هايل نصر
الحوار المتمدن-العدد: 3128 - 2010 / 9 / 18 - 00:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان يسود الحياة السياسية والاجتماعية اليونانية القديمة تياران اساسيان متناقضان. تيار يعتقد بما وراء الطبيعة او الاديان والآلهة, والاخر يتأسس حول استقلال الفكر الفردي. التيار الاول يعتقد بانه يملك الحقيقة ويدافع عنها ويريد فرضها بحماية وقوة سلطة الحاضرة (المدينة) , التي هي الدولة حاليا. ولا يقر بحرية التفكير والتعبير للتيار الثاني وما يعلنه عن خاصية العقل وقدراته على الادراك والتحليل والتركيب والاستنتاج. من ضحايا تعصب التيار الاول , اشهر مشاهير التيار الثاني في ذلك الزمن, الفيلسوف سقراط (470ـ399 ق. م ) الذي حكم عليه بالموت لأنه لا يعتقد بالآلهة المعترف بها من (الحاضرة) الدولة.
استمر عبر التاريخ التناقض بين الاعتقاد بما وراء الطبيعة والآلهة التي تتكون حول مفهومها الاديان, وبين العقل الذي يريد ان يحلل ويستنتج للوصول الى ما يقنعه دون تسليم بما يُوحى اليه.
ليس هنا مجال التأريخ للأديان بتعددها او للفلسفة بتياراتها. والعقل والايمان. فليس هذا مجالنا ولا هدفنا هنا. ولكن لا بد من الاشارة الى الصراعات الدامية التي عرفتها اوروبا بطابعها الديني دينيا, وان كانت تغطي أهدافا اقتصادية بشكل اساسي, فادت بحياة الملايين.
بعد القرن السادس العشر, ولإنهاء تلك المآسي, بدأ الترويج لفكرة التسامح لتكون مخرجا من الحروب, وقبولا بالآخر وللتعايش معه.
مع تنويري القرن الثامن عشر, بشكل خاص, بدأت تنتشر مفاهيم جديدة للسلطة والدولة والانسان. ثم جاءت الثورة الفرنسية بمفاهيمها لتطيح نهائيا بالنظام القديم وقيمه, وتصدر اعلان حقوق الانسان والمواطن, فوضعت السيادة في الامة(المادة 3) ونزعت القدسية عن الملك ورجال الدين. منهية التحالف بين الملكية والكنيسة. وكانت اول من سجل علمانية المجتمع والمؤسسات على الطريقة الفرنسية.
على المفاهيم الجديدة شرع رجال الثورة ببناء الدولة والمجتمع. فرأوا, فيما رأوا, ضرورة التربية على قيمها مهما كان الثمن : "عندما تبذرون البذور في الحقول الواسعة للجمهورية لا يجب عليكم حساب ثمن هذه البذور. التربية هي الحاجة الاولى للشعب بعد الخبز" (دانتون خطاب في الجمعية الوطنية في 13 اوت 1793).
لم تأت العلمانية الفرنسية كوسيط لتسوية الخلافات والصراع بين الاديان والطوائف فيما بينها. فهذه الخلافات والتناقضات والصراعات الدموية هي القاعدة, اما التوافق والمهادنة ــ التي اريد لها ان تبنى على فكرة التسامح ــ فقد كانت تفرضها موازين القوى وضرورات التعايش, واتقاء مآسي الحروب ونتائجها.
