|
علامات الاداء ومنظومة الموسيقى والمؤثرات الصوتيه في المونودراما
سامى الحصناوى
الحوار المتمدن-العدد: 3134 - 2010 / 9 / 24 - 01:21
المحور:
الادب والفن
غالبا ما يشعر المتلقي بردة فعل سلبي عند مشاهدته عرضا تخلو احداثه من مرافقته لموسيقى والمؤثرات الصوتية والتي غالبا ما تؤكد ذلك الحدث ومتانته، فالموسيقى تجعلنا نغادر منطقة الحياد وتارجحها الى منطقة الانحياز التي ترجح كفتها قوة الموسيقى في الاقناع والتاثير والميل الى جانب جهة على حساب الاخرى بل تجعل من مشاعرنا ومن ثم وعينا متحدين بعمق ذلك الحدث وطروحاته (خصوصا في الاحداث المتوازنة في الفكر والمعنى) "فالموسيقى قد تنقلنا الى حالة اخرى من خلال خلقها لمشاعر سحرية غامضة بداخلنا"( )، فالموسيقى هي الحالة المجاورة والمتممة والصانعة لذلك الحدث فهي في المسرح "تاكيد الحدث او الاحساس او تضخيمهما او نفيهما وعن طريق الايقاع او اللحن تستطيع بعض انواع الموسيقى ان تخلق جو الاحداث او زمانها او مكانها واختيار الالة الموسيقية له قيمة سيميولوجية ايضا فهي توحي بالمكان او البيئة الاجتماعية او الجو العام للمسرحية، كما يمكن ان تصاحب قيمة موسيقية معينة لدخول الشخصيات او خروجها .. نلاحظ اخيرا ان الموسيقى يمكن ان تقول ما يقوله النص: الفرح، الحزن، الخوف"( )، ومنذ نشاة المسرح ادرك رجاله اهمية الموسيقى والمؤثرات الصوتية في تمتين الحدث المسرحي وتاكيد اهمية الشخصيات الداخلة في فعله، فان "المؤثرات الصوتية والموسيقى التصويرية قديمان قدم المسرح، فمن عصر الطبول البدائية التي كانت تصاحب الطقوس الدينية الى الصوت والموسيقى المصاحبة للافلام الحديثة، وهذه العناصر السماعية تفيض قوة طاغية لخلق الجو المطلوب"( )، وزادت هذه الاهمية في فترة عصر النهضة وترجمة الحدث المسرحي بشكل فعال ورافقت العروض المسرحية كلازمة لها من دون انقطاع "وكل من قرا شكسبير لابد ان يدرك اهمية الصوت والموسيقى في المسرح الاليزابيثي ولوحظ ما دون من مذكرات عن الصوت انها تكون نسبة كبيرة من التوجيهات المسرحية"( )، واستمر هذا الاهتمام الى القرن العشرين حيث اصبحت الموسيقى والمؤثرات الصوتية احد العناصر المهمة في العرض المسرحي ليس للمتلقي وحسب بل للممثل نفسه "ويقول البعض ان الموسيقى الجيدة لا تساعد فقط المشاهدين ولكنها تساعد ايضا الممثل"( )، فمشاعر الشخصية وكيانها ترجمه لذات الممثل فان ما يمسه او يشعر به في اثناء الاداء ما هو الا امتزاج كبير بين كينونته كانسان مبدع (تاخذ الجانب الاكبر) وبين فهمه وتفسيره لابعاد الشخصية الطبيعية والاجتماعية المتخيلة، لذا فان اي دعم له من العناصر الداخلة في العملية المسرحية هي تاكيد لذلك الاداء، اذ ان العرض المسرحي هو امتزاج للعديد من الفنون تشترك في بلورته واتمامه، اذ "ان المسرح الحقيقي كان ولا يزال دائما مزيجا من فنون عديدة وحرف وان تاثيره يجب الحكم عليه من تكامل هذه الفنون والحرف ككل موحد وفعال وليس بالحكم على عنصر واحد فقط"( )، ومثلما كان للموسيقى في العرض المسرحي التقليدي(الجماعي) اهمية في تعميق الحس الدرامي لكلا الطرفين ( المتلقي والمؤدي ) فانها تاخذ منحىً في اداء الممثل في المونودراما وعلاماته الذي يحاول ان يجسد شخصياته بستقلالية الحضور على الخشبة وفرزها وعدم حدوث التقارب في نوعية ادائها المختلف اصلا، فالموسيقى مثل الاضاءة او العناصر الاخرى تاكيد للمكان والزمان والحالة الحسية والعاطفية للشخصية وتنوعها وبذلك فان لكل منهما ولكل حدث فيها ولكل مشهد يحتويها موسيقاها المستقلة عن بعضها، لذا فان "الخصائص التي تشترك الموسيقى بها مع الفعالية المسرحية، كاداء الصوت المتعلق باللحن الموسيقي والايقاع، درجة الحركة والايماءة، وتعابير الوجه والصوت تجعل كل حدث مسرحي يظهر حيال خلفية موسيقية وياخذ شكلا حسب نموذجها"( ) وما دام الحدث في المونودراما معنى باستقلالية شخوصه وابرازها، فان الموسيقى تضخمه بزيادة شحناته العاطفية قبل حدوثه على الخشبة وفي أثنائه وبعده , ومن ثم اعطاء الهيبة للممثل المشارك في انشائه من خلال موازنته في ادائه وجعله مقنعا للمتلقي ولنفسه بالذات "ولان فاجنر كان يعتقد ان الدراما هي شي اساسي في الاوبرا، فانه نادرا ما كتب موسيقى من اجل الموسيقى لقد كان يستخدم الموسيقى دائما لتقوية مشاعر شخصياته وقد كان يتم انجاز