أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى علوان - سَجَرتُ تَنّورَ الذكرى















المزيد.....



سَجَرتُ تَنّورَ الذكرى


يحيى علوان

الحوار المتمدن-العدد: 3140 - 2010 / 9 / 30 - 09:24
المحور: الادب والفن
    



سَجَرتُ تَنُّــورَ الذِكْـرى



البارِحَـة ، فقط ، أَوْلَمْتُ للشَـوْق المُخلَّلِ ، نَفَختُ الرمادَ عمّـا استقَرَّ فـي القـاعِ من جَمْـرٍ ، وسـَجَرتُ تَنـُّورَ الذكرى عَلِّي أَحظـى بجـزءٍ مـما أودعتـُه صُندوقَ ذاكـرةً ، ظَنَنْتُها منيعةً ، لا يتسـرَّبُ إليهـا سُــوْسُ الهَـرَمِ ، ...
ذاكرةً تسـتعصي علـى النسيان !! لكـنَّ جَلطـةً فـي الدماغ مَحَتْ واحداً مـن أَوهامي !

عامٌ فوقَ عامٍ ، تَكَدَّسَت العشـرونَ وخمسَـةٌ ، وأنا أَقرَعُ بابي أتَحايـلُ علـى الذكـرى ..
... من بينِ الدُخان خرَجَ ماردٌ ، يَفرُكُ عينيه مُعَبِّساً ، ناداني بصوتٍ أَجَّـشٍ : " مـاذا تُريدُ منَّي ؟ ولماذا قَطَعتَ علَيَّ رَقدَتي ؟ "
قُلتُ : " كَفـاكَ رُقاداً ! منذُ ربع قرنٍ وأنتَ تَغُطُّ في نومَتِكَ !! "
" قُلْ لـي ، ما الذي تُريده مِنَّي بالضبط ..؟ " سألَ ،
قلتُ :" مُسامَرتي ! ... فكلانا قد كَبُرْ ! وعلى الذكرى كَبُرنا ، فلا خوفَ ..،
قد نسترجِعُ بعضَ الذكريات العامة توطئةً لاختبارِ قُدرتنا على الاصطبار والتَحَمُّل ! "

مُتَجَهِّماً ، كـَوَّرَ نفسَه في الزاوية اليسرى من كَتِفِ التَنّور ، عَقَدَ ذراعيه
عند الصدر ... تَنَحنَـحَ :
" إحِّمْ ، إحِّمْ ..."
قُلتُ ، صُوفِـي(1) ، أُريـدُ ... فبدونِ صُوفِـي يتعذَّرُ العبـورُ والمسـيرُ ....
صـَفَقَ يـداً بأُخـرى : " هـاكَ صاحبَكَ ، الذي شَبِعَ موتاً ! "
........................
........................

* * *

يا صُـوفِي ، إشتَقنا إليك ... خُذْنـا إلـى شمال الله واصعد بنا سفحاً
فسفحاً ، واهبِطْ بنا الوديانَ ، جَمعاً وفرداً ، فعيوننا للأهلِ وللصَحبِ
على لحافٍ من الغيم شاخِصَة ....
ما جِئنا لنَزحَمَ أحداً .... !
أَتينـا وفينـا لَـوْثَـةُ وطـنْ ، سـيُباعُ فـي سـوقِ النخـاسـة ...!
عُدنـا لنحتَفِلَ بمـاءِ وجوهنا ، ونُرَتَّبَ الهـواءَ ، ولأبجديتنا الأُولـى رَجِعنا ، كـي
نـروي رِكـضَ القلـوبِ مـعَ الخيـولِ إلـى هُبـوبِ الـذكـريـات ....
خُذنا ، يا صُوفِـي ، خُذنا قَبلَ أَنْ تَبلى صَبَواتُنَا ونكفُرَ بكُـلِّ " النبوءات " !
خُـذنـا ، قَبلَ أَن تغفو ويزورَكَ القره قول مـعَ صيـاحِ الديـكِ ، فيرقُصُ أُوجـلان طَرَبـاً لرَقْدَتِكَ الأخيــرة ..،
لَيْتَنِي ، يا صُـوفِـي ، أنسى كي ما يُصـابَ النسـيانُ بالذكـرى ، ولَيتَني
أُصابُ بـ .... كـي يُصـابَ الجنونُ بالجنون ، ...ولَيتَنِي ..... آهٍ من لَيْتَ ...!
..................................
..................................

خُذنا ، رَعـاكَ اللهُ ، صوبَ شمالٍ زئبقيٍّ يتمَدَّدُ نـحو الجنوب .... خُذنـا
قبلَ أَنْ تَهرَبَ الأبجديـةُ مِنِّا ، ومَطالِـعُ الأناشـيد ...
عُدْ بنـا ، عَـلَّ النسيانَ يُصـابُ بجلطـةِ ذِكـرى ،
فمن فَرطِ مـا صَـبِرنـا ، ضـاقَ بنـا الصبـرُ ... !
يا صُـوفِي ، مـن بيـنِ أَصـابعـي ومـن ذاكـرتي ، كـلُّ الحروفِ طاشـت ...
نَسـيتُ الأَبجديـةَ ، ولـم يتَبَقَّ منها غيـرَ أربعـةٍ ، بـ ، غ ، د ، ا ، د ...
.................................
.................................

سنسيرُ ، عيونُنا شاخصةٌ إلـى أمام لا نَتَلَفَّتُ إلـى وراء ، ليسَ فقط ثِقَةً
بوجودِ " قُفلٍ "(2) ، بـل كذلك لقتلِ أيـةِ رغبـةٍ باطنيّةٍ فـي الرجـوعِ مـن حيثُ أّتَيْنَا ...
نُـداري الهـاجِسَ بعنـايَـةٍ بـاذِخَـةٍ ،... قُلـوبُنـا تَنُطَّ أَمامنـا مثلَ كـلابِ الصَـيْدِ ،
ونمشي غيـرَ متحرريـنَ مـن فكـرةِ أنَّ العَدَمَ قــد يفتـحُ أشـداقـه فيبتلُعنا ....
قـد يجـيء مـن السماء أو مـن ربيئة أو مـن كمـينٍ يُطبـِقُ كمّاشـَته علينا ....
أعصابٌ مشـدودةٌ ، حتـى الآخر , تترُكُـكَ إلـى لا شيء ...
لا حُـزنَ ، لا فـَرَحَ ، لا غَضَـبَ ، لا رضـاً ، لا صمـتَ ، لا ضجيـجَ ، لا نَعَـمَ ، لا
لا ...

