|
كوردستان بين المدن الفاسدة والفاضلة
ئارام باله ته ي
الحوار المتمدن-العدد: 3135 - 2010 / 9 / 25 - 01:05
المحور:
المجتمع المدني
منذ أن تصور أفلاطون بأمكانية وجود جمهورية فاضلة يعطى فيها كل ذي حق حقه و يعمل كل فرد في اختصاصه ، دأب المفكرون و الساسة و حتى عامة الشعب كلما ساءت الظروف السياسية و الأقتصادية و الأجتماعية ، على التفكير بالحلول المتأتية بالأنفراج من قسوة الظروف التي تهيمن عليهم . وكل حسب فهمه أو مصلحته يعد ويحصي القيم التي يجب أن تبنى عليها المدينة (الدولة) ، وكان الفارابي انطلاقا من ذلك قد طرح (اراء أهل المدينة الفاضلة) عندما بدأ المجتمع الأسلامي يفقد المركزية السياسية وأفتقاد الكثير من قيمه . لا نستطيع تبني اراء أفلاطون ولا الفارابي اللذان تطرقا الى مشاكل متعلقة بحقب تاريخية معينة و بمجتمعات بحد ذاتها ، وليس الغرض من السرد أعلاه الهدي على منطقهم . لكني تعمدت ذلك للفت الأنتياه الى محاولات الأصلاح في كل عصر و في أي مجتمع بدرجة أو أخرى . ولابد أن يعكس مفكر أو مثقف أو نخبة معاناة الفئات المهمشة والناس المعدمين من كل حق . و كل محاولة اصلاحية تتطلب بالدرجة الأساس تغير (مفهوم القيم) و تعرية الثوابت التي لم تعد ملائمة لمتطلبات الحياة الجديدة . ان ذلك لا يتم بسلاسة وانسيابية ، فكل جديد يعترضه القديم المترسخ المتمثل في مصالح فئة تسيطر على مقدرات المجتمع (المدينة) ، و أي تغير في فهم القيم يعني اخراجهم من تلك البروج التي شيدوها على حساب الاخرين ، الأنكى من ذلك هو اعتراض بعض الفقراء المنبوذين المهمشين على ثورة تغير القيم ، ليس لأنهم يستفيدون من الوضع العام ، لكن بسبب رسوخ تلك القيم في ذهنهم بفعل الزمن و الجهل و غسيل الدماغ الذي تعرضوا له من قبل الطبقة (المثقفة) سياسيا و دينيا ، و التي تروج لأيديولوجية القوى الأجتماعية المهيمنة ، حتى أصبحت تلك المفاهيم و العادات و القوانين و القيم في أعينهم ، غير قابلة للمساس . ان المجتمع الذي لا يستطيع أن يغير قيمه و يبقى مترنحا في حالة الركود ، لا محال يفسد . اذ أن الحياة تحتاج الى حراك دائم ، ان لم نقل الى ثورة دائمة . و بعكسه فأن مواكبة عجلة التطور و المضي في ركب ( المدن الفاضلة ) سيكون أمرا مستعصيا . ان (المدن الفاضلة) في القرن الحادي و العشرين لا تحيد عن الديموقراطية و تقديس حقوق الأنسان و التقيد بالقانون ، و تطبيق العدالة الأجتماعية ، و تكافؤ الفرص ، و تثمين دور الفرد لا سيما الخلاق المبدع منه كائنا من كان . ان (المدينة الفاضلة) وفق منطق هذا العصر ، وليس وفق منطق أفلاطون الطبقي العبودي الذي ولى زمنه ، تحتاج الى مواطنين متساوين في الحقوق ، أحرار لا يخافون دون القانون ، الذي يطبق على الجميع ، لومة لائم . أحرار في التفكير و الرأي و الممارسة بعيدا عن رقابة المجتمع التي خلقت بدورها رقابة ذاتية . ان هذا المواطن وحده من بأستطاعته خلق ( المدن الفاضلة) وتشييد أسسها على أنقاض وركام الماضي الغابر، و تطويرها دون هاجس السلطة و المجتمع و العشيرة والسلطة الأبوية ، والأستعباد الأقتصادي الذي أعاد نوع اخر من العبودية . سبق أن دعوت الى عقد اجتماعي جديد و مجتمع كوردستاني جديد في سلسلة مقالاتي ( نقد المجتمع الكوردي ) نتمكن من خلاله التخلص شيئا فشيئا من رواسب و مخلفات الثقافة العفنة التي تكتسي ذهن الأنسان الكوردي ، و تصنع من مجموعه مجتمعا (فاسدا) بالمعنى العلمي لهذه الكلمة و بناءا على تصرفات هذا المجتمع و تشتته و تيهانه وتخلفه عن معنى القيم الحرة الحديثة في العالم المتحضر . بعد نشر تلك المقالات باللغة الكوردية