أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر عبدزيد - الفن القاسم المشترك في إيجاد مثاقفة حواريه بين الثقافات















المزيد.....


الفن القاسم المشترك في إيجاد مثاقفة حواريه بين الثقافات


عامر عبدزيد

الحوار المتمدن-العدد: 3128 - 2010 / 9 / 18 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


"إن روح الفلسفة هي روح البحث الحر، تضع كل سند موضع الشك، ووظيفتها أن تتقصى فروض الفكر الإنساني التي لم يمحصها النقد إلى أغوارها. وقد تنتهي من بحثها هذا إلى الإنكار، أو إلى الإقرار بعجز التفكير العقلي البحت عن اكتناه الحقيقة القصوى.." ( )

اذ ثمة حاجه الى منهج ورؤية يمكن ان نمارس من خلالهما "القلب"الكامل لهذا السرد المتشائم للمستقبل منذ أوائل القرن ظهرت فلسفات متشائمة حول المسار التاريخي للتقدم، فقد اعتقد شبنلجر أن الغرب أفلس فكريا، وأن الحضارة الغربية صائرة الى التدهور والانحطاط أمام تفشي النزعة الكولونيالية والميل الى الحروب والنزاعات، وأن العقلانية فقدت صوابها او انها عقلانية كشفت عن حقيقتها بتحالفها مع القوة والعنف وتخلت عن شرطها الإنساني الأخلاقي.
بعدما انهار المشروع الاقصائي الكونيالي وظهرت بدل عنه عوالم جديدة سرعان مأتم تدججينها في عالم ثنائي القوة لكن بعد ما انهار هذا العالم بدأت تظهر سيناريوهات تحاول إن تبني تصورات جديدة وهي تحلم بالسيطرة المنفردة على مقدرات العالم :
إما من خلال ترسيخها الصراع بوصفه المصير الحتمي بدل الحوار من خلال مقولة" صراع الحضارات ".
وإما من خلال الدمج الكوني عبر تصور التطور وقد أنتهى بالحضارة الغربية التي وصلت بانتصارها على الأخر إلى التخوم القصوى التي خطط لها المنظرون الليبراليون؛ لهذا جاءت نظرية "نهاية التاريخ "( ) في استعاره غريبة لمقولات هيجل الشمولية .
إنا هنا إذ ما توقفنا ازاء الفضاء الذي تم تلقي تلك التصورات داخله " وإنما أساسا في كونها جاءت في وقت كان فيه العالم في أمس الحاجة إلى أوهام جديدة، وكونها تدين بقوتها الإقناعية لنفوذ المكان الذي ظهرت فيه. لذا سرعان ما تلقفتها الأفواه والأقلام، وأنهكتها الندوات والجدالات فغدت "مفتاحا" لفهم العصر، بل و"تفسيرا" لكل الأحداث المتأخرة. بل إننا نستطيع أن نقول إن الاجترار الإعلامي قد حولها إلى رأي عام وبادئ رأي كوني.
أن هذه "النظرية" لم تكن تستهدف الوقوف عند حركة التاريخ بقدر ما كانت ترمي إلى صنعه ورصد آفاقه والمساهمة في خلق ممكناته. فهي تدخل ضمن آليات جديدة أخذت تطبع عالمنا المعاصر لا هي بالآليات المنطقية ولا بالآليات الإديولوجية، مع ما يفترض فيها من تشويه وقلب، وإنما هي آليات تجعل الأشياء حقيقة بمجرد التأكيد على أنها كذلك"( )
وما يستوقفنا بهذا الصدد نتيجتان تبلورتا عن هذا المخاض الفكري. أولاهما أن الجدال حول هذه المسألة طرح أمامنا خيارين منفصلين لا ثالث بينهما: إما التسليم بصراع الثقافات، أو القول بالحوار بينها. وهكذا طرح الحوار مقابلا للصراع وبديلا عنه.
-النتيجة الثانية هي أن الصراع أو الحوار طرح بين معسكرين ثقافيين اثنين، مهما اختلفت الأسماء التي أعطيت لهما سواء أكانت التقابل بين الإسلام والغرب، أو معسكر الشر مقابل معسكر الخير.