وفـي المسيرِ نُتَأتِىءُ الصـمتَ ، صمتـاً مِـنْ ذهَبٍ ... صمتـاً مِـنْ نجـاةٍ ...
" كـمْ مـنْ مـرَّةٍ ننجـو ولا ننتصـر ؟! "
ــ النجـاةُ هـي انتصـارُ الطـريـدةِ الـوحيـدِ علـى الصيَّـاد ... أقـولُ لأَنـايَ الآخر ...
صمتـاً فصيحَ الـرهبَـةِ ، لا تَسـمَعُ فيه غيـرَ الصـريـرِ والنقيـقِ ..... نَتَهَجَّـسُ أنفاسَنا ، كي لا تَفْلُتَ مِنَّـا آهـةٌ تائهـةٌ ، تقٌذِفُنـا إلـى جحيمٍ مـن الرصاص ....
نسـيرُ لا سـميرَ لنـا ولا حلـيفَ ، سـوى العَتمَـةِ واللا كـلام ...
وقتَئذٍ سيكـون عدوُّنـا الضـوءُ والصـوتُ ، ...
الخوفُ المكتـومُ ينهانـا عـن السـعالِ وعـن عـودِ الثقاب ، لأنَّ فيهمـا غوايـةً لبنادَقَ ، تشتاقُ لِلَحمِنـا ولا تعرِفُ الُمحـاجَجَـةَ ....
والقصفُ أعمـى ، يأتي علـى كُـلِّ شـيء ، حتـى علـى مـا تَرَسـَّبَ بـداخِلنـا مـن رهبَـةِ المـوت ...
أقـدامُنا ، هي الأُخـرى تبحثُ عـن بسـاطٍ مـن قُطـنٍ ، حتـى لا تَمُـسَّ الأرضَ وتُنَبـِّهَ الكـمينَ ، علـى جانـب الطـريـقِ .. كنَّـا نـرى جمـراتِ لُفافاتِهم ونسـمعُ حفيفَ همسِهم ....
لا نَعرِفُ الطـريقَ ولا إسـمَ المكـان ... نتـلَقَّفُ الشحيحَ مـن المعـلومــات ، التـي يقولها الأدلاّء ، نستهلِكُهـا دونَ أَنْ تكـونَ لنا درايةٌ أو عُدَّةٌ معرفيةٌ بجغـرافيـا المكـان ، تؤَهِلُنـا للمساهمة ، ولـو ، بحـديثٍ عـن المـوضـوع ....

خلا الجوُ مـن عِـواءِ الحديدِ والنار ، والمدفَعيّةُ ، التي كانت تَبصُقُ قِمَّـةَ
الجَبَـلِ بالنـارِ ، ونحـنُ ، فـي خاصرته نَسيرُ ، أصـابَها الـخَرَسُ ، وتَرَكَـتْ
فـي الآذان طنيناً ، استدعـى فعـلاً لا إرادِيَّـا بـأَن تَغْـرُزَ خِنْصِرَكَ فـي صِـوانِ الأُذنِ
عَلَّـهُ يُوقِفَ الطنين ...

أرضٌ لـمْ تَفِضَّ الكهـربـاءُ بِكـارَتَها ، يَسـقِطُ فيهـا الظلامُ كثيفاً وبسـرعةٍ
لـمْ نأَلَفْها ، نحـنُ أَبناءُ المُـدُنِ ، .....
فمِـنْ أَينَ يـأتـي كُـلُّ هذا الفحـمِ ، يُذيبُ نجـومَ اللـهِ وقَمَـرَه ..؟! حِلْكَـةٌ لا أَكـادُ
- أَنـا الأعشـى - أرى يـدي أمـامَ وجهـي ...!!
تَصفَعُنـي الأشـجارُ بوجهـي ، فأتَشَبَّثُ بنظارتـي كـي احتَفِظَ بما يُبقي لـي خيطـاً ، موهـومـاً ،
مـن الصِلَــةِ مـع هـذا الظـلامِ الكـثيف ، تَشعرُ أنَّـكَ تمشي فـي غـابـةٍ كـثَّةٍ ،
تَتَعـانَـقُ الأشجـارُ فيهـا خـوفـاً مـن أَنْ تـأتـي العـاصِفَــةُ فَتَقْتَلِعُهـا .....

قَـدْ نَحلُـمُ بمطَـرٍ يُذيبُ حِبـرَ الليـلِ ، كـي نَتَبَيَّنَ خَطـوَنـا والمسـيرْ ....
عَتمَـةٌ صمّـاءَ تَنجـو فيهـا الألوانُ مـن محنـةِ التأويـلِ ، يُحـاصِرُكَ المـوتُ فيهـا
مِـنْ كُـلِّ صَـوبٍ ، فلا تَثِقُ إلاّ ِبَمـنْ هـو أمامـكَ ، وبأصبَعِكَ علـى الـزنـاد ... !
ظُلْمَـةٌ تُصَيِّـرُكَ الصَيَّـادَ والطـريدَةَ ، فـي آنْ ...
... عـالـمٌ يُفَـوِّرُ فيـكَ حَـوّاءَ ، أُمَّ الفُضـولِ ، لكـنَّهُ يتَمَنَّـعُ على التشخيصِ ،
ويَسـتَعصي علـى الكلمـاتِ أنْ تُمسِـكَ ، ولـو بذيلـه ...
لكـنَّ لـه فضيلـةٌ لـم نَنْتَبِه إليهـا قبلاً ، عـالـمٌ يَسـتُرُكَ ،.. تَـدُسُّ خـوفَكَ
فـي جيـوبِكَ .... تَشـُدُّ علـى سـلاحِكَ وتَمضـي ، فـلا يـرى خـوفَـكَ أو دمعَـكَ
أَحـدٌ ، سـِوى الليــلِ ....
ليـلٌ ، وإنْ كـانَ خاليـاً مـن الرحمـةِ ، سيُعلِّمُنا كـيـفَ نَستَخـرِجُ مـن خـزائنِ الذكـرى قـلائدَ مُنَضَّـدةً بالنجـومِ ..، وكـيف نُعَـوِّضَ الخسـارةَ بقـوَّةِ العِبـارة .....

ظُلمَـةٌ لئيمـةٌ ، تُخبأُ البَـرقَ خـلْفَ الجبـلِ والـرعـدَ بين الصخـورِ والأشجار ،
لا تَـدري متـى تُخـرِجُهُمـا ليَـركبا الريـحَ ويهـربـا كـي لا يبوحـا بشـيءٍ
مـن سِـرِّ المكـان ......

عَتْمَـةٌ تَلتَهِـمُ كُـلَّ شيء ... لا تُبقـي نُجـومـاً تَتَلَصَّـصُ مـن ثُقـوبِ الليل ،
....ظُلمَـةٌ يتَساوى فيهـا كُـلُّ شيءٍ ، لكنَّها تُـرَجَّحُ الخطـأ .. فَلَوْ خَلَتْ مِنَّا
، لَعَـادَ الجُنـودُ إلـى ثَكَنـاتِهم ، ربيئاتهم ومهـاجِعِهم ... ولو خَلَتْ منهم
لَـوَصلنـا مُبَكّريـنَ ، قَبْـلَ أنْ تَجِـفَّ آخِـرُ حُبَيْبـاتُ عَـرَقِ العَطـاشى ...

كـيفَ تُـرَوِّضُ فـي هـذا الظـلامِ الثَـورَ الهـائجَ فيـكَ ، دونَ حمـاقَـةِ أَنْ
تُعَـرِّضَ نَفْسـَكَ والآخـرينَ للخَطَـرِ .... تَصْـرُخ ؟! لا يخـرُجُ منـكَ صُـراخُـكَ ،
ببساطةٍ ، يسـقُطُ فـي صـدرِكَ مِثلَ حَجَـرٍ ...

مَـنْ يُسَـلِّي هـذا الفـراغَ الرهيبَ مِـنْ حـولِنـا ؟؟

أَشـجـارٌ عميـاءَ ، بِـلا ظـلال ، صـامتةً ، كأنَّ الريـحَ فيهـا ماتَتْ ... كُـلُّ الطبيعةِ تنصبُ لنـا فِخـاخـاً سـريةً ، فمـاذا نَفعـلُ فـي هـذا الظـلام ِ الوحشيّ ، المُطبِـقِ علينا والصخرَ ...
سنتدرَّبُ فـي الليـلِ كيف نَسْتَنبِتُ قُـرونَ استشعارِ الخطـرِ ، ونتحرَّرُ مـن وطـأةِ الثنائياتِ ،
ونهجُـرُ تفسيرَ العكـسِ بالعكـس ، فليسَ كـلُّ عكـسٍ لمـا هـو خطَاٌ صوابـاً دائمـاً ،
وليـسَ الوطـنُ نهـارٌ ، دائمـاً ، والمنفـى ليـل ...