لم يكن التسامح, ولا يمكنه ان يكون في ظل رفض الاخر وفكره, الا تكتيكا يُطرح للتهدئة, وليس استراتيجية يبنى عليها توافقا عاما وسلما دائما. بناء استراتيجية سلام وتوافق بين اديان وطوائف يعتقد كل منها بانه يمتلك الحقيقة وحده, وان الله له وحده, وان غيره على ضلال, لا يمكن التوصل اليه حتى ولو صفت النوايا في مكان ما, وارده بعض اصحاب النظر البعيد , في زمن معين. فكرة التسامح ليست الا فكرة عاطفية لها قيمة اخلاقية عالية, ومع انها مطلوبة جدا, تبقى, حيث ليس لها قوة الالزام, غير قادرة على الصمود في وجه التعصب الذي يرافق الواقع الديني كلازمة, يمكنها تلطيف حرارته, بين حين واخر, ولكنها لا تلغيه, فهي نتيجة, وبالتالي لا يمكن ان يقوم عليها وحدها سلم مستقر ودائم داخل مجتمع متعدد الاديان والطوائف. ولا بين هذا المجتمع والمجتمعات الاخرى, اذا لم تقم على القيم العلمانية بفصل الدين عن الدولة وقوننة الحقوق والواجبات التي تفرضها المواطنية , والنظر بصدق للدين على انه لله وان الوطن للجميع والبناء عليه.
العلمانية, على الطريقة الفرنسية, لم تأت لإلغاء الاديان أو لمعاداتها. جاءت لتفصل الكنائس عن الدولة, وتعيد ما الدولة للدولة, ولقوننة العلاقات الداخلية في المجتمع على اسس القوانين الوضعية التي يضعها الانسان نفسه, بهدف حماية وتطوير وازدهار الانسان نفسه. وبناء مجتمع ناظمه المواطنية وحقوها وواجباتها. هذه القوانين تحل بدورها, أو على الاقل تخفف من حدة التوتر الديني بين اصحاب الديانات فيما بينهم, وبينهم وبين المجتمع متعدد الاديان والطوائف والاتجاهات, وتضبطها بالقاعدة القانونية الملزمة.
لفرنسا تجربتها الخاصة والمميزة بهذا الصدد وهو ما سنقتصرعليه في المقالة الحالية.
" اعتقدت فرنسا باكتشافها العلمانية عام 1905 بانها وجدت الصيغة المثالية, او على الاقل الصيغة التي راتها الافضل لخفض التوتر. وكان هذا صحيحا خلال قرن من الزمن. ولكن تغير المشهد الديني الفرنسي يظهر اليوم ان بعض المشاكل ما زالت عالقة, وحان الوقت لا يجاد حلول لها", ( جاك روبير. الرئيس الشرفي لجامعة السوربون باريس الثانية والعضو السابق للمجلس الدستوري, ورئيس المركز الفرنسي المقارن. الحريات والحقوق الاساسية. CRFPA. منشورات دالوز 2010).
يميز جاك روبير بين فئات متنوعة من الانظمة القانونية الغربية فيما يتعلق بالعولمة, فهناك :
انظمة تمزج بين الزمني والروحي spirituel وتوصف في حالاتها المتطرفة بالتيوقراطية théocratie . ويضرب عليها مثلا ما كان سائدا في روما القديمة والفاتيكان, ويضيف خارج أوروبا اليابان القديمة واسرائيل حاليا, مع بعض التحفظ (عبارة مع بعض التحفظ هذه التي اوردها البروفسور الكبير ليست في راينا الا كف ملاحقة, او تجنب نقد لا يمكنه الا ان يكون جارحا, من قبل اللوبي الصهيوني لكل شخص يقترب من قول شيء يمكن ان يعتبره هذا اللوبي اقتراب من خط احمر لا ترسمه الحرية, وانما تحدده المصلحة الصهيونية. مع ان الممارسة الاسرائيلية ودعوات مسؤوليها, بمن فيهم رئيس وزرائها الحالي, العالم للاعتراف بيهودية اسرائيل ممارسات ودعوات صريحة, فلما التحفظ اذا او الاشارة لبعضها ؟) .
نظام من الكنائس ومن الدولة مثالها: بريطانيا, الدنمارك, اليونان, السويد, فلندا.
انظمة الفصل النظري مع تعاون عملي. مثالها: المانيا, بلجيكا, اسبانيا, ايطاليا, النمسا, البرتغال.
