أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم الشاهري - رسائل حب















المزيد.....

رسائل حب


كاظم الشاهري

الحوار المتمدن-العدد: 204 - 2002 / 7 / 29 - 02:32
المحور: الادب والفن
    


 

 كاظم الشاهري قاص عراقي يقيم في اميركا

 

ثمة وقائع عادية جدا في حياة الغرباء – على الاخص – تتعدى نطاق السبر .

حينما نظر الى الورقة نسبها الى واحدة من تلك الاوراق الكثيرة المتطايرة التي تلقى خارج الخيام كفضلات واشياء زائدة عن الحاجة انقذفت الى خيمته من جراء الريح التي تكون عادة ناشطة اوائل الصيف من كل سنة . ومضى يتأمل مجموعة الصور بجوار رأسه :  غزلان شاردة امامها افق رمادي مضبب ومن الاعلى تبين منطقة بيضاء ، ربما تكون قمة جبل ، شجيرة عباد شمس الى جانب كوخ خشبي مقفل الابواب ، صورة نادرة للمثلة ناهدة الرماح واخرى باللونين الاسود ولابيض تمثل غاندي في ايامه الاخيرة مبتسما  . لكنه عاد فركز نظره مرة اخرى على الورقة . اذ انزاحت من مكانها وارتمت فوق فراشه ثم اخذت اطرافها ترتعش بايقاع  متسارع وصدر عنها حفيفا ناعما مشوشا .

بين الفينة والاخرى يعبر الخيمة شلال هواء يتدفق بعربدة  . الريح في الخارج على شكل دوامات مغبرة تجتاح المخيم وبين دوامة واخرى يظل هواء الخيمة فاترا وساخنا معتدل الهبوب .

مد يده الى الورقة كان يبغي امساكها ثم القائها الى خارج الخيمة لابعاد حفيفها المشوش .

ذكرته الورقة المأخوذة من دفتر مدرسي - على الفور- بالدفاتر المدرسية المتداولة في مدارس بلاده ، هناك من كان اذن في طرقه الى المدرسة وحلت العاصفة  ، ربما يكون معلما او أبا وقد يكون يكون طالبا صغيرا لم يرغب في التخلي  عن دفتره اثناء ايام الهروب .

كانت الورقة متشظية من الاطراف وباقي اجزائها فقدت مرونتها بفعل تعرضها للشمس اياما طويلة وكانت مائلة الى الاصفرار .

بسطها امامه برفق خشية ان تتفتت الى ذرات ناعمة   واخذ يتابع العبارات المدونة في اقل من ثلاث اسطر وتوقيع مرتبك الخطوط اسفل الصفحة  بقلم  (رصاص ) غير مبري بعناية :

الى    س ،

               / انا بانتظاركَ في خيمة الاحلام الساعة الرابعة عصراً /

                                                                                                     حبيبتك  ن

 

كان ينتظر في اي لحظة احد ما سيحل عليه شريكاَ في الخيمة ، صديقه غادر منذ اكثر من شهر  ، انتقل الى خيمة اخرى في الجوار  . كان هذا مبعث ضيقه  ، كيف سيتسنى له العيش مع شخص اخر لم يتعرف عليه سابقاَ .

واخيرا جاءت الرسالة  ، لماذا تأخرت كل هذا الوقت  ؟ كل هذه السنوات ؟ لم يعد هذا السؤال مهما ، هناك من تشاركه نفس التفكير ، نفس الازمة ، نفس المشاعر  ، وعرفت كيف تختار الوقت المناسب وتصل اليه .

كانت اعداد هائلة من الذباب تحوم حول بقايا المرق العالقة في الصحن من وجبة الغداء . مسح بكم قميصه جبهته واجزاء من رقبته . وخرج . تطاير الذباب الى جهة الباب ثم عاد يحوم حول الصحن .

هناك مفاجأة تنتظره  وهو خرج من اجل هذه المفاجأة . //لم يعد وجود رسالة من هذا النوع امرا  شائعاَ ولاحتى مقبولا //

اتخذ الجادة الرئيسية  ، مثل كل مرة، طريقه اليومي المعتاد . كان يضع يده في احد جيوب بنطاله ويمشي بخطوات وئيدة موحياَ لمن يراه انه خارج للتسكع في مثل هذا الوقت من المساء .

توقف قرب بائع سكائر ثم مضى وتوقف مرة اخرى بالقرب من لوحة اعلانات وواصل سيره بنفس الطريقة الخالية من الهدف ،

حيا خلال ذلك مجموعة من الاصدقاء والمعارف . ماذا لو ان احدا من هؤلاء الذين يبدون الان مسالمين ويؤدون التحية بلطف عرف بأمر الرسالة ؟

انعطف من الجادة الى المخيمات على الجانبين المحتشدة على شكل مربعات تفصل بينها فراغات اشبه بالحدود .

كانت تلك المربعات تجمع بين ساكنيها صلات قرابة او الفة او مدينة واحدة فكونت هنا من جديد مجموعة من القبائل والقرى الصغيرة المتجاورة .

انعطف اليها كمن تذكر صديق عزيز وينوي زيارته محاذراَ لفت الانظار .