كُلُّنـا نصيـرُ واحِـداً فـي بحـرٍ مِنَ العتمَـةِ ...، فهـذا بحـرٌ لا يعـرِفُ مَـنْ
يتَمَشّـى علـى شـاطئـه ، ولا مَـنْ يتَاَمَّلَ المـوجَ ...، بَـلْ مَـنْ يُجـازِفَ فَيَغـوصَ فيـه ....!!
... نَستَعِدُّ لاسـتيعابِ عمليَّـةِ انتقـالِ الواقِـعِ بِرُمَّتـه إلـى ذكـرياتٍ ، كُـلَّما تَوَغلنـا ...
نشهَدُ صيرورتَنا إلـى ذكـرياتٍ ... فابتـداءً مـن اللحظـة ، سيتذَكَّـرُ بعضُنا بعضـاً ،
كمـا نتَذَكَّرُ عـالمـاً تلاشـى فـي كثـافَـةِ الفحـم .....
..........................
..........................

سـأقولُ لكَ ، يا صُـوفِـي ، ما الذي جـاءَ بنا ... ،

إِنْ شِئتَ ، هـو الفضولُ الأَزَلِـيُّ ، الذي وَرَّطَ القِـردَ بالنزولِ عـن الشـجرةِ وبالسيرِ علـى قـدمين ،
وهـو ، أيضـاً ، فضـولُ القِطَطِ ، دون حَذَرِهـا ! ،... وإنْ أرَدتَ ، يا صاحبي ، جئنا لنُعيدَ المعاني إلـى مفرداتِها ، والاستعاراتِ إلـى مصادرِها ... وللتـائهِ مـن المعانـي ، والضـالِ مـن الأَلفاظ ،
ولشَتاتِ الضـوءِ اليتيمِ والمنبـوذِ ، نَنْصِبُ خيامـاً ...

أَتَينـا مـن شَـفَقِ الغـدِ إلـى حَجَـرِ الحـاضـرِ ، جِئنـا علـى هُـدُبِ الدُجـى ،
مُعَفَّـرينَ بعَجـاجِ الحنينِ ..... إنْ أصابنا بَـردٌ تَدَفّـأنـا بِتَنّـورِ الذكـريـاتِ ومـا لـمْ يتَحَقَّقَ مـن أمـانينـا (3) ، أَتينـا عَـدْوَاً كـي لا نَظَـلَّ نُحـاوِرُ المـوجَ تَشَبُّهاً بالعائـديـن ...،
فَتَخطِفُنا السَـعالـي ونصيـرَ ، مـنْ بعدُ ، أَشـجارَ مَـرجـانٍ فـي قيعـانِ أيجـه ...!!(4)

عُدنـا مُحَمَّليـنَ بأَمَـلٍ ، لـه مـا يكفـي مـن أدواتِ التجميـلِ لترتيبِ المكـانِ علـى إيقاعِ الرغبـةِ ، لأنَّ الأمَـلَ ، كما تَدري ، يا صُـوفِـي ، سـلاحُ الضعيفِ ، الـذي يَستَعصي علـى المقايضـة .. !
وعُـدنـا لِنَغسِـلَ فِضَّـةَ الـرأسِ مِـنْ صَـدَأ السنيـن ...

.....جئنا ، خارجيـنَ من هندَسَـةِ الطاعـة ، فِتيَةً مُدَججينَ بجـهلٍ خـلاّقٍ لـموازينِ القـوى ، وبمطالِـعِ أناشـيدَ قديمـةٍ ،.. وبقذائفَ يدويـةٍ وأسـلحةٍ خفيفـةٍ مُرَصَّعَةٍ بالحماسـةِ ...، وحَفنَـةٍ خُلاسِـيةٍ مـن الأمـاني والرغبـات ، وحتى الشـهوات ...
نَعـمْ ، يـا صُـوفِـي ، نحـنُ بخيـرٍ ، مـا دُمنـا قادريـنَ علـى الحمـاسـةِ ..!!
هِـيَ بُطـولةٌ خجـولَةُ مـنْ سـيولَةِ المشـاعِرِ ، ولكـنْ ... مـاذا نفعلُ ببلاغَـةٍ
جَـلاهـا الإنتظـارُ فـي المنفـى و" الانضباطُ " فـي الاجتماعات ، فـي زَمَـنٍ لا يفقَهُ
إلا لُغَـةَ الرصـاصِ والحـديد ..؟!

واللـهِ ، سَـتَشطُرُنِـي إلـى اثنيـنِ ، يا صُـوفِـي ، إنْ سَألتَني " أليسَ هـذا أَفضَلُ مِـنَ المنفـى رُغمَ كُـلِّ شيء ؟ " ... واحِـدٌ سيقـولُ : نعـم ، وآخـرُ سيقولُ : كـلا !
....مِـنْ أيـنَ يأتـي هـذا الفِصـامُ ، وكُـلُّ هـذا الالتباسِ المحبـوس ؟!


.....................

جئنا نحـرِّرُ الوطـنَ سـطراً فسـطراً ... !! فعَلِيّـةُ القـومِ أَلـغَتْ الصـراعَ ، بقـرارٍ ، ونحـنُ صِغـارٌ ، وأَبقَتْ وحـدَةَ الأضـدادِ فقط .... !!

... عُدنـا وفـي جعبتنا بعضُ حَشفاتٍ ، رُحنـا نُقَلِّبُها أوقـاتَ الـراحـةِ والاجتماعات ، فمـا بَقِيَ منهـا مـا هو نَجِــسٌ ، وهكـذا نسينا ، يـا صاحبي ، مـاذا تفعـلُ الأضـداد ..... !

سِـرْ بنا ، يا صُـوفِي ، فأنتَ أَدرى بالمكان ، وخُذنا لِبشـت ئاشان - زَفَّـةُ دم -
خُـذنـا لقِنديلَ اللعينَ ، يبـولُ علينـا ثلجـاً ومـوتـاً ... فقـد رأينـا أسـماءنا فـوقَ الصخـرِ والحصـى منقوشـةً ، ولم نُصَدِّق .... أتدري لماذا .. ؟
ببسـاطةٍ ، لأننـا ثوريـونَ وماديـونَ ، لا نؤمِنُ بالحـدس .... !!
ولأننـا ، مـن فـَرطِ مـا قـرأنا مـن كُتُبٍ ، آمنّا بِخُلُـوِّ الـذُرى مـما بعدِهــا ... !

قُلْ لـي ، باللـه علَيْكَ ، يا صُـوفِي ، هـلْ للدمِ مَـذاقٌ حُـلوٌ ؟ أم أَنَّ دمـاءَنـا أَضحَـتْ حلالاً منذ أَنْ أفتـى بذلك جَـدُّ هـؤلاءِ الأوبـاش ..... ؟ الكـلُّ لاغَ بدمنا ، يا صاحبي ، بِـدءاً مـن زِعـرانِ عَفلَق و " صوتُ العرب " ، مروراً بعيسى سوار ... حتـى جـاءَ دورُ جـلال ... والحبلُ علـى الجرّار ..... !

