أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - القبلة ، القلب 4















المزيد.....


القبلة ، القلب 4


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 3131 - 2010 / 9 / 21 - 03:47
المحور: الادب والفن
    



السبعينات؛ إنها سنواتُ العَقد، الرائع، المُقابل ببهائه هباءَ مُجلّد العُمْر.
عند عتبَة ذلك العقد، المَوسوم، المُشكّل هيكلهُ حيّزَ أعوام المُراهقة، رأيتني ثمّة في كعبة الحُبّ، الأوّل. ولكنّ توقيتَ المَحجّ هذا، كانَ مُسخراً لأسبوع واحد حَسْب ـ كما شاءتْ لي آلهة التسخير. كنتُ عندئذ مثلَ " باريس " الأسطورَة؛ بمقابل ثلاثة من ربّات المَجْمَع السماويّ، اللائي شغلنَ الفتى بألغاز الحُسن والحكمَة والقوّة. بيْدَ أنّ تناولي، أخيراً، للتفاحة الذهبيّة من يَد " افروديتي "، ما كانَ مَحْض اختيار، سَهل.

كنا في فاتح الأسبوع الأخير من الامتحان، إذاً.
قريبتي الشقراء، " سوزان "، كانت إذاك صُحبَة صديقتيْها " وَلاء " و " مَرام "؛ اللتيْن كانتا، أيضاً، من قاطني الجوار. كنّ ثلاثة زهور من بستان الآلهة، المُنصاح في أوان موسم الصّيف. بيْدَ أنّ جَمال قريبتي المُعجز، في نظري على الأقل، كانَ أكثر خلوداً من المواسم. حداثة سنّ بلوغي، كان المُفترَض فيها آنذاك ألا تتيح لي المُقارنة، الصائبَة، بين تلك البنات، الصّديقات. ولكنها مُطالعاتي الأدبيّة، المُبكرة، من كانَ عليها أن ترفعَ من شأن وَعيي بأمور المرأة، الجليّة والغامضة على السواء.

علاقتي مع الكتب، ابتُدهَتْ في بيتنا ولا غرو؛ في البيت المُشاد من لدُن الجدّ، الأوّل.
ولكنه جدّي لأبي، المَعروف بـ " الحاج حسن "، من كانَ عليه أن يُؤرّث في أولاده شعلة المَعرفة؛ همُ من وَرثوا عنه لاحقا المنزلَ الفاره، الأكبر بين منازل الزقاق، والمَنعوت في زمن آخر ـ وفق تعبير موقع " ويكيمابيا " الدولي، الجغرافي: " هو كالمتحف، ولكنه ليس بالمتحف. ولقد تأسّسَ المنزل عام 1850 على يَد الحاج حسين ميقري ". الإشارَة الأخيرَة، تفسّرُ مَغزى تعريف " زقاق الميقري " باسم آخر في بعض مصادر تلك الأيام؛ أيْ " زقاق الحسينية ".
ومن سجل زعماء حيّ الأكراد، الدّمشقي ( المُنوّه عنه في تأريخ الأستاذ عز الدين ملا )، نعرفُ أيضاً أنّ والدَ أبي، العالمَ، قد شغل منصب المَخترة في أواخر القرن التاسع عشر، وكان كذلك أحد مُعاوني والي المدينة، العثماني. مُجلّد ضخمٌ، مَخطوط بريشة الرّجل العالم ، يَضمّ أشعاراً له وحواش وحكماً، ما يفتأ بعدُ في حفظ أكبر أحفاده عمراً، من الأحياء. ولكنني، إلى الأخير، أضحَيتُ ذلك الحفيدَ، الوَحيد، المُحتفي بالكلمَة المُبدعة. بالتالي، كنتُ جديراً ربما بجدّي؛ الذي اهتمّ في حياته بالكلمة وبوَصفها علم البدء، المُقابل للحقّ بحقائقه ـ كما تعبّرُ عنه الصوفيّة.