انظمة الفصل الحاد, مع تراوح احيانا بين الليونة والتوتر. مثالها فرنسا. هولندا, ايرلندا ,الولايات المتحدة الامريكية.
ويشير الى ان العلاقات بين الكنيسة والدولة اقل قوة في اوروبا الكاثوليكية منها في اوروبا البروتستنتية او الأرثوذكسية.
لا شك ان العلاقات المختلفة بين الكنيسة والدولة تحدد محتوى ومدى مفهوم الحريات الدينية. يعترف كل اعضاء دول الاتحاد الاوروبي بحرية المعتقد وحرية ممارسة الشعائر الدينية. وتعرف اوروبا حاليا تقدما في مجال العلمانية على مستوى المؤسسات والمجتمعات.
وتجد الاشارة هنا الى ان نابليون بونابرت وضع عام 1801 نهاية للاتفاقية concordat التي كانت تنظم العلاقات بين الحكومة الفرنسية والكنيسة الكاثوليكية, معلنا في الوقت نفسه حرية المعتقد وضمان حرية ممارسة العبادات.
وان قانون 18 مارس 1880 منع المؤسسات التعليمية الخاصة ان تأخذ لقب جامعة , الدولة وحدها توزيع الدرجات الجامعية. وفرض قانون 16 جوان 1881, المكمل بقانون 28 مارس 1882, التعليم الاجباري وادخل برامج علمانية ادت الى الغاء التعليم الكاثوليكي.
عارضت الكنيسة الكاثوليكية بقوة العلمانية واصحاب الفكر الحر الداعين الى رفض المهادنة والتسويات وفرض فصل سريع وجذري. ورغم ذلك تم قبول مشروع القانون 1901 ,المعد من قبل حكومة Combes, وتمت موافقة البرلمان عليه في ظل حكومة Rouvier في 9 ديسمبر 1905.
اذاً كان يجب انتظار عام 1905 لتتخذ فرنسا القانون الذي اعتبر اساس العلمانية laïcité في القرن العشرين والى اليوم, وهو قانون 9 ديسمبر 1905 . اي 116 عاما بعد قيام ثورة 1789.
فصل القانون المذكور بين الكنائس من جهة, وبين الدولة من جهة اخرى, مع ضمان حرية المعتقد, واحترامها, وفرض احترام قوانين الدولة والعمل في اطارها, حتى فيما يتعلق بتنظيم ونشاط الكنائس.
فجاء في المادة 1: " تضمن الجمهورية حرية المعتقد. وتضمن حرية ممارسة العبادات .."
المادة الثانية لا تقر بأية اجور او مساعدات لأية ديانة .. " ستلغى من ميزانيات الدولة, و الولايات والبلديات, كل النفقات الخاصة بالعبادات".
عدم الاعتراف الرسمي بدين للدولة يلغي كل تمييز بين الكنيسة الكاثوليكية, والكنيستين البروتسنتيتين, والكنيس اليهودي, والجامع الاسلامي. وتضعها جميعا على قدم المساواة. عدم الاعتراف هذا لا يعني معاداة او حذرا, وانما القول بان الدين لم يعد شأنا عاما. ولم تعد الكنيسة مرفق عام.
احترام حرية المعتقد:
حرية المعتقد من الحريات الاساسية التي ضمنتها الدولة العلمانية الديمقراطية. مع ذلك فهي الاكثر ضعفا والاكثر غموضا والاكثر جدلا في النظام الديمقراطي. الضمانات المقدمة لها لا يبعد عنها الالتباس ولا يلغي نهائيا والى الابد التوتر في العلاقة: علمانية/دينية,. كما ان فصل الدين عن الدولة يختلف مداه من دولة ديمقراطية الى اخرى. (الواقع ان عدد الدول العلمانية يبقى محدودا. وكل الادعاءات التي تصنف دولا معينة, غير غربية على وجه الخصوص, على انها علمانية, او ان هذه الدول تدعيها لنفسها بنفسها, تبقى ادعاءات واهية هشة لا تصمد أمام الواقع).