سنموتُ فـي بشتْ ئاشان بلا شـاهداتِ ، وسينمو عشبٌ بـرِّيٌ فـوق قبورنـا المدروسة ، وسينسانا قنديلَ الأصَمْ ... بعـد أَنْ نَتَحَـوَّلَ إلـى مِنَصَّـةٍ مؤقتةٍ للخطـابةِ ومُسـَوَّداتٍ إنشـاءٍ هابطـ ...
فالبطـولةُ ، كـما تـدري يا صُـوفِـي ، أبسـطُ مِـنْ توصيفهـا ... سننسى ، نـحنُ ، أَنفُسَنا ، وستَبلى ذاكرتُنـا مـن كثرةِ التحالفـاتِ والمسـاوماتِ ...، ولـن يُطالبَ بدمنـا أحـد ... ، لا أحـد .. ، لا ....أَحَـد ....


بـي جـوعٌ لأنْ أصـرُخَ وأَهتُفَ بسـقوطِ الـذرائـعِ والمُبَـرِّراتِ ، كـي أَتَحَـرَّرَ
وأُكَفِّـرَ عـن ذُنـوبٍ لـمْ أَرتَكِبهـا ...
لكـن ، أيـنَ هـيَ بـلاغَـةُ الشـهداءِ - الضحـايـا ، تَسترجِعُ ذاكـرَةَ شـقائهـا
فـي عَبـوسِ اللحظـةِ ، يُحَـدِّقـونَ فـي عيـونِ الغـدرِ ؟! أيـنَ صَـرَخـاتُهم
تُطـالبُ باعتـذارٍ ، ليسَ منَ القـاتِلِ حسب ، بل ممّـن ورَّطهـم فـي لقـاءِ
الضِـدَّ بالضِـدَّ ؟!!
لمـاذا لا يَبرحـونَ مكـانـهم - قُبـورَهم ، ويَقْلِبـونَ الِمِجَـنَّ ، يُبَضَّـعُ فيـه الماضي والحـاضِـرُ علـى مائـدَةِ مسـاوماتٍ مُلتَبِسَةٍ ، لِغَـدٍ أشَـدُّ إلتِباسـاً ، بسكاكـينِ " واقِعِيَّـةٍ " مُخـاتِلَةٍ ... ؟!! غَـدٌ يُـراوِغُ ، مثلَ ريـحٍ فـي بـاطِنِ الكـفِّ ، يُحيلُنـا أَنْ نَشـتاقَ لنكـونَ غَجَـراً ! فالغَجَـريُّ يَـرمـي أَمسَهُ وراءه ، ولا يُفَكِّـرُ بالغَـدِ ،
كـي لا يُعَكِّـرَ التَـوَقُّـعُ صَفـوَ الإرتجـالِ والعَفَـوِيَّـةِ ...


* * *

يا صُـوفِـي ، ما جِئنا لنرفَـعَ أيدينـا ، بـل راياتنـا .... جئنـا لنصنَعَ خُـرافتَنـا كمـا شِـئنا ، وشـاءتْ قوانينُ الديالكتيكِ ، قبـلَ أنْ يعلـوهـا ، من سـوءِ الاسـتخدامِ ، الصَـدَأ ... !

عُـدْ بنا ، فإنـّا جاهـزونَ ..، إنْ عَطِشَتْ خيولُنا وبغالُنا اسـتَحلَبْنا لها السرابَ لتشربَ ، وإنْ انكسـرَ بـابُ كـهفٍ أصلحنـاه بعَوْسَـَجةٍ مـن صحـراءِ هاجِـرَ ، إلـى الرمضـاء بابنهـا انتَبَـّذَت ....

فعُدْ بنا ، يرحَمُكَ اللـه ، يا صُـوفِي ، لنعودَ مـن حيثُ هَبَّتْ ريُحنـا ...
نحـن ، الذين أتـوا ليصِلوا وينتصروا ، رَمَتْنا الكاهِناتُ شـمالَ غُربَتِنا ، ولـمْ تسـألْ عـن زوجاتِنـا ....
هـلْ خُنّـا نظـامَ ضميرِنـا ، لتخونَنَـا زوجاتُنـا ... ؟!
لـم نكـنْ نـملِكُ شـيئاً غيـرَ هـذا الضميـرِ جسـراً لعبورنـا المـروِّعِ والمُخَضَّـبِ بالرصـاص وبالمستحيل ......

يا صُـوفـي ، مـا جِئنا لنتوبَ عـن أَحلامنا ، مهما تَتَالتْ انكسـاراتُها ....
فخَـلِّ المسـيرَ يَطـوي خَطْـوَنا ، وسنكفُلُ أنْ تنزِفَ المسـافةَ أقدامُنا ، خطـوةً ، خطـوة ، وستصـرُخ جُروحُنـا وتَفضَحُنـا لَقْلَقَـةُ الـدمِ خـلالَ المشـيِ ....
, باللـه عليك ، فأنتَ أَدرى ، كيفَ نُسكِتُها كـي مـا يسـتمِرَّ المسـير ؟!

* * *
..........................
..........................

مـن حَبَقٍ وحُلـمٍ ، كنـا أنصـاراً ، منذوريـنَ لجمرةٍ علـى قِرميـدِ أُغنيـةٍ وشـهوةِ طـريقٍ صـاعدٍ ،
علـى أُسـطورةٍ حـرة ، هي الثورة .....
خنـادقُنـا هـواءُ اللـه ، عُيونُنَـا تَقرُصُ الشمسَ و تجـرحُ النسـرَ فـي العُلـى ، ويشـقُّ الصخـرَ ظِلُّنـا ... ،
نشـيدُنا واحـد ... بانديرا روسّـا ... !!

... بلا جـدرانٍ ، علـى قارِعَـةِ السبيَـلِ ، نستريحُ مُشْـرَعـينَ لِبَـردِ اللـه وهـواه ، حـيثُ يَتَمَلمَـلُ الصمـتُ ، شـوقـاً لنَميمـةِ جـدارٍ ... نَستَرخِيْ ، وتَصيـرُ للتَعَبِ جـدائلُ مـن حـريـرٍ نُسَرِّحُها ... ،
يَتَقَزَّمُ الهدفُ والطمـوحُ إلـى مـا لا يزيـدُ عـن مسـاحةِ قبـرٍ ... تَجمـعُ فيـه بقايـاكَ .. تُهَـدْهِـدُ مَفـاصِلَكَ ، وتُمَسِّــدُ تَوَتُّـرَ عضـلاتـكَ ، تحـاوِلُ فَـكَّ مـا استطعتَ مـن أعصـابٍ شَـدَّهـا التوَتُّر .....
مسـاحةُ قبـرٍ لعشـرينَ دقيقـةً فقط ... عشـرونَ ، لا غيـرَ ، تكفـي ليستأنفَ شُـغلَهُ المسـيرُ مـن جديـد .. عشـرونَ دقيقـةً تكفـي لترتيـبِ الفـوضـى فـي عواطِفِـكَ ومشـاعِرِكَ المرتبكـة مـن الإنهـاك ... فـي هـذا القبـر ، يهـرَبُ الكـلامُ إلـى بعيـــد ... يأخُذُ مفـرداته ويطيـر ... يتركنـا كـلاً لوحـده ..، لأوجـاعـه .. ، لأحلامـه ...