وبحَسَب أهل الطريقة، أيضاً، فالمرأة هيَ من شفعَ وجود الحقّ.
وها أنا ذا هنا، في منزل المَعبودة؛ في حَضرَة مَخطر من الشفيعات، الشفافات الحُسن كما والنباهة. على أنّ عددَ تلك الفتيات، الحاضرات، عليه كانَ أن يتناقصَ من بعد. فإقامتي في ذلكَ المنزل كانت في يَومها الثاني، حينما جاء شقيق " مَرام "، المُماثل لي في العُمر، لكي يُخبرها أنّ عليها مُرافقته على الفور. وعلى الأرجح، فإنه هوَ من سبقَ وأعلمَ والدَهُ، الشيخَ الوَرع، بموضوع إقامتي ثمّة. لأنه عندما حضرَ يومَ أمس، على غرّة، فلم يفته ما كانَ من هيئة شقيقته، المُتسم بالحريّة والطلاقة؛ هيَ من كانت عندئذ بمَلبَس النوم، الرقيق، ولا تكفّ عن مَسلك المَرَح والمُداعبَة. على إيقاع تلك الصورَة، المَوصوفة، سارتْ الحسناءُ برفقة أخيها، مُرتديّة ً حجابَ الحشمَة، ولم نعُد نلقاها ثانيَة ً لدينا.
" يُقال إنها مُصاحبَة؛ وأنّ " سوزان "، هيَ مُرسال الغرام "، هكذا كانت شقيقتي تبوحُ بسرّ تلك الفلسطنيّة، الحسناء، عندما خبّرَت بكرَ عائلتنا بما كانَ من وقائع يوم الأمس، المُنقضي. لاحقا، في سنّ مُتأخرة نوعاً، أجزتُ لنفسي تفسير مَسلك " مَرام " معي، خلال مُستهلّ أسبوع عطلة الامتحانات. فإنها كانت، وعلى العكس من صديقتيْها، غير مُباليَة بمُشافهات الجَسَد، الخفيّة، التي كنتُ قد دأبتُ وقتئذ على بثها مَسّا ولمساً ولزاً. من آيات ذلك، تجنب الحسناء لكمائن المُلاطفة، الرّدفية، الكائنة هنا وهناك في حجرَة الدّراسَة، الضيّقة، والواقعة غالباً على مَرمى بَصَرها: مَرَدّ الأمر، تفسيراً، أنّ " مَرام " ما كانت بعدُ تلك المُراهقة، المَكبوتة، اللاهثة خلفَ المُلامسات السطحيّة. فإنها كانت إذاك قد نأتْ بفرَس جَسَدها عن المتع العابرَة، الكاذبَة، إلى المتع الفعليّة، الحقيقيّة؛ الذي كانَ يُتيحها له الفارسُ العشيقُ.

إنّ اختفاءَ " وَلاء "، بالمُقابل، كانَ على غير صلة بمَقام التزمّت وأحواله.
هذه الفتاة، على أيّ حال، هيَ من كانت بؤرَة الحرَكة في حجرَة الدّراسَة؛ بما كانَ من طرائفها ومُشاكساتها. عمّتي العجوز، المُتفقدَة مأواها بين حين وآخر، كانت تمحَضُ فتاتنا بنظرات الرّيبَة والامتعاض؛ مُضافرَة ذلكَ أيضاً بمُراقبَة ردّة فعلي على تصرّفات هذه، المُتسمَة بالطلاقة. وبالرغم من أنّ مَظهري، البريء، كانَ يَشفع لي آنئذ، إلا أنّ العمّة العَسرَة لم تهدأ تماماً. فما أن مَضَتْ إلى حجرَة الجلوس، المُجاورَة، حتى جاءَ من لدُنها نذيراً مُبينا. إنه " بروكا "، الطيّب، مَن اقتحمَ علينا خلوَتنا، غير آبه بتوصيَة أمّه.
قريبي هذا، إذ كانَ قد رَسَبَ في الصف الثامن، فلم يكن له بطبيعة الحال مَحلّ بينَنا، ضروريّ؛ نحنُ من كنا نتهيأ لتقديم امتحان الشهادَة، الإعداديّة. من ناحيَة أخرى، يتوجّب عليّ القول أنّ انسلاخ زمالتنا، المَدرسيّة، لم يؤثر قط على علاقة الصّداقة، الوَثيقة، التي كانت ما تفتأ تجمعنا. إلا أنّ علاقة قريبي بشقيقته الكبيرَة، " سوزان "، كانت هيَ المُشكل حقا. ويبدو أنّ العجوز، المُتزمّتة، إذ نفضتْ يَدَها من الابن الوَحيد، المُتحرّر، فإنها كانت تعوّلُ على الحفيد، الطيّع الخلق حدّ السَذاجة، في مَوضوع شرَف العائلة، الرّفيع.
غبّ طرد المُقتحم، الدّخيل، بمَعونة من أمّه الصارمَة، ما عَتمتْ " سوزان " أن اقترَحتْ علينا التسلّلَ إلى حَرَم السقيفة، بغيَة سلّ دَفق من مُعين الشراب، الرَبانيّ. تشديدها على الحَذر، كانَ مَفهوماً لدينا ولا غرو. هكذا، اتجَهَتْ شقيقتي إلى الحجرَة الأخرى، لكي تلهي العمّة، المُتعنتة، بكلام القيل والقال؛ الذي كانَ من رسوم شخصيّتها ومَسلكها على حدّ سواء. في نفس الوَقت، وبغفلة من عينيّ العجوز، اليَقظة، رأيتني مع حفيدتها، الشقراء، في طريقنا إلى تلك السقيفة والمُتوَقل أولاً الدرجات القليلة للسلّم، الخشبيّ، وصولاً إلى خابيَة النبيذ، المَركونة ثمّة.

