حمادي بلخشين
الحوار المتمدن-العدد: 3129 - 2010 / 9 / 19 - 14:53
المحور:
الادب والفن
7 نوفمبر
ظلّ صديقي أيّوب الجمل لمدة خمسين سنة يكذّب كل من يريد إقناعه بأن التدخين مضرّ بالصحّة.
ــ لو كان الأمر كما تقولون، لما أقدمت الدولة على قتل أبنائها بكل هذا الدمّ البارد.
هكذا ظل أيّوب الجمل يردّ على المخالفين، و لكن هذه القناعة لم ترافق أيوب الجمل الى قبره، بل تخلى عنها في اللحظات الأخيرة من حياته!
نهاية صديقي أيوب الجمل، و كما هو متوقع لم تكن بسرطان الرئة أو الحنجرة، بل كانت نتيجة تعذيب شديد تعرض له في أقبية وزارة الداخلية!.. قد تـتساءل: كيف حدث ذلك، خصوصا وأن أيّوب الجمل لم يسىء قط الظن بحكومته؟ الجواب في غاية الطرافة.. باختصار شديد، حين طلب من صديقي أيّوب الجمل ضمن إستجواب شوارعيّ بمناسبة الذكرى التاسعة لتحوّل السّابع من نوفمبر87، تحديد أمنية شخصية يريد تحقيقها على يد" بطل التغيير"، اندفع صديقي أيّوب الجمل يقول بكل عفوية و تلقائية:
ــ كما وجدت منذ ثلاثين سنة، سجائر وطنية تحمل اسم 20 مارس ذكرى استقلال وطننا العزيز، أطالب قائد التغيير أطال الله بقاءه و جعله ذخرا للوطن، نيابة عن كل المدخنين التونسيين، بإطلاق تسمية "7 نوفمبر" على نوع جديد من سجائر وطنية تجمع بين الجودة والسّعـر المناسب.
بعد ثمان ساعات من ذلك التصريح، دوهم بيت صديقي أيّوب الجمل، قبل أن ينتزع من فراشه ويحمل مكبّلا الي وزارة الداخلية. أستقبل صديقي أيّوب الجمل بوابل من اللكمات، عرّي من ثيابه، ثم أجبر على الجلوس فوق زجاجة مكسّرة الفتحة سبّبت له تهتكا فظيعا في نفقه الشرجي، بعد ذلك تعرّض للجلد وقلع الأظافر.. لم يكن صديقي أيّوب الجمل يسمع بين كل إغماءتين، إلا جملة واحدة كانت تخلل اللعن و السّباب البذيء:
ــ أفـدنا يا ولد القحبة، هل رأيت فخامة الرئيس يقتل الناس حتى تطالب سيادته...
بعد سنتين من الحادثة، و في نفس اليوم الذي غادر فيه السجن، أخبرني فالح العابد، انه كان الشخص الذي ألقيت بجانبه الكتـلة المشوّهة التي كانت تسمّى يوما ما أيّوب الجمل.
مسح فالح العابد دمعة تحدّرت على خده ثم قال :
ـــ كان رحمه الله في آخر رمق.. أسندته الي صدري.. لقـنته الشهادتين.. و لكنه..
سكت فالح العابد، التفت يمينا ثم يسارا.. حين تأكد من خلوّ المكان، دنا مني ثم قال بما يشبه الهمس:
ـــ لكنه فاجأني ــ غفر الله له ـ حين سمعته يقول بصوت متقطع:
" دع عنك الشهادتين.. لله يعلم انـــني عشــت كــلّ حياتي أردّدهما بصدق..لكنني أشهد أن الدولــة هي المضــرّة بالصحّة.. حتى قبل التدخين "!
#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