كـلاّ ! كـلاّ !.. عندمـا يصـلُ الإرهـاقُ أقصـاه ، تَفِـر منـكَ ، حتـى الأحلام ... وتـَخذُلُكَ الذاكـرةُ .. ، ويعجَزُ الجسـمُ عـن حَمْلِ أعضـائه ...
فهـذا " سامـي " سيغـدو مثـلَ صغيـرٍ أنهكـه الإعيـاءُ ، راحَ يُجـرجِـرُ لُعبَتَه العزيزة (بندقيته الكلاشنكوف) وراءه ، ومما بـه مـن ضَجَـرٍ وتَعَـبٍ ، غـدا يرمـي " لُعَبَـه "
الأُخـرى كيفمـا اتفَقْ ... سنلتَقِطُ كُـلَّ مـا سـ "يتَخَفَّفُ " منـه ، شريطـةَ أنْ
يُحـافِظَ علـى العهـدِ ولا يُصـدِرَ نَـأمَـةً تُضَيِّعُنـا جميعـاً .... أخيـراً سيستَقِر محمـولاً علـى كَـتِفِ واحـدٍ مـنَ الشبّان ... وهكـذا ، فعنـدما تغـدو الـروحُ لا تقوى علـى الطيـران ... تَتَكَـوَّمُ كلُّهـا فـوقَ " مقـاعِدِ " التـوَتُّر والإعيـاء ... وتُمسـي اللامُبالاة عاجـزةً عـن الكـلام ....
نجلـِسُ لا نقـوى ، حتـى علـى تبـادُل النظـراتِ .... قـد تَخطِفُ بِكَ فكـرةٌ سريعاً مثـلَ بـرقٍ أسـوَدٍ ،
لا تَـدري مـن أَيـنَ جـاءت وإلـى أيـن ارتَحَلَـتْ واختَفَتْ ....
الممكـنُ الوحيـدُ المتبقّـي لَكَ ، هـو أَنْ تُغـافِـلَ الصَحـبَ وتَتسلَّلَ إلـى " أنـا " كَ ،
كـدخـولِ الغـريبِ إلـى مَقهـى حَـيٍّ فـي زُقـاقٍ صغيـر . ..
يُـريدُ فيـه ، بقـدَحِ شايٍ وجريـدةٍ ، إفـراغَ الوقتِ مـن ضَجَـرٍ ،
عـلَّه يصطـادُ فِكـرةً نَسِيَهـا الجالسونَ علـى التختِ قبلَهُ ...

آهٍ ! كـم بـيَ شـوقٌ أنْ اُغنّي ، أو أُدندِنُ بشيءٍ ، ليسَ لأنَّ صـوتيَ حُاـوٌ
أو لأنـي أُحسِنُ الغنـاء ، بـلْ لأكسِـرَ هـذا الصمـتَ ، وأُرَوِّضَ العـزلـةَ ،
كـي أَصـونَ كـرامَـةَ الأَنيـنِ فِـيَّ .......
وكـمْ أَوَدُّ لـو أصـرُخَ كـي أصُـدَّ إلـحاحَ الصمـتِ بصمـتٍ أَعلـى ...
يندَحِـرُ بُـرهةً ، وحيـنَ يرتَـدُّ إلـيَّ ، أُوقِـدُ شـمعَةً وأجُـرَّهُ ، مِـن أُذُنِـه ، إلـى بـابٍ مُتَـوَهَّـمٍ للخـروج ، وأقـولُ لـه : " مِـن هنـا إلـى مَقَـرِّكَ الـدائمِ ، الـرفاقُ العـوالـي فـي " البـابِ العالي " والضميـرِ العـالمـي ....

يَمضـي الصمتُ ويُخَلِّـفُ خُلـداً يحفُـرُ أنفـاقـاً فـي الـوعـيِ الآخـرِ ...
يـومَ كـنتُ أَتحـايلُ علـيه (الوعي ) مُـراوِغـاً ، فـأقـولُ للخـيالِ : أنتَ الـواقِعـيُّ الأكـيد ، وللواقعِ : أنتَ الخيـالـي الـوحـيد ...

نَــروحُ نتَمَـدَّدُ علـى هـديرِ الصمـتِ المشـحونِ بوحشـةٍ بَـرِّيَـةٍ ، نُقـَلِّبُ الـحـروفَ ، ونلـهو بهـا ، نُخرِجُهـا عـن حيـادِهـا .... ، ونسقيهـا ، لأنهـا عطشى لمعنـى ، ثُـمَّ نجمَعُ مـا تناثـرَ منهـا علـى قارعةِ الأسئلة ، مثلمـا يَلِـمُّ غيرُنـا البَـرقَ مـن حـوافِـرِ الخيـلِ علـى الصِـوان ... فقـد تعـودُ (الأسئلة ) بنـا إلـى بدايـاتِ وعينـا المتشـككِ
" مَـنْ خَلَـقَ الله " ؟ وقـد نُشفى مـن تعريفِ الكُـلِيِّ بالجـزئـي ... فالـورقَـةُ ليسـت هـي الشـجرة ، والكُـلِيُّ ليسَ حـاصِلَ جمـعٍ ميكـانيكـيٍّ بيـن " الجزئيات " !
لكـنَّا نظَـلُّ حَيـارى أمـامَ سـؤالٍ مِلحـاحٍ : هـل أَنَّ انكـسارَ الإطـارِ هـو هزيمـةٌ للمعنـى ،
وهـلْ أنَّ هزيمـةَ الأداةِ هـو مَـوتُ الفكـرةِ ...؟؟

* * *

عُـدنا علـى أطرافِ هاجِسـنا ، فالأوطـانُ تُورَثُ ، يا صُـوفِي ، كاللغةِ الأُم ... والمنافـي ، أَمكِنـَةٌ وأَزمِنَـةٌ تُغَيَّـرُ أَهلَهـا ... ولأَهلهــا الأَوطـانُ تَحِـنُّ إنْ لمْ يَتَلَطَّخـوا بالخيانةِ والعُقـوق ... ومـا نحـنُ بأيٍّ منهـم ...! قـد يكـونُ بعضُنـا يومـاً ما ، بعضاً مـن هذا ، وبعضـاً مـن ذاك .... لكننا لـسـنا كذالك ....

والمنفـى هـو المنفـى ، هنـا أو هنـاك ، يا صُـوفِي ، ... لـمْ نتخَلَّصْ مـن بَــرْدِ وَحشَتِنا ، فأشـعَلنا الجَبَـلَ البعيـدَ بنارِهـا ... وغِبنـا داخِـلَ الثلـجِ حينَ لـم نَجِـد لمنحـدراته طُـرُقَـاً تُوزِعُنـا علـى الوديـانِ والمـدائن .... قـد يأتـي الرُعــاةُ اللاحِقـونَ إلـى الصـدى ، قـد يَعثـرونَ علـى بقـايا صـوتِنا ، وزمـانِ سـلاحِنـا ، ويَتَفَـرَّجـونَ علـى جِـراحـاتِ نـايـاتِنـا ...
سـنَدُقُّ ، يا صُـوفِي ، الـهـواءَ بخشَبِ البَلُّـوط ، عَـلَّ الـروحَ تَـرِقُّ فينـا ونَتـرُكُ الهِيـام ، عسـى أَن نتَعلَّمَ مهنـةَ الفـرحِ المسـلَّحِ بـدمٍ غَجَـرِيٍّ ..؟!
..........................
.........................
ها أنـذا أُدافِـعُ عـن سَـفَري إلـى الحُلـمِ ، أُدافِـعُ عـن نشيدي بـين
النخيلِ وظلِّـه المثقـوب ... فمَـنْ يُغيـرنـا .. ؟
..........................