" سوزان "، كانت عندئذ في هيئة مُبهرَة، مُثيرَة.
قميصاً خفيفاً، مُنحسرَ الكمّيْن، كانت الجميلة ترتديه فوق كولون أسوَد اللون، مَشدود على ساقيها الرّشيقتيْن ومؤخرتها الرائعَة، الثرَة. فحينما انحَنتْ نحوَ صنبور الخابيَة، لتملأ القارورة الزجاجيّة، فإني ما لبثتُ أن وَجدتني على صلة بذلك الكفل البَهيّ، الإلهيّ؛ الذي لم تزدني الأيامُ إلا إدباراً نحوَ فتنته، المُمَغنطة. من جهتها، كانت المَعبودة مُعتادَة على سياق مُريدها. على ذلك، لم تجدَ بأساً في رَفده بهنيهات ضافيَة، مُطوّلة نوعاً، من حظوَة التماس بردفها الفاتن. بيْدَ أنّ حضوراً دخيلاً، جدّ على حين فجأة، شاءَ أن يُبعدَ المُريد، المَلول، عن وَليمته الجامعة بينَ الفاقة والغنى.
" ألم يمتلأ بعدُ هذا الإبريقُ، الصغير..؟ "، همَسَت " وَلاء " بنبرَة مُبيّتة فيما كانت تنقل نظرتها بين المَعنيَيْن بالكلام. فما كانَ من " سوزان "، المَعروفة بخصلة الطبع الهادىء، إلا الخروج عن طورها هاتفة بالأخرى بصوت مُنخفض: " صَهْ.. إنّ مَجيئك، أصلاً، لم يكن له داع ". ثمّ شفعَتْ ذلك بأن أشارَت بيَدها للأخرى، لكي تنسَحبَ من السقيفة.

بدَوري، يتعيّن عليّ الإشارَة هنا، إلى حقيقة كنتُ قد لحظتها قبلاً.
ذلكَ أنّ شعوراً من الغيرَة، خفياً، كانَ يتأثلُ مَسلكَ كلّ من الصّديقتيْن، وخصوصاً حينما يكون شيطانُ الغوايَة ثالثهما. شجرَة غيرتهما، المُثمرة، كانَ عليها أن تمنحني بالمُقابل جنياً، طيّباً، من المَشام والمُعايَنة والمُلامسَة. وإذ كان تذوّق الثمار، الشهيّة، ما زالَ يبدو بعيدَ المَنال، ولكنني كنتُ قانعاً بمَكرماتها تلك، المَوصوفة. وعلى الأغلب، فلم تكً إحداهما تفوّتُ ما يندّ عن الأخرى من حركات الإغراء، المَنذورَة للحضور المُذكّر، المُتفرّد؛ الذي كنتُ أمثله في مَجمع الأنوثة هذا، والهاتف فيّ كلّ مَرّة: أن أدلجْ في ليل الأجساد، ولا تخشيَنَ من مَدارج الشغف والعشق والشبق.
ولكنها " وَلاء "، الأكثر جرأة، من كانَ عليها أن تسيرَ رويداً في غمرَة الثمالة الهيّنة، المُخلفة ضبابة في الرأس، مُبهمَة؛ ضبابة، جَعلتْ عينيْها عمياوَيْن إلا عن المدارج تلك، المَوسومة، المَبذولة للطريدَة المَأمولة: إذاك، كانت في قميص نومها القصير، البرّاق القماش. وقد أجازتْ لجسَدها الجَميل، الطائش الصَواب، التمَدّدَ عََرْضاً تحتَ أقدام الآخرين من جَمْعتنا، الجالسين فوق الديوان، واضعة على الحافة رَجليْها الناصعَتيْن. بهذه الحركة، كانت ساقا البنت الجريئة مَرفوعتيْن حتى جذرَيْ فخذيْها؛ أينَ مُلتقى النسيج الورديّ، المُخرّم، الذي كانَ مُنمنماً ومُتوَرّماً في آن.
من ناحيتي، كنتُ قد أنهيتُ نهلَ كأسي الثالث، حينما سرى في عروقي تنميلٌ لذيذ، كانَ مُتأثراً ولا رَيْب بالمَنظر ذاك، المُونق، المُترائي لعياني. مَهزوزاً بالخدَر الشامل رأسي، ما عتمتُ أن هتفتُ بانتشاء: " يا الله، أشعرُ كأنني أطيرُ بلا جنحَيْن.. ".

