أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سامح محمد إسماعيل - شهيد العشق الإلهي














المزيد.....

شهيد العشق الإلهي


سامح محمد إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3136 - 2010 / 9 / 26 - 09:08
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ولأن كل أيديولوجيا تنفي الآخر تماما ولا تعترف بحرية الفكر، فهي وإن تعرضت للاضطهاد في حقبة ما، فإنها للأسف إن سادت في حقبة أخرى لا تلبث أن تمارس المنهج الاستبدادي نفسه الذي ينفي الآخر وينكل به، فعندما تولى المتوكل الخلافة، وكان الرجل كارها للمعتزلة، فقرب إليه أهل الفقه والحديث، لاسيما الحنابلة، فتحول بذلك الجلاد إلى ضحية، ومارس الحنابلة سياسة القمع والترويع نفسها التي تعرضوا لها من قبل، فكان المعتزلة هدفا صريحا للانتقام من قبلهم، مثلما كان أرباب التصوف ضحية للحنابلة في القرن الثالث الهجري، وسرعان ما انتشرت المحاكمات ضد الصوفية بفعل نفوذ الحنابلة، وكانت محاكمة سمنون هي الأشهر في التاريخ حيث اعتقل وحوكم فيها كل أرباب التصوف الذين لجأوا إلى التقية وأنكروا عقائدهم خوفا من القتل.
وكان الحسين بن منصور الحلاج الملقب بـ "شهيد العشق الإلهي" هو أشهر ضحايا الاضطهاد الفكري القائم على أيديولوجيا لا تقبل بالآخر، حيث تتبع الحنابلة أقواله وأشعاره إلى أن تمكنوا من إلصاق تهمة الزندقة به، وفقًا لقراءة سطحية ومختزلة لأشعاره الصوفية العميقة المعتمدة أساسا على المجاز والرمز، ومنها:
أنتَ بين الشِّغَافِ والقلب تجرِي
مِثْلُ جَرْيِ الدُّمُوعِ مِنْ أَجْفَانِي
وتحلُّ الضَّميرُ جوْفَ فؤادي
كحُلُولِ الأرواحِ في الأبدانِ
ليس من ساكن تحرك إلا
أنت حركته خفـي المكان
ياهِلالًا بدا لأربعِ عَشْرٍ
فثمَانٍ وأَربعٍ واثنتانِ
آأنت أم أنا هذا في إلهين؟
حاشاي حاشاي مِن إثبـات أثـنَـيْـن
هــويةٌ لـك في لايئتي ابَــداً
كـلّي على الكلّ تلبيسٌ بـِوَجْـهـَيْـن
فـَأَيْنَ ذاتك عنّي حيث كنت أرى
فـقد تـفرد ذاتـي حيت لا أيــني
ونور وجهك؟ مقصوداً بناظرتي
في باطن القلب، أم في ناظر العين؟
بَيْنِـي وبَيْنـك إنّيٌ يُزاحِمُنِــي
فارفعْ بـِأنـَّك إنّـي مِـن الـبـيـن
كما يقول:
مُزِجَتْ روحك في روحي كما
تُمزَجُ الخمرةُ بالماءِ الزِّلالِ
فاذا مسّك شيء مسني
فاذا انت انا في كل حال
وقد أثارت كلمات الحلاَّج حفيظة الحنابلة، فاتخذوا من كلمتي "الحلول" و"المزج" دليلا على ما رأوه من تصريحه بحلول الله بالبشر (اللاهوت والناسوت) وكأن الشعر الصوفي قد جرف الرجل إلى المقصلة.
وبالفعل تم اعتقال الحلاج عام 301هـ، ولثمانية أعوام متصلة تعرض الحلاج للتعذيب في محبسه، إلى أن أخرج من سجنه عام 309هـ فتمت محاكمته بواسطة محكمة فقهية حنبلية انتهت إلى إلصاق تهمة المروق عن الدين والتجديف بهذا الصوفي الكبير، فضُرب ألف سوط، ثم قطعت يده ثم رجله وحزت رأسه، وأحرقت جثته، وألقي رماده في نهر دجلة،كانت آخر كلمات الحلاج وهو مشدود على الصليب الخشبي مناجيا ربه:
وأنت الذي في السماء إله
وفي الأرض إله... تجلَّ كما تشاء
مثل تجليك في مشيئتك كأحسن صورة
والصورة هي الروح الناطقة
الذي أفردته بالعلم والبيان والقدرة
هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي
تعصبًا لدينك وتقربًا إليك، فاغفر لهم.
ليذهب الحلاج مع من ذهبوا ضحية للتعصب الفكري، والجمود الأيديولوجي الذي كان بداية النهاية لدولة الخلافة.

وهكذا، وكما رأينا، فإن ذاكرة التاريخ محملة بالكثير من الأعباء والقصص المأساوية، بشكل ابتعدت معه عن الصورة المثالية الأخلاقية التي قدمتها الدولة الجديدة في عهد النبي  وخلفائه الراشدين، ولسنا هنا بصدد الانتقاص من التراث الحضاري والإنساني الذي خلفته دولة الخلافة وعلماؤها في المجالات الحضارية المختلفة من فنون وعمارة وآداب وعلوم، فهذا التراث الحضاري لا يبخسه إلا جاهل أو متعصب، بل يمكن القول بأنه يظل التراث الحضاري الأكثر تواصلا واستمرارية عبر التاريخ الإنساني، لكننا هنا بصدد الحديث عن التراث السياسي الذي قام على سياط الجلادين وتسخير أجهزة السلطة في خدمة الحاكم، وتجاهل الرعية بأكملها وتركها تئن تحت وطأة المعاناة الإنسانية والقهر والظلم وعدم الاكتراث إلا بمصالح النخبة الحاكمة ورغبتها في البقاء.
كان تأصل النزوع الأيديولوجي والحكم بفرضية التفويض الإلهي قد أديا إلى اتساع نطاق أيديولوجية الإسلام السياسي لتحتوي في إطارها المتمدد دائمًا مناحي الحياة كافة، ففرضت سطوتها لتؤدلج كل شيء في سياق صراعات سياسية ومذهبية وفكرية لا تنتهي، فكان حكم السماء دوما بيد الحاكم الذي اتحدت مشيئته بمشيئة الله، فأضحى الآخر فريسة سهلة تساق كل يوم إلى مقصلة السياف.



#سامح_محمد_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صلب المسيح (رؤية جديدة)
- الصهيونية بين القومية والوطن التاريخي(رؤية تاريخية)
- رواية الحديث بين الواقع والأسطورة


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سامح محمد إسماعيل - شهيد العشق الإلهي