سمفونية الحياة

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3141 - 2010 / 10 / 1 - 22:27
المحور: الطب , والعلوم
    

يبدو أن مقولة (ما طارَ طيرٌ وارتفع إلا كما طار وقع) صحيحة.

أكثر شيء يطربني هو سمفونية الحياة التي دائما ما أراقبها في الحشرات والجمادات والكائنات الحية وهي تكشفُ لنا عن مُنظمٍ كبير للكون أو مهندس كبير للكون وضع أسسه وقوانينه بحيث لا يدع أحد قادرا على إبادة جنس آخر بالكامل, حتى الحشرات المزعجة التي يطور لها العلماء مبيدات كيماوية لقتلها نجدها تطور مناعة ضد تلك المبيدات .

وبعض الكائنات تحافظ على نوعها بالسرعة وبعض الكائنات تحافظ على نوعها بطولها أو بقوة عضلاتها وبعضها يأكل ويصطاد بالتخفي والبعض الآخر بالخداع وأخرى تأكل من لحوم الكائنات الميتة والكائنات الضعيفة تنجب وتتناسل كثيرا لأنها تموتُ بسرعة وكثرة الإنجاب تحافظ على نوعها من أجل خلق التوازن بينها وبين المخلوقات الأخرى التي تعيشُ كثيرا وتنجب قليلاً , ومن الملاحظ جيدا أن المخلوقات التي تموت بسرعة تنجبُ وتتناسل ُ بكثرة فتجد سلالتها بالآلاف تتطاير هنا وتجري هناك ونجدُ هنا أن كثرة الإنجاب هي لكي تتحدى الانقراض ولو أن هذه المخلوقات التي تنجبُ كثيرا تعيش كثيرا لطغت على المخلوقات التي عيش طويلا وتنجب وتتناسلُ وتتكاثرُ قليلاً .

والكائنات التي تعيشُ طويلا لا تنجبُ كثيرا لذلك نجدُ أن طول العمر هو التحدي الطبيعي من أجل البقاء لحفظ النوع , والمخلوقات التي تكبر بسرعة وبعدة أشهر يكون أيضاً موتها سريعاً وتبلغُ سن الهرم والعجز بسرعة , والمخلوقات التي تعيش لسنين طويلة يكون نموها بطيئاً.

والأغنية الطربية التي تنتشرُ بسرعة تموتُ أيضاً بسرعة وينطفئ نجمها سريعاً, والقائد العسكري الذي يقود الفتوحات العسكرية والانتصارات بسرعة تتحطم وتتمزق كل فتوحاته وتنقلبُ انتصاراته عليه بسرعة وكل نجاحاته تتحولُ إلى فشلٍ سريع كما حدث مع الإسكندر المقدوني وكما حدث مع هانيبال القرطاجي وهتلر النازي.

وضابط المخابرات الذي يقتحم التنظيمات السياسية بسرعة ينكشفُ أمره بسرعة جدا, والأديب الذي تنتشرُ كتاباته بسرعة أيضاً نجده ينكسر بسرعة وتقف البشر بعمومها ضد كل نجاحاته فيعودُ إلى نقطة الصفر من البداية.

والذي نصادقه بسرعة ونعشقه بسرعة يخرج أيضا من قلوبنا بسرعة كبيرة, والذي نحتاج طويلا للتعرف عليه وعلى عشقه نجدُ بأن حبه في قلوبنا يعيشُ كثيراً.

إنها سمفونية الحياة الطبيعية لكي لا يطغى أحدٌ على أحد ولكي لا يستولي جنس مخلوق على جنس آخر, والدولة التي تملك سلاحا مدمرا وتهدد العالم والدول الأخرى به نجد بنفس الوقت دولة أخرى قد طورت سلاحاً آخر جديدا من أجل أن ترهب به الدولة التي تملك سلاحا للدمار الشامل.

إن الكون كله في تناغمٍ مستمر فلا أنا قادرٌ حتى على سحق أعدائي بالكامل ولا أعدائي قادرون على إبادتي بالكامل هنالك قانون يحكم الطبيعة بما فيها من مخلوقات بشرية وحيوانية وحتى بكتيرية.

والموت يقفُ بالمرصاد لكل من يقوى على غيره ويتجبر, والموت يقفُ بالمرصاد للفنانين وللمبدعين لكي يظهر إبداعٌ جديد , فالأدباء الناجحون جدا يموتون بعد النجاح ولو يعيشون طويلا لما ظهر على الكرة الأرضية غيرهم, والقوي يموت أحياناً بدون أي سببً من أجل أن يقوى غيره على الحياة, والقائد السياسي يموت لكي يرث مكانه قائدٌ آخر , والزعماء والوزراء الذين يعيش بكنفهم وتحت أجنحتهم الضعفاء نجدهم يموتون لكي يأت زعيم آخر ليأكل من تحت يديه أقوام جدد.

إن الكون في تناغم مستمر ولو يتركنا الموت للحظة لمات البشر جميعا ولكن الموت في حياتنا ضروريٌ جدا من أجل أن يعيش غيرنا من الناس.

ولو أن البشر لا يموتون لكثرت الناس ولأكلنا بعضنا ولكن الموت ينضم الحيات من جديد.

إن تجربتنا في الحياة تقول : يجب أن نذهب ليأت من بعدنا أقوام جدد ويجب أن نغادر مقاعدنا من أجل أن يجلس عليها أناس جدد, والفنان يموت لكي يظهر فنان آخر, والعبقري يموت من أجل أن يظهر عبقري آخر وهكذا هي سمفونية الحياة نسمعها هنا ونشاهدُ نغماتها هناك في تناغمٍ مستمر من الألف إلى الياء ومن الموت إلى الحياة.


إن القانون الطبيعي على الكرة الأرضية لا يقبل بتجبر وبتسلط الآخرين على غيرهم والذي لا نقدر على دحره ولا نقدر على تنظيمه نجدُ بأن الطبيعة هي التي تنظمه.

وتظهرُ إمبراطوريات كبيرة وتتلاشى من أجل أن تحل محلها إمبراطوريات جديدة , وتوضع رؤوس تحت التراب لترتفع مكانها رؤوسٌ أخرى , ويموت شاعر مجيد ليظهر مكانه شاعرٌ آخر , ويموت ممثل سينمائي ليظهر مكانه ممثلٌ آخر.

وتموت الزهور الجميلة لكي تظهر مكانها زهور جديدة وتموت الأشجار لتطلع محلها أشجار جديدة وتتبدل جلودنا لتطلع محلها جلود جديدة .

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات