أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد شفيق - حوار مع الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي العراقي - علي السعدي -















المزيد.....


حوار مع الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي العراقي - علي السعدي -


محمد شفيق

الحوار المتمدن-العدد: 3140 - 2010 / 9 / 30 - 21:56
المحور: مقابلات و حوارات
    





س / كيف يقيم الدكتور علي السعدي الواقع السياسي في العراق وهل

العملية السياسية تجري في الاتجاه الصحيح ؟


ج: تلك هي واحدة من المفارقات التي يغصّ بها العراق ، فالعملية السياسية في البلد ، تسير عموماً باتجاهات صحيحة أو بخطوط شبه مستقيمة ، لكن القوى السياسية هي التي تسلك خطوطاً بيانية متعرجة ، قد يبدو هذا مستغرباً ، لكن لننظر قليلاً في معطيات المشهد العام .
بعد التغييرالعاصف في التاسع من نيسان 2003، ظهرت لأول مرة إمكانية الإنعطاف في المسار السياسي للعراق ، السلطة هنا أصبحت ملزمة بالتوجه الى المجتمع كي تكتسب مشروعيتها عبر صناديق الإقتراع ، لكن ، ولأن التغيير لم يأت عبر مسارات طبيعية تهيأت فيها الظروف للسياسة ان تعيد صياغة نفسها في مفردات جديدة تتجاوز الإضطراب السابق ، فالديمقراطية انما جاءت كحالة إنقلابية وليست نتيجة لتراكمات سياسية مجتمعية أفرزت واقعاً ديمقراطياً ، لذا نقلت القوى السياسية إضطرابها الى المجتمع الذي اضطرب بدروه تبعاً للسياسة التي دخلت الجديد بمفردات متقادمة
ومنهجيات قديمة .
لم يجد السياسيون ( الجدد ) أمامهم سوى استنهاض المكونات الأولية في المجتمع- بأشكالها الطائفية إو الإثنية أو المذهبية أو القبلية - للإحتماء بها ومن ثم زج أنفسهم في موقع القرار باعتبارهم يمثلون مكوناتهم بصفتها ماقبل السياسية.
العنف السياسي الذي بقي مقتصراً على السلطة في السابق ، إنتقل بدوره الى المجتمع ، ومع الدوافع والمحرضات التي اتخذت أشكالاً متعددة ، مورس بقوة الى درجة الإشباع ، ثم بدأ بالإنحسارالتدريجي بعد ان فقد الكثير من أعمدته وحواضنه ، حيث لم تجد الذاكرة المجتمعية ما تستند إليه في إدامة العنف .
في كل ماسبق ، كان المجتمع العراقي يعيش واقع الإنفصال عن السلطة باعتبارها كياناً مستقلاً غير منبثق عنه ،وبالتالي فهي لا تمثّله الا بمقدار إعتماده عليها في توفير وسائل عيشه ، ذلك لأنها ظهرت في صفتين : أما ربّ عمل ينبغي إرضاءه بأي ثمن ، أو حاكم ظالم يجب تجنبه طلباً للسلامة، وفي كلتا الحالتين تكون العلاقة معها غير سوية .
لكن الصورة اختلفت بعد التغيير ، فقد انبثقت إمكانية حقيقية لتنقلب قتامة الأنماط السابقة الى حيوية الحاضر ، فالسلطة هنا تحكم بإسم الشعب الذي انتخبها لوظيفة محددة في مدة محددة سلفاً ، لذا فنجاحها مرهون في إدارة نشاطاته كمجتمع والإشراف عليها وتنظيمها ضمن قانون ساهم بالتصويت عليه وبالتالي إرتضاه لنفسه ولم يفرض عليه بالقوة كما كان الأمر في حكوماته السابقة .
شعور العراقي لأول مرة عبر تاريخه القديم والحديث ، ان هناك سلطة تمثله بإرادته ، كان من شأنه أن يغير تدريجياً من نظرته تجاهها ، ليس في سلوكياته فحسب ، بل في فكره وثقافته وتشكله النفسي والنظر الى مفهوم الهوية الوطنية بشكل مغايرعما كان عليه ، إذ عندما يستند في حماية نشاطه الى قانون ساهم بوضعه والى حكومة تمثله – كما يفترض - لن يضطر الى الإحتماء بمكوناته الطائفية أوالقبلية وماشابه ، عندها يكون طريق بناء الهوية الوطنية قد بدأ بشكل صحيح ، فيما يتراجع الشعور بالإستهداف عند هذا المكون أو ذاك تبعاً لتطورات العملية الديمقراطية وتقدم شعور
بناء الدولة الوطنية ، لكن الطريق لتحقيق ذلك مازال طويلاً وتكتنفه الصعاب .