يتألف المخيم من مجموعة من المربعات ، سبعة منها وضعه في مدار سعيه والباقي مربعات عازبين  .وهنا في المربعات السبعة كان يتوقع وجود( خيمة الاحلام ) فكان يرمق الخيام بطرف عينيه ويستمر في سيره بوتيرة لاتثير  ريبة احد – ولكن كيف سيكون شكل الكتابة – تساءل ؟ فيما لو ان العنوان وضع على جدار الخيمة من الخارج ليعرفها من بين الاف الخيام . ؟؟؟

خمن انها لاتكون كتابة بالمعنى الدقيق على الارجح ولكنها  ستكون اقرب الى شكل الكتابة  او ربما تكون اشارة مثل : تخطيط بدائي لكف تلوح او شجرة يسع ظلها لاثنين او عبارة عن حلم بسيط دُون بتخطيط طفل بوجه حمامة .

في طريق عودته ركب الشارع ذاته ، لقد امضى ساعات وهو يتجول بين المربعات . كان امرا فظيعا ان يتصور ان مهمته قد فشلت ،لقد دخل حربين متتاليتين ومنذ سنوات يحمل بطاقة مشرد مدني  في مخيم صحرواي لم يشعر بالخسارة ثقيلة الى هذا الحد .

وهو في الطريق رأى مناسبا ان يقوم هو بدوره بكتابة رسالة تمثل رداً ثم يدعها من مكان مناسب تذهب في الريح كيفما تشاء وينتظر . فَتحققُ مصادفة ليس بمعجزة . وراح يتخيل مسيرة الرسالة بين الخيام  ، كيف تقطع المسافة ؟ وكيف تتوقف وتنتظر الريح التي قد تغير اتجاهها فتركن نفسها الى جوار حاجز يقيها الدفع المعاكس ريثما تهب الريح المؤاتيه  وتنطلق. وقد يصادفها فضولي او مشاكس وكيف ستزوغ عنه وترتمي الى جهة نائية مختارة دروبا متعرجة.

في الليل تنتظر وهناك حين تصبح قريبة من الباب ستعرف كيف تعلن عن نفسها ، لقد رسم في ذهنه خرائط شتى وطرقاًهائمة معقدة حتى انه نسي ان يعبر الى الضفة الثانية من الشارع ويشتري من البائع الذي يعرض بضاعته على الارض مباشرة ، علبة سكاير .

  تفتحت في هذه الاثناء الانوار العامة المحيطة بالمخيم ورفعت اربع مكبرات صوت من فوق  خيام كبيرة ، اذان الغروب.

عندما وصل الى خيمته  انصب اهتمامه قبل كل شئ في احضار الدفتر  ،  كان لديه دفتر مدرسي من فئة (100 ) ورقة يحتفظ به من زمن بعيد تذكر انه وضعه مع حاجات اخرى في علبة  // كارتون // انتشله بصعوبة ثم نظفه من الغبار واخرج بعد ذلك // قلم رصاص // من تحت طيات فراشه وتناول // موسى // كان يستخدمه لتقليم اظافره . وبرى القلم بعناية فائقة لكي يكون الخط واضحا ومتناسقا.

فكر ان تكون الرسالة مختصرة وان يختار الكلمات السلسة من دون تكلف مبالغ وخط العبارة التالية :

// انا بالانتظار ايضا // اعاد قراءة العبارة ثم سحب تحتها خطاَ بطول الصفحة وفكر بكتابة رسالة افضل .

لبث متفكرا وكتب  // موعدنا قرب مكتب الصليب الاحمر // .

فكر بكتابة رسالة لائقة ،  انتظر ، فرسم بحيرة بيضوية الشكل تاركا قسما منها يابسا  وقد بانت اسماك نافقة في المنطقة اليابسة . ترك الصفحة ودون في الصفحة المقابلة عشرين تاريخا ميلاديا ً ثم شخص ثلاثة تواريخ ووضع امام كل واحد منها سهم كبير.

مضى وقت طويل وهو مستغرق باعداد رسالة ملائمة ترضي مزاجه ، شعر بالتعب وبنفاد كلماته واساليب تعبيره . طرق الصفحة بنهاية القلم طرقات متتاليية كأنه نسسى شيئا َ وتذكره بغتة .

 

 عاد يراجع الرسائل واحدة واحده بتأن شديد شطب بعض الكلمات واستبدلها باخرى  صاغ بعض الجمل والتراكيب بطريقة اخرى .

عد  الرسائل فوجد لديه اربعين رسالة تماما الى جانب تخطيطات مبعثرة وجملا عابثة فضمها هي الاخرى مع الرسائل ، لكنه لم يستقر على واحدة يمكن ان تكون الرسالة المنشودة . في كل رسالة هناك كلمة او اشارة لايستطيع الاستغناء عنها . لذا قرر الاخذ بها جميعا دون استثناء  ، وانتظر ريثما تشح الحركة في الخارج لينطلق الى مكان مناسب ومن هناك يتركها تتطاير في الريح ............    



#كاظم_الشاهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم و لا
- نصوص
- الشرارة الاولى


المزيد.....




- الإعلان عن النسخة الثالثة من «ملتقى تعبير الأدبي» في دبي
- ندوة خاصة حول جائزة الشيخ حمد للترجمة في معرض الكويت الدولي ...
- حفل ختام النسخة الخامسة عشرة من مهرجان العين للكتاب
- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كاظم الشاهري - رسائل حب