صدقي موسى
الحوار المتمدن-العدد: 3137 - 2010 / 9 / 27 - 23:13
المحور:
الادب والفن
ما الذي أخرجني في هذا الجو المثلج؟ البرد يقتحم الجسد، يهتك حرمة دفء العظام، يطفئ حرارة دمي، ينسج خيوطه الشائكة في صدري وحول الرئتين، اهو الحنين إلى برد الوطن وثلجه الذائب مع أول اشراقة للشمس؟، اهو الحنين إلى أشجار سرو ارتدت حلة بيضاء كعروس ليلة زفافها، بينما كانت كرات الثلج تتقافز بيني وبين ميس؟
وقتها، لم أكن اشعر بهذا البرد السيبيري، لم تصطك أسناني، لم تتراقص عظامي، الثلج كان يذوب من بهجة يدي، أنفاسي حارة كأنفاس حصان جاب قيعان الأودية والسهول المغموسة بمياه الأمطار. "السترة" الفروية التي ترتديها أضفت لجسدها الرقيق نضجا كزهرة ساعة تفتحها، أطلقت ضحكة مبتلة بمرح طفولي عندما أصابتني بكرتها الثلجية بوجهي، انطلقت تجري، اختبأت خلف السروة الكبيرة التي حمتها من كرات الثلج التي داعبتها بها، اسمي واسمها ما زالا نديين على جذع هذه الأشجار، حفرتهما في الربيع الماضي، وتحتهما كلمات، ندبات، أسميتها وقتها شعرا، كانت أول كتاباتي غير الدراسية.
زقزقة عصافير ما زلت اسمعها، صيحات أطفال آخرين مترامية بين البيوت وفي الساحات تنطلق بين الفينة والأخرى، ومن بيتنا تنبعث رائحة دخان الحطب الذي يحترق في "كانون الفحم"، جدران البيوت ارتدت حلة مائية زادتها رونقا، كل شيء بدا نظيفا، طاهرا، متلهفا لمزيد من الحبيبات الرقيقة البيضاء.
"ميس، تعالي، أين أنت؟"، ما أن سمعت الصوت الخشن حتى أفقت على إحساس بالبرد، بالثلج، نظرت إليها برجاء، تجولت بنظراتها بيني وبين مصدر الصوت، كفة الصوت رجحت، احتضنها الممر الطويل المؤدي إلى بيتها، انكمش جسدي، زقزقة العصافير غابت معها، تمنيت ساعتها لو تشرق الشمس، ويذوب ثلج الشوارع والأشجار، ويبقى "رجل الثلج" الذي صنعته أناملها.
"انتبه"، صرخة تحذير لم أفهم معناها إلا وكرة ثلجية تنثر شظاياها على ملابسي، نظرت بغضب إلى الأطفال الذين تجمدت نظراتهم وحركات أجسادهم، قطبت جبيني، و...، "اعذرنا أستاذ، لم نقصد"، قالها طفل في مراحله الدراسية الأولى، وخلفه تقف طفلة كزهر الأقحوان بثيابها الصفراء والبيضاء، ذاب جليد وجهي وكشف عن ابتسامة مكبوتة وعيون حزينة، تنهدت، أكملت طريقي لاحقة بي دمعة حارة، بينما يحجز "رجل الثلج" الأطفال حوله.
#صدقي_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