س / برأيك ماذا يحتاج العراق خلال المرحلة القادمة لاستعادة الحقيقة ؟ وهل الحكومة القادمة ستكون حكومة قادرة على حفظ الامن والنظام وتوفير الخدمات ؟


لم تعد الإنقلابات العسكرية هي الخطر الوحيد الذي يهدد الديمقراطية الناشئة ، ولاحتى الإرهاب رغم كلّ ما يلحقه من أذى ،إذ تشير القراءة العامة ان العراق في طريقه ليتجاوز واقعاً هذا الخطر لشدة بروزه وتبيان مكافحته أمنياً ، لكن ما لم يظهر الى العلن بعد ، هو الخطر الكامن بافقاد الدولة الديمقراطية وظيفتها الأساسية كناظم وموجه لنشاطات المجتمع ،وليس ربّ عمل مهمته الوحيدة توفير وسائل العيش للناس الذين يرتبطون بالدولة وقد يغفرون تجاوزاتها، فكلما ازداد إتكاّل المجتمع على الدولة في عيشه ، كلما افرز معادلة الخضوع من جانبه والهيمنة من جانب
الدولة، ذلك لأن المنتظمين في سلك الدولة وأجهزتها المختلفة ، هم الأكثر عرضة في الغالب لتأثيراتها ، وبالتالي فهم الاقل حرية في اختياراتهم ، ذلك مايؤدي الى إعاقة نمو المجتمع نحو قدرته على ابتكار وسائل عيشه ، إنطلاقا من حقيقة ان أكثر الدول فشلاً ، هي الدول المعيلة وبعكسها الدول الراعية .
الصعوبة تكمن في القدرة على نشر ثقافة النشاط الإجتماعي الحرّ ، بدل إنتظار الوظيفة الرسمية ، لأن من شأن ذلك ان يرهق موازنة الدولة ويجعلها تعجز عن الإيفاء بمتطلبات المجتمع المتزايدة ، ما يخلق المزيد من البطالة وما يتبعها من توترات تنعكس على الأمن المجتمعي ، فلا تجد الدولة من طريق سوى اللجوء الى تطبيق أكثر صرامة للقانون ، ما يعني بدوره ،سلوك السبل التي تؤدي الى الدكتاتورية وإن المتدرجة ، إذ ان هناك علاقة عكسية بين تطور نشاط المجتمع وبلورة مهمة الدولة كوظيفة اجتماعية ، وبين تراجع النشاط المجتمعي وبالتالي الإنحراف في وظيفة الدولة
لتصبح مهمة سلطوية قمعية كي تحافظ من ثم على الهدوء المجتمعي ، وعليه ينبغي قلب المسار وفق معادلة : نشاط أكثر- قانون أقل ، أي كلما زاد النشاط المجتمعي ، كلما قل الإعتماد على القانون ، والعكس صحيح ، لذا يُرى في الدول المتقدمة ، قلة عدد الموظفين نسبة لتطور الدولة ، ومقدار احترام مواطنيها للقانون بشكل طوعي لقلة إعتمادهم على الدولة .
الخلاصة ، كان على صانعي القرار في العراق الجديد ، ان لايستسهلوا القرارات الشعبوية في قياس الإنجاز بعدد الوظائف ، بل ان يكون القياس في مقدارالإنتاج الحرّ، فتلك هي قوة الدولة بحكومتها ومجتمعها على المدى الإستراتيجي .

س / كيف تنظرون الى العمل الديمقراطي في العراق ؟ وماهو مصير الديمقراطية في العراق .


