|
أسطورة الزمن القريب .... شاهد في حضارة الرافدين.
محمد العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3135 - 2010 / 9 / 25 - 20:03
المحور:
الادب والفن
أسطورة الزمن القريب .... شاهد في حضارة الرافدين.. (( إن الكون متشابه في نظر كل منا، ومتباين في نفس الآن
فهو ليس كونا واحدا بل ملايين ، على عدد مافيه من
خوخ وعقول بشرية تستيقظ كل صباح .. هذا التباين في
الرؤى .. والتولد الجديد في التفكير هو نوع من الإزاحة
في دراسة الفن ، غادرت إلى الأبد تلك القطيعة بين
الفنون الرافدينية ومقارباتها في الفن المعاصر بسبب
انفتاح ميكانزمات بنية الفكر المعاصر.))
أ . د. زهير صاحب
نرى أن الإبداع الفني في بلاد النهرين تكون له منابع شتى، وكلها تحدث نشاط اجتماعي وفق دراسات سوسيولوجية تتصاهر مع الفن المعاصر بطريقة لا تخلو من التعقيد بل تحدد غايات الحياة أو الواقع في هذه البلاد ، وهنا ينطلق مؤلف الكتاب في كتابه الجديد لاستعراض الفنون التشكيلية في بلاد الرافدين ولكنها اليوم بخصوصية جديدة وبعين أخرى غي مانشاهدها نحن أو مايشاهدها الآخرون، انه هذه المرة يزيل التعقيد ليخرجها من حبيسة أفكاره وخزائنها المتحفية الزجاجية التي لايستطيع احد منا الوصول إليها ، ولكنه يعلن أمام العالم إنها وسيلة إبلاغ جديدة ، يتحدى بها الموضوعية في الطرح ، ليقول أن هذه المنحوتات هي أشكال حية تتكلم وتأكل وتشرب مثلما نحن . وبالتالي تحتفظ بقيمها الشكلانية بعد أن أخذت الطابع الحركي وتترك السكوني منها ، بعد أن استطاع أن يفعل خاصية الاستيعاب المبسط لدى المتلقي ، ومن ثم يأتي بمنظومات علائقي بنائية ، اخذ يفك بها كل طلاسم الفكر .
انه يستعرض (( الفنون االاكدية ، والسومرية الجديدة)) ويحركها بتحليل خطير جدا ليكون أسلوب يأخذ مداه في خارطة الفن المعاصر .. مثلما يتحرك الآن (( نصب الحرية)) لجواد سليم والذي قال عنه في يوم الفيلسوف(( مدني صالح)) أن بغداد لاتستوعب هذا النصب. أو مثلما تتحرك خزفيات سعد شاكر ورسومات شاكر حسن أل سعيد .. أنها تتواصل مع المعاصر وتؤسس في نفس الوقت الحداثة ومابعدها بالتعالق مع أنظمتها الشكلية ، كونها في حراك عبر مراحل تطور الفنون ، إننا نقع ضمن منهج تكاملي متعدد ومكتثر من المعلومات والمفاهيم والصور التوضيحية ، انه رؤية وواسطة لهدف نرمي إليه وهو منهج يستعير من التاريخية ويعلن فاعليته في الانصهار ضمن أبعاده السيكولوجية ويستند إلى المناهج النقدية المعاصرة في الدراسات البنيوية والسيميائية والتفكيكية وحتى التأويلية منها، هذا القصد من التقصي والتحليل يقوم بدافع التاريخية حتى يقر، التعددية الكاملة في فهم المنجز الأثري وفق معطيات حداثوية أو مابعدها ، ليعلن المؤلف انه يقيم حوارا مع الجميع وينفتح على الجميع بعد فك الرموز التي تتمتع بها الإبداعات الفنية الاكدية والسومرية الجديدة في حضارة بلاد النهرين.