بأن الحوار طريق سلمي يبدأ بعد أن تهدأ الحروب وتسكت المدافع، وأنه لا ينطوي على علائق قوة، وإنما يخفي سوء تفاهم من شأن تبادل الحجج أن يرفعه. فمقابل اللامعقول الذي يطبع الحروب فإن الحوار يتحكم فيه منطق العقل. ويكفي إبداء حسن النية اللازم والتحلي بخصال الصدق واحترام رأي الآخر كي يرفع سوء التفاهم ويتوصل الطرفان المتكافئان إلى الاتفاق والوفاق والوئام ( )
إلا إننا هنا نلمس أن الأمر ليس بهذه الصورة بل أن الأمر يخفي أشياء بقدر ما يظهر أخرى .
1. ما حدث ليس صراعا بين حضارات… بل هو صراع الحضارة الغربية مع نتاجها. فانهيار الاتحاد السوفيتي لم يكن فقط تفكك دولة، بل كان تفكك معسكر ككل، أي كـ"عالم ثان" خصم لـ "العالم الأول". لقد كان العالم آنذاك يصنف إلى ثلاثة أقسام: العالم الأول والثاني والثالث. وما حدث هو أن العالم الثاني اختفى! اختفى ليس فقط كقوة، ليس فقط كنفوذ، ليس فقط كهيمنة، ليس فقط كمعين لدول العالم الثالث في كثير من الأحيان، بل اختفى أيضا ك"عالم" يعادي "العالم الأول"، وكرؤية ومشروع للمستقبل أيضا!( )
2. أن الأمر ليس سوء تفاهم بل هناك رؤية قصديه تم بموجبها تعاضد المعرفة والقوة أدت إلى إنتاج هذا المعنى" أن أداة الحوار التي هي اللغة هي مرتع تناحر القوى، وميدان مفعولات السلطات. اللغة عش الاختلاف ومجال علائق القوة. فأن تطلق الاسماء، كما يقول نيتشه " هو أن تكون سيدا " استراتيجية التسمية هي استراتيجية هيمنة وتسلط، وتاريخ الأشياء هو تاريخ مسميات، وهو بالتالي تاريخ أسماء، وتاريخ الأسماء هو تتابع القوى المستحوذة التي تعطي المعاني وتحدد القيم. ذلك أن اسم الشيء ومعناه هو القوة التي تستحوذ عليه وتتملكه، فالكلمات "هي كميات من القوة في علاقة توتر" ولا يمكن للحوار الذي يوظفها وسيستثمرها إلا أن يجسد علائق القوة ومرامي الهيمنة.لا يتحدد الحوار إذن بآليات منطقية ودوافع أخلاقية تتوقف على نزاهة المحاور وصدقه وعدم تناقضه ووفائه لما تعهد به، إنه صراع مقنع . والغريب أن هذه التقسيمات المائوية تأتينا من يضعون أنفسهم جهة ثقافة الحداثة والعقلنة والتنوير، إلا أننا سرعان ما نتبين أنهم يصدرون في تحليلاتهم عن أوليات لا تقل اصولية عما ينعتونه هم بالأصوليات. هذا فضلا عن كونهم يستخدمون آليات إيديولوجية لإذكاء مشاعر التفوق وممارسة أدوار الهداية وتغويل الآخر باعتباره حاملا للعنف مسكونا بالإرهاب."( )
هناك إذن حاجة إلى تعرية كل هذه الأفكار المسبقة والعمل على اخترقها و تجاوز لغة الخضوع الدعوية القائمة على التنميط والمماثلة للمختلف عنها.
إذا ثمة حاجة إلى تأكيد الوجه المناقض له من خلال العمل على ترسيخ المختلف لغةً وفكرا إلى حد الاحتفال المبهج بالاختلاف عن هذا التاريخ للمعرفة متجاوزا ، وأن يزيح التراب عن المنسي والمغيب ويفضح الارتباطات غير المعترف بها و ان يديم حالة اليقظة المتواصلة لعدم السماح بإنصاف الحقائق ، بل العمل الخروج من مناخه الإشكالي أي عاملا على تجاوزه معرفيا وإيديولوجيا/أخلاقا .متجاوزا تلك الإشكالية التي قامت عليها الحداثة يومها والتي عمقت الأوهام الإنسانية تبرر ذاتها اعتماداً على البيولوجيا والاشتقاق اللغوي حيث ظهر نظرية الأعراق التي أثرت كثيرا في تبرير الهيمنة والإلحاق وبالتالي كشف التواطؤ بين المعرفة والسلطة .
