|
قصة قصيرة : ساحة ابو الريش
رغد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3136 - 2010 / 9 / 26 - 20:12
المحور:
الادب والفن
ساحة ابو الريش
اهداء خاص : الى احب حي لقلبي في بغداد .. الى حي ( المنصور ) .. سلامات ............................................................................................................ صادق .. الشاب اليتيم ، ( بائع قناني الغاز ) ، يقسم بالله الف مرة أنه رأى بعينيه مسامات رأس تمثال ( ابو جعفر المنصور ) تتفتح ومنها ينبت الريش، وظهر له جناحان في رأسه ، بعد ان تحول الى كائن خرافي ثم طار في تلك الليلة المشؤومة !!!! أهالي مدينة المنصورفي بغداد نعتوه بالمخبول، ولم يصدقه أحد !! قضية اختفاء رأس ( ابو جعفر) اصبحت الهم الاول لدى غرفة الاجهزة الكاشفة عن العطور والمخللات ومختلف أنواع حشوات الاسنان ، لهذا وضعت خطة امنية جديدة يقولةن انها محكمة ، خصوصا وان كل اللجان التي وضعتها لتدارس المسألة ما زالت تعمل منذ سنوات وتدرس القضية بصدق واخلاص ، اللواء حنتوش الحلاق صاحب الكرش الكبير، مهيب القامة ـ يسير وتحيطه كائنات مسلحة تتحرك حوله و تنتشرفي المكان وترتدي اللباس الاسود فتبدو كخفافيش الليل ـ يحدث زملاءه : ان الناس تلومنا على اختفاء رأس ابو جعفر لكننا نعمل بجدية ونتبع احدث النظريات العلمية معتمدين على خطط افلام الرسوم المتحركة ،لقد اصابتني هذه القضية بالصداع يا اخي لا اعرف ماذا ساقول للناس في التلفاز !! يقنعه زميله الملازم ماشى الليل حافي : ان اهالي المدينة ينتظرون ظهورك في التلفاز بلهفة وقلق .. هكذا وصلتنى معلومات استخباراتية دقيقة ، فعليك ان تشرح لهم في الاعلام ، وسيهدؤون لمجرد ظهورك وستطفىء نار شوقهم !! ويقتنع اللواء حنتوش الحلاق برأي زميله فيرتدى لغته العسكرية، يتعطر ويتجمل ويرسم اجمل واعرض ابتسامه على وجهه السعيد ، ويخرج في التلفاز خلال نشرة الاخبار قائلا : : ان الكتل الكونكريتية الموجودة كافية جدا و لن نحتاج للمزيد منها ، لكن علينا ـ من باب الحيطة فقط ـ أن نأخذ برأي صادق ( بائع الجرائد ) ، ندعوكم يا اهالي بغداد الى التعاون لغرض بناء كتلة كونكريتية كبيرة جدا تغطى السماء وسيتم رفعها واسنادها باعمدة لنضمن التقاط اي رأس يطير، اذا كان ادعاء صادق صحيحاً ، أما اذا كان باطلاً فانها ستضمن حسن المراقبة والتفتيش من الاعلى ، وهكذا ستؤمن حماية لكل الرؤوس الباقية .. ان العمل بهذا سيؤدى لاغلاق كل الشوارع الرئيسية والفرعية المؤدية الى بيوتكم وكافة الجسور ، عليكم فقط ان تتجاوبوا ولا تسببوا عرقلة للسير !! ، فجأة انقطع صوته في التلفاز لتغرق المدينة في ظلام دامس ، رغم وجود قليل من البقع الضوئية التى تخرج من بعض البيوت ،لتتشتت في الشوارع التى لا تسير فيها ليلاً سوى القطط !! . انقسم الاهالي بين مؤيد ومعارض لحديث اللواء حنتوش الحلاق ، ودبت الفوضى كما كثرت الشائعات والاقاويل التي تحاول ان تجد تفسيراً لاختفاء رأس ( ابو جعفر المنصور) من مكانه ، ازدادت النقاشات حول جدوى هذه الخطة الجديدة ،كتبت الصحف، وتناقلت الخبر وكالات الانباء العالمية ،ساهمت كل المنظمات العالمية بلجان التحقيق، الا جامعة الدول العربية لانها ما زالت مشغولة