عند حلول الساعة العاشرَة، كانَ ميقات مُناوبتنا قد حلّ.
فمذ يوم الأمس، المُفتقد حضورَ الحسناء الفلسطينيّة، شئنا تقسيم ليلة الدراسَة على نوْبَتيْن، مَنذورَتيْن في كلّ منهما لشخصَيْن منا: الأولى، من الساعة العاشرَة إلى الثانيَة عشرة؛ والأخرى، من مُنتصف الليل وحتى الساعة الثانيَة فجراً. وإذاً، عليّ كانَ أن أشاركَ " وَلاء " في النوبَة الأولى، المُعقبَة أمسيَة النبيذ، الساغبَة.
كانت حجرَة العمّة، كما سلف التنويه، أضيق من أن تتسع لأكثر من ديوان حديديّ مع خزانة ثياب من المَعدن نفسه، فضلاً عن طاولة وكرسيَيْن. عندئذ، غادرت شقيقتي إلى حجرَة الأولاد، المُجاورَة، لكي تأخذ حظها من النوم لحين أجل مُناوبَتها. فيما استلقتْ " سوزان " فوقَ ديوان حجرَتنا، قائلة ً أنّ النومَ ما يفتأ يجفو أجفانها: " إذا نمتُ، عَيْني، بإمكانكَ أخذ هذا الكتاب "، خاطبتني مُتبسّمة برقة مُشيرة ً للغرض المذكور، الذي كانَ بينَ يَدَيْها. إنه كتابُ مُلخّصات، كانَ شائعَ الاستعمال في زمَننا، بزعم احتوائه على أهمّ مواضيع المادّة المَطلوبة في امتحان الغدّ.
على الأرضيّة الضيّقة، الفاصلة بين مَجلس المَعبودة ذاك والجدار الأسمنتيّ العاري، كانَ ثمّة فراشٌ مُزدَوَج، وَجَدتني أتقاسمًهً مع " وَلاء ". هذه الأخيرَة، شاءتْ أن تتمدّدَ بمُقابلي واضعة ً الوسادَة تحت رأسها، فيما الغطاءُ الخفيف يَشمل الجانب الأسفل من بَدَنها. برهة أخرى، وانسابَ في جوّ الحجرَة، المُغلق ، غطيط ُ قريبتي الهيّن الصّدى. فما كانَ من شريكة المُناوَبَة، المُهيمنة على مُعظم مساحَة الفراش المُزدَوَج، إلا حَسر غطائه بحرَكة طائشة، مُتضجّرَة من الحَرّ.