كل هذا بحاجة إلى إعادة نظر من خلال قيم ما بعد الحداثة التي تعمل على إقرار الاختلاف" لذا يؤكد نيتشه، "ليس هناك واقعة في ذاتها. فكل ما يحصل ويتم ليس إلاّ مجموعة من الظواهر التي انتقاها واختارها كائن مؤول"،من هنا ثمة حاجة إلى إعادة النظر بالسلوك التواصلي بين الذات والأخر من خلال الفن هذا الفن الذي يمكن نعته (بالفرحة التراجيدية) -بلغة نيتشه- اعتبره الحافز الأكبر للحياة، او (إرادة القوة) من حيث هي المهمة الميتافيزيقية ألكبري للفن، لذا وجب (الإنصات إلي الجسد) كخيط ناظم للتأويلات الفنية كلها.هكذا تحدث (نتشة) عن فيزيولوجيا وجينالوجيا الفن.".بالمقابل تجاوز اللغة الاخضاعية التي تقوم على الارتياب بالأخر بأسلوب لا يختلف كثيرا عن أسلوب المشعوذين كهنة الظلام التي ممكن ان نلمسها في ما يقول برنارد لويس : "عندما تتصادم حضارتان، تسود أحدهما وتتحطم الأخرى" ( ) هذا التصور النمطي يعكس منظومة من المفاهيم يمكن عرضها من خلال تشخيص شتراوس بالاتي :
الأول- منهما منظومة معرفية، تشرح الظواهر الإنسانية بمقولتي: الصحيح والخطأ.
والثانية- البعد ألقيمي الذي يراد له إن يكون قشره حامية للذات " منظومة أخلاقية" والتي تم تأويلها منذ القديم أي منذ المانوية بمصطلحي: الخير والشر. ما يظل عصياً على القبول الجماعي، بسبب اختلاف العادات والمعتقدات.هذه المعاير تساهم في تنميط الأخر حيث يغدو العالم الأخر عالم نقيض عالم الذات وتغويل وبالتالي يتم إسقاط علية تصورات نمطيه اختزالية وهذا ما تحقق من خلال التعاضد بين القوة الكونيالية والمعرفة ممثلة بالقراءات العلموية أو الاستشراقية غير البريئة من موجه عرقي يحاول تبرير التفوق الغربي وخلق سردية تاريخية وأعادة بناء الماضي من أجل إضفاء الشرعية على الحاضر الذي يشهد تفوق الغرب ، ومن هنا يمكن القول إن الفكر وليد السياسة ، والسياسة هي القوة المحرفة للفكر والتاريخ والدين فهي المنتجة للتأويلات والانحرافات في سعيها لحيازة المشروعية بعد أن حازت القوة .هذه اللغة بقت وستبقى بين الشعوب لان القوة هي الخيار الراجح منذ بداية الخليقة إلا أنها الخيار ذي نتائج مدمره لهذا نرى الكثير من التأويلات الحديثة مثل : نهاية التاريخ أو صراع الحضارات هي في جملتها لا تخلو من تقديم شرعية لخطاب القوة والهيمنة الغربي وإضفاء الطابع العقلي عليه حتى لو أدى هذا إلى صناعة مخيال دعائي ارتدادي غارق بالأطياف والأفكار الأحادية والثنائيات الضدية والهومات ، فهي في كل الأحوال تصنع المحن الذاتية وتؤول إلى الإقصاء المتبادل وتدمر علاقات الحوار والتكامل الإنساني .
