|
قبل نقد الآخر
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3137 - 2010 / 9 / 27 - 22:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بين سكان العالم الآن 2000 مليون مسيحى ، 1000 مليون منهم كاثوليك والباقى موزع بين 42 ملة يخص الأقباط ( مسيحيى مصر ) منها ما لا يزيد عن نصف بالمئة من مجموع مسيحيى العالم . فإذا ما كان الأقباط أقلية بين سكان مصر حيث يتراوح ـ حسب إحصاءات مسؤوليهم ـ عددهم بين 15 و20 % فمعنى هذا أنهم أقلية مزدوجة ، أى أقلية بين أبناء دينهم وأقلية بين أبناء وطنهم . وضع الأقلية هذا خلق ملمحين أساسيين يمكننا الاستدلال عليهما بسهولة ، أحدهما هو تمسك الأقباط بنقاط الاختلاف الاكليريكية واستمرار تأكيدها ..خصوصا ما يتصل بفقه الدين وأساليب أداء الطقوس، وكنموذج : تحريم الذهاب للقدس من أجل الحج ما دامت محتلة اسرائيليا رغم أن باقى الطوائف تقدس هناك . تعظيم نقاط الخلاف أدى إلى التمسك بالتقاليد الأولى للكنيسة القبطية ، مما أفقدها فرصة العصرنة التى حدثت لأغلب الكنائس بالشرق والغرب خصوصا الكاثوليكية والانجيلية والبروتستانتية ، فقد عدلت جميعها من أداء الطقوس وأساليب الدعوة وعلاقة الكنيسة بالرعية عدا الكنيسة القبطية التى ظلت على ما أسسه الأجداد فى القرون الأولى دون تحريك. حقا كان للكنيسة القبطية قصب السبق فى إرساء القواعد والعلاقات الكنسية التى استعارها منها الآخرون بما فى ذلك كنيسة روما ، وأنها ظلت محتفظة بتقاليدها ولاقت وشعبها فى سبيل ذلك إضطهاد الرومان قبل وبعد المسيحية ، إلا أنها لم تسع الى التطوير الذى حدث لكنيسة عصر النهضة ولم تتحرك الا القليل عما قدمه البطاركة والمطارنة الأوائل . شباب المهاجرين القبط بعد اختلاطهم برعايا الكنائس الأخرى كان لهم رأيهم وربما ثورتهم التى نعرفها جميعا والتى لازالت تلاقى المقاومة من الحرس القديم. الملمح الثانى الناتج عن وضع الأقلية المزدوجة ، هو حرص القيادات الكنسية ( وربما الرعية أيضا ) على الموائمة بين مصلحة العقيدة وثباتها واستمرارها ، وبين درجات المقاومة المتفاوتة للموجات المتتالية من الهجوم عليها ، سواء من الكنائس الكبرى المدعومة بالسلطة والجند أو من الطبقات المتعصبة من الأغلبية المسلمة التى قذف بها التاريخ فى مواجهتها . مقاومة الاستلاب ظهر فى أكثر من موقف للقيادات القبطية على مر العصور ، أشهرها عندما رحب البطريرك بنيامين بعمرو بن العاص وجنوده ، لمواجهة المقوقس ( مسيحى رومانى ) وجنوده ثم تبين أن الاستعمار واحد ، بحيث أصبحت المهمة الأساسية للقيادة القبطية بعد ذلك هو الزود عن استمرار العقيدة وثباتها فى مواجهة الاضطهاد والشذوذ الذى حدث من الفاطميين أو المماليك أو العثمانيين . موقف شهير آخر لمقاومة الاستلاب ، عندما حاولت البعثات الكنسية الأوروبية ، تفريغ الكنيسة القبطية من رعاياها بالتبشير فى صعيد مصر، وهنا انتفضت القيادات الكنسية مدافعة عن كينونتها ثم مشاركة فى المد الوطنى المضاد للاستعمار الانجليزى عام 1919 وما بعدها . فى نهاية القرن العشرين إنقلبت الموازين ، وأصبح على الكنيسة فى مواجهة رغبة السادات فى الحد من نفوذ البابا ونفيه ، ثم السماح للعناصر الطالبانية والوهابية بامتلاك الشارع ، أن تستخدم كل الوسائل الممكنة للمحافظة على استقلالها وديمومتها ومقاومتها ، بما فى ذلك استخدام الاقتصاد والضغط على عناصر اتخاذ القرار فى أوروبا وأمريكا بواسطة أقباط المهجر أى استخدام الكنيسة لأحد المعسكرين ، جاء دائما كحماية من المعسكر الآخر. السكون او الكمون العقائدى القبطى والمناورة لتجنب ضغوط قوى الاستلاب منع الكنيسة عن المشاركة ، فى اى تيار عالمى للتطوير او التعديل أو محلى لتحديث المجتمع إقتصاديا وسياسيا وحضاريا ( منذ 1919 ) لتبقى فى الغالب من أقل كنائس العالم تفاعلا مع العصر .
