|
قضية سردشت بين السياسة والأمن
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى
الحوار المتمدن-العدد: 3138 - 2010 / 9 / 28 - 11:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كشفت جريمة إغتيال الصحفي سردشت عثمان، ومانتج عنها من ردود أفعال محلية وعالمية، عن فجوة بين مفردات العمل الأمني والتعاطي السياسي في الإقليم، وقد تشكل أزمة فيما بعد، إذا ماتركت دون معالجات رصينة، ولكي لاتأخذ هذه الفجوة بالإتساع، فلا بد من التوقف الجاد والمراجعة العميقة لمجمل أخطاء الممارسات والمعالجات التي وقع فيها الفريقين الأمني والسياسي لتلافي الآثار السلبية المحتملة على مسارات أخرى وإنجازات ملموسة على الصعد السياسية والإقتصادية في الإقليم، فليس من المنطق بشئ، النظر الى تداعيات الجريمة، على إنها أعراض طارئة سرعان ماتزول عن أذهان المتابعين وأروقة المؤسسات الإعلامية، أو عن ذاكرة عوام الناس داخل وخارج العراق.
إن علاقة الأمن بالسياسة، علاقة حساسة وتلازمية بين فريقين يتوقف أداء كل منهما ، على براعة الفريق الآخر في معالجة الأزمات وإستشراف المستقبل، ومرهون بالتنسيق الفعال بينهما كطرفين أساسيين في السلطة التنفيذية، للخروج برؤية موحدة تُسهم في صياغة مواقف رصينة أكثر قدرة على الصمود أمام المتغيرات، كحملات التشكيك والإختراق أو الأزمات بشكل عام، كما يؤدي مثل هذا التنسيق الى الحد من تجيير الأداء الأمني والسياسي لآراء وسلوكيات إنفعالية، أو تحويره لمصالح خاصة ومبتغيات شخصية تتجاوز أطر العمل المؤسسي الى منزلقات الثأر والإنتقام.
ومن خلال علاقتنا ببعض مسؤولي الفريقين، الأمني والسياسي، في الإقليم، كنا قد حذرنا مرارا وتكرارا من الأخطاء الإخلاقية في بعض الممارسات، ومن اللاعقلانية في المعالجات التي تتبناها أطراف وصولية داخل السلطة التنفيذية. ولم تنطوي تحذيراتنا على إسقاط لقضايانا الشخصية على مانطرح ( رغم فضاعة الجزاء الذي تعرضت له من قبل الوصولين قبال العطاء والنضال الذي قدمته للقضية الكردية)، إلا إن الشعور بالمسؤولية يدفعنا، وإن كنا خارج السلطة، الى التعاطي بموضوعية ينتابها الحرص على تجربة الإقليم النوعية التي بذل روادها جهودا إستثنائية كانت السبيل للإنجازات المتحققة في الوقت الحاضر، الإنجازات المحاطة بالإخفاقات في بعض جوانبها، الإخفاقات المؤدية الى إشاعة مناخ أمني ونفسي مؤهل لإحتضان جرائم تهدد السلم الأهلي الذي ينعم به الإقليم بالمقارنة مع بقية مناطق العراق.
لذا فالتمعن بدقة في سياق أحداث جريمة إغتيال سردشت، يكشف في أحسن أحواله عن تلكؤ أمني في منع جريمة توفرت مقدماتها بشكل جلي، ويشير كذلك الى عجز الأجهزة الأمنية عن إستثمار حرية الرأي كعامل مساعد في توطيد الأمن، ومن ثم تفويت الفرصة على الجهات المحتملة لإستغلال مثل تلك المقدمات، وذلك فيما يخص الأداء الإستباقي، أما بخصوص المعالجة فيما بعد وقوع الجريمة، فقد عجز الجهاز الأمني عن توفير أرضية صلبة تُمكّن الساسة من تبني خطاب أكثر قدرة على الإقناع، يضعها خارج دائرة التشكيك والتخوين. ومثلما إتضح عجز الأجهزة الأمنية عن الحؤول دون وقوع الجريمة، إمتد العجز ليطال الدائرة السياسية في الدفاع عن نفسها أمام الرأي العام، أي إن ردود أفعال أجنحة السلطة كانت متعثرة إتجاه قضية تحمل بين ثناياها أبعاد عدة، تمكنّها من كسب المزيد من التعاطف وتُكسبها الترسيخ المؤكد في الأذهان. ويبدو ذلك جليا في بروز الأصوات المشككة بنتائج التحقيق الأخيرة، تحت شعار تسييس التحقيق، كما إن تلك الأصوات لاتخفي رغبتها في إشراك المجتمع الدولي في نتائج التحقيق، خاصة وإنها إنطلقت من مدن غربية، وإن التعامل مع القضية بمنظار تأجيل الحلول الى مراحل أخرى، قد يسهّل الأمر لتلك الأصوات في الوصول لمبتغاها. فإن مقالات الصحفي الشاب وإن إتسمت بجرأة غير معهودة، مقارنة بالعرف السائد، إلا إنه لم يغادر الأطر الديمقراطية وفضاء الرأي الآخر في إستخدامه لدلالات صريحة أكثر جرأة للإفصاح عن معاناة شريحة تستحق إهتماما أكثر من السلطة ، مما يجعلها جريمة مستهجنة ومدانة قد تؤدي الى تقويض فكرة المحافل الدولية عن الإقليم، ويستدعي ذلك، جهدا أمنيا إستثنائيا لكشف الحقيقة للرأي العام مهما كانت النتائج.
بتعبير أدق، تعد جريمة إغتيال سردشت إختبارا حقيقيا لتجربة الإقليم على صعيد الواقع الأمني والسياسي، ومن جانب العلاقة بين الأمن والديمقراطية، ربما يكون إختبارا غير مقصود النتائج، وليس مستبعدا أن يكون إستدراجا تكتيكيا بغية التأثير على مسارات أخرى، لإبراز التناقض الحاد بين المعالجات الأمنية والممارسات الديمقراطية في الشرق الأوسط.
#عبد_الرحمن_أبو_عوف_مصطفى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
جوائز غرامي الـ67.. قائمة بأبرز الفائزين
-
الشرع يغادر المملكة العربية السعودية.. ماذا دار في حديثه مع
...
-
تصعيد عسكري في جنين ومجموع القتلى بغزة يصل 61 ألفا ونتنياهو
...
-
مهرجان -بامبلونادا ريمنسي- يحاكي سباق الثيران الإسباني في لي
...
-
إجلاء أطفال مرضى من غزة بعد إعادة فتح معبر رفح
-
مذيعة سورية تجهش بالبكاء وتناشد الشرع المساعدة في الكشف عن م
...
-
القوات الروسية تواصل تقدمها وتكبّد قوات كييف خسائر فادحة
-
قادة الاتحاد الأوروبي يجتمعون مع ستارمر وروته لبحث تحديات ال
...
-
بيسكوف: الرئيس الأوكراني المنتهية ولايته فلاديمير زيلينسكي
...
-
السعودية.. تنفيذ حكم القتل تعزيرا في مواطن بتهمة -تهريب المخ
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|