هذه الشواظ المحرقة الاقصائية العدائية يجب تعريتها لتحل محلها اللغة التواصلية الحوارية بوصفها المقابل البديل المناسب .وفي هذا يقول " كلود ليفي شتروس" : "إن الإسهام الحقيقي لأية ثقافة لا يتكوّن من قائمة الاختراعات التي أنتجتها، بل من اختلافها عن غيرها. فالإحساس بالعرفان والاحترام لدى كل فرد في أية ثقافة تجاه الآخرين لا يقوم إلا على اقتناع بأن الثقافات الأخرى تختلف عن ثقافته في جوانب عديدة حتى وإن كان فهمه لها غير مكتمل.."( ) و إذا ما بحثنا عن هذه اللغة التواصلية نجده أي شتروس يشيرا إلى عناصر ثلاثة، يقول:
1. لا وجود لثقافة إِلاَّ في هوية محددة تميزها عن غيرها، فإن انتفى التميز انتفت الثقافة وأصبحت باطلة ولاغيه، مما يجعل كل حديث سوي عن الثقافات حديثاً عن الهويات الثقافية.
2. لا وجود لثقافة محددة إِلاَّ في علاقتها بثقافات أخرى مختلفة عنها، كما لو كان الاختلاف قوام الهوية الثقافية وشرط حوارها مع الهوِيَّات الأخرى. فلا حوار بلا اختلاف ولا اختلاف بلا هوية، ولا هوية إِلاَّ بوعي الفرق بين "الأنا" و"الآخر".( )
ويمكن التأصيل ألمفهومي للحوار او المثاقفة:
• الحوار :إذا ما تعاملنا معه بعيدا عن مفهوم سوء الفهم الذي تضمنه أطروحة حوار الحضارات بل بوصفه إستراتيجية تؤكد على تعرية المسبقات وكشف التواطئات العميقة غي المفكر بها ؛ وهي تنكشف من خلال لغة تكشف التواطؤ بين المعرفة والقوة اذ بحسب اللغة التواصلية ينزع إلى تعميق التجربة الإنسانية عبر ما يسميه هابرماس توسيع نطاق الفعل التواصلي في مجال الأخلاق والحياة الاجتماعية، أي إلى أنسنة النتاجات العقلانية. وان تطور الأنساق المعيارية للمجتمعات وتنامي وعي هذه المجتمعات بذاتها ووعي الأفراد بذواتهم منوط بمدى توسيع نطاق الفعل التواصلي المستند الى التفاعل الاجتماعي والتفاهم المتبادل بين الذوات.القائمة على المثاقفة الايجابية فهي بلا شك تجعلنا إزاء بعد حواري تعايشي تكاملي الحفاظ على مجموعة الأفكار الإنسانية في تحقيق الحوار،الحفاظ على التنوع والاعتراف به كظاهرة إنسانية حتى يصبح الحوار ضرورة،دفع الناس لبناء حضارة إنسانية متكاملة،قراءة الآخر وفهمه دون الاستناد إلى المصادر الإعلامية بل قراءته قراءة موضوعية. تحقيق شروط حرية الحوار عن طريق استخدام قوة الحجة لا حجة القوة كوسيلة حضارية لفض النزاعات .وفهم ضرورة ارتباط الواقع بالحوار الذي يحتم وجود تقييم موضوعي، ينطلق من حتمية الشراكة الإنسانية، ومن وعي لحقيقة هذه الشراكة المتكافئة بين البشر، ومن ضرورة معرفة مَنْ نحن ومَنْ نحاور، وتحديد من يمثل الحضارات وخصوصيتها وهي دعوة لمعرفة هوية الآخر الذي نحاوره.(الحوار، في معناه العام: خطاب (أوتخاطب) يطلب الإقناع بقضية أو فعل. وفي معناه الخاص: كل خطاب يتوخى تجاوبَ متلقٍّ مُعين، ويأخذ رده بعين الاعتبار من أجل تكوين موقف في نقطة غير معينة سلفا بين المتحاورين؛ قريبة من هذا الطرف أو ذاك، أو في منتصف الطريق بينهما.)( )
• مجال الحوار: تدبير الاختلاف حول القيم:يلتقي منظرو بلاغة الإقناع من أفلاطون إلى بيرلمان في التأكيد بأن مجال التخاطب الحواري (أو الحجاج) هو مجال القيم... حسب سقراط، حين نختلف حول المصيب والمخطئ والجميل والقبيح والخيـِّر والشرير، وبكلمة واحدة : حول القيم... فبمجرد ما نحاول تنزيل هذه القيم على الواقع فإنها تصبح موضوع أخذ ورد حسب المستمَعات. ( ) بمعنى اختلاف الاعراف الثقافية بحسب الثقافة او الحضارة وبالتالي لا يمكن إخضاعها إلى منطق البحث العلمي لأنها خارج هذا البعد الاداتي بل هي رأسمال ثقافي متغير بحسب الخصوصية الثقافي ومن هنا الاختلاف الهويات أمر طبيعي وميدان للتنوع ومحرض الى الحوار بعيدا عن التنميط الثقافي العنصري.