وتأسيسا على ماتقدم... نرى أن حوار الحضارات اليوم سواء في الجانب الثقافي أو الفني أو حتى الديني والذي يشهدها الفكر المعاصر ... هو أن العالم يحتفي بمنجزاته وإبداعاته الحضارية ، ولكن عندما تكون أنت المؤسس الذي أزالت فيها عتمة الفكر لتكون شاهدا في كل متاحف العالم بالتأكيد تحتفي مثلما يحتفي الآخرون، كونها تعلن عن هويتها أينما تكون في كل بقاع العالم وتميزها الأصالة والتفرد .. (( إنها منمذجة ومشكلنة بخاصية متعالقة بشكل حيوي ، مع مهيمنات الفكر الحضاري التي أوجدتها أنها بمثابة تشييد لهذه المهيمنات أبدعها الفنانون في الوسط المناسب بين الحرية الذاتية الواعية وبين الجوهر الأخلاقي العام ... ص2)).
من خلال الدراسة الأكاديمية لحضارة بلاد النهرين هناك مميزات أوجدناها في أن هذه الحضارة تتحول بسمات لاتعطي للزمن أي دور وكأنها في جريان من الماء ، والمعروف في المدارس الفنية أنها تجعل من أعمالها أسلوب وسمات حراك للزمن دور مؤسس ومؤثر بالرغم من عدم وجود الحواجز ولكنها أسست المدارس الفنية وهي لم تخترع الكتابة الافي فترة متأخرة هذا الاستقرار في الأسلوب هو الذي اخذ يطوع المنجز الرافد يني بطابع خاص يضايف فيه الخطابات الفكرية في بابل وأكد وآشور وحتى سومر الجديدة ، هذه الوسائط بالرغم من عدم وجود التحديد ألزماني التي يراد منها تكوين نظام شكلي ، ربما تتعرض إلى نوع من عدم الاهتمام حتى يظهر هناك أسلوب له أكثر أهمية ، مثلما وجدناها في الفنون الفرعونية التي ابتعدت عن التوحد في النظم الشكلية ، وبالتالي تحولات بلاد النهرين المقرونة بفنونها هو تحول في منظومة الأفكار التي تلامس الفنون من حالة إلى حالة متجددة أخرى هو الذي شجع المؤلف على إن يعتمد عنصر التشبيه في مثل هكذا تحولات ، هو ليس موضوع مقارنة بتحول الأساليب الفنية مثلما متعارف عليه الآن من الرومانسية إلى الرمزية إلى التجريدية والمدارس الأخرى ولكن هناك دائرة وعي فكري تلعب به المنجزات الرافدينية وكشف هذه الإبداعات جعلتنا إن نغوص في إعداد أساليب لنقول الأسلوب السومري الأسلوب الاكدي ومثله الاشوري ، وبعها ننطلق ضمن فلسفات أسست الفكر بعد أن تحركت منظومة هذه الأشكال لتؤكد الخواص التي كانت منطلقة منها، ولهذا السبب أعطى (( المؤلف)) وثائق تحليلية بعد أن استند إلى وثائق ذات دلالات فكرية ممنهجة ليعلن إن هناك تحديث في هذه الأساليب وبالتالي هناك خاصية اختلاف بنيت في المعنى . الأسلوب السومري وفي كثير من كتاباتنا ودراستنا أوجدناه مفعم بل مغرق ، بالروح اللاعبة في دائرة المعتقدات الدينية ، والتي انصهرت فيها الإشكال لتعلن ملاصقتها لهذه الأفكار ، ومن ثم تعلن خروجها لمرة وتلعب ضمن دائرة داخلية هي دائرة الوعي والجمال الروحي ، هذه التاسيسات المنطلقة بعالم المثل جعلت من الفنون السومرية أن تتعامل بالميتافيزيقيا وتجعل كل اللامرئيات بصب قوالبها في المرئيات عندما تكشف المنجز بهكذا تعامل تنطلق من منطلقات التعبير نحو المطلق ، والتحول الآخر كان في هندسة المعنى عندما تقدم المنجز الاكدي الذي هو في الأصل غير منفصل عن المفاهيم المتحركة لسومر بل كانت لفنون العمارة ، وحتى المنجزات النحتية وانتهاء بالأختام الاسطوانية كلها كانت تلعب في مصاف التجريد والاختزال ، أنها تستحلب المضمون وتضيف الرمز بدلالة النظام الشكلي لا للمحافظة عليه وإنما عرض لخصوصية التحول من أشكالها الواقعية وانتقالاتها المختلفة .
الاكديون لهم الفضل في تعميق التأويل الفكري في المنظومة التشكيلية الرافدينية ، فعل خاص لا بل يتفرد من خواص التعبيرية في السومريين إلى خواص ميزت منتجاتهم لتعلن الحداثة إنها قريبة الآن جدا من الأعمال مثلما قاربها المؤلف عند النحات (( برنيني وكانوفا)) وغيرهم من النحاتين الآخرين.
وإذا كان موضوع تمييز الذات عند الفيلسوف (( ديكارت)) نجد إن الذاتية تعامل معها الفنان الاكدي وفق منظومات تقنية لتكون أول تجربة طباعة هذا جانب الجانب الأخر حالة التفرد بالختم الاسطواني هو تأكيد الذات بالتوقيع الشخصي خاصية تمييز بين الناس في بلاد النهرين تفعيل لحرية شخصية موجودة قبل أكثر من 3 ألاف سنة. الفكر الإنساني الرافد يني لاينضب .. لتنال الزقورة اهتمام المؤلف في معالجة الفلسفة المعمارية من خلال بناؤها الجديد ، إنها انتصار للبناء الواقف على حساب الامتداد العرضي نسق شكلي مركب تتوالد فيه عناصر التشكيل من كل جانب ولازال عامل الوصول إلى عالم المثل هو الصورة الضاغطة المهيمنة على مشهد الحدث .
أما تماثيل الأمير (( كوديا)) عندما سماه المؤلف تسمية عراقية خالصة (( جودة )) هذه دعوة للتفكير عندما تستحضر مقولة الفيلسوف(( هيغل)) عندما يقول يحتاج الخلق الفني إلى طاقة حيوية. لا بل الطاقة موجودة في (( كوديا)) ونافذة المفعول في وحدة متكاملة من الروح الانفعالية والشعور. ومن هنا نقول أن المنحوتات الاكدية لم تنجز كشكل جامد أو قالب إنها أفرغت بها حيوية هائلة تحولت بها كل سمات التعبير خليط تجانس فيه الفكر السيكولوجي والمايثولجي وحل فيها عالم وعي فكري هو الإنسان السومري الجديد.
المؤلف: د. زهير صاحب
الكتاب: أسطورة الزمن القريب
الطبعة الأولى
السنة: 2010
الطباعة والنشر والتوزيع: دار الأصدقاء
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد ( 642) لسنة 2010
#محمد_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الضوابط المألوفة في اللوحة التشكيلية .... عند الرسامة بتول ا
...
-
العراقي الحقيقي هو الذي يُبدع في كل الظروف
-
الفن التشكيلي الخزفي والحدث السياسي………
-
عمر المطلبي .... لوحات تقنية .. مناورة حققتها الصدفة.
-
الخزاف تركي حسين ... جماليات الفكرة المباشرة
-
عماد الطائي ...الحداثة وثقافة المفردة في اللوحة التشكيلية.
-
قاسم نايف .... البحث عن مسارات مغايرة .في فن الخزف...
-
أثر البيئة الاجتماعية والموروث الحضاري في الأسلوب الفني ……
-
فضاءات نضال الأغا اللونية...والتعامل مع اللوحة التشكيلية.
-
علي نوري ....واتجاهات الخزف العراقي المعاصر.
-
الأستاذ الدكتور زهير صاحب.......حاوره : محمد العبيدي
-
بلاسم محمد جسام ... وفكرة انغلاق النص ... في اللوحة التشكيلي
...
-
مدينة ايشنونا المرجع والتواصل..وبداية تكوين المدن.. في بلاد
...
-
بناء المكان في فن الفخارالرافديني القديم.....
-
علي الرواف .... أعمال خزفية ، إذابة التجسيم ، تحطيم الوزن وا
...
-
( عشقت اللوحة والطين والحجر ) حوار مع الاستاذ الدكتور محمد ا
...
-
قواعد المنظور وأسس الرؤية في فن الفخار (بلاد الرافدين)
-
التقويم الجمالي ...... فخار سامراء ...
-
الموضوع الفني ..... فخار سامراء .
-
شرحبيل ، رائد ، يا سين .... نوافذ للنزهة
المزيد.....
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|