على الجانب الآخر فإن عدد المؤمنين بالدين الاسلامى 1200 مليون مؤمن أغلبهم ( 90% ) لم يقرأوا القرآن ، الكتاب المقدس الأساسى للمسلمين ، وذلك لأنهم يجهلون لغته قراءة وكتابة وحديثا .. المسلمون فى تركيا ، باكستان ، بنجلاديش ، إيران ، ماليزيا ، أندونيسيا ، إفريقيا ، أوروبا واميريكا يجهلون اللغة العربية ويعتمدون على ترجمات تخفى فى الغالب المعانى والفلسفات والأفكار والطقوس وروح القرآن ، أى ان المعرفة الحقيقية بالاسلام غائبة عن تسعين بالمئة من المسلمين فيما عدا ما يسمح به مشايخهم أو مترجميهم . أما الناطقون باللغة العربية ( وهم عشرة بالمئة من أجمالى المسلمين ) فإن أغلبهم أيضا غير قادر على فهم اللغة ، التى كتب بها القرآن حتى قصار السور " غثاء أحوى " أو " غاسق إذا وقب " وهكذا فأغلب المسلمون الناطقون باللغة العربية يعتمدون فى فهم دينهم على ما تيسرمن أقوال أئمة الزوايا والجوامع ، أو نجوم الدعاة فى الفضائيات ، الذين تحولت الدعوة لديهم الى مهنة يقتات منها ويقدمها الى من يدفع اكثر ، يبرر ويبرز ويفسر له ما يريد كما يريد .. بمعنى آخر أن هؤلاء الذين تعرفواعلى دينهم من مصادره الأصلية وبلغته الأصلية قلة محدودة لا تصل أبدا الى نصف فى المئة ، هؤلاء القادرون على قراءة وفهم ما جاء بالكتاب المقدس والأحاديث والشروح والمناسك والطقوس المكتوبة جميعها بلغة عربية قديمة ، دائما ما يطاردون ويقصون بواسطة أئمة السلطان .. الكتلة العظمي من المسلمين تعتمد على الشراح والمفسرين والمفتين الذين إما يعملون لدى السلطات أو مالك اليورو والدولارات ، أو يتمسكون بحرفية النص دون اى تعديل أو تصريف او تغيير ، فينعكس جمودا على النص والمستمع والمؤدى والمجتمع يصعب تجاوزه.
وهكذا فأقباط مصر ومسلميها فى اغلبهم يعيشون مأزق عدم العصرية .. أو بمعنى آخر عدم القدرة على مسايرة العصر والمساهمة فى مسيرة الحضارة بسبب جمود عقائدى تاريخى . النتيجة هو انكفائهم على الداخل وتبادل الاتهامات ، والصراع بدون هدف أو سبب ، وتحويل قضايا دنيوية الى خلافات مذهبية دينية ، مثل الصراع على قطعة أرض ، بناء سور ، الحصول على ترقية ، تقسيم الأرباح ، التنافس على إمرأة أو حتى مكان فى طابور العيش ، يتحول (إذا كان بين مسلم وقبطى) بسرعة الى مشكلة طائفية معقدة يستعين كل طرف فيها بمن يدعمه .. بمعنى ان الصراع الدينى فى مجتمعنا ، إتخذ شكلا مخالفا لأى صراع كان على ظهر البسيطة ، سواء بين الهندوس ، السخ ، البوذيين ، المسلمين فى جنوب شرق آسيا والهند أو بين الطوائف المسيحية المختلفة فى أوروبا وأمريكا .. إنه صراع بين مجموعات تسيرها مشاكل الأقلية المزدوجة وأخرى تعانى من فقدان لغة الاتصال بمصادر الدين لتجديد خطابه وعصرنته ، بحيث يصبح متعايشا مع القرن الحادى والعشرين . هل يوجد حل !! لا يوجد .. علينا ان نتعرف على حقيقة حجمنا ومدى تأثيرنا فى هذا الكوكب ونعرف اننا أقلية حتى بين المسيحيين والمسلمين ، بمعنى اننا لسنا بمركز للكون .. نحتاج الى مراجعة مجموعة القيم التى تسيرنا وتحديث قراءة دينينا ، قبل نقد الآخر وتقطيعه على بساط التعصب . إن المواطنة على قدم المساواة فى دولة ليبرالية ديموقراطية ، هى طوق النجاة التى قد تقود الى سلام آمن.
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعليق علي مقالات السيد موريس رمسيس عن المصريين
-
هل وزير الثقافة مثقف ؟
-
فلنعترف أولا بتخلفنا 5/5
-
فلنعترف أولا بتخلفنا 4/5
-
فلنعترف أولا بتخلفنا 3/5
-
فلنعترف أولا بتخلفنا 2/5
-
فالنعترف أولا بتخلفنا 1/5
-
يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 4 )
-
يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 3 )
-
يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر ( 2 )
-
يا حزن قلبى على مهندسينك يا مصر
-
اشنقوا - جدو- أمام البوابة الرئيسية لنادى الزمالك
-
حوار إنتظر نصف قرن ليتم
-
هز القحوف فى مرثية لأبى شادوف
-
مليون جنية لكل لاعب !! إنها قسمة ضيظى
-
لا تصدقوا هذه الجماهير
-
يا أهل مصر اهربوا منها
-
أبناء الديانة الرابعة ...هذا قدركم
-
أحلام القرن الحادي والعشرين وإشكالية التنوير
-
أنا مع الفرعون .. طبعا 3/3 ..الحلقة الأخيرة
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|