المثاقفة: الحديث عن مشكلة التثاقف هو في الأصل حديث عن مشكلة الغيرية،وهذه الفكرة يمكن رصد فيها بعدين:
الأول- التعامل مع المثاقفة بوصفها غزو ثقافي او العمل على كشف المثاقفة المهيمنة " إذا سلمنا بأنه ليست هناك ثقافة واحدة نموذجية، وبأن مشكلة التثاقف من المشكلات التي أثيرت في فترة الاستعمار، فينبغي أن نعلم بأن عملية التثاقف هي:العلاقة التي تجمع بين ثقافة الأنا وثقافة الأنا الذي ليس أنا.إنها العلاقة التي تجمع بين ثقافة السيد وثقافة العبد.إنها العلاقة التي تجمع بين ثقافة البورجوازي المستغل وثقافة البروليتاري المستغل.إنها العلاقة التي تجمع بين ثقافة الإنسان الغربي المستعمر وثقافة الإنسان العربي المستعمر.إذن، مما تقدم يبين بجلاء بأن عملية التثاقف علاقة تكشف عن اللاتكافؤ الواضح بين ثقافة الإنسان العربي الذي استغل واستعمر ولا زال، وثقافة الإنسان الغربي المستعمر القوي السيد الذي يراهن اليوم على فكرة العولمة "كأسلوب جديد للاستعمار"، وقد أصبحت ثقافة الإنسان الغربي ثقافة قوية مهيمنة بحكم قوته الاقتصادية والتقنية والعسكرية وهذا ما تجسد مع الغزو الاستعماري بكل بلدان العالم الثالث في مطلع القرن 19 بما في ذلك العالم العربي، وابتداء من هذه اللحظة بالذات فكر الإنسان الغربي المستعمر القوي، السيد، في مسألة تنميط وتكييف ثقافة الإنسان العربي المغلوب والضعيف، على ثقافته تحت فكرة التثاقف. وهذا ما يوضحه الأنثروبولوجي جيرار لكلرك في مؤلفه الأنثروبولوجيا والاستعمار قائلا: "يمكن استعمال التثاقف للإشارة إلى الأنماط التي يتم بموجبها قبول مظهر ثقافي معين في ثقافة أخرى بحيث يتلاءم ويتكيف معها مما يفترض مساواة ثقافية، بين الثقافة التي تعطي وتلك التي تتقبل، والتكيف هو السيرورة التي تتحول بموجبها عناصر الثقافة المستعمرة والمسيطر عليها نحو حالة تتلاءم مع شكل الثقافة المسيطرة". الاستفهام المطروح الآن هو: كيف يمكن أن يساهم مثقف "العالم الثالث" وأقصد هنا المثقف العربي كنموذج، في دعم ثقافته لمواجهة ثقافة المستعمر القوي الذي نزع بالأمس بناء على قوته العسكرية وينزع اليوم تحت فكرة العولمة إلى نمذجة ثقافته وفرضها على الإنسان العربي؟"( ).
