|
هل تتلاشى فلسطينية -القضية الفلسطينية- بعد تلاشي قوميتها؟!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3135 - 2010 / 9 / 25 - 14:42
المحور:
القضية الفلسطينية
ليس من سؤال مستغلق على الإجابة الآن أكثر من سؤال "ما هي القضية الفلسطينية؟". حتى هذا التعبير أو العبارة أو المصطلح تلاشى، أو كاد أن يتلاشى، من الألسنة والأقلام، ومن البيانات والقرارات والمواقف..، الفلسطينية والعربية، وحلَّت محله تعابير وعبارات ومصطلحات جديدة، كـ "قضايا الوضع النهائي"، و"حل الدولتين"، فإنَّ كل ما يمتُّ بصلة إلى "القضية الفلسطينية"، مفهوماً وواقعاً، أصبح أثراً بعد عين، ويُراد له أنْ يُعرَّف تعريفاً جديداً، تُمْسَخ فيه "القضية" مسخاً تلمودياً، يأتي به الفلسطينيون أنفسهم، وبمعونة عربية؛ وفي هذا الاتِّجاه يسير "التعريب الجديد" الذي نراه الآن للقضية القومية للشعب الفلسطيني، والذي إنْ قارناه بـ "التعريب القديم"، نرى "المأساة" تتحوَّل إلى "مهزلة".
إنَّ إعادة تعريف "القضية الفلسطينية"، بما يسوِّي النزاع، ويُصْلِح ذات البين، بين "الحقوق (القومية للشعب الفلسطيني)" و"حقائق الواقع (الفلسطيني والعربي والإقليمي والدولي)" هي المهمة التي لم يتوفَّر على إنجازها، حتى الآن، الفلسطينيون والعرب، وكأنَّ إسرائيل، في عهد نتنياهو ـ ليبرمان، هي وحدها التي يحق لها أنْ تعيد تعريف كل ما يمتُّ بصلة إلى الصراع، جوهراً وشكلاً؛ وليس أدل على ذلك من أن حكومة نتنياهو قد أعادت تعريف الاعتراف الفلسطيني (والعربي) بإسرائيل إذ أوضحت وأكدت، غير مرَّة، أنَّها تريد للمفاوض الفلسطيني أن يعترف بإسرائيل، في اتفاقية الحل النهائي، على أنَّها "دولة يهودية"، تخصُّ "الشعب اليهودي" فحسب.
حكومة نتنياهو هي التي تتوفَّر الآن، غير مشكورة، على إعادة تعريف "القضية الفلسطينية"؛ لأنَّها تحتاج إلى ذلك، فهي لن تعترف بوجود شيء يدعى "القضية الفلسطينية" إلاَّ إذا نجحت في جعله، مفهوماً وواقعاً، متفرِّعاً من اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية"، بكل ما يترتَّب على هذا الاعتراف من عواقب.
كيف لا يحقُّ لها هذا وهي ترى بعينين يقظتين لا تغشاهما الأوهام التي تغشى العيون الفلسطينية والعربية أنَّ تلاشي قومية (وعروبة) القضية الفلسطينية هو "الفعل الماضي"؛ وتلاشي "فلسطينيتها" هو "الفعل المضارع"، فإنَّ غالبية الشعب الفلسطيني، أي الفلسطينيون الذين طُرِدوا من أرضهم ووطنهم القومي، يتعرَّضون الآن للطرد من "البيت السياسي الفلسطيني"، فـ "الحق في العودة"، والذي استمسكت، وتستمسك، لهم به قيادتهم السياسية العليا، أصبح كـ "القضية الفلسطينية" نفسها، شيئاً مستغلقاً على الفهم، أي على فهمهم هم، وعلى فهم كل من يفهم.
هذا "الحقُّ" مُسِخَ، أوَّل مرَّة، إذ أُكْرِه الفلسطينيون (والعرب) على فهم قرار الأمم المتحدة الرقم 194 على أنَّه نفيٌ وإلغاء لكل ما هو إيجابي فلسطينياً في قرار الأمم المتحدة الرقم 181، فـ "عودة اللاجئين" ما عادت عودة إلى إقليم "الدولة العربية"، توأم "الدولة اليهودية"، في "قرار التقسيم"، وإنَّما إلى إقليم "دولة إسرائيل" الذي توسَّع في أراضي "الدولة العربية" بعد، وبفضل، "التعريب"، في طوره الأوَّل، أي في طور "المأساة"، أي في حربي 1948 و1967.
ومُسِخ، مرَّة ثانية، إذ أصبحت "العودة" عودتهم (النظرية في المقام الأوَّل) إلى حيث لم يكونوا قبل تهجيرهم وتشريدهم، أي إلى إقليم الدولة الفلسطينية (في الضفة الغربية) عند قيامها، أو إذا ما قامت لها قائمة.
بموجب "المسخ الأوَّل" يمكن أن يعود منهم نحو عشرين ألف لاجئ؛ وبموجب "المسخ الثاني" أعيد تعريف "العودة" بما أفرغ "العودة" من معناها الحقيقي حتى في اللغة.
