


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فائز الحيدر - من الذاكرة ، المخابرات العراقية وإغتيال الدكتور توفيق رشدي في عدن ، الحلقة الثامنة عشرة