ج: الفيلسوف الذي ابتكر لعبة الشطرنج ، لاشك انه كان عبقري عصره وكل العصور، ابتداءاً من طلبه لنوع جائزته التي اختصرها بحبة قمح واحدة في المربع الأول من الرقعة ، ثم يضرب الناتج في بعضه عن كل مربع الى نهاية عدد المربعات البالغة أربعة وستون ، فوصلت حبة القمح الى عدد لانهائي .
في تلك اللعبة ، تكون مصادر القوة لكل لاعب مكشوفة ،لاتخضع للمصادفة ولا تقع تحت رحمة الأوراق المخفية ، فالفوز فيها يعتمد على سلامة الخّطة والقراءة الجيدة لسير الوقائع وحسابات الخصم ، وكل الخصمين يفترض ان المقابل سوف يلعب وفق ما يتطلبه المنطق وبالتالي فقد يوافقان على التعادل رغم ان الكثير من القطع لدى كل منهما مازالت سليمة ، كذلك فاللعبة قابلة للتحليل والدراسة والإكتشاف ، في كل مرحلة من مراحلها .
لاعب الشطرنج الماهر، يتميز بهدوء الأعصاب وقوة الملاحظة والإستفادة من الخطأ والقدرة على وضع الخطط الآنية والإستراتيجية والإبتعاد عن العدوانية والعمل الدؤوب على تطوير حركته وابتكاراته وفق منهج عقلي ومعطيات واقعية واضحة .
أما لاعب البوكر ، فهو مقامر يعتمد الصدفة والحظ والحسابات المتسرعة والعدوانية الشديدة مع القابلية للغش والخداع ، وهويتربص للايقاع بخصمه ينظر الى حركاته وسكناته والتفاتاته ورمشة عينه ، لعله يرى فيها مايمكنه من استنتاج ما لدى خصمه من أوراق مخفية كي يرفع وتيرة مراهناته التي ان نجحت مرّة فسيطلب المزيد حتى يتعرض للخسارة فيفقد كل شيء، وان فشلت يصاب بالهوس في محاولة التعويض ، ومراهناته في كل حال تبقى عرضة للإنتكاس أو الإنتعاش فجأة دون مقدمات أو حسابات موضوعية.
السياسي الذي يتمتع بموهبة وقدرات لاعب الشطرنج ، تجده في الأنظمة الديمقراطية عموماً ، فمن أولى شروط الديمقراطية ان يتمتع اللاعبون فيها بالنزاهة فلا يلجأون الى الضرب تحت الحزام ولا يستخدمون طرقاً غير مشروعة للفوز .
في الألعاب الرياضية ، يجّرد الفائز بمدالية ذهبية مثلاً ، من فوزه ومداليته اذا تبين انه تناول منشطات أو لجأ الى اية وسيلة غير قانونية للفوز ، تلك قوانين صارمة لم يحدث ان تم التهاون فيها ، والذي يثبت عليه انه فاز بشكل غير مشروع ، يعاقب بالإبعاد أو النبذ كي يحافظ من ثم على شرف المنافسة .
في العراق الجديد ، كانت السياسة تمارس على طريقة لاعب البوكر أو الرياضي الفاشل ، ففيها من يقفز هنا وهناك من أجل جمع الأوراق التي تؤهله للفوز ، فيهاجم خصمه ويستفزه بطرق عديدة ويتناول من المنشطات حيثما تقدم له ، وهو يعرف انه قد يغامر بالكثير اذا انكشفت لعبته ووسائله ، لكنه يثير الغبار كي يحجب محاولات كشفه لعلّه يستثمر ماحصل عليه من منشطات وما تجّمع بيده من أوراق.


س / كيف يقرأ الدكتور السعدي دور دول الجوار العراقي على مدى السنوات السابقة وفي الانتخابات وبعدها ؟ وما بعد تشكيل الحكومة ؟


ج: يشير تاريخ العلاقات بين الدول قديمه وحديثه ، ان هناك ثلاثة أنماط تحدد طبيعة تلك العلاقات وترسم أطرها ، وهي على التوالي :
1: المنفعة المتبادلة : تلك هي الحالة الطبيعية الأكثر انتشاراً في العلاقات بين الدول ، لكن هذا النوع من العلاقات يتطلب ان تكون كل دولة تتمتع بالسيادة على أرضها وبالتالي تحدد كلّ منها مقدار المنافع التي تنوي تبادلها مع الطرف الآخر وحاجة البلاد اليها وقدرتها على تقديم منافع مقابلة ، وهو مايخلق نوعاً من التوازن بين الطرفين ، وان تفاوتا حجماً أو غنى أو قوة ، اذ ان التكافؤ والحالة هذه انما ينشأ من طبيعة المنافع ذاتها وكيفية تبادلها لا من حجمها .
2: الردع المتبادل : ويعني امتلاك كل طرف ، أوراق قوة يستطيع بواسطتها الضغط على الآخر لإعادته الى ( بيت ) المنافع المتبادلة إذا ماحاول الإخلال بالمعادلة وتجييرها لصالحه بشكل مطلق ، وليس ضرورياً ان تكون الأوراق عسكرية كما قد يفهم من كلمة ( قوة ) بل قد تكون اقتصادية أو ثقافية أو دينية أو اجتماعية أو سياسية ، كما دخل الإعلام بعد قفزته الكبيرة من حيث الإنتشار ، كوسيلة ضغط مهمة في العلاقة بين الدول .
3: التبعية : ويبرز هذا النوع من العلاقة في حالات الإحتلال المباشر أو اختلال في مؤثرات القرار أو تجريد طرف من مصادر قوته لحساب الطرف الآخر بطريقة أو بإخرى ، قد يأتي من ضمنها دفع حلفاء الطرف المهيمن الى مصدر القرار في الطرف الآخر، وهو ماحاولت دول الجوار فعله في العراق ، والأخطر في هذا النوع من العلاقات ، حين يقرّ الطرف التابع بأحقية الطرف المتبوع بتلك الوصاية .


