|
الحياة في الأهوار العراقية
احمد ثامر جهاد
الحوار المتمدن-العدد: 948 - 2004 / 9 / 6 - 10:21
المحور:
مقابلات و حوارات
عبق التاريخ في عيون الصحفيين الغربيين ضمن توافد العديد من المنظمات الإنسانية والشخصيات المختصة بشؤون البيئة والتنمية والآثار العراقية ، زار مدينة الناصرية وعلى فترات عدة ، منذ انتهاء الحرب وإلى يومنا هذا ، عدد كبير من الصحفيين من جنسيات مختلفة للاطلاع على واقع الحياة في أهوار العراق بعد الحرب ، ولمحاولة استطلاع المنطقة جغرافيا بشكل قد يخدم إعادة تأهيلها كمرفق سياحي متفرد بطبيعته وثرواته . وكان اغلب الزوار الصحفيين الوافدين قد جاءوا لتوثيق أشكال الحياة في هذه المنطقة تحديدا والتي تحظى باهتمام واسع من قبل الرأي العام العالمي ، ذلك لما تعرضت له من تشويه وتدمير طال وجود الإنسان والحيوان والبيئة في آن واحد ، وأيضا لكون الأهوار إحدى اكثر مناطق الجنوب العراقي معارضة للسلطة ، خصوصا بعد انتفاضة آذار عام 1991 ، حيث احتمى فيها عشرات الرافضين والخارجين عن نظام صدام ، ليتخذوا منها فيما بعد منطلقا لتخطيط وتنفيذ عمليات مقاومتهم للسلطة البعثية الفاسدة . الأمر الذي جعل من منطقة الأهوار رمزا للعصيان السياسي في الجنوب العراقي ، لا سيما مع عجز حكومة صدام عن تطويع المنطقة واحتوائها من الناحية الأمنية طوال سنوات حكمه ، رغم تعرضها هي وسكانها إلى ممارسات بشعة من القصف والحرق والتنكيل والتهجير . هذه الممارسات الفاشية من قبل النظام السابق بحق منطقة الأهوار وأهاليها العزل ، ساهمت من جانب آخر في جعل هذه المنطقة مركزا حيويا استقطب اهتمام الرأي العام الدولي ومنظمات حقوق الإنسان ، مثلما جرى الأمر في التعاطي مع مأساة الأكراد في بعض مناطق الشمال العراقي . كان من بين هؤلاء الصحفيين الذين وصلوا إلى مدينة الناصرية خلال الفترة الحالية ، الصحفية الألمانية ( إنغا روج ) والصحفي الفيتنامي فرنسي الجنسية ( هان ليم دوك ) . السيدة ( إنغا ) كانت تسعى إلى توثيق المظاهر الحياتية في منطقة الأهوار من نواحي مختلفة . ويشتمل عملها هذا على تجميع المقالات والصور التي تهتم بالأهوار من سجل التاريخ والوقائع والحياة اليومية للناس للتعرف على طبيعة الأشياء وحقائقها كما هي . تقول السيدة ( إنغا ) : " خلال زيارتي هذه حصلت على انطباعات هامة تبين كيف يعيش الناس حياتهم هنا ، وما هي الصعوبات التي يواجهونها والأشياء التي تجعل من حياتهم ممكنة ، إضافة إلى خصوصية المواقف التي يتخذونها إزاء الواقع من حولهم . وبسبب أنني سبق أن زرت منطقة الأهوار في شهر تموز من العام 2003 ، فقد أهلني ذلك لمعرفة أهمية الثروة المائية في العراق وتقدير هذا الجانب الحيوي بشكل جيد . وارى هنا إن للماء تأثير إيجابي في حياة العراقيين ، مع إن مسألة المياه كانت مشكلة كبيرة بالنسبة للناس ، وإنها في أوقات معينة مثلت أزمة خطيرة مع سياسة النظام السابق . والمفارقة إن تجفيف مياه الأهوار تسبب في خلق أزمة كبيرة ، مثلما تسببت زيادة مناسيبه في الأهوار بأزمة أخرى هددت وجود الناس واعمالهم . لذا اعتقد إن منطقة الأهوار تحتاج إلى عناية خاصة تتواءم مع خصوصية المكان ، بوصفها منطقة فريدة تعبق بالتاريخ . " ولدى سؤالها عن رأيها في التصور الذي يذهب إلى إن تعامل الإعلام الغربي مع قضية الأهوار خلق نوعا من التنميط في توجيه رؤية الرأي العام العالمي للمشكلة العراقية ، أي أن التركيز على هذه القضية جذب المدافعين عن حقوق الإنسان والبيئة فيما حجم أو صرف النظر بعض الشيء عن أزمات أخرى تتعرض لها باقي المدن العراقية من دون اهتمام موازي ، فقط لأَنَ عيون الإعلام والصحافة بعيدة عنها . وان كان ذلك يعني ، في الحد الأدنى ، تأثر الإعلام بالمناخات السياسية أم انه يلبي رغبة المواطن الغربي في الدفاع عن قضايا إنسانية ذات تأثير عالمي ؟ أجابت السيدة ( إنغا )بالقول : " أتصور إن واحدة من أنبل مهام الإعلام في كل مكان هي العمل على تسليط الضوء على المشاكل التي يتعرض لها الناس في مجتمعات خاضعة لأنظمة دموية لا تعير وزنا لشعوبها . نعتقد أن مشكلة الأهوار في جنوب العراق واحدة من تلك الأزمات التي تستحق الكشف والإعلان عن تأثيراتها الخطيرة على الحياة الإنسانية في هذه البلاد . ولا اعتقد أن عملي حاليا يخضع للسياسة أو توجهاتها أيا كانت ، فسبب زيارتي هو لاكتشاف حقيقة تجفيف الأهوار كما تدعي الأطراف العراقية في الخارج والداخل ، وقد علمت بهذه الحقيقة الآن . وكنت قد كتبت مقالا قبل شهر من زيارتي للعراق ، سلطت الضوء فيه على المأساة الإنسانية في الأهوار . وبالتأكيد يعمل غيري من الصحفيين على تناول قضايا أخرى تهتم الشأن العراقي . وبكل الأحوال لا يمكنك كصحفي العمل من دون أن تعقد آمالا كبيرة على نتائج عملك وتأثيرها على مسار الأشياء ، لكن عليك – كصحفي ذي مبادئ – أن لا تنسى إن عملك في ناحية من نواحيه يشبه الشاحنة التي قد تحمل بضاعة جيدة أو فاسدة أحيانا . وعليك بكل الأحوال إيصال البضاعة إلى مستهلكيها . ربما للصحافة دورا اكبر وابلغ تأثيرا في البلدان الغربية منها في المجتمعات العربية ، لكنها في نهاية الأمر لا تخلق المعجزات . " أما السيد ( ليم دوك ) فقد ذكر انه زار العراق اكثر من مرة في عام 1991 و 1997 ، وعمل خلال ذلك بالاشتراك مع القاصة العراقية ( ابتسام عبد الله ) على إنجاز كتاب يوثق مشهاداته عن العراق ، وقد طبع الكتاب في فرنسا تحت عنوان ( حديقة الهمس ) . وهو كتاب صغير وأنيق يجمع بين اللغتين العربية والفرنسية ويضم بين صفحاته صورا فريدة توثق حياة الأهوار ، التقطها الصحفي الفرنسي بعدسة فوتوغرافية متميزة ، مشيرا في ذلك إلى تأثره بتنفيذ كناب ( عرب الأهوار ) . وله أيضا كتاب آخر عنوانه ( ناس من العراق ) يتحدث فيه عن وضع الاقليات في العراق ويخلو من السياسة بحسب قوله . وفي عام 1997 زار العراق ولم يُسمح له بالعمل بسبب رغبة النظام بالتعتيم على الحقائق والأزمات في مناطق الجنوب . ولدى سؤاله عن آلية عمله الحالي في تتبع موضوعة الأهوار ، قال ( دوك ) باختصار شديد : " انه يعرف ماذا يعمل وما الذي يريده ، لذلك فهو من النوع الذي يعمل بالحدس لتشكيل تصوراته " . وفي نهاية اللقاء أبدت السيدة ( إنغا ) سرورها الشديد بهذا اللقاء وتمنت أن يكون ما عملته لمساندة سكان الأهوار شيئا حسنا يمكنه أن يخدم البعض أو يساعد في تحسين حياتهم . وفي المحصلة ( تقول السيدة إنغا ) عن زيارتها لمدينة الناصرية : " كانت أربعة أيام جميلة قضيتها بين أناس بسطاء رائعين ، أتمنى أن تدوم " . كتابة وحوار : احمد ثامر جهاد
#احمد_ثامر_جهاد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بابلو بيكاسو
-
استبطان الذات بلقطة قريبة
-
الآخر في الخطاب السينمائي
-
نصف ظلام ، نصف حياة
-
فرانكشتاين...صورة عن الواقع والخيال
-
في ورشة غابرييل غارسيا ماركيز
-
تراجيديا انتخابات الجمعية الوطنية
-
مَن أذلَّ الجواهري في كردستان !؟
-
مارتن سكورسيزي
-
بعيدا عن دائرة الحياة
-
متاهات بورخس والكتابة بالذاكرة
-
جوزيف كونراد سينمائيا
-
حصار هوليود ووعي الآخر
-
عودة كازانوفا
-
أفلام وأوهام وواقع افتراضي
-
بوابة رومان بولانسكي عالم من الأسرار والمتاهات
-
أفكار حول خطاب الثقافة العراقية وحسن قراءة العالم
-
حوار مع الناقد السينمائي أحمد ثامر جهاد
-
جحر الإمبراطور
-
سوء استخدام الحرية
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|