ولو قامت الدولة الفلسطينية غداً، وحان للفلسطينيين أن يُتَرْجِموا "حق العودة"، في مسخه الثاني، بأفعال لرأينا نزراً من اللاجئين يعود، أو يستطيع العودة، إلى إقليم الدولة الفلسطينية؛ فإنَّ إعادة تعريف "حق العودة" لن تكتمل إلاَّ في المسخ الثالث لهذا الحق، أي بعد، ومن خلال، إعادة تعريف "من هو الفلسطيني"، على وجه العموم، و"من هو الفلسطيني" الذي يحق له أن يتمتَّع بحق "العودة" إلى إقليم الدولة الفلسطينية، على وجه الخصوص؛ وربَّما يُقال ثانيةً، في سياق "المسخ الثالث"، إنَّ ملايين من اللاجئين الفلسطينيين سعداء حيث هم، ولا يحقُّ لأيٍّ كان أن يكرههم على أن يتنازلوا ويتخلُّوا عن "سعادتهم"!
وفي "التعريب الجديد"، الذي تتولاَّه "لجنة مبادرة السلام العربية"، و"نواتها الصلبة"، على وجه الخصوص، والذي يقترن بـ "المسخ الثالث" لـ "حق العودة"، لن نرى من "قومية (وعروبة)" القضية الفلسطينية إلاَّ ما يلبِّي، على خير وجه، مطلب (أو شرط) إسرائيل أن يعترف بها الفلسطينيون (والعرب) على أنَّها "دولة يهودية"، فـ "اللاجئون السعداء حيث هم الآن" سيزدادون "سعادةً" من خلال تمتُّعهم بـ "حقوق الإنسان"، و"حقوق المواطنة غير الفلسطينية"، وحصولهم على "التعويض المالي"، وأشباهه، بعد، وبفضل، إبدائهم "عدم الرغبة" في العودة إلى إقليم الدولة الفلسطينية؛ وكيف لهم أن يبدوا الرغبة في "العودة" إذا ما أريد لهذه الدولة أن تكون بخواص وسمات تجعل "حق العودة" عديم الجاذبية (اقتصادياً وسياسياً..)؟!
إنَّنا لن نرى من الآن وصاعداً من "قومية (وعروبة)" القضية الفلسطينية إلاَّ ما يشبه، أو يماثِل، "قومية" الموقف العربي من كل صراع للولايات المتحدة مصلحة في زجِّ دولٍ عربية، وجيوشها، فيه، فالعرب "قوَّة عسكرية (وسياسية واقتصادية) واحدة" في حروب ومعارك الولايات المتحدة، ولو كانت (في أهدافها ودوافعها وعواقبها) ضد "الأمن القومي العربي"، وقوى عاجزة، لا حول لهم ولا حيلة، في كل أمر يتحدَّاهم أن يعيدوا إلى "القضية الفلسطينية" طابعها القومي، وأنْ يعاملوا إسرائيل بما يُظْهِر ويؤكِّد أنَّهم يفهمونها على أنَّها عدوهم القومي الأوَّل، فإنَّ "تزويرهم" للأعداء لا ينفي، وإنَّما يؤكِّد، وجود العدو الحقيقي لهم، ألا وهو إسرائيل.
بأيِّ ميزان تزن الدول العربية الآن "التزامها القومي" في ما يخصُّ الشعب الفلسطيني، وقضيته القومية؟ إنَّها تزنه إمَّا بميزان التزاماتها التي تضمَّنتها معاهدات السلام مع إسرائيل، وإمَّا بميزان التزامها السلام (مع إسرائيل) خياراً إستراتيجياً؛ فهل من وزن أو ثقل يُذْكّر لذلك الالتزام في هذا الميزان أو ذاك؟!
مِنْ خيار "لا خيار عربياً إلاَّ السلام" تفرَّع، فلسطينياً، وبمعونة عربية حقيقية، خيار "لا خيار إلاَّ المفاوضات ولو لم تَقُدْ إلى السلام (أو إلاَّ إلى السلام الذي تريده إسرائيل)".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-شقَّة- ليبرمان و-حَماة- عباس!
-
الحكومة الأردنية تبحث عن -خلخال حزبي- للبرلمان المقبل!
-
التناقض في منطق الاعتراف العربي بإسرائيل!
-
العرب يحتاجون إلى هذا -التَّتريك الديمقراطي-!
-
نتنياهو إذ تحدَّث عن -الشراكة- و-الشعب الآخر-!
-
سنةٌ للاتِّفاقية وعشرة أمثالها للتنفيذ!
-
أسئلة 26 أيلول المقبل!
-
في انتظار التراجع الثاني والأخطر لإدارة أوباما!
-
لا تُفْرِطوا في -التفاؤل- ب -فشلها-!
-
حرب سعودية على -فوضى الإفتاء-!
-
في الطريق من -العربية- إلى -الرباعية الدولية-!
-
حُصَّة العرب من الضغوط التي يتعرَّض لها عباس!
-
حرارة الغلاء وحرارة الانتخابات ترتفعان في رمضان!
-
عُذْرٌ عربي أقبح من ذنب!
-
ظاهرة -بافيت وجيتس..- في معناها الحقيقي!
-
في القرآن.. لا وجود لفكرة -الخَلْق من العدم-!
-
-السلبيون- انتخابياً!
-
عباس.. هل يرتدي كوفية عرفات؟!
-
صورة -المادة- في الدِّين!
-
هل أصبحت -المفاوضات بلا سلام- خياراً إستراتيجياً؟!
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|