س / مصطلح ( الدينقراطية ) قام بتأسيسه احد الباحثين الشباب في بداية التغيير ولم يعلن عنه لاسباب معينة . ثم طرحتم هذا المصطلح في كتابكم ( حزام النار ) وفي بحثكم بعنوان ( الظواهر الحاسمة في المقدسات الثلاث ( الله , الدولة , الانسان ) والمنشور في العديد من الصحف والمواقع كيف تنظرون الى هذا المصطلح والى ما طرحه ذلك الباحث .؟




ج: المصطلح بحدّ ذاته ليس سوى اختصار لكلمتي الدين والديمقراطية ، وبالتالي فهو ليس تاسيساً لنظرية جديدة ولا علم لي بان احداً طرحه أو اشتغل عليه من قبل ، وقد جاء في سياق بحوثي عن اشكالية الجمع بين ثوابت الدين ومتطلبات الديمقراطية ، حيث إبتدأتها منذ التشكل المعتقدي الأول للانسان ، واعتبرت فيها ان هناك مقدسات ثلاث هي على التوالي : الله – الدولة – الانسان – ورغم ان الانسان هو الذي يجسد ارادة الله وقدسية النصّ الديني كذلك يمنح الدولة مشروعيتها ومادة اشتغالها وجدوى وجودها ، الا ان الانسان بقي هو الاضعف بين هذه الحلقات ، أما الدولة
فكانت هي الاقوى لأنها احتكرت تعاليم الله كما شاءت واضطهدت الانسان مجيرة اياه لمصالحها الخاصة ، كانت (دولة الدين) تكيّف معتقداتها وفق قوانينها المنبثقة من إرادة الحاكم ومباركة الكهنة، وبالتالي فقد تطورت فكرة المقدس من رحم تلك التفاعلية بين الثنائيتين المقدستين ـ الله والدولة ـ اما الإنسان، وهو المقدس الثالث كما يفترض، والمدنس الأول والوحيد كما تشير اليه الأديان، فقد بقي ذلك الآثم الذي عليه دائماً إثبات ولائه بتقديم فروض الطاعة للدولة بشكلها الواقعي، ولله عن طريق العبادات وطلب المغفرة.
كان على الدولة ان تتخذ شتى الأساليب في ضمان طاعة رعاياها، ولما لم يكن متوفراً مراقبة السلوكيات الفردية لكلّ إنسان، لذا فوجود رادع ذاتي يرافق الإنسان بشكل دائم ويدعوه للخضوع الى السلطة واطاعة أوامرها، كان الحلّ الذي يمثلّه المعتقد الإلهي والإيمان المتولد من إمتزاج ثنائية الله / الدولة.
وهكذا نشأت تلك المعادلة بخلاصاتها القائمة على: لا دولة من دون الإنسان، ولامعتقد ديني دون دولة، لكن خلق الإنسان في أحسن تقويم، لم يشفع له ليكون في أحسن اعتبار، لابنظر المؤسسة الأقوى في الدولة ـ أي السلطة ـ ولابنظر الدين كما أرادته الدولة، ذلك مافعلته جميع الحضارات القديمة.
وقد جاء المصطلح المذكور( الدينوقراطية ) عرضاً وبعد سلسلة من البحوث في محاولة المواءمة بين الدين كناظم روحي للبشر ، والدولة كوظيفة اجتماعية تحددها أطر دستورية ، أما عن ماطرحه الباحث الذي ذكرته ، فإني في الحقيقة لم اطلع عليه ولا اعتقد ان له علاقة بما ذكرته في بحوثي حول هذا الجانب .

