|
الأغتراب الروحي عند نازك الملائكة
عماد البابلي
الحوار المتمدن-العدد: 3138 - 2010 / 9 / 28 - 15:45
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الأهداء .. لصديقي المجنح منتظر البغدادي مع محبتي أملك في مكتبتي مجموعة شعرية لنازك الملائكة ، كانت تلك المجموعة تضم كل قصائدها ، القصائد التي تتحدث عن اغتراب روحي حقيقي ، أغترب يهرب من الواقع نحو عالم ما وراء الواقع بصبغة سيريالية غريبة الأطوار ، تلك الصبغة الرمادية التي تحاول عبثا زرع الألوان في تربة الأرض الميتة هي صبغة مقدسة بالنسبة لي وأنا السيريالي من قدمي لرأسي ، كان لابد شرب كوب نسكافة بالقرب من قبرها أنا ومجموعة النسور أصدقائي !! تقول نازك هنا : ( بسبب إحساسي الدائم بأنني اختلف عن سائر البنات اللواتي في سني، فأنا كثيرة المطالعة، محبة للشعر والغناء، جادة، قليلة الكلام، بينما هن لا يطالعن ولا يعبأن بالفن وليس لهن من الجد في الحياة إلا يسير ) - لمحات في صيرورة حياتي وثقافتي ، ص 18- كان اغتراب أنثوي في عالم الذكورة الذي يحكمه عالم القوة والخشونة وممانعة لأي نعومة .. كانت نازك الملائكة تعشق الليل ، فمن حياة الواقع الخشن التي يمثلها النهار، إلى حياة الحلم والمثال التي يمثلها الليل ، الليل الذي كانت تعيشه نازك هو منفى واعتزال قبل أن يكون شيئا أخر ، إن انطواء نازك وكرهها للضوضاء ومقتها لزيف المدينة ، ألهمها الرغبة في ترك المدينة والانفصال من العالم المحيط به إلى عالم من صنع نفسها .. النهار كان مزعجا بالنسبة لنازك ، فهي تقول مثلا : ( اتجاه هذا العالم الذي لا يَفْهم، وهذه الحياة اليومية المضحكة ، وتجاه هذا التشخيص الإيمائي الذي لن ينتهي إلا بالموت ) ، عاشت حياة الشك الفكري والعقائدي من عام 1948 لغاية عام 1955 الذي عبرت عنه ببراعة بنص خافق في الصدر المعذب : ( فثمة إذن طقسان لهذا الوجود : الحياة وهي الطقس الحاضر، والموت هو الطقس الغائب ) أو في موضع أخر ( عمرنا نذرناه صلاة ، فلمن سوف نصليها .. لغير الكلمات ) – ديوان شجرة القمر - ، كان الحاضر أو الحياة وفق الفلسفة الداخلية للسيدة نازك هو كما تسميه ( العيش في وادي العبيد ) ، وادي العبيد الذي لا مهرب منه إلا بطقس سري مجهول وهو الموت ، الذي بقى سرا يجول في بحرها الداخلي دون أن يجد مرفأ له ، وإذ يتفاعل في نفسها الإحساس بالغربة مع يأسها من بلوغ عالمها المثالي، تتملكها الحيرة ، فتستدير نحو ذاتها ، الاستدارة كانت على طريقة الشاعر أليوت بالحياة ، الشعر قد يوفر جزيرة توفر السكينة لهذا الأرق الوجودي السارتري ، وعبرت عنه في مناطق أخرى من شعرها بالعودة للطفولة وكما تسميه ( الحنين لطقس مفقود ) ، أي طقس كانت تقصده تلك الفيلسوفة الشاعرة ؟؟؟ وتفسر نازك الملائكة هذا بالهرب من جحيم حاضرها المزدحم بالأسرار إلى طفولتها البسيطة الوديعة الواضحة ، الطفولة التي كانت بوابة للهرب من الحاضر ، الحاضر العاصف ، المليء بأصوات التفجير والتدمير والتمزق .. الحب عند نازك كان أزمة نفسية مريرة عاشتها في فترة أيام المعهد العالي للمعلمين ، رجلا أحبته بعمق وفي أخر المطاف تركها بسبب الأمور المادية ، فقد منحت الشاعرة الموعد الخاوي ( الحب ) صفة الكائن الحي الذي يطرق الباب وبذلك عبرت عن خيبتها في موعد خاو لم يتحقق .. وبجانب الحب تقبع الأفكار حزينة والتي عبرت عنها بــ ( الجثث العفنة ) ، تلك الأفكار التي ليست لها جدوى في هذا العالم الخاوي والمفرغ من محتواه وهناك نجد عند نازك الملائكة شيئا عن الإنسان العربي الذي تسميه بــ ( النسر المطعون ) ، الذي فقد مجدا لن يعود !!!! وقد نلاحظ أن مفردات مثل ( وادي العبيد ، النسر المطعون ، بابل كمدينة للشمس ، القدر كإله منفصل عن الرب ، الطقس المفقود للطفولة ، اليوتوبيا وهي عند نازك مدينة الأحلام وليست المدينة الفاضلة ، هياواثا وهي رمز استخدمته نازك كثيرا في قصائدها المتأخرة وتعني به الصرخة في أرض الجوع والثلج وهو مصطلح مستعار من الملحمة الأميركية Hiawatha للشاعر لونكفلو .. ) هذه المفردات تعكس العمق الروحي الذي وصلت نازك في قصائدها .. أ كانت نازك الملائكة شاعرة أم ساحرة حزينة أم تراها تستدرج النبوة دون أن تعلم ؟؟؟ وفق معطى رؤيوي يفرض نفسه جذرا على الجميع ، قوة الخيال هنا تحكم في تحديد الخبرة التي يتمتع الإنسان المبحر في عالمه الخاص ، فالنبي أكثر خيالا من الشاعر والشاعر أكثر خيالا من الساحر ، الخيال الذي أقصده هنا بتعبير جدلي ( ماركسي ) عدم وضوح النشاط العصبي للنواقل العصبية في مســــار واقعي أو قريب من الواقع حتى !!! فمثلا نحن نرى لون السماء ازرقا ، لكن النبي يراه جدار لقلعة سماوية أولى وثانية ( السموات السبع والأرضيين السبع ) ، الشاعر يرى اللون الأزرق للســـــــــماء بأنه ثياب سهرة ترتديها أحدى المجرات للقمر ، ولو سئلنا أحد السحرة عن رأيه الشخصي بلون السماء الأزرق لأخبرنا بأن الأزرق يحمل رسالة مشفرة وتحتاج لتفسير !!!! هنا نلاحظ الفرق الطفيف بين الثلاثة ، النبي يحمل هوية نائب عن مجمع الكائنات التي تتحكم بنا ، والشاعر ( المسكين ) يحاول منتجة الصورة من جديدة بحثا عن جمالية مضافة لعناصر اللوحة الداخلية التي يحملها أو نحملها نحن ، والساحر لا يخلو من دور المتاجرة والبحث عن مغامرات مترفة عبر تفسير مالا يفسر للخائبين والفقراء المحيطين من حوله .. النبوة والشعر والسحر ( وفق وجهة نظر شخصية ) هي مفردات متماثلة في المحتوى لعملية هندسة بناء أوراق الواقع الضاغط على الشخص اللامنتمي ، تشكيل من جديد لواقع أخر أكثر قبولا .. كانت نازك الملائكة مثلها مثل نزار قباني ومثل عبد الوهاب البياتي ومثل سليم بركات ، تجمع الثلاثة ، الشعر والسحر والنبوة وهو قلما نجده من جيوش الشعراء العرب الميتين والغير ميتين ..
روائع من شعرها ..
أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ ، هذي العاصفاتُ فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ فارحمي قلبَكِ ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ ( قصيدة عاشقة الليل )
لم يا حياه تذوي عذوبتك الطرية في الشفاه لم ، وارتطام الكأس بالفم لم تزل في السمع همس من صداه ولم الملل يبقى يعشش في الكؤوس مع الأمل ويعيش حتى في مرور يدي حلم فوق المباسم والمقل ولم الإثم يبقى رحيقي المذاق ، اعز حتى من نغم ؟ ولم الكواكب حين تغرب في الأفق تفتر جذلى للعدم ؟ ولم الفرق يحيا على بعض الجباه مع الأرق وتنام آلاف العيون إلى الصباح دون انفعال أو قلق ( لحن النسيان ) مر المساء ، وكاد يغيب جبين القمر وكدنا نشيع ساعات أمسية ثانية ونشهد كيف تسير السعادة للهاوية ولم تأت أنت … وضعت مع الأمنيات الأخر وأبقيت كرسيك الخاليا بشاغل مجلسنا الذاويا ويبقى يضج ويسأل عن زائر لم يجئ وما كنت اعلم انك إن غبت خلف السنين تخلف ظلك في كل لفظ وفي كل معنى وفي كل زاوية من رؤاي وفي كل محنى وما كنت اعلم انك أقوى من الحاضرين وان مئات من الزائرين ( الزائر الذي لم يجيء )
#عماد_البابلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوسن
-
المعتقدات الدينية للسيد أينشتاين
-
روح الله .. مقاربة بارا سيكولوجية واجتماعية
-
الفكر في زمن الكوليرا .. أخر كتابات السيدة هاجر
-
عراق مابعد عام 2003 .. الكعكة الفاسدة !!!
-
حينما حاولت ثقافة ال ( ...... ) نقد نظرية دارون
-
دفاع عن الإلحاد .. !!!
-
حفلة موت على طريقة ( حاحا وتفاحة ) في مدينة الكوت
-
مسرد ميثولوجي متواضع مهدى لزمن مبعثر
-
أبن الراوندي .. شيء واشياء أخرى !!!
-
دليل متواضع لسلامة الدماغ العربي غذائيا
-
مالذي يحدث في مسرحية TRIFLES لسوزان غلاسبل
-
أنقسام الله وإعادة تشكيله !!!
-
كافكا .. اللحضات الأخيرة لنسر
-
أثنولوجيا قطع الرؤوس عند العرب .. الطقس والجذور
-
متى يكون العربي ليس عربيا !!
-
نحو لاهوت مخنث !!
-
الكانزفيلد في البارا سيكولوجيا .. وعن الكانزفيلد العربي الأس
...
-
جدلية الحب .. حسب قاموس بريجيت باردو !!!!
-
حين شرحت الشيوعية لجدتي ... لماذا أنا شيوعي ؟؟؟
المزيد.....
-
قبل موتهم جميعا.. كشف آخر ما فعله مسافران قبل اصطدام طائرة ا
...
-
الصين تعرب عن استيائها الشديد إزاء الرسوم الجمركية الأميركية
...
-
حرب تجارية جديدة: كندا تفرض رسوما على سلع أمريكية بقيمة 155
...
-
دراسة تكتشف أسرار الأذن البشرية
-
دلالات طريقة المشي
-
علماء الفيزياء الكمومية يبتكرون فضاء مكونا من 37 بُعدا
-
واشنطن تريد انتخابات بأوكرانيا إذا توقفت الحرب
-
عشرات الآلاف دون مأوى وفي وضع مأساوي بغزة
-
حراك طلابي في صربيا يُطيح برئيس الوزراء وموسكو وبروكسل تراقب
...
-
الولايات المتحدة تفرض رسوما جمركية على كندا والمكسيك والصين
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|