أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - صفحة الحوادث والأدب الروائي














المزيد.....

صفحة الحوادث والأدب الروائي


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 947 - 2004 / 9 / 5 - 08:34
المحور: الادب والفن
    


صفحة الحوادث في الجرائد - هي أعظم ناشر للروايات والقصص ، وستجد في حوادثها شخصيات مرسومة ، ودوافع واضحة ، وحبكة فنية ليست بحاجة لتعديل تقريبا . ولا أتخيل جريدة حقيقية من دون هذه الصفحة . ولو كنت مكان رؤساء تحرير المجلات الأدبية لضمنتها صفحة حوادث باعتبارها مادة أدبية خصبة . وعادة فإن أول ما أفتش عنه في الصحف وأول ما أقرأه هو تلك الصفحة ، وعندما أنتهي منها تماما أنظر في عناوين الصفحة الأولى . وأنا أطالع قصص الحوادث بشغف واهتمام كبيرين لأسباب فنية ، واجتماعية ، وسياسية . ذلك أن تلك الحوادث تطرح قضايا الصراع الاجتماعي من زواياه الحادة الدرامية التي تنتهي فيها مصائر البشر بالقتل ، أو الانتحار ، أو الهروب . ومازلت أذكر قصة امرأة من قرية نائية قتلت منذ عام سيدة عجوز لأنها بحاجة إلي جنيهين اثنين ، لأن زوجها الذي هاجر للقاهرة لا يرسل لها مع طفليها سوى جنيه واحد يوميا ، فالجنيهان اللذان قد نلمع بهما حذاء في القاهرة يساويان حياة عجوز تقتل في الريف، وتحويل مسار امرأة شابة من ربة بيت إلي مجرمة ، ثم تيتيم ولدين للأبد . ويتضمن عدد 30 أغسطس من الأهرام حادثة عن شابة في الثلاثين من عمرها ، تزوجت من سائق مسن منذ ثماني سنوات أنجبت خلالها خمسة أطفال في حي روض الفرج ، وفي ليلة الحادثة استيقظ الزوج ليلا على صراخ أحد أطفاله فأيقظها لترى ما الذي يحتاجه الطفل ، فنهضت بهدوء واتجهت إلي الحمام وأغلقت الباب عليها ثم صبت على جسدها كيروسين وأشعلت النار في نفسها . بسؤال الجيران فيما بعد اتضح أن كل مشكلات الزوجة كانت العمل الشاق داخل البيت . ولكن لنا أن نتخيل الجزء السابق على الزواج ، أي الظروف التي أرغمتها وهي شابة على الزواج من رجل مسن ، ثم إنجاب الأطفال من رجل لا تحبه ، ثم القيام ليل نهار بخدمة أطفال الضرورة من دون محبة لهم ، أو شوق لزوجها ، أو أمل في تغيير حياتها ، أو ساعة راحة.
بوسعك في صفحة الحوادث أن ترى نسيج الحياة وهي تصارع في أشد لحظاتها احتداما وتأزما وصراعا ، وبوسعك أيضا أن ترى النماذج الأدبية الكبيرة . ويذكر الكثيرون رواية غسان كنفاني الجميلة " رجال في الشمس " ، حيث يحاول بعض الفلسطينيين دخول الكويت بطريقة غير شرعية بحثا عن فرصة عمل ، فيتكدسون داخل صهريج سيارة لنقل الوقود ، وتتعطل بهم السيارة عند الحدود لحين الانتهاء من إعداد تصريح الدخول ، فيموتون ببطيء ، داخل الصهريج ، من دون صوت . ولن يخطر على بال أحد أن هذه الحادثة تقريبا كما هي قد تقع عندنا . ففي عدد الأهرام المشار إليه ستجد رجال آخرين من عندنا في الشمس . حدث ذلك عندما ضبطت أجهزة الأمن ثمانين شخصا على الحدود المصرية الليبية وهم يحاولون التسلل إلي ليبيا بحثا عن فرصة عمل . الآن تخيل بهدوء ثمانين شخصا يتجمعون في الصحراء ، تدفعهم ظروف الحياة القاسية للهروب إلي الجحيم ، بحثا عن الخبز والعمل ، ثم تخيل كيف ألقي القبض عليهم ، لأنهم يحاولون توفير مستلزمات الحياة الضرورية لهم ولأبنائهم . القبض عليهم ذاته مضحك ، ويثير الرغبة في البكاء ، فهل يعد السعي وراء الطعام جريمة ؟ وهل يلقى القبض على الذئاب والعصافير والكلاب التي تفتش عن طعامها ؟ على أية حال لك أن تتخيل أن أجهزة قامت بترحيلهم إلي مديرية أمن الإسكندرية ، حيث تم تحديد هوية كل منهم ، ثم تم جمعهم بعد ذلك في سيارتي ترحيل ، حيث حشروا كل أربعين شخصا داخل سيارة ! ولك أن تتخيل أنه كان واضحا للجميع : للشرطة وللأربعين شخصا وللسائق أن ذلك العدد أكثر مما تحتمله سيارة واحدة ، وتخيل تلك الصيحات اليائسة لأولئك الباحثين عن طعام وراء الحدود وهم يزعقون بأن جوف السيارة لا يتسع لهم ، فلا يستمع أحد إليهم ! ثم تحركت السيارتان على الطريق إلي القاهرة قاصدتين قسم شرطة الخليفة ، تحمل ثمانين شخصا متهما بالبحث عن الطعام ! وبسبب تكدس اللحم البشري توفي اثنان مختنقين ، وأصيب أربعة آخرون باختناق واضطراب في التنفس ! وعندما وصلت السيارتان إلي قسم الخليفة كانت تنتظرهما عشر سيارات إسعاف نقلت الجميع إلي المستشفى ! . إنهم رجال آخرون ، تحت شمس أخرى ، قتلوا داخل السيارات ليس في رحلة الذهاب ، ولكن في رحلة العودة إلي الوطن !



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القمة والقمامة في مصر
- ثورة يوليو .. بهجة التاريخ
- نموذج بولاق .. لسيادة العراق
- طانيوس أفندي عبده .. الكاتب المجيد
- بط أبيض صغير
- أدب سياسي
- مجموعة - نيران صديقة - لعلاء الأسواني
- ترجمة الروح
- فاطمة زكي ونساء الثورة
- كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد
- وجهة نظر روسية في الاستراتيجية الأمريكية لعالمنا
- الشيخ أحمد يـاسـيـن ما الذي اغتالوه .. ؟
- القاهرة تهتف للعراق
- راشـيـل كـوري ضـميـر الـزهرة
- الدكتور أبو الغار وكتابه إهدار استقلال الجامعات
- الصحافة المصرية لحظـات مضيـئـــة
- الرد على العملية الأخيرة في العراق
- محمد صدقي .. وداعا
- البيان الختامي للملتقى الأول للجان الشعبية المصرية لدعم الان ...
- ليس من جدار واحد ينشع دم الفلسطيني


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - صفحة الحوادث والأدب الروائي