.بدَوري، تصنعتُ أيضاً المَلالة عينها، مُتوَغلاً في الفراش حتى حدّ ساقيْ الفتاة.
وبما أنّ هذه كانت تخفي وَجهها طيّ كتاب الدّراسَة، فلا غروَ أن يَنطلق بَصري في الأنحاء المَكشوفة، المُثيرَة، من بَدَنها اللّدن والناصع. ولكنّ إصرارَ الجَريئة على حَجْب مَكمَن كنزها، الأبهى، المُغلّف بالحَرير المُرهف، كانَ عليه أن يُصيبني بحيرَة بيّنة. على ذلك، حوّلتُ عينيّ نحوَ الأخرى، الحَبيبَة، التي كانتْ ما تزالُ في تفصيل رقدَتها ذاته: كعبَة جَسَدًها، كانت إذاك مُتجهة إلى ناحيَة قبلة المُريد، مُنطويَة نوعاً على أعضائها العُليا. ثمّة، عند مُفترَق أصل الساقيْن، كانَ الكتابُ، المَطلوب، يَرقدُ مُستمتعاً بغضاضة التلّ اللحميّ، المُهيمن على شقّ المَقدس، الإلهيّ.
كذلكَ كنتُ أتخيّلُ، بخراقة خيالي، جَسَدَ " سوزان " العاري؛ بما أنه كانَ وقتئذ مُكتس بالكولون نفسه، المَشدود على أعضائه السفليّة. في الأثناء، راحَتْ " وَلاء " تتلاعبُ بساقيْها على مَلأ أنظاري، وقد أحنقها على ما يبدو قلّة اهتمامي بمفاتنها. لمَعانٌ غريبٌ، غامض، كانَ يَشعّ كلّ مرّة من بين هذيْن الساقيْن، دونما أن أتحققَ من مَصدره؛ طالما أنّ تركيز البَصر كانَ على المُنقلب الآخر، المُوافق لانشغال فكري. حتى إذا لحظتُ أنّ شريكة الفراش، المَلولة، قد أخلدَتْ أخيراً إلى الإغفاء، فإنني نهضتُ فوراً على قدَمَيّ.
بدءاً، رُحُتُ أتمشى في الفسحَة المُبتسرَة، الواقعة بين الفراش والصوفا، مُتخذاً هيئة المُطالع، المُجتهد. بَصري، كان ما يَفتأ على يَقظته، مُوزعاً بين الفتاتيْن النائمَتيْن. حتى إذا أبتُ من ناحيَة باب الحجرَة، لأحاذي من ثمّ مَرقدَ المَعبودَة ، فإنني انحنيتُ عليها مُتناولاً بلمحَة كتابَ المُلخصات. وإذا بقريبتي تفزعُ قائمَة، على غرّة، في حرَكة ما كانَ لها إلا أن تجلبَ جزعي. ولكنها، مانحَة إيايَ بسمَتها اللطيفة، الأليفة، ما عَتمَتْ أن عادَتْ مُجدّداً للرقاد: في اللمحَة تلك، وفيما كنتُ أهمّ بأخذ الكتاب، كانت أناملُ الشبق قد قبضتْ بقوّة على مَجمَع ذلك التلّ المُحرّم، اللحميّ، عاصرَة إياه بجنون.

صباحاً، عليّ كانَ أن أدركَ، مُحْبَطاً، سببَ إحجام " وَلاء " عن عرض سروالها على مَرأى من عينيّ. وكنا مُتحلقين جَمْعاً على سماط الفطور، المَمدود خارجاً على ناصيَة حجرَة الجلوس، حينما صاحَ أصغرُ أولاد المنزل من الحجرَة الأخرى، المُخصصة لدراسَتنا: " ياه، أنظروا إلى أستها.. أستها ". وكان الصغيرُ، غير المُتجاوز الثامنة من عمره، يَقصدُ " وَلاء " بكلمته تلك، البريئة؛ هيَ من كانت عندئذ تغيّر ملابسها ثمّة. هذا الحَدَث، اكتملَ بتعليق أمّ " سوزان ". إذ كانت قد التفتتْ نحوَ ابنتها، مُتسائلة بتهكّم ودونما مُراعاة لوجودي المُذكّر: " إنّ صديقتك، على ما يَظهر، تلبس جينزها بدون سروال داخلي ". بيْدَ أنّ شعور الإحباط ذاك، كان عليه أن يُضافرَ باختفاء البنت الجريئة؛ والتي ما عدتُ ألتقي بها سوى اسماً حَسْب. فقد أضحَتْ " وَلاء " في زمن آخر، لاحق، مُهندسَة فنيّة في التلفزيون المَحلّي، مُختصّة بتمثيليات الدراما، المُسَلسلة.





#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القبلة ، القلب 3
- القبلة ، القلب 2
- الأولى والآخرة : الخاتمة
- الأولى والآخرة : مَزهر 13
- الأولى والآخرة : مَزهر 12
- الأولى والآخرة : مَزهر 11
- الأولى والآخرة : مَزهر 10
- الأولى والآخرة : مَزهر 9
- الأولى والآخرة : مَزهر 8
- الأولى والآخرة : مَزهر 7
- الأولى والآخرة : مَزهر 6
- الأولى والآخرة : مَزهر 5
- الأولى والآخرة : مَزهر 4
- الأولى والآخرة : مَزهر 3
- الأولى والآخرة : مَزهر 2
- الأولى والآخرة : مَزهر
- الفصل السادس : مَجمر 11
- الفصل السادس : مَجمر 10
- الفصل السادس : مَجمر 9
- الفصل السادس : مَجمر 8


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - القبلة ، القلب 4