نَتَـذكَّـرُ أَيـامَ غُـربَتِنـا هنـاك ، يـومَ كُنَّـا نـرقُصُ فـوقَ الحقـائب سـاخِـريـنَ مـن سـيرةِ المنفـى ، ومـن بـلادٍ سـوفَ يهجُرُهـا الـحنين ....
نُـردِّدُ مـعَ بريشت " لا تَـدُقَّ مِسـماراً فـي الحائط ، إرمِ مِعطَفـكَ علـى
الكرسـي ، فأنتَ عائـدٌ غـداً ... !! "

والمنفـى هـو أيضـاً مِضيـافٌ ، لـنْ أنسى أنْ أشـكُرَهُ بشـهامَـةٍ تحـتَ
سِـدرَةِ جَـدي ، عِنـدَ " بابِ قُـريش "، يـومَ يَـرقُصُ ظِلُّها مُهلِّلاً بعـودتي ...
وَشَـقاوَتـي ، عنـدهـا سأُرخـي رِسَـنَ الكـلامِ فـي مَـدحِ الخـلافِ والأئتلافِ المضيـاف ..!!
........................
........................

كُـنّا نُعيـدُ الحكـايةَ مـن نهايتهـا إلـى زَمَـنِ الفُكـاهـة ِ .... فقـد تَدخُـلُ المأسـاةُ فـي المَلهـاةِ يـومـاً ... وقـدْ تَدخُـلُ المَلهــاةُ فـي المأسـاة .... كُنّـا فـي وًهَـجِ المَأسـاة نَسْخرُ مـن صفـاقةِ المَلهـاة ، ونَسـألُ ... مـا الـذي سَـيَتَغيَّر لـو عَلِمنـا أَنَّ قابيـلَ ، قاتِـلَ أَخيـه ، هـو الـذي صَبَّ ، فـي رَحـمِ أمِّـهِ ، عَسـَلَ الـرَعشَـةِ الفُضلـى لِـيجـيءَ منهـا كُـلُّ الأنبيـاء والحمقـى والمعتوهين ....؟!
ومـا الـذي سـيَتَغَيَّر لـو عرِفنـا أَنَّ مـريَـمَ مُجَـرَّدُ امــرأةٍ ... ؟!
.... أو مـا الـذي سيَتَغَيّر مـن ذائقـةِ النـاس للفالص لـو حُسِـمَ الخـلافُ بيـن بهــاء وآرا ...؟!! (5)

.........................
.........................

خُـذنـا ، صُـوفِـي ، خُذنـا نتأَبَّـطُ الشـوقَ لبعضِنـا ولشـهدائنا ، ونَـدري
أَنَّ هُناكَ مَـنْ سـيسألُنـا " متى تَخرجـون مـن أرضنـا .. ؟! "
ـ سـنخرُجُ عنـدمـا نَزُفُّ بغـدادَ وتَزفُّنـا ، ولكـن هـذه هـي ، أَيضـاً ، أرضُ الله ، أَرضُنـا (6) ... !!
- أَنتـمْ أَعـارِبَـة ، لا مكـانَ لَكُـمْ هنـا ، فقـد طالَتْ إقـامًتُكم ، خُـذوا قَتلاكُـم معكم ...
ـ إذا اسـتطعتُم أَنْ تُعيـدوا مـا فـي دَمِكُـمْ مـن دمـائنا ، فسـنأخُذُ شهداءنا معنـا نحـو الجنـوب ، وسـنأخُذُ معنـا دُخـانَ القلوبِ المحترقـة ، والصمتَ ، الذي يُغَلِّـفُ النـوايـا ، وبُخـارَ المرايـا ، وسـنأخُذُ مـا خَـفَّ حِملُـه مـن الذكـرياتِ .. ، لـنْ نـأخُـذَ بَلُّوطَـةً واحِـدةً معنـا ، ولا طَيـرَ حَجَـلْ .... !!
........................
........................

إلـى مَنبتِ أبجديَّـةِ الـوهمِ ، سِرْ بنـا ، يا صُـوفـِي ... ، سنكـونُ ضيوفـاً مـؤقتين ، لا حَـقَّ لـهـمْ فـي إعـادةِ ترتيبِ السـلاح دفاعـاً عـن النفـس ، حتـى وإِنْ كُنَّـا مـِنْ أَهـلِ مـَنْ سَيؤسِسونَ ، لاحِقـاً ، لقبيلةٍ " مـاديـةٍ " تُسـابِقُ السـرابَ مـعَ رُعـاةِ الخُـرافَةِ القومـانيين .... !!

مَـنْ سَيُسـاعِدُنـا علـى النسـيانِ فـي هـذا القهـرِ المُكَثَّفِ ....؟؟
فكُـلُّ شـيء يُذَكِّـرُنا باغتـرابنا عـن المكـان و " الناس " ! مَـنْ يحمينا مـن سـياطِ حُلَفـاءَ قومـانيين : " لَستُمْ مِـنْ هُنـا ! أخلَلْتُـمْ بأُصـولِ الضيـافة ! وَرّطتُـمْ شـيخَ ليلكـان بِحَمـلِ سـلاحِكُـمْ ، وهـو مـا لا يجـوزُ لكُـمْ ..!! "(7)
ما العمل ؟ فنحـنُ لسنا من هنا ، ولسنا من هناكَ .... منفيـونَ ، نحـنُ ، علـى جانبي المتراس ، نُفَتِّشُ عـن وعـاءٍ جَسـَدِيٍّ للـروح ، نُعَلِّـقُ علـيهِ رائحـةَ الـوطـن ...
.....................
.....................

يتراكَـمُ الغامِضُ فـوقَ الغامِضِ ، لِيَحتَكَّ ويَقْدَحَ الوضـوح .... نبحَثُ ، يـا صُـوفِي ، عـن لغـةٍ للصمتِ وللكـلام ، عـنْ إطـارٍ يَسـتوعِبُ مـا فـاضَ عـنْ التعبيـر .... نبحثُ عـن انتظـارٍ أَقَـلُّ ضجـراً لمـوتٍ سيتأَكَّـد ...
فالخـوفُ عـارٌ ، كما تَدري ، فـي حُمّـى بطـولَةٍ ستتفشَّى بيـن الجميع ..!

* * *

كُنَّا فِتيَةً أَغِضـَّةً ، تَرَكْنـا الأهـلَ والدُنيـا ، رُحنـا نُطـارِدُ حُلُمـاً .... لـم نُصَدِّقِ الفارِقَ بينَ الفكـرَةِ وصورتِها ... و لـمْ نُصَدِّقَ التنافُـرَ بينَ الحُلـمِ وأَداتـهِ .... لـمْ يَعُدْ فـي وسعِنـا تغييرَ جلـودِنا ، أو أسـمائنا ، خـوفاً من انهيـارِ أَحَـدِ عناصِـرِ التـوازن .... فالأسـماءُ ليست نعـلاً نخلعـه متـى اقتَضَتْ " الحاجة " ! إنها لصيقةٌ بنـا ، حتـى لـو كانت مضـادة ، غيـر حميدة ! فالمَسـَمّى يَرثُ اسـمَهُ دونَ رغبةٍ منـه ، ويقضي العمرَ ، بغيرِ وعيٍ غالباً ، كـي يتماهى معـه ويكـونَ أميناً لمصـدره ، إذا كـان حميداً ، أو يُثبتَ العكـسَ إنْ كـان غيـرَ حميـدٍ ! ... وهكـذا وَرَثنـا الحـذَرَ فـي
أنْ لا نَسـقُطَ فـي فَـخِّ قبـول ِ الخيانـةِ علـى أنهـا " اجتهـادٌ " أو " رأيٌ آخـرْ "...!!