هذا الهدف من خلال ترميز وتحديد المكونات الكبرى للدراما ثم الاكتشاف بعد ذلك موسيقيا اكثر منه لفظيا"( )، وبما ان الممثل في المونودراما يقف وحيدا فان الموسيقى هي البديل الايقاعي للعرض والمعوض عن غياب الممثلين الاخرين، فالايقاع في المسرح التقليدي يصنعه الحوار وتواصله بين الممثلين وقدراتهم على تكوين نبض ملائم لشخصياتهم يتلائم بين الحركة او الفعل وبين الحالة الشعورية ضمن حساب الزمن المسرحي وكذلك الزمن المقتطع منه والانتقال من شخصية الى اخرى ودقة تجسيده لها ومن ثم قدرة الموسيقى على سد الثغرات في هذا الايقاع الاحادي الذي من الممكن ان لا ينتظم بوجود النمط السردي واحتمال تكرار نبضة وصيغته من دون دراية، وبذلك فان الموسيقى ومؤثراتها تؤدي الدور الاكبر في التمهيد للانتقال الجسدي من شخصية الى اخرى وضلوعها في القياس الزمني للفترة التي يقظيها الممثل في ادائه للشخصية الواحدة واختلافها عن الاخرى، أي استقلالية النغم الموسيقي لكل شخصية وحدث يعني موازنته او تناسبه مع طول ذلك الزمن المستقل، ومثلما يحاول الممثل في المونودراما اثارة الانتباه بواسطة ادائه المضخم في التعبير الحركي والجسماني وتعبير الوجه وابرازها والايقاع المبتكر فان الموسيقى هي الحالة الاثارية المرافقة لذلك التغيير "وقد وصف جوشتاين الاثارية النموذجية بانها عبارة عن (رعده خفيفة، رجفة واحساس بالوخز الخفيف.. اما الاثارية الاشد قوة فهي تستمر وقتا اطول وتتقدم فوق الوجه... وقد تصاحبها قشعريرة يمكن رؤيتها على الجلد"( )، ان ضرورة التنوع الادائي للممثل في المونودراما الجالب للانتباه من خلال التراكم الدرامي والحسي والوصول الى اقصاه ثم الهبوط الى حالة الهدوء فقد كانت الموسيقى العامل المهم في انشاء هذه الانفعالات وتناقضاتها والمساعدة على ابقاء الحس وتواصله في كلا طرفي المعادلة (الممثل والمتلقي) "وفي حين تتسارع ضربات القلب.. فان اغاني الهدهدة (التهويدة) تقوم بابطاء النبض بشكل اسرع مقارنة بالاستخدام لموسيقى الجاز.. وقد تبين ان الموسيقى الاسرع والاعلى تعمل على زيادة معدل ضربات القلب ومن ثم تحدث احساسا بالاستثارة"( )، لذا فان جهد الممثل في المونودراما هو ايصال الانفعال الى اقصاه ثم تفريغه بسرعة او بشكل تدريجي لاحداث هذا التنوع الادائي المطلوب، لذا فان هدف الموسيقى المرافقة هو "اطلاق حالات من التوتر ثم العمل على تفريغها او التحرر منها في النهاية"( ).ان الجهد الكبير الذي يتحمله الممثل في المونودراما كونه السارد الوحيد لمعاناة شخصيته والشخصيات المتخيلة الاخرى تمثل مصدرا مقلقا للمواصلة والاستمرارية بنفس الجهد والمثابرة الى نهاية العرض فان الموسيقى هي مرحلة التقاط الانفاس وللراحة ومرحلة الوثوب للذي ياتي بعد هذا الحدث او الفعل المسرحي، لذا فالموسيقى والمؤثرات "تترك مسافة فسيحة بين الجمل من اجل السماح بحدوث التنفس الكامل والمريح، وتكون نتيجة ذلك هي استعادة الشعور بالراحة او الهدوء، وهو شعور يكون ضروريا بعد تلك الوفرة او ذلك التدفق الاول في النشاط"( )، ومن جانب اخر أدت المؤثرات الصوتية دورا مهما في تقريب الحدث الدرامي لقناعته الواقعية وايصاله بصدق الى المتلقي "كدقات الساعة لتحديد التوقيتات على مدار اليوم مثلا وفي صياح الديكة وتغريد الطيور لتحديد الوقت في الصباح وقد تشير هذه المؤثرات الى المناخ والموسم بسقوط الامطار والرعد والبرق، بالاضافة الى تحديد بيئة الفعل الساحلي (صوت امواج البحر/ صوت طيور البحر/ صوت سفن، بيئة ريفية، اصوات الحيوانات، صوت الساقية، واصوات الرياح في البيئات الصحراوية"( )، وما دام الممثل في المونودراما معنياً باستقلالية الحدث والشخصية بطريقة تختلف عن الحدث والشخصية الاخرى فانه بحاجة الى ركائز يستند عليها في تبيان هذا الاختلاف وفي نوعية الاداء المرتبط بأختلاف المكان والزمان والبيئة، فكان لابد من المؤثرات الصوتية للحصول على الفرز المناسب لكل شخصية وحدث بشكل مستقل.
#سامى_الحصناوى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العلامه ومرجعيتها الفلسفيه عند اليونان
-
علامات الاداء ومنظومه الديكور المسرحي في المونودراما
-
علامات الاداء ومنظومة الزي في المونودراما
-
سيكولوجيه تقنيات الممثل في المونودراما
المزيد.....
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|