الثانية : تقوم على الحوار والتكامل إذ يظهر معنى المثاقفة كما تصورها الأنتربولوجيون المتمسكين بتعريف المثاقفة انطلاقا من اتصال مستمر ومباشر بين ثقافتين. يقول ريدفيلد لينتون Redfield Linton وهيرسكوفيتش Herskovits في مؤتمر 1938 أن المثاقفة "مجموعة من الظواهر الناتجة عن اتصال مباشر ومتواصل بين أفراد ينتمون إلى ثقافات مختلفة".( )هذا عندما اصبحنا نعرف ان (الاختلاف بين الشعوب هو اختلاف تاريخي لا أنثروبولوجي أو بيولوجي... هو كائن يعرف صيرورة تاريخية، بل انكسارا في الزمان والمكان، وما ترتب على ذلك من انحطاط وتخلف ولا عقلانية وتبعية. والإجابة لن تكون إلا بالصرخة التي أطلقها فرانزفانون حول حق المبادرة التاريخية للشعوب المستعبدة، وذلك في كتابه الشهير "معذبو الأرض" ضد كل تبرير لاختلاف أنثروبولوجي بين شعوب العالم. ولا يمكن نسيان محاولات الفكر الاستشراقي و"المثالي" تبرير اختلاف الشرق أنثروبولوجيا لصالح إيديولوجيا الهيمنة.... إذ أن العقل ليس حكرا على أحد بل هو ممارسة إبداعية-اجتماعية، لها مشروعيتها القصوى. وكل إقصاء للعقل عن فئة محددة لن يخدم إلا المطلقات واللامعقول داخل المعرفة والسياسة معا)( ) نحن بحاجة إلى ثقافة جديدة بعيدة عن الإلحاق إلا أنها تقر الاختلاف هنا ثمة معادلة بين اللغة التواصلية واللغة الاخضاعية اذ يفضي الحديث عن الفرق بين التفاوت والمساواة إلى حديث مواز عن: النسبي والكلي؛ إذ المفهوم الأول التفاوت يرى إلى تنوع الثقافات الإنسانية،بينما يكتفي التصور الثاني والمساواة باختزال التنوع إلى تصور ثقافي وحيد، هو تصور الإنسان المتفوق والفرق بين التصورين التفاوت والمساواة هو الفرق بين الأحادي والمتعدد؛ فالتنوع الثقافي يقضي بتنويع المعايير والرؤى والأحكام، انه انظر من التفكير قد يغيب الأخر لأنه ينظر له من خلال الذات وبالتالي الميل إلى التشميل تصور له سلبياته إذ "تصور الحياة ككل، وميل للتأثر بفكرة واحدة وجهل بباقي الأشياء"( )" فان (العالم غير الأوربي لا يضم ،بنظر الأوربي ،إلا السكان الأصليين ،والنساء ،المحجبات وأشجار النخيل ،والجمال تؤلف المشهد ،الخلفية الطبيعية لوجود الفرنسيين الإنساني )( ) ".بالمقابل فان التأكيد على التعدد او القراءة الطباقية بلغة ادوارد سعيد : إن عالمنا هو عالم المشاركة والثقافات المتقاطعة التي يمتلكها التاريخ الإنساني عينه.لهذا أوجد مصطلح" القراءة الطباقية" .والتي يؤكد فيها على إن لكل نص عبقريته الخاصة ، فهو بهذا على التعددية الحوارية بين كل هذه النصوص .(هيهات أن تكون الثقافات وحدانية موحدة ،بل أنها بحق لتكتسب عناصر أجنبية،أخريات ،وفروق تفوق ما تقوم واعية بإقصائه)( ) .
• في الوقت الذي أكدنا بطلان هذا التمثيل النمطي ضرورة التأكيد على أن يعمل الغرب أن يتحمل نتائج أفعالة التي تركت أثار بعيدة الأثر على الأخر وان يعمل على تقديم المساعدات التي تجعل الأخر قادر على التغلب على مصاعبه لان هذه المصاعب ليست كما صورها صموئيل ثقافية بل هي نتائج الحرب الباردة والسياسة الهيمنة .كما نحن أيضا بحاجة إلى تعرية التصورات المحافظين الجدد والفكر العدواني الصهيوني .
• إن ما يميز عالم اليوم، أي العالم وقد اكتسحته التقنية والإعلام هو غياب الاختلاف. أي سيادة التبسيط والأحادية والتنميط الثقافي على الخصوص، كتب كونديرا "تعمل وسائل الإعلام في خدمة توحيد تاريخ الكرة الأرضية، فهي تضخم وتوجه عملية التقليص، إنها توزع في العالم كله نفس التبسيطات والصيغ الجاهزة التي يمكن أن يقبلها أكبر عدد، أن يقبلها مجموع البشرية.هذه الإعلام يعمل على خلق تبسيط يغيب المشاكل او يحيلها الى امر بعيدة عن جوهرها نحن بحاجة الى تجاوز الخطاب التقليدي الى خطاب تحديثي لان " ذلك أن ثقافة الحداثة هي انسلاخ دائم عن ثقافة التقليد. إنها حركة انفصال دائبة نحو خلق شبكات مقاومة تحاول الانفلات من التنميط وتسعى نحو خلق الفروق وإحداث الاختلافات."( )

الفن أفق الحوار الكوني في سبيل مثاقفة فاعلة/والتلقي : اذ كانت كلمة فن مأخوذة من لفظ الفنن. والفنن هو اسم لما نشاهده على الغصن وهو يتفتق أو على الورد وهو يتفتح. والتفتق أو الانفتاح انكشاف. الفن شبيه إذن بما نشاهده على الطبيعة وعلى الأرض كفعل تلقائي للتفتق بل إنه يستمد دلالته الأصلية من هناك. وبهذا يغدو الفنان كالطبيعة، يتفنن بمعنى يترك الغرابة وما هو عجيب ينكشف ويتشكل عملا فنيا. الفن بهذا المعنى هو عينه الحقيقة كانكشاف وتفتق.( ) ينبغي أن نفهم لغز الحقيقة وغرابتها والتباسها من حيث هي حقيقة الوجود أو الكون. اللغز والغرابة يكمنان في كون كنهها لا يأتي صوبنا بشكل مباشر بقدر ما يأتي محايثا للموجود. أما الموجود الذي يأتي معه صدى هذه الحقيقة ويعتبر مأوى له، هو اللغة. من هنا اعتبار اللغة مقطن حقيقة الوجود. لذلك، فكل محاولة للمسك بناصية هذا الصدى وحصره كما ينص درس المنطق، يبوء بالفشل، لتظل هنالك إمكانية للاقتراب منه فقط. أما إمكانية الاقتراب من الحقيقة بهذا المعنى هو العمل الفني( ) إذ ليس إبداعا لإرادة الفنان، بقدر ما هو أكثر من ذلك، كيفية من كيفيات انكشاف الحقيقة. وقد قلنا فيما قبل، ما من حقيقة سوى حقيقة الوجود( )
فان تجربة التلقي تجعل هذه التجربة ممكنة وقابلة للمشاركة بها عبر تفاعل تجربة والحقيقة الكامنة عبر الوعي الذاتي. وهنا يضرب لنا "غادامير" مثلا عن اللعب فانه ليس مجرد نشاط واع،لتسلية والمتعة بل انه يتضمن نوعا من جديه إذ تجاهلها احد المشاركين يفسد اللعب .وللعبه أيضا دينامكيتها المستقلة وأهدافها المنفصلة عن وعي اللاعبين المشاركين فيها .
دور المبدع في العمل الفني كدور اللاعب في اللعب انه يبدأ بمحاولة تشكيل تجربته الوجودية ،ولكن هذه التجربة تستقل –في تشكلها – عن ذاتية المبدع ،لتتحول إلى وسيط له دينامياته وقوانينه الداخلية.هذا التوصيف إلى ألعلمية ألفنية تقدم توصيف إلى استقلال النص عن التبعية إلى المؤلف ثم إن المتلقي /القارئ للنص أيضا يصبح له دور في القراءة رغم انيتة وهي التي تجعل العمل الفني مفتوحا على القراءات القادمة ، وفهم هذا الماضي يعتمد على قدرتنا على فصل الماضي في الحاضر عن الحاضر .وكذلك الحال في العمل الفني اذ لا يمكن الفصل فيه بين النص والأثر الذي يحدثه :أي بين النص وآليات العملية التأويلية التي تتحقق إثناء التلقي .
بمعنى أن العمل الفني هو المرجل التي تنصهر فيه الثقافات وتحاور بشكل إبداعي حوار يقوم على انصهار الأفاق وانفتاحها إلا انه أيضا مرتبط بمثابات إذ رغم (الفن صنعة الإفراد ، لكنه تعبير عن مكان وزمان كذلك) ( )



#عامر_عبدزيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب ...
- فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو ...
- الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
- متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
- فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
- موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
- مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عامر عبدزيد - الفن القاسم المشترك في إيجاد مثاقفة حواريه بين الثقافات