" فقـط ، إنْ امتَلَكتَ لِجـامَ الغِـوايةِ والتبـريـرِ ، سَـلِمـتَ مِـنْ مِحنـةِ تـأويـلِ المُسَـمَّيَاتِ المُلَثَّمَـةِ ... !! "


كُنَّـا نُسَـيِّجُ أنفُسَـنا بالجناح المُطلَـقِ من الفِكـرةِ ، فـي غيابِ الـوطنِ والمجتمَعِ ومـا يُبلورانـهِ مـن سُـلَّمِ قِيَمٍ ...
كُنَّـا مُضَرَّجيـنَ بأسـئلَةٍ عن الحـريةِ فـي " سجن " الخارج ، وعـن " السـجن " فـي حريةِ " المناطـقِ المُحرَّرَة " ! وهكـذا إنخَرَطنــا فـي موجـةِ تَسـاهُلٍ عـام ، جَرَفَتنا جميعـاً إلـى شـاطيء " القَدَرِيِّــة " !
..........................
..........................

لَـمْ نَـرَ مـن كـردسـتانَ غيرَ صـورتِنا علـى صفحـةِ المـاء وظِلِّ الصخـر ... ، مُخَيَّلَةٌ تُعيـدُ خَلقً العـالمِ علـى شاكلتها ، لأنهـا فـي حاجـةٍ لأَنْ تَضَـعَ للخيـالِ موطِـىءَ قـدَمْ .......

هـلْ كـانَ فـي مقدورنـا أَنْ نـرى بصـورةٍ أُخـرى ؟؟
بُنياتُنـا التحتية ، ليسـت سـوى المعنويـات .... ! ماركـس واقِفـاً علـى رأسـه ، مُعيداً هيغل للوقـوفِ علـى قَـدَمَيْه بـأَدوات ميكيـافيللي ..!!

وإنْ سـألنا " مـاذا لـو .... ؟! مـا هـيَ بدائلنا ..... ؟ "

: - " تشاباييف " لديه خِطَّـة الطـوارىء ، فحـواها " الداخِلُ " ظَهيرُنا ... !!!
.......................
.......................

أهِـيَ كردستان ، هكـذا ، تستعصي علـى الدراسـةِ والإدراك ؟
أمْ لأننـا لمْ نملكُ من أدوات المعرفـةِ غيـرَ تلكَ الطريقةِ فـي" التوفيقِ " بينَ الأضـداد ؟!

لـن أُوَرِّطَ نفسـي فـي محـاولةِ الإجابة ، ولا أُريـدُ جوابـاً صحيحــاً ،
بقدرِ مـا أَبحثُ ، فـي غمـرَةِ زُحـامِ الأسـئلةِ ، عـنْ سـؤالٍ صحيـح ....
..........................
..........................

ونَكْتِبُ صَمتَنا ، يا صُـوفِـي ، لأًنَّ المهـمَّ أَنْ نبقـى ونَصمُدَ .. لكـن ، كـيفَ يمكـنُنَا أَنْ نؤَسِـسَ لكـتابـَةٍ سَـتَبحثُ طويـلاً عـنْ مُعـادِلٍ لُغَـويٍ ، يحتـاجُ إلـى " كَسَـلٍ ! " غيـرَ مُتَـوفِّـرٍ فـي " الجَبَـلْ " ؟!! فبقـاؤنـا وصُمودُنا ، إنتصارٌ علـى المـوت ، حتـى يجيءَ زمَـنٌ جـديـدٌ ، يصيـرُ فيـه القرارُ السـياسي جـزءاً مـن إدراكٍ وفِعـلٍ معـرِفِيٍ - ثقافـيٍ ......

آهٍ ! مـا أَجمَـلَ الحُلُـمَ !!
هَلُـمَّ بنـا ، يا صُـوفِـي ، فقـد أَتعَبَنا الانتظـار ، وعنَّـا ، يُمعِـنُ الـوطنُ بَعـاداً ....

هيَّا ، نُـريدُ أَنْ نُعيدَ تَركيبَه مِـنْ جديـدٍ ، ونحملَ إليـه ما نَسِيَتْ أنْ تُقَطِّعَـهُ ، مـن أجسـادنا ، السكاكين ... لكِـنَّ ما نَسِيَتْ أَنْ تفعله الخناجرُ البدائية ، ستفعله الطائرات والمدفعيّة ، وما تبَقّى ستتكفّلُ به الوشايةُ والأسـلحةُ الكيمياوية ......

...وحينَ نفَتحُ خزائنَ الذكـرى ، ولا نجـد ، علـى صَدأِ المرايـا ، وجوهَنا ... سنقولُ هـا نحـنُ ، نحـنُ ! سَـنُلَقِّنُ الأعداءَ درسـاً فـي الزراعـةِ ، وكـيفَ نُفَجِّـرُ المـاءَ مـن حَجَـرٍ ! سنزرعُ وردةً فـي خـوذةِ الحـربِ ، وقمحـاً فـي كُـلِّ منحَدَرٍ ، لأنَّ القمـحَ أكبَرُ مـن حـدودِ القبـائلِ الحمقـاءَ فـي كُـلِّ العصـور ....


فبلادُنـا هـيَ أَنْ تكـونَ بلادَنـــا ، وبلادُنـا هـيَ أَنْ نكـونَ بلادَهـا ، هـيَ أَنْ نكـونَ طيـورَهـا وجمادَهـا ... وبلادُنـا ميلادُنـا ، أَجدادُنـا ، أَحفادُنـا وزَغَبُ القَطـا ، هـيَ جَنَّـةٌ أو محنَـةٌ ، سِـيّان ......

هنـاكَ سنُمضي القيلولَـةَ تحتَ ظليلـةِ العنبِ ، علـى رذاذِ ضـوءٍ ، حيثُ ديكٌ لا ينـام ، لأَنَّ فـي الدنيا دجاجـاتٌ .... سـننامُ ، وننام .... آهٍ . . ! كَـمْ تَعِبنـا مـن هـواءِ المنـافـي والقِفـارِ والجبـال ...


* * *


لا وقتَ للوقتِ ، يا صُـوفِـي ، ... آهِ لـو أَعـرِفُ كيفَ أُحَـرِّرُ الصُـراخَ فِـي جَسَـدٍ لـمْ يَعُـدْ لـي ، مـن فرطِ مـا حـاوَلَ أَنْ ينجـو ، مـنْ عُقـود ....
أَنـا النـاجـي مـنْ حـادِثِ حيـاة .... لسـتُ أدري مِمَّـنْ سأعتذرُ ، أو لِمَـنْ أشكـرُ ، لأنهـم مـاتوا نيابـةً عَنّـي بالصُـدفَةِ ، وأنـا أعيشُ الآنَ بأعمـارِهـم ، بفعلِ " قانـونِ الصُدفَـةِ " فقـط ..! دونَ أَنْ يتَسَـنَّى لـيَ التعَـرُّفَ عليهـم ، أو أنْ أضَـعَ ورداً علـى قبـورِهـم ، وهـو " أَضـعَفُ الإيمـان " ... !!
أنـا ، الـذي مُنـذُ أكثـرِ مـن أربعيـنَ عـامـاً ، يَمُـدُّ لسـانه للمـوتِ ، في لُعبَـةَ
" الغُمّيْضَة " ، ومـا صـادَني ، إلـى اليـومِ ، رُغـمَ مـا أصـابنـي ! !
سـأهمـُسُ مـعَ نفسـي لأَعـرِفَ إنْ كـانَ فـي وُسـعِيَ أَنْ أفعَـلَ شـيئاً يَدُلُّني عَلـيَّ ....
سـأتدَثَّـرُ بالصمتِ ، كـيْ لا أَحتـاجُ خُبـزَ الكـلام ! وسـأرمـي خُطـايَ مُـرهَقَــةً ، وأَبـوسُ الأَرضَ ، أَغـرُفُ منهـا رائحـةَ رُمّـانٍ تَبَعْثَرَ ... دونَ
أَنْ أقبَلَ بِمَـزلَقَـةِ " نصفُ الكـأسِ مليـانٌ أو فـارغٌ " ! ، سـأطلُبُ الكـأسَ
مُتـرعـةً ، غيـرَ منقـوصـةٍ ، حتـى مـن قطـرة !!


أُريــدُ أَنْ أَدُقُّ بـابَ أُمّـيَ وأفـرَحُ لفرحتِهـا بعـودتي سـالـماً ، مُهَشـَّماً ،
وأَعتـذِرُ عـنْ الـرحيلِ .... أَتَمَـدَّدُ علـى حصـيرٍ فـوقَ بـلاطِـ الحـوشِ
وأشـبَعُ نـــومـاً وشـخيراً ، دون أنْ أُزعِـجَ أحـداً ، أو يُعَكِّـرَ نـومتـي أَحَـد ...
............................
ولكـنْ مَـنْ سيَحـرُسُ حُلُمـي إذا نِمْتُ .... ؟!
مَـنْ يَطـرِدُ الـذُبـابَ عنَـيَ والبعـوضَ ، لـو حَلِمـتُ أَنّـي أَحـلَمُ ... إِنْ مـاتتْ أُمّــي ..؟!
......................

يـا لِـوَحشَـةِ أُمّـي وخيبتِهـا مِـنْ بِكـرِهـا الغـائبِ ، حتـى ، عـنْ " صـلاةِ الغـائب " ، عنـدمـا يُدخلـونهـا القبـرَ فلا تجـدنـي بانتظـارِهـا ...




يحيى علوان


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) صُـوفِـي ، هو سمسارُ حنينا ، مناضل من أكراد تركيا اليساريين (كوك) ، الذين شقّوا عصى الطاعة على عبد الله أُوجلان وانتقدوا توجهاته المتعصبة قومياً....الخ كان صوفي دليلنا ، وآخرين كُثرٌ ، في العبور من وإلى كردستان العراق ، حتى إغتاله القره قول ( حرس الحدود التركي) ذات فجر عندما عاد إلى أهله ، بعد أن أوصل مجموعة منّا بسلام إلى محطّة ( أبو حربي) . طوبى لذكراكَ أيها الكردي الشهم .
(2) تتكوّن المفرزة الأنصارية من أربعة أقسام ، إستطلاع ومقدمة ووسط ، والجزء الأخير يُطلق عليه
الأنصار تسمية القفل ..
(3) " يُمكـنُ لنارِ جهنمَ أن تحرق كـلَّ شيءٍ فيكَ ، إلاّ ذكـرياتِكَ وأمنياتِكَ ، التـي لـم تَتَحَقَّقْ !! " كـانط
(4) بعد " تحرير ! " العراقِ أمريكيـاً ، هربَ الملايين ، وماتَ في قوارب التهريب إلى قبرص واليونان مئاتٌ منهم غَرقاً في مياه بحـر إيجـه !!
(5) مساءٌ جميل ، في خريف 1978 ضمّنا في غرفة كنّا نسكنها ببرلين في شارع أونتر دن لِندِن ، كان
ضيوفنا أميل حبيبي ونعيم الأشهب وبهاء الدين نوري وآرا خاجادور ( الأخيران ، قياديان في الحزب الشيوعي العراقي آنذاك ) ... دارت الكؤوس عدة مرَات ، وعندما "دبَّ دبيبها إلى موطن الأسرار" ، لم يقُلْ لها أحدٌ قِفي !! إندلَع نقاشٌ حادٌ بين بهاء وآرا حول أصل الفالص . بهاء إدعى ، دون سَنَدٍ ، أنَّ أصل الفالص كرديٌ - تحديداً من كِرِميان أو إمارة بابان .. وراح يحاولُ مداراة حَرَجه أمام إستغرابنا ، خاصة ثعلبية نظرات( أبي سلام) أميل ، وإبتسامة فاترة ذات مغزى من( ابي بشّار ) نعيم ، بأداءِ دبكة مصحوبة بأغنية كردية لا تُؤدّى همساً !! مما أزعَجَ الجيران ، فَقَرَعوا الباب علينا معاتبين ...
(6 ) يقول الفيلسوف الألماني عمانوئيل كـانط ، في سلسلة محاضراته عن موضوعة " السلم المستديم "،
أن سطح الكرة الأرضية هو ملكيةٌ مشتركة لكلِّ مَنْ عليها ، وليس حِكراً لبعض الأفراد أو الدول ، دون
باقي سكان الأرض ... لذلك ينبغي ضمان حق حركة - المواطن العالمي - في التنقُّل والدخول إلى أيِّ بلدٍ
يشاء ، لغرض الزيارة دون أن يتعرَّض إلى تمييزٍ أو مضايقة ....
(7) عام 1984 صارت لنا علاقةٌ طيبة مع عشائر منطقة ليلكان ( محافظة أربيل ) من خلال الرفاق أبو عادل ( السياسي) وأبو حاتم (معن جواد) وملازم قصي . اُعجِبَ شيخهم بهمّةِ الشيوعيين ونزاهتهم ... فأعلن إستعداد أبناء عشيرته لحملِ سلاح الشيوعيين والقتال معهم ... وحصل الأمر فعلاً . إستشاطت قيـادة (حدك) -- الحزب الديمقراطي الكردستاني - غضباً ، رُغم كل الود المُعلن معنا ! اعتبرتْ الأمرَ إخلالاً بالتركيبة العشائرية في المنطقة !!... استُدعِيَ الشيخ وجرى تأنيبه (قُلْ تهديده) مما حَدا به ، مُعتذراً ، إلى إعادة (65) قطعة سلاح استلمها من - قاعدتنا في لولان - سرى الماء على تلكَ التجربة دونَ استخلاصِ عبرةٍ معرفية - سياسية في التعامل مع هذه المكونات القومية والعِرقية . ( ي. ع )



#يحيى_علوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب - حوارات المنفيين -
- كتاب - أَيها القناع الصغير، أَعرِفُكَ جيداً -
- كتاب - همس - الجثة لاتسبح ضد التيار
- مونولوج لابنِ الجبابرة *
- لِلعَتمَةِ ذُبالَتي !
- حَسَدْ
- شمعةُ أُمي ، دَمعةُ أَبي
- يوغا
- هاجِرْ
- مَنْ نحنُ ؟!
- نُثار (5)
- شبَّاك
- سلاماً أيُها الأَرَقُ
- نُثار ( 4 )
- أَسئلةٌ حَيْرى
- نُثار ( 3 )
- نُثار ( 2 )
- نُثار ( 1 )
- ...ومن العشقِ ما قَتَلْ
- شذراتٌ من دفاترَ ضاعت / عفريتٌ من جنِّ سُليمان !


المزيد.....




- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يحيى علوان - سَجَرتُ تَنّورَ الذكرى