س / كيف ينظر الدكتور السعدي الى الاسلام السياسي في العالم ؟ وهل هو في تقدم ام تراجع ؟


ج: الاسلام هو دين ودولة كما جاء عند الفقهاء، وطبقاً لذلك كان الاسلام سياسياً طوال تاريخه ،أما فيما يعنيه السؤال حول الحركات الاسلامية السياسية المعاصرة ، فهي تنقسم الى فئتين : مايسمى بالاسلام الجهادي الذي انبثق اساساً تحت شعار ( لاحاكمية الا لله ) واستنادا الى اجتهادات فقهية اطلقها بداية محمد بن عبد الوهاب في الحجاز ، ثم نسج على منوالها المودودي في باكستان وحسن البناء وسيد قطب وغيرهم ، قادت في محصلتها الى قيام تنظيمات تجاوزت ماجاء به المنظرون الاوائل لتنتهج من ثم العنف سبيلاً ليس ضد الحكومات وحسب ، بل ضد المجتمعات كذلك ،
وبالتالي تكفير كلّ من لايساندها الرأي .
أما الصنف الاخر ، فهو مانراه من أحزاب وقوى اسلامية سلكت طريقاً مغايراً في سبيل الوصول الى السلطة عبر صناديق الاقتراع ، وفي هذا اختلفت تجاربها بين بلد وآخر ، فهي في العراق ولبنان مثلاً غيرها في ايران أو تركيا أو ماليزيا أو سواها ، لكنها تلتقي في مسألة جوهرية : الشرعية من اصوات الناخبين ، ولأن معظمها مازال طور التجربة ولم يستكمل انجاز مراحلها بعد ، لذا من المبكر تقديم تقييم لاداء كل منها ، لكنها بشكل عام متوافقة مع مجتمعاتها ومقبولة منها ضمن ما اختطته لنفسها من سياقات سياسية وان اختلفت في تفاصيلها بين قوى واخرى .


س / كونك احد الصحفيين والاعلاميين وعضوا في نقابة الصحفيين العراقيين ورئيس تحرير لعدد من الصحف والمجلات سابقا . كيف تنظرون الى الواقع الصحفي والاعلامي في البلاد


ج: بشكل عام، تنقسم الصحافة في العراق الى ثلاثة مستويات: يبدأ اولها فيما يمكن تسميته بصحافة الاشارة، وهي تلك الصحف التي تتخذ من الحدث موقفاً موضوعياً، فتحاول تفسيره ربطاً بما يحيط به من مؤثرات، ساعية في الوقت عينه، الى تجنب اسقاط ايديلوجيتها السياسية أو آرائها الخاصة على الحدث وتجييره بناء على ذلك كمعيار رئيس، انها تعمل ضمن مقولة (تحويل المعلومة من حالة خبرية الى حالة معرفية)، وعليه، فهي تسهم في رفع مستوى الوعي بتراكم نوعي، ببطء لكن بثبات .
النوع الثاني هو ما يمكن ان يطلق عليه (الصحافة الصفراء) أو صحافة الشطارة أو الاثـارة، اذ تعمد الصحيفة الى التقاط المعلومـة ذات الطابـع السلوكي ـ الشخصي في الغالب ـ لهذا السياسي او ذاك، لتحويلها من ثم الى حالة ابتزازية أو فضائحية، ومن سمات هذا النوع من الصحف، سرعة تقلبها وانفلات معاييرها، فهي قد تهاجم بعنف شخصية ما، ثم تنقلب في اليوم التالي الى مداهنته و مدحه، وذلك بمقدار تقربه منها ومحاولة استرضائها ـ ماديا أو معنويا ـ طبقاً لثنائية المدح أو الهجاء، وما تقدمه هذه الصحف، يكون في العادة سريع الالتقاط، لكنه كذلك سريع الزوال .
اما النوع الثالث، فهي صحافة (المغارة)، اذ انها تحبس نفسها داخل مواقف مسبقة فتمدح ولا تطرح، كذلك لا تتناول قضية اشكالية، ولاتقدم معلومة مصاغة بقالب موضوعي رصين يمكن البناء عليه أو الاستفادة منه، ذلك لأنها تنهمك بتغطية الاخبار الخاصة للجهات الناطقة بإسمها أو الممولة لها، بإعتبارها اداة استخدام دعائية، وفي العادة، تشكل هذه الصحف كمّاً عددياً يتأرجح صعوداً وهبوطاً ربطاً بمكانة أو اهمية الجهات المتبنية لها وموقعها السياسي.
الساحة الصحافية العراقية، تمتلئ بالانواع الثلاث ألا ان النوع الأخير هو الأكثر عددياً بما لايقاس، لكنه الاقل فاعلية اجمالاً، كما يمكن استنتاجه من مؤشرات عديدة مرافقة له.