في صحيفة محلية ، سمعت أن بعض أنصاف الشعراء و أشباه المثقفين المستفيدين من بقاء الأذهان معتمة ، حتى يبقى منطقهم هو الرائج . قد نالوا مني بألسنتهم في مجالسهم الخاصة ، حيث أن هذا الجديد الذي أدعوا له (على تواضعه) يهدد بزلزلة موائدهم الدسمة و ثقب جيوبهم الممتلئة . هذا دون أن يتجرأ منهم أحد على مناقشة الموضوع الذي طرحته في أية وسيلة اعلامية ، حيث سينكشف منطقهم المترهل . اني أدعو كل اخواني و أصدقائي المثقفين و المحبين للثقافة ، أن يتحدوا من أجل القيام بثورة فكرية تصدع أركان البناء القديم حتى يصبح ايلا للسقوط . ولحينها نسعى الى بناء الأنسان الحر المتساوي في جميع الميادين ، وبالتالي الأنسان الذي لا يهمه شيئ أكثر من الوطن و مصلحة هذا الوطن و رقيه بعيدا عن كل الدوائر الأنتمائية الصغرى ومحسوبياتها . ان ( المدن الفاسدة ) في القرن الواحد والعشرين لازالت تعيش على منطق البدو( البدوي وهاب و نهاب) ، البدوي يأخذ حقه بيده و العاجز عن ذلك يحتاج الى شهود ، والبدوي و أخاه على ابن عمه وهو و ابن عمه على الغريب . ثم ان (المدن الفاسدة) هي التي لاتقيم قدرا للأنسان بأعتباره انسانا مجردا ، بل يأخذ القيمة من العائلة والعشيرة والمال . في مثل هذه المدن ليس للديموقراطية معنى حقيقي و لا لحقوق الأنسان سوى زركشات شكلية بلا عمق . في المدن الفاسدة تلعب المحسوبية الدور الأكبر و ربما الوحيد في التكليف بالمهام العامة. ويهدر المال العام على المتملقين و المنافقين ومن يسهمون في ابقاء الحال كما هو ، ويعززون تثبيت أركان الوضعية السائدة . نتيجة ذلك كله يستشري الفساد في جسم (المدينة) ، وينخر عظام مواطنيها . سؤال أطرحه للنقاش و ابداء الرأي ولكن بعيدا عن التحمس في التطبيل ، والتطرف في التظليل . هل نحن نعيش في مدينة (فاضلة) أم (فاسدة ) بالمجمل العام ؟ .
#ئارام_باله_ته_ي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين حرق القران وحرق الأنسان في كوردستان
-
الحرب المقدسة وحرق القران ومستقبل العلمانية
-
الشيعة العلمانيون ( سنة ) !!
-
كلام من حيز الجنون
-
نحو نضوج العقل السياسي الكوردستاني
-
قراءة واقع (البارتي) في ذكراه ال64 هل هرم الحزب وشاخ ؟
-
قليل من المروءة والشهامة ياقوم
-
العراق الطائفي المذهبي القومي
-
صراع الحلفاء في أرض الغرباء
-
تناقضات الشيخ الجليل !!
-
ثقافة خرق القانون في العراق
-
لماذا لايصبح المالكي رئيسا لوزراء أقليم بغداد ؟
-
الحكومةالمقبلة فاشلة ( لايمكن تهميش الكورد )
-
الأسلام والمعارضة السياسية (فترة الرسول)
-
أفتنا ياولي الفقيه
-
أيها الكورد لسنا سنة ولا شيعة
-
نحو تشكل هوية جديدة في كوردستان
-
هذا ما أخشاه في كوردستان
-
لماذا لايستعين المالكي بليونيل ميسي ؟
-
الكرة في ملعبك يا أبا اسراء
المزيد.....
-
سوريا.. إلقاء القبض على مسئول أمني سابق ارتكب جرائم قتل وتعذ
...
-
معاناة الأسرى المفرج عنهم بسبب التعذيب والتنكيل داخل سجون ال
...
-
الجزيرة نت تفتح ملف المعتقلين السوريين في سجن رومية اللبناني
...
-
المرسوم الرئاسي وملف الأسرى
-
عدالة القضية الكردية وتطلعاتها المشروعة
-
صمود المقاومة أركع العدو الصهيوني الأميركي مجددا في صفقة الأ
...
-
وكالة الاونروا: 40 ألف فلسطيني اجبروا على مغادرة منازلهم بال
...
-
وكالة الاونروا: لا توجد وكالة اممية اخرى قادرة على تقديم الخ
...
-
وكالة الاونروا: الوضع المالي للوكالة سيئ وليس هناك وضوح بشأن
...
-
الولايات المتحدة.. ترحيل دفعة ثانية من المهاجرين الهنود المخ
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|