بقضية تحرير فلسطين، فأمينها العام يردد للاعلام : على ( رأس ابو جعفر ) ان ينتظر دوره بين القضايا العالقة !!! وبقيت ساحة ( ابو جعفر) كامرأة هجرها الحبيب ، تثير في القلب الحزن والكلم ، عافها بائعو قناني الغاز والجرائد ،وذبلت فيها الورود ،صارت مجرد قطعة مدورة تدور على فلك الأطلال ، ونعتها الناس بساحة ( ابو الريش ) عوضا عن اسمها الاصلي ساحة ( ابو جعفر المنصور ) !! اما اطفال مدينة المنصور فقد بدأوا يلعبون لعبة ظهور الريش في رؤوسهم و يمثلون مجالس العزاء و يتباكون على احد اصدقائهم وهو يمثل الاختفاء طيراناً !!، الهيئة الوطنية المطرية المتخصصة بغسل الامطار من ذرات التراب ، كي لا تؤثر على الآثار العراقية تدخلت ايضا وأخذت الامر على محمل الجد ، وباتت تقلق على اختفاء رؤوس أخرى مثل الرصافي والسياب والسعدون والمتنبي وغيرهم من رموز البلاد الثقافية و التاريخية ،فعقدت الكثير من الدراسات العلمية بحثاً عن طريقة في كيفية تثبيت تلك الرؤوس في مكانها ، وقررت أن تقوم بحملة واسعة النطاق لطلاء كافة التماثيل في بغداد ، العلامة الدكتورفهيم زمانه المختص بالهيئة يعدل من وضع نظارته ويقف امام الطاولة المستديرة في الاجتماع، حاملا اوراق بحثه ودراسته عن الموضوع وهو يحاول ان يقنع رؤساءه : ( ان ادعاء صادق غير معقول طبعا، لكن عملية الطلاء ستغلق المسامات في الرؤوس ولن ينبت فيها الريش حتى لو أن دعواه كانت تحمل ولو نسبة ضئيلة جداً من الواقع ، وإنْ كانت دعواه باطله فانها ستثبت تلك الرؤوس أكثر في مكانها ولن يقوى شىء على زحزحتها ، اضافة الى ان ذلك الطلاء سيزيد من عظمة الفن في تلك التماثيل !!، صدقوني لو كان أن ( مايكل انجلو) حياَ لأيدني تماما ) !! وهكذا اقتنعت الهيأة بالفكرة خصوصا وان الدكتور فهيم زمانه صاحب شهادة عليا جلبها معه من جمهورية ( الواق واق ) وهو ايضا ذو كفاءة عالية موثوق بها عالمياً ،وله بحوث مسجلة لدى هيئات المجاري العالمية ، لذا بدأت الهيأة العمل بنشاط وهمة نادرين لم يشهد تاريخ العراق مثلهما الا في القرن الواحد والعشرين !! وبينما ينهمك الدكتور فهيم زمانه في الاشراف بنفسه على عملية الطلاء ، التقى بام محمد فسألها: ما اخبار ابو محمد .. ألم يظهر بعد ؟؟ رفعت ام محمد ظهرها المنحنى وعدلت عباءتها الممزقة المتربة ، نفضت التراب عن نفسها ، ورمت بالكيس الكبير الذي معها ارضا ، وفتحت كفيها .. نظراتها تائهة: لا والله يا استاذ منذ ان احتفى رأس ابو جعفر ذهب معه ، وها أنت ترى حالى .. أعمل ليل نهار في كل مكان والحمد لله على فضله الخير موجود وكثير !! أدار الدكتور فهيم زمانه ظهره عنها، فانحدرت دمعتان ذليلتان بطيئتان من عينيها وتوجهت بيديها للسماء: يا الله اكثر من هذه النفايات ولا تقطعها .. اللهم زدها لي وبارك !! وعادت تواصل عملها بنشاط، حتى مرت امامها الطفلة امل وهي تحمل حقيبتها المدرسية الثقيلة لتهمس ام محمد لنفسها : يارب احفظ ساق هذه الطفلة كي لا تكون مثل محمد !! امل لم تتجاوز التاسعة ، ذات ضفيرتين، تسمي احداهما ( دجلة ) والاخرى ( الفرات ) ، وتجمع الضفيرتين معا خلف ظهرها ، تسير وهي تحدث نفسها : ( تاريخ .. تاريخ . تباً لدرس التاريخ ، اخشى ان ارسب في درس التاريخ ) يقطع حبل افكارها الاستاذ مصطفى مدرس التاريخ ، ويربت على كتفيها مبتسما : ما هذه البوصلة الجميلة بين يديك يا ابنتي ؟؟ تستيقظ امل من غمامة التاريخ ، تبتسم شيخوخة طفولتها : نعم يا استاذ لقد منحني اياها والدي لاستدل بها على الطريق فمنذ اختفاء رأس ابو جعفر لم اعد اعرف بيتى .. اشار الاستاذ مصطفى بسبابته نحو امل : نعم يا ابنتى ان ابوك فهيم زمانه عالم رائع ويخاف عليك ان تضلى الطريق، عليك ان تهتمي بدروسك كثيراً لتكوني مثله ، وها انا ابشرك ، سيتم الغاء فصل كامل عن ابي جعفر من المنهاج ، سيسهل عليكم الامتحان . بكل عفوية وبراءة اجابته امل : الله يا استاذ أحقاً سنتخلص من الشرح الطويل لقصة بناء مدينة السلام ؟! ينفعل الاستاذ مصطفى ويعلو صوته : قلت لك قررنا الغاءه من المنهج كلية لن تبقى لكم مدينة سلام!! وبينما هما يتحاوران ، يعلو نباح الكلاب .. تخاف أمل وتركض هرباً من المكان ، ليهمهم الاستاذ مصطفى : تتزايد هذه الكلاب السائبة يوماً بعد يوم ألم يجدوا لها حلا ، ما هذا؟؟!! وعند انتهاء الدوام المدرسي خرجت أمل من مدرستها،تسحب حقيبتها سحبا لشدة ثقلها، ثم بكت بدموع غزيرة فبوصلتها لم تعد تعمل، جلست ارضا تخطط بأصابعها على التراب ، وهى تحدث نفسها : ماذا سافعل الان ؟ لو انهم لم يضعوا هذه الكتل الكونكريتية في السماء لدعوت الى الله ان يصلح بوصلتي .. لكن الله لن يسمعني لقد ابعدوه كثيرا عنا !! استغرقت أمل في افكارها وهي تلتفت برأسها الصغيريميناً ويساراً حتى فتحت حدقة عينيها على اوسع ما يمكن وأشارت باصبعها الى ذلك الراس فوقفت اجلالا ثم قفزت وصفقت فرحاً ، واذا بصرخة مدوية ترتج لها الكتل الكونكريتية التى في السماء لتسقط على رؤوس اهالي مدينة المنصور ، لم تكن تلك الا صرخة ام محمد وهي تنبش النفايات حين عثرت على ( رأس ) .. ولكنه ليس رأس أبي جعفر المنصور !! .ملاحظات . • تم تفجير تمثال ابو جعفر المنصور في مدينة المنصور ببغداد عام 2003 واعيد ترميمه عام 2008 ويعد من معالم بغداد .. وبالذات حي المنصور الذي كثيراً ما تعرض للتفجيرات عن طريق السيارات المفخخة . • نقاط التفتيش في بغداد تستخدم اجهزة تؤشر وتتحسس العطور والمخللات وحشوات الاسنان وثبت عدم فعاليتها بالكشف عن المتفجرات باعتراف الشركة البريطانية التى صنعتها وما زالوا يستعملونها • قامت امانة بغداد فعلا بطلاء وصبغ التماثل لغرض الصيانة !! • النفايات والكلاب السائبة واقع حال بغداد وشخصية ام محمد حقيقية ليست من الخيال
#رغد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة ساخرة : ساحة ابو الريش
-
عقلي يتمدد
-
قصة قصيرة : خيمة من الكارتون
-
قصة قصيرة: خيمة من الكارتون
-
قصة قصيرة: اسمعني لا جدوى
-
قصة قصيرة: لعنة متوارثة
-
قصة قصيرة جدا : رصاصة لم تصيب
-
قصة قصيرة: عدالة قبيحة
-
قصة قصيرة جدا -:تجربة علمية
-
قصة قصيرة جدا: بقايا ريش
-
انا والاوزة وفنجان قهوة كويتية - قصة قصيرة
-
ولادة أم جنون ؟!
-
قصة قصيرة
-
لماذا لا يفعلها الحجر؟
-
قصص قصيرة جدا
-
كذبة اللحظة المتألقة - قصة قصيرة
-
دعوة البلورة الفضية - قصة قصيرة
-
العراق هو الرواية التي تحتاج النقد البناء
-
تلك قضيتنا
-
الهاتف
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|