س / بأختصار كيف تنظرون الى مستقبل العراق ؟


ج:- سيبدأ العراق بالخروج من أزمته، في وقت يبدأ الآخرون بدخول أزماتهم.
ذلك ماتوعد به الأزمنة القادمة بمؤشراتها التي بدأت بالظهور تباعاً، وان تفاعلت على نار هادئة.
ليست تلك نبؤة، ولاقراءة في فنجان المجهول، بل إستقراء لما تفرزه الوقائع وما تطلقه أدخنة الجمر التي مازلت مختزنة تحت الرماد.
لكن ماالذي يمكن ان يحرك الكامن في الأحداث؟ وماهي حيثيات التغيرات المقبلة؟
(الديمقراطية بالعدوى) ذلك ما عملت عليه الإدارة الأمريكية بعد غزو العراق، فالإستراتيجية الكونية لأمريكا وبقناعات من الدول الكبرى، ترى ان هذه المنطقة بأنظمتها القائمة، أصبحت فاقدة الأهلية للتطور، وقد تحولت نتيجة لذلك، الى مصدر للجزء الأكبر من مشاكل العالم، وبالتالي لابد من تغيير يطال البنى الفوقية كي يصار من ثم الى إدماج الشعوب في منظومة العولمة.
العراق قد تكون آخر الحروب بمعناها العسكري التي يمكن خوضها في المنطقة، أما التغيير، فسيأتي تباعاً بعد تثبيت الديمقراطية في هذا البلد، إذ سيكون لشعار (التغيير بالمثال) قوة الصدقية فيما تحقق.
أنظمة المنطقة، أدركت ذلك باكراً، لذا وضعت كلّ ثقلها في محاولة إفشال (المثال العراقي) ومن ثم تصويره ككارثة ستحل بمن يحاول الإقتداء به، لكن وعلى رغم كل ما بذلته بعض الأنظمة من جهد محموم ، إستطاع العراق أن يصنع ديمقراطيته ليصبح المواطن العراقي بالمحصلة، هو الأكثر تمتعاً بمنسوب الحرية ، قياساً بالأنظمة المحيطة .
مصاعب العراق في بناء تجربته الديمقراطية، كانت هائلة ومستحيلة التجاوز، ومع ذلك صمد البناء الديموقراطي وشيدت أركانه الرئيسة التي لم تعد قابلة للهدم، وان تمكنت القوى المضادة ،من الاستمرار في إلحاق الأذى بالعراق، لكنها عجزت عن إحداث تبديل جوهري بما هو قائم.



#محمد_شفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى تحرر الثروة الوطنية ؟
- كثرة الصحف حالة ايجابية ام سلبية ؟
- يأيها الشيوعيون لست اسلاميا .. ويايها الاسلاميون لست شيوعيا
- اتاوات الطب الحديث
- عيد المراءة العالمي
- بيل غيتس والتعليم
- الصحفي والجوع الكافر
- احرقوا المتطرفين
- حوار مع الكاتب والباحث ( نضال نعيسة )
- من قال انهم مسلمون ؟
- يأيها المثقفون كتب عليكم الاخلاق
- حوار حول الرسول محمد
- جهاز امني..ام انكشاري
- تمجيد القتلة ! تعليقا على مقال للكاتب حسن ناظم
- الصومال اسعد من العراق !
- مع الشيخ محمد حسين يعقوب
- تعليقا على رسالة الدكتور ( كاظم حبيب ) الموجهة للسيستاني
- مرصد الحريات الصحفية : ينتخب مجلس ادارة جديد
- النظام الدينقراطي
- كاد المعلم ان يكون رئيسا


المزيد.....




- أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم ...
- الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
- تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
- بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م ...
- موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو ...
- بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا ...
- شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ ...
- بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت ...
- بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - محمد شفيق - حوار مع الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي العراقي - علي السعدي -