|
تركيا والمسألة الكردية وقضية الحرية.
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 3137 - 2010 / 9 / 27 - 01:17
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
تركيا تلح تجربة على الواقع الإقليمي عموما والعربي خصوصا، والإلحاح منبعه نموذج يتقدم بوتيرة لابأس بها، كما ذكرت في مقالات سابقة، تركيا تعيد إنتاج دورها على الصعد كافة بعد تغير النظام الدولي السابق، وهذا الأمر لاعتبارات كثيرة، لسنا الآن بصددها قدر لحزب إسلامي في خلفيته الأيديولوجية، أن يقود العقد الأخير من عملية إعادة الإنتاج هذه للدور التركي. تركيا لم تعد حلقة ضعيفة في السلسلة الإمبريالية، كما أنها لم تعد متراسا غربيا في وجه السوفييت، وأيضا لم تعد حليفا لإسرائيل على السراء والضراء، هذه التغييرات في المشهد التركي وصلت إلى نقطة بات من الضروري إجراء فصل كامل بين النظام السياسي وبين العسكر التركي، وإعادته نهائيا إلى ثكناته، لا يوجد خطر على تركيا من السوفييت لكي يتصدى العسكر له. لم يعد من الجائز أن يبقى النظام السياسي التركي، تابعا لمؤسسة الجنرالات بدواعي الخوف من الخارج، ولا بدواعي الخوف من حزب إسلامي. الاستفتاء الأخير حول التعديلات الدستورية الجديدة أوضح بما لا يقبل الجدل قضية على غاية من الأهمية، وهي لا تتعلق بقضية العلمانوية والإسلاموية، هذه قضية تجاوزها المجتمع التركي، بل القضية تتعلق بمسألة الحريات العامة والفردية، ومع موافقة ثمانية وخمسين في المائة من الناخبين الأتراك على التعديلات المقترحة، وخصوصا المادة 15 التي كانت تفتح شهية العسكر للانقلاب على الديمقراطية، لأنها كانت تحميهم من أية محاسبة، لم تعد امتيازات العسكر على المحك فحسب، بل مصير جمهورية أتاتورك بحلتها العسكرية. عندما يكون هنالك طرف لعسكر في أي نظام سياسي، فإن قضية الحرية تتصدر الواجهة المطلبية للقوى السياسية والمدنية، فما بالنا إذا كان النظام كله عسكر كحال بعض العرب؟ المجتمع التركي تحرر داخليا وخارجيا، خارجيا من عبء الحرب الباردة وما رتبته على تركيا، وداخليا من عبء العسكر وسيطرتهم على مقاليد البلاد، وإن بشكل لا يقارن بالطبع مع عسكرنا في البلدان العربية. تشكلت في تركيا في العقدين الأخيرين نخب سياسية متساوقة مع الوزن التركي ومشروعه إقليميا ودوليا، وهذه النخب ليست مرتبطة فقط بالحزب الإسلامي الحاكم، الذي في صدد الدفاع عن نفسه، يتشبه أحيانا بأنه نسخة عن الأحزاب الديمقراطية المسيحية في الغرب، وهذه قضية لا يحتاجها حزب العدالة والتنمية. ونلاحظ هنا الموقف الأوروبي من نجاح الاستفتاء"وبالرغم من الترحيب الرسمي الأوروبي بنتائج هذا الاستفتاء، فإن وسائل الإعلام الأوروبية كانت أكثر حذرا في التعامل مع الانتصار الذي حققه أردوغان وحزبه، إلى حد أن بعضها حذر من خطر "أسلمة بطيئة وخفية لتركيا في حال تمكنت حكومة العدالة والتنمية من تقليم أظافر القوى العلمانية والقضاء والجيش". إلا أن الكاتب والصحافي الألماني شتيفان بوخن يقلل من قيمة هذه التحذيرات ويرى بأن هذه الأسلمة "لم ولن تتحقق في المستقبل" ويضيف بوخن، في حوار مع دويتشه فيله، بأن الرأي العام الأوروبي بات مقتنعا، بعد ثماني سنوات من حكم حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية، بأن تركيا لن تصبح جمهورية إسلامية على الطريقة الإيرانية على يد هذا الحزب، وأنها أصبحت أكثر ديمقراطية بعد هذا الاستفتاء. لكن هذا لا يعني أن أبواب أوروبا باتت مفتوحة أمام أنقرة وأنّ انضمامها إلى الأسرة الأوروبية بات وشيكا. فأوروبا حسب بوخن، مشغولة بنفسها وبمشاكلها الداخلية وليست مهيأة لاستقبال قادم جديد خصوصا أن محادثات الانضمام بين الجانبين التركي والأوروبي لم تتطرق بعد إلى الملفات الحساسة. إن الخوف الأوروبي من أسلمة تركيا، هو عبارة عن تصدير إعلامي الغاية منه، إيجاد مزيدا من الذرائع والحجج لدى التيار الأوروبي المعارض لانضمام تركيا إليه مهما فعلت. قضية الحرية هي التي انتصرت وترسخت في تركيا، ودخلت طورا لا يمكن التراجع