|
الثقافة والأزمة الطائفية
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 3141 - 2010 / 10 / 1 - 15:19
المحور:
الادب والفن
ما أن تلوح بوادر أزمة طائفية في مصر أو تشتد هجمات التيار السلفي حتى يتردد بقوة شعار" التنوير هو الحل " . ولكن التنوير عند أصحاب ذلك الشعار يظل عملية متعلقة بتغيير الفكر، وليس بتغيير الواقع الذي يغذي ويخلق المفاهيم الفكرية ، والتعصب ، والعيش في كهوف الماضي ، ونفي الطرف الآخر ، والتحجر داخل ثقافة واحدة ، والسير في الشوارع بالشباشب البلاستيك والجلابيب الباكستاني دون أن يمنع ذلك استخدام التلفزيون الكوري والسيارة اليابانية والكومبيوتر الصيني والموتوسيكلات الهندي ! وعند أصحاب شعار " التنوير هو الحل " يكفي لحل الأزمة أن ننشر الكتب ! ونشر الكتب مطلوب وضروري ، لكن القضاء على البطالة هو - في اعتقادي - عمل تنويري حقيقي ، والتصدي للتفاوت المرعب في الدخول عمل تنويري حقيقي ، وبناء المساكن للشباب بأسعار مناسبة عمل تنويري حقيقي ، لأننا بكل ذلك نستأصل جزءا من جذور الأزمة التي تنتعش في ظلها كل مفاهيم التخلف ، وحين نقوم بشيء من هذا ستتمكن الكتب من مساعدتنا . أما محاربة الفكر بالفكر فهي معركة تقريبا خاسرة ، لأن التيار السلفي أقوى وأكثر انتشارا ويعتمد على مرتكزات فكرية أسهل في الفهم والتعامل . ومع ذلك دعونا ننظر إلي شعار " التنوير هو الحل " - باعتباره الأمر المتاح - وكيف يمكن تطوير تأثيره . في هذا المجال سنجد أن عمل وزارة الثقافة ومؤسساتها يقتصر على نشر الكتب ، والمؤتمرات ، والندوات ، ويقتصر معظم ذلك النشاط على القاهرة . في رشيد مثلا لا يجد الكتاب والمثقفون الشباب كتب هيئة الكتاب ويضطرون من أجل الحصول عليها للسفر إلي الإسكندرية . ولا تستطيع وزارة الثقافة التي تحكمها عقلية الموظفين أن تفكر في الحاجة الماسة إلي مسارح متنقلة في الشوارع حتى داخل العاصمة ، مسارح صغيرة بنصوص قصيرة تتنقل من منطقة لأخرى وتقيم هياكلها في الشوارع وتقدم عروضها ؟ وتعيد لأذهان الناس في تلك العروض قصصا مثل قصة الأب جرجيوس ومواقفه العظيمة من الوحدة الوطنية ؟ وتعيد للناس حكاية وتاريخ وكفاح سلامة موسى ؟ . لا تستطيع عقلية الموظفين أن تعقد مؤتمرا مصغرا للكتاب ليكتبوا لتلك الفرق نصوصا عن العلاقات التي صهرت الشعب المصري أقباطه ومسلميه في وحدة تاريخية واحدة ؟ وأن تدعو كتابا مثل بهاء طاهر والبساطي والمخزنجي والغيطاني لكتابة نصوص لتلك المسارح ؟ . لا تستطيع عقلية الموظفين – بدلا من إنفاق مليون جنيه على سندويتشات المؤتمرات – أن تنشيء مسارح عرائس صغيرة ، وتتحرك بها في أزقة السيدة زينب ، وباب اللوق ، وشبرا ، لا تستطيع عقلية الموظفين أن تدخر مما ينفق على سفر الضيوف ومصروفات الفنادق شيئا لتقيم لنا في كل حي كشك موسيقى ؟ يعزف للناس ألحان سيد درويش ومحمد عبد الوهاب والسنباطي وكمال الطويل ؟ . لا تستطيع عقلية الموظفين أن تدعو بعضا من كبار نجوم السينما والتلفزيون لدينا لجولة في الأحياء الشعبية يؤكدون فيها على أن الوحدة الوطنية هي مصير مصر ومستقبلها ؟ ويذكرون البسطاء بشعار ثورة 19 : " الدين لله والوطن للجميع " ؟ . ولا يخطر لوزارة الثقافة أن تنشر شاشات عرض في الميادين تعرض عليها مجانا الأفلام التي رسخت مفهوم الوحدة الوطنية ؟ . كلا . لاتتحرك الجهات الحكومية وفي مقدمتها وزراة الثقافة لمواجهة الثقافة التي تعيد إنتاج الأزمة الطائفية ، بل إن تلك الجهات لم تعقد حتى مؤتمرا للنظر في كيفية المواجهة الثقافية للأزمة . وإذا لم يكن لوزارة الثقافة أن تقوم بدورها خلال أزمة طائفية كتلك التي نمر بها ، فأي دور يرجى منها ؟ ومتى ؟ .
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفتنة الطائفية بمصر .. لحظة خطر
-
أبناء الخيار الاستراتيجي .. إلي المفاوضات
-
جمال الغيطاني وأصدقاء العمر
-
هنادي طه حسين تجدد موتها
-
- صعيدي - - قصة قصيرة
-
أمير زكي وقصصه الجميلة
-
بهاء طاهر والجامعة الأمريكية .. إلي متي ينهبون الأدباء ؟
-
وزير الثقافة ومؤتمر الثقافة
-
طائر المساء .. شوقي عقل
-
رحيل الروائي محمد عبد السلام العمري
-
نيفين الجمل .. قصائد ممنوعة
-
نصف ضوء .. عزة رشاد
-
فاروق عبد القادر .. وداعا لروح التحدي !
-
المتهم - خالد - .. والقضاة عابرون
-
ماالخطر الذي تمثله الكمانجة على دولة إسرائيل ؟
-
غزة تبحر إلي العالم
-
الاستقواء بالخارج في السياسة والأدب
-
سلطان كازاخستاني .. الزعيم الأبدي
-
- واجب - قصة قصيرة
-
عن ذلك النور
المزيد.....
-
تراث عربي عريق.. النجف موطن صناعة العقال العراقي
-
الاحتفاء بذكرى أم كلثوم الـ50 في مهرجاني نوتردام وأسوان لسين
...
-
رجع أيام زمان.. استقبل قناة روتانا سينما 2024 وعيش فن زمان ا
...
-
الرواية الصهيونية وتداعيات كذب الإحتلال باغتيال-محمد الضيف-
...
-
الجزائر.. تحرك سريع بعد ضجة كبرى على واقعة نشر عمل روائي -إب
...
-
كيف تناول الشعراء أحداث الهجرة النبوية في قصائدهم؟
-
افتتاح التدريب العملي لطلاب الجامعات الروسية الدارسين باللغة
...
-
“فنان” في ألمانيا عمره عامين فقط.. يبيع لوحاته بأكثر من 7500
...
-
-جرأة وفجور- .. فنانة مصرية تهدد بمقاضاة صفحة موثقة على -إكس
...
-
RT العربية توقع مذكرة تعاون في مجال التفاعل الإعلامي مع جمهو
...
المزيد.....
-
الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة
/ محمد الهلالي
-
أسواق الحقيقة
/ محمد الهلالي
-
نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح
...
/ روباش عليمة
-
خواطر الشيطان
/ عدنان رضوان
-
إتقان الذات
/ عدنان رضوان
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
المزيد.....
|