|
-القرار الفلسطيني-.. معنىً ومبْنىً!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3143 - 2010 / 10 / 3 - 13:50
المحور:
القضية الفلسطينية
قرَّرت القيادة الفلسطينية أنْ لا استمرار (بعد اليوم) في المفاوضات المباشرة ما استمرت حكومة نتنياهو في الاستيطان؛ فإنَّ "الاستمرار" هذا و"عدم الاستمرار" ذاك متَّحدان الآن اتِّحاداً لا انفصام فيه؛ مع أنَّ كثيراً من "الغموض" يخالِط هذا "الوضوح".
وهذا "الغموض"، في هذا الموقف الفلسطيني، الذي هو موقف قديم، أُلْبِس لبوساً جديداً، يَظْهَر ويتأكَّد إذا ما دُعِيَت القيادة الفلسطينية إلى إجابة السؤال الآتي: ما معنى أن تُعْلِن حكومة نتنياهو رسمياً "عدم الاستمرار في الاستيطان"؟
إنَّنا نفهم "تجميد" الاستيطان على أنَّه وَقْف له "إلى حين"، أي إلى أن تتوصَّل المفاوضات المباشرة إلى حلٍّ لمشكلة الاستيطان، التي نفهمها على أنَّها "جغرافية" أكثر من كونها "ديمغرافية"، فإنَّ "أسلوب البناء الاستيطاني" هو الذي يتسبَّب بالتهام مستمر ومتزايد لأرض الفلسطينيين في الضفة الغربية، وفي القدس الشرقية على وجه الخصوص؛ ولو أنَّ النمو الديمغرافي للمستوطنات كان يعكس اتِّجاهاً إسرائيلياً إلى تركيز المستوطنين (المتكاثرين طبيعياً أو بالإضافة الخارجية) في أصغر مساحة، من خلال أسلوب البناء العمودي، لتضاءل كثيراً وزن مشكلة الاستيطان بالميزان الفلسطيني.
إنَّ "التجميد التفاوضي" للاستيطان، أي تجميده ما دامت المفاوضات المباشرة مستمرة، هو الذي فيه تلتزم حكومة نتنياهو (في المقام الأوَّل) عدم الاستيلاء على أراضٍ وبيوت فلسطينية جديدة، ونبذ "الأسلوب الأفقي" في البناء في داخل المستوطنات (في الضفة الغربية) وفي داخل ما تسميه "الأحياء اليهودية" في القدس الشرقية.
وهذا "التجميد" هو أقل (أي يجب أن يكون أقل) ما يمكن قبوله فلسطينياً (وعلى مضض) من أجل الاستمرار في المفاوضات المباشرة (أو استئنافها إذا ما فهمنا القرار الأخير للقيادة الفلسطينية على أنَّه وَقْفٌ لها) والتي ينبغي لها أن تنتهي (باتفاقية) بعد سنة واحدة من بدئها، على الأكثر.
إذا اتَّفقنا على أنَّ هذا هو "التجميد" للاستيطان في معناه الفلسطيني، والذي يسمح، بالتالي، للمفاوضات المباشرة بالاستمرار، فهل يمكن أن نختلف في أنَّ الشهور العشرة التي انقضت لم تأتِ إلاَّ بما يؤكِّد أنَّ هذا "التجميد" لم يكن حقيقة واقعة؛ لأنَّ كثيراً من النشاط الاستيطاني، وفي القدس الشرقية على وجه الخصوص، قد خالطه؟!
وإذا اتَّفقنا الآن على أنَّ تلك الأشهر العشرة قد عرفت من النشاط الاستيطاني أكثر ممَّا عرفت من التجميد له فإنَّ القرار الأخير للقيادة الفلسطينية يجب توضيحه (أي جلاء الغموض عنه) بما يجعلنا نفهمه على أنَّه رَفْضٌ لاستئناف المفاوضات المباشرة ما استمر الاستيطان كاستمراره قبل السادس والعشرين من أيلول المنصرم، أو كاستمراره بعده.
الآن، ثمَّة عقبة، وعقبة كبيرة، بعضها طبيعي، وبعضها، على ما أظن، مصطنع، وجوداً، ومضخَّم، حجماً، في طريق المفاوضات المباشرة (لجهة استمرارها) هي إصرار حكومة نتنياهو على الاستمرار في النشاط الاستيطاني، أو في بعضٍ منه، أي في قليل منه، على ما تزعم؛ ولا بدَّ، بالتالي، من التغلُّب على هذه العقبة إذا ما أريد لتلك المفاوضات أن تستمر، وصولاً إلى اتفاقية بعد سنة من بدئها في واشنطن.
شهران، أو ثلاثة أشهر، لا أكثر، أبت حكومة نتنياهو أن تضفيهما، أو تضيفها، إلى الشهور العشرة التي انقضت، تلبية لمطلب (هو أقرب إلى الرجاء والتوسُّل منه إلى المطلب) إدارة الرئيس أوباما، على الرغم من كل ما قدَّمته هذه الإدارة، أو أبدت استعداداً لتقديمه، إلى إسرائيل، لإغراء حكومتها بتلبية هذا المطلب.
عملياً، وبعد القرار الفلسطيني الأخير، عادت إدارة الرئيس أوباما، وعبر وسيطها ميتشل على وجه الخصوص، إلى "المفاوضات التقريبية (غير المباشرة)"، أو إلى ما يشبهها، توصُّلاً إلى إجابة السؤال الآتي: ما الذي يمكنها، وينبغي لها، التقدُّم به (وحدها، أو بالتعاون والتنسيق مع آخرين) من مقترحات لحل مشكلة الاستيطان، بما يرضي حكومة نتنياهو استيطانياً، ويسمح، في الوقت نفسه، للمفاوض الفلسطيني باستئناف المفاوضات المباشرة مع هذه الحكومة؟
ليس من مقترحات تفي بهذا الغرض إلاَّ تلك التي مدارها توضيح وجلاء أُسُس الحل لمشكلة إقليم الدولة الفلسطينية، مساحةً واتِّصالاً وحدوداً؛ فالاستيطان، ولجهة استمراره، يجب أن يغدو، بموجب هذا "الحل"، أو بموجب ما تقترحه من أُسُس لهذا "الحل"، نشاطا (شرعياً وطبيعياً) في أرضٍ كانت تخصُّ الفلسطينيين، فأصبحت جزءاً من إقليم دولة إسرائيل.
وهنا مكمن المشكلة، ومكمن الحل أيضاً؛ فما هي تلك المقترحات "السحرية"، إذا ما افترضنا أنَّها هي الآن، أو من الآن وصاعداً، مدار "المفاوضات التقريبية الجديدة"؟
إنَّ المفاوض الفلسطيني مُسَلِّمٌ الآن (وهذا لا يتعارض مع القرار الأخير للقيادة الفلسطينية، وفي جانبه الغامض على وجه الخصوص) بأنْ لا حل (عملياً وواقعياً) لمشكلة الاستيطان (أو لهذه العقبة الكبيرة في طريق استئناف المفاوضات المباشرة) إلاَّ من خلال حل مشكلة إقليم الدولة الفلسطينية، مساحةً واتِّصالاً وحدوداً، بما يتَّفق مع ثلاثة مبادئ، هي "مبدأ المساحة نفسها"، ومبدأ "التعديل الحدودي"، ومبدأ "تبادل الأراضي"، الذي يحرص المفاوض الفلسطيني على جعله خالصاً من "التبادل الديمغرافي" الذي يسعى إليه ليبرمان.
لقد استعصت مشكلة الاستيطان؛ ويراد لها أن تستعصي على ما يبدو، حتى يصبح حل مشكلة إقليم الدولة الفلسطينية، مساحةً واتِّصالاً وحدوداً، هو الأصل الذي منه تتفرَّع الحلول النهائية لمشكلات الاستيطان والقدس الشرقية و"الأمن" وسيادة الدولة الفلسطينية و"حق العودة".
الآن، تشدَّد نتنياهو استيطانياً بما يرضي شعبه؛ وعباس تشدَّد تفاوضياً بما يرضي شعبه؛ والآن هي ظرف زمان للتقدُّم بـ "المقترحات"، أي بمقترحات الحل للمشكلة "الأُم"، أي لمشكلة إقليم الدولة الفسطينية، مساحةً واتِّصالاً وحدوداً؛ فهل من قوى يُعْتَدُّ بها تَدْفَع في هذا الاتِّجاه؟
إنَّني لا أرى من هذه القوى سوى قوَّة واحدة لا غير هي قوَّة "الخوف من انهيار كل شيء"، أي قوَّة "حافة الهاوية"؛ فإنَّ انهيار المفاوضات المباشرة، مع اقتران هذا الانهيار بما يشبه "تسونامي استيطاني"، هو (لجهة عواقبه) الشاحن لبطارية جهود ومساعي السلام؛ فهل يتوفَّرون على شحن هذه البطارية الآن، أم نرى ما عوَّدنا التاريخ رؤيته، ألا وهو حدوث ما لم يكن في الحسبان والتوقُّع والإرادة والرغبة والتخطيط، وكأنَّ الصانع الأوَّل للأحداث الكبيرة هو يدٌ تشبه يد "القضاء والقدر" لجهة تعذُّر، إنْ لم يكن استحالة، الإحاطة بفعلها، وبنتائجه، عِلْماً؟!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فتوى جيِّدة لزمن رديء!
-
26 أيلول.. ما قبله وما بعده!
-
هل تتلاشى فلسطينية -القضية الفلسطينية- بعد تلاشي قوميتها؟!
-
-شقَّة- ليبرمان و-حَماة- عباس!
-
الحكومة الأردنية تبحث عن -خلخال حزبي- للبرلمان المقبل!
-
التناقض في منطق الاعتراف العربي بإسرائيل!
-
العرب يحتاجون إلى هذا -التَّتريك الديمقراطي-!
-
نتنياهو إذ تحدَّث عن -الشراكة- و-الشعب الآخر-!
-
سنةٌ للاتِّفاقية وعشرة أمثالها للتنفيذ!
-
أسئلة 26 أيلول المقبل!
-
في انتظار التراجع الثاني والأخطر لإدارة أوباما!
-
لا تُفْرِطوا في -التفاؤل- ب -فشلها-!
-
حرب سعودية على -فوضى الإفتاء-!
-
في الطريق من -العربية- إلى -الرباعية الدولية-!
-
حُصَّة العرب من الضغوط التي يتعرَّض لها عباس!
-
حرارة الغلاء وحرارة الانتخابات ترتفعان في رمضان!
-
عُذْرٌ عربي أقبح من ذنب!
-
ظاهرة -بافيت وجيتس..- في معناها الحقيقي!
-
في القرآن.. لا وجود لفكرة -الخَلْق من العدم-!
-
-السلبيون- انتخابياً!
المزيد.....
-
ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا
...
-
السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا
...
-
-صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ
...
-
بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا
...
-
مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع
...
-
إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا
...
-
مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا
...
-
من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
-
غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ
...
-
طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|