عنه، وهذا ما عبر عنه الاستفتاء الأخير. قيام دولة قانون ومؤسسات وحريات عامة وفردية، لا تخضع لاعتبارات العسكر السابق منها واللاحق، لتشكل نموذجا في العالم العربي. أما ما يقوله الإسلامويون العرب وأشقاءهم العلمانويين، فهي قضايا تعبر عن انسداد أفق الحرية في بلدانهم الأصلية، وتواطئهم مع عسكرهم، وإبرازهم للمسألة أنها حربا إفنائية بين الإسلام والعلمانية. بعد انتصار تركيا لقضية الحرية هذه، لازال هنالك ما يهدد تطورها العقلاني، وهو عدم إيجاد حل جذري للمسألة الكردية في تركيا. وهذه مهمة النخب التركية من أكراد وترك.. المسالة الكردية هي الجانب المظلم في تركيا الآن...وارى كمدخل لذلك أن يعلن حزب العمال الكوردستاني عن إلقاءه السلاح نهائيا، وأن تفرج الحكومة التركية عن كافة معتقليه وعلى راسهم السيد عبد الله أوجلان زعيم الحزب، ويتحول إلى حزب سياسي بلا جناح عسكري. والبدء بورشة نضالية سلمية تحدد الأهداف المطلبية على كافة المستويات السياسية والمدنية، واستخدام كافة الوسائل السلمية في النضال الكردي. وعلى الحكومة التركية أن تستمر فيما بدأته من إجراءات لحل هذه المسألة، وإنشاء مؤسسات سياسية تعنى بالاستمرار في حل هذه القضية وبدون توقف، مؤسسات تأخذ على عاتقها حل كل المسائل العالقة بين الطرفين بما لا يهدد السلم الأهلي، ولا يهدد الهوية الكردية في إطار سيادة الدولة التركية. وهنا يسجل" خطأ الحركة الكردية في تركيا بعدم مشاركتها في قضية الاستفتاء، وفي هذا الصدد هنالك مقالا ممتازا كتبه الصديق بدرخان علي في صحيفة الحياة بعنوان" الاستفتاء... كرديّاً" يفند فيه خطأ الموقف لدى الأحزاب الكردية التركية بالمقاطعة. وأهم من كل هذا على صعيد الحكومة التركية، وفي أجواء تقدم مؤسسي للحرية من جديد، أن تقوم بإجراءات عاجلة لإعادة الثقة بين المواطن الكردي وبين الحكومة. العمل المسلح في هذا الزمن لم يعد قادرا على فرض حلول، وخاصة في دولة كتركيا...يجب على الأشقاء الكرد أن يعيدوا حساباتهم وفق تطور الأمور وممكناتها أيضا، وفيما بعد لديهم كل الحق في النضال السلمي من أجل كل ما يرونه يشكل أهدافا لهم، لأنه في حال خسرت قضية الحرية وربحت علمانوية العسكر التركي مرة أخرى، فإن هذا أبدا ليس من مصلحة الشعب الكردي في تركيا. ويجب ألا ننسى أن ما تحقق حتى الآن من خطوات على صعيد حل المسألة الكردية، سجله التاريخ التركي باسم حزب العدالة والتنيمة الإسلامي. الاستفتاء أيضا كان ضد فساد العسكر العلمانوي! وضد التخلف الاقتصادي ومع التنمية المطردة للاقتصاد التركي. العسكر التركي الذي لو عدنا لسجله لوجدنا أنه ارتبط بفساد نخبه تحالفات زبائنية مشبوهة، وتصفيات جسدية لنخب سياسية تركية، وقمعه للشعب التركي عامة والكردي خاصة، ونتسائل" كيف للحركة الكردية أن تقف ضد الاستفتاء في تحالف مباشر أم غير مباشر مع هؤلاء العسكر؟! الآن بدأت محطات كردية تلفزيونية، وجامعات تؤسس، رغم أن عسكر العلمانوية لم يكن يستعد أن يسمع كلمة كردية واحدة. الحرية تتأسس بتركيا، وتحتاج أن تتأسس كرديا- تركيا أيضا.
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسيحية المشرقية والإسلامية المشرقية.
-
حوران بين قمح سورية وانفتاحها وبين...؟
-
هل أصبحت الشيعية السياسية طرفاً برّانياً في الكيان اللبناني
...
-
عندما يسرقنا الخوف إلى الوهم. إلى تهامة معروف وطل الملوحي عن
...
-
الفساد والتخلف......
-
الحريرية لم تعد سؤال الدولة اللبنانية.
-
خواطر حول نهضة يسارية.
-
واقع الصورة أهم من صورة الواقع.
-
الحداثة وسلطتها.
-
11 سيبتمبر بعد عقد الإرهاب ينتصر..
-
تركيا اليوم..
-
من حقنا اليأس قليلا...
-
انتصار السلطة يدعو- لبناء الذات-
-
عن انسحاب حزب العمل الشيوعي من إعلان دمشق.
-
نحن واليهود والأتراك في تصريحات سارازين.
-
القوة ومنهجية الوقت والأمل.
-
سلطة الدولة أم دولة السلطة؟
-
باب الحارة- خواطر
-
الديمقراطية شرق أوسطيا.
-
سورية مأزق يعاد إنتاجه5-5
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|