عدم تبني الدولة لديانة معينة يضع المواطنين امامها على قدم المساواة المعنوية, لأنها لا تشجع اي معتقد باسم الامة. كما يعني هذا ضمان حرية كل الاديان والطوائف. و يعني ضمان حرية المعتقد ليس فقط ان الدولة تُلزم نفسها بهذا الاحترام, وانما كذلك تحذر اي كان من الاعتداء على هذه الحرية. فقانون 1905 المذكور عاقب جزائيا كل اعتداء بهذا الصدد.
تتأكد حرية المعتقد بعدم الاعتراف بكل تمييز يقوم على اساس الاعتقاد الصريح, او المفترض, ويسبب قلقا لصاحبه. فجوهر اعلان حقوق الانسان والمواطن لعام 1789 المؤكد على ان" لا يجب ان يخشى احد بسبب آرائه , بما فيها الدينية, المنظور اليها كتعبير لا يعكر النظام العام القائم على القانون", وجوهر الدستور الفرنسي الاول 3 ديسمبر 1791 الذي يعتبر ان: حرية الانسان بممارسة العبادات الدينية للدين الذي ينتمي اليه "حق طبيعي ومدني", دخل النصوص الفرنسية التي ماتزال مرعية.
عزز دستور 1958 بشكل كبير نص دستور 1946 حين اعلنت مقدمته على تعلق الشعب الفرنسي بالحقوق المنصوص عليها في اعلان حقوق الانسان والمواطن لعام 1789. موضحة ان الجمهورية " تضمن مساواة جميع المواطنين أمام القانون دون تمييز يقوم على الاصل او العرق أو الدين. وتحترم كل المعتقدات".
ولم يتردد مجلس الدولة في كل آرائه الاستشارية وكل قراراته بالرجوع الى العلمانية كمصدر, في حين ان المجلس الدستوري يصدر في آرائه وقراراته عن مفهوم المساواة. فالنصوص الفرنسية تربط بين النظام العام والحرية الدينية.
مع تغير المشهد الديني ليتخذ الشكل الذي هو عليه حاليا , بظهور ملل sectes عديدة, لم يجر الاتفاق على تعريفها واذا ما كانت تعتبر اديانا يجب ان تعامل معاملة الاديان فيما يتعلق بمسألة الحريات الممنوحة للكناس القائمة في فرنسا منذ القدم. وذلك في ظل تساؤلات عن المقصود بالملة, خاصة وان هناك من يعتبر ان تحليل ماكس فابر الذي فرق فيه بين الكنيسة والملة قد تم تجاوزه واصبح من الماضي, مع تطور العلم والايمان, الشيء الذي ادى الى نوع من خلخلة في كل المعتقدات. ومع ظهور اتجاه يرى انه لتجنب شطط بعض المجموعات يجب وضع قائمة عامة احصائية لمعرفة توجهات هاته الملل ليتاح للدولة مراقبتها , ودراسة الوسائل لإعاقة كل تجاوزات حين حدوثها. كما غير من الخريطة الدينية الفرنسية احتلال الدين الاسلامي المركز الثاني من حيث عدد معتنقيه.
فقد ميز دستور عام 1958 الملة عن الدين. وعليه لا يمكن للملة الاستفادة من النصوص الوطنية او الدولية التي لا تمنح الا للأديان. وذلك عكس ما هو معروف في الولايات المتحدة الامريكية حيث تنشط الملل بحرية وفاعلية كبيرة. يراسها غالبا شخصيات كبرى من عالم السياسة والمجتمع المدني. وتوزع افكارها ومنشورتها بحرية كاملة. هذا ما لا تقره فرنسا التي تمنع مثل هذه الدعايات, او تحد منها قدر المستطاع.
المفهوم الفرنسي للعلمانية يتضمن حيادية الدولة neutralité ويعتبر الحرية الدينية مظهرا خاصا من حرية اكثر اتساعا, وهي حرية الراي او التعبير.
بعد عام 2003 ,خاصة, ثار جدل واسع فيما يتعلق بحمل الاشارات الدينية بشكل بارز في المدارس, وبرزت مخاوف في اوساط سياسية واجتماعية فرنسية من خشية عودة وحدة الدولة والدين, وادماج الدين في القطاع العام.
السؤال الذي اخذ يطرح بإلحاح, هل من حرية المعتقد في الدولة العلمانية رفع شعارات دينية ظاهرة بقصد ابراز الانتماء الديني, كما تفعل بعض الفتيات المسلمات في المدارس الاعدادية والثانوية الحكومية؟. وهل ارتداء الحجاب والنقاب في الاماكن العامة, الذي يغطي الجسم كاملا بما فيه اليدين والوجه, يعتبر اخلال بالنظام العام الذي من مهام الدولة حمايته؟.
في مسألة حجاب طالبات الاعدادية والثانوية رفعت الحكومة القضية أمام مجلس الدولة الفرنسي الذي ذكّر بوضوح بالنصوص الداخلية والدولية المبني عليها مبدأ الحرية الدينية , براي في 27 نوفمبر 1989 يعلن فيه ان حرية المعتقد ليست الا مظهر من المبدأ العام للعلمانية وحيادية الدولة التي تضمن للطلاب حرية المعتقد الديني. المنع القائم على التمييز بسبب القناعة الدينية والايمان الديني للتلاميذ, يعيق حقهم المعترف لهم به في الوصول الى التعليم.
الحرية المعترف بها للتلاميذ تتضمن حق التعبير عن معتقدهم الدينية داخل المدرسة, ضمن احترام التعددية, وحرية الاخرين. ولكنها لا تسمح لهم بالتباهي بالانتساب لدين معين.
في قرار 2 نوفمبر 1992 اعتبر مجلس الدولة احكام النظام الداخلي للثانوية, الذي ينص على انه " ممنوع منعا باتا حمل الاشارات المميزة, ملابس او غير ذلك من اصل ديني, او سياسي, او فلسفي", احكاما غير قانونية. مثل هذا الاحكام بعمومية عباراتها تقيم في الواقع منعا عاما و مطلقا, غير معترف بحرية التعبير المعترف بها للتلاميذ في اطار مبادى الحيادية وعلمانية التعليم العام. وعليه فان قرار طرد عدد من بنات الاعدادية المتخذ على قاعدة هذا المنع العام غير قانوني ويجب ان يُلغى.
فيما يتعلق بالنقاب الذي يثور النقاش حول ارتدائه في الاماكن العامة, اقر البرلمان نهائيا اليوم, 14 سبتمبر ,2010 مشروع قانون منع ارتداء النقاب الكامل في الاماكن العامة. وقد اقر على النص مجلس الشيوخ ب 246 صوتا مقابل معارضة صوت واحد. و كانت الجمعية الوطنية قد اقرته في 13 تموز. و احال رئيس الجمعية الوطنية ورئيس مجلس الشيوخ القانون الى المجلس الدستوري حتى لا يقوم اي شك بمدى مطابقته للدستور.
تنص المادة الاولى من القانون المصوت عليه على منع اي انسان من ارتداء اي لباس يغطي الوجه في الاماكن العامة.
يعرض المخالف لأحكام هذا القانون نفسه لغرامة مالية قدرها 150 يورو يمكن ان يضاف اليها الخضوع لدورة تدريبية لتعلم اصول المواطنية.
وقد انشأ النص جنحة جديدة تهدف لمعاقبة الشخص الذي يفرض على زوجته لبس النقاب الكامل "بالتهديد او العنف او الضغط, وتجاوز سلطته " عقوبة سجن لمدة عