|
حكاية أسير أسمه إبراهيم أبو حجلة
زهير عابد
الحوار المتمدن-العدد: 3139 - 2010 / 9 / 29 - 15:48
المحور:
القضية الفلسطينية
الأسر حالة يصعب وصفها بكلمات وسطور قليلة في مقالة صغيرة، فالأسر حالة معاشة بآلامها وآمالها من حيث الاستمرارية والتواصل واحدة من أصعب الحالات كواقعة مؤلمة مجهولة المصير واحدة من أكثر الأوقات على الإنسان إيلامًا. فمنذ اليوم الأول للأسر يتعرض الأسير إلى أشد الأوقات إيلاماً في حياته من أهانه وتعذيب من قبل رجال المخابرات الصهيونية، حيث يمارس العنف اللا إنساني بنوع من السادية الغير معروفة لبشر إلا لرجال المخابرات الصهيونية في التعامل مع الأسير الفلسطيني. فأنا ككاتب لا يمكن مهما وصفت أن اصف حالة الأسير كما يصفها هو، ولكن أحاول أن أبحر في نفس البطل القائد إبراهيم أبو حجلة وأتقمص شخصية فقط لكتابة هذا المقال، لأنني لا أساوي بجانب بطولته شيئاً، ولكن لأصف لكم كم هي قاسية حياة الأسير وكم يتحمل من المعاناة والألم ويضحي بسنوات عمره من أجل وطن أسمه فلسطين، يضحى من أجله بكل غالي ونفيس. فالبطل أبو حجلة أعتقل في 31/12/2002م بعد عودته إلى أرض الوطن ليواصل طريق النضال؛ من أجل دحر الاحتلال عن أرضه وشعبه، ليحكم عليه الاحتلال بالسجن ثلاثين عاماً، بتهمة تأسيس كتائب المقاومة الوطنية، وبهذا تخرجه عصابات المخابرات الصهيونية من إطاره الاجتماعي والإنساني الكبير لكي يعيش في واقع ضيق مفروض فرضا قهرياً عليه بأساور وسلاسل الحديد فتلتقطه الأيادي القذرة ليلقوه في جحيم الليل الموحش، والنهار الطويل في زنازين سجن ريمون الصحراوي. فهي حالة ذاتية خاصة به يعايشها هو بآلامها وأحزانها وقسوتها البشعة، منذ تكبيل يداه بالسلاسل حتى دخوله برد الزنزانة ليعايش ضيقها الضيق، وسعتها القهر، وقسوة أيامها، وطول لياليها وظلمة أسوارها، فهي تجربة خاصة بالأسير تحصره في أضيق الأماكن في معيشة لا إرادية لذات، يعيش فيها الصراعات والتناقضات ويبحر فيها بين ثنايا الثوان ليجدها سنوات طوال بين الجدران الموحشة برطوبتها وقسوتها وطولها وأسلاكها. ليمارسون العنف على حقيقته القذرة من إهانة وضرب وقهر وسلب للإرادة مع الحرمان الكامل من أبسط الحقوق الإنسانية التي تخرج الإنسان من إنسانيته لتدخله في حيوانية أخرى يخجل منها الحيوان نفسه، فيحرم من النوم ويحرم من قضاء الحاجة أو الطعام، مع تواصل في الإهانة للحصول على قدر من الاعتراف بالذنب؛ لإيجاد نقطة ضعف في النفس البشرية للأسير للدخول منها إلى مفاتيح الإرادة لديه، من أجل زرع بذرة الشك في نفسه وبدء مرحلة التراجع عنده إلى الوراء والانهيار، وهز القناعات بالثبات على المواقف؛ لإحداث الانهيار المدمر بالاعتراف بالتهمة الموجهة إليه لإخراجه من وطنيته وخطه الثابت من نضاله، ليصبح في صف رجل المخابرات، وبدء الخيانة بالمساومة والمقايضة على الحرية مقابل الاعتراف، كاختبارات للنفس البشرية الضعيفة. لحصره في ضيق المكان، وعزله عن محيطه الخارجي، لفرض شروط التراجع الذاتي عليه في ظل كل الإمكانيات والوسائل المادية القهرية الشاملة. فالأسر يتعرض لضربات متتالية من القهر لسلخه من مكوناته الإنسانية الطبيعية فهم يحاولون سلخ الروح عن الجسد، والإرادة عن الروح والعقل، من خلال إغراءات مثبطة لهذه المكونات للولوج إلى نفس الأسير وقهره بدقائق معدودة من النوم، أو تخفيف من الضغط مقابل الاعتراف بالذنب. فعملية الأسر هي قتل بطيئة لنفس البشرية من خلال ممارسة القمع والقهر لسلب كل ما هو جميل من الإنسان بعد حدود جدران السجن في عذاب متواصل يقطعه عن الأحبة من الأهل والمجتمع المحيط به، من رفاق النضال والدرب في المقاومة والنضال، ليبقى في ظل ظله بين جدران جامدة لا تنطق بكلمة مواسة واحدة، وتكون أشد قسوة من السجان في صمتها الطويل، ليختزل كل معاني الحياة الواسعة في جدران ضيقة كبهو القبر الموحش، جدران يصغر لتضيق فيه الأنفاس، وتحدد فيه الحركات ليتسع على جدار تلو الجدار اللا متناهي من الجدران لتضيق بك الحياة في حيز ضيق، لتصبح بلا معنى مع مرور الدقائق والثوان. لتبدء حياة من نوع أخر يمر بها الأسير بين ثنايا الجدران ليكون هو قطعة منها جامدة كجمود الجليد الموحش في صحراء سيبريا، أو كصقيع الصحراء الكبرى في ليالي الشتاء، فيتوقف هنا رصد الزمن من طول وبطء وضيق واتساع، لينحصر في حكاية سجين هو البطل إبراهيم أبو حجلة الذي يقضي أيام السجن الموحش منتظراً الحرية، وليعيد الزمن يعد ثوانية من جديد بإرادة المناضل القوي القادر على العطاء وتأسيس حياة على صفحات الزمن القادم بفجر الحرية له ولإخوانه من الأسرى المناضلين. ولتزول ظلمة غيابات سجن الاحتلال الغاشم على أرضنا وشعبنا، ولتعود الحياة مع عالم الأحياء من جديد، فأنتظر يا قائد فالزمن هنا لا يتوقف كما هو في الزنازين، فنحن سوف نناضل من أجل حريتك وحرية رفاقك الأسرى حتى ينفلج فجر يوم جديد. فالتحية لأبو حجلة ورفاقه الأبطال أمثال سفيان عبد الحليم بركات، ومصطفى كامل بدارنة، وعصمت عمر منصور، وجمال حماد حسين، ولجميع الأسرى من أبناء شعبنا المناضل في سجون الاحتلال، ونقول لهم صبرا ففجر الحرية قادم لا محال ولا بد لليل أن ينجلي وللقيود أن تنكسر بإرادتكم وصمودكم. • أستاذ الإعلام في جامعة الأقصى- قطاع غزة.
#زهير_عابد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
41عاما من النضال .. الجبهة الديمقراطية إلى الأمام
-
عين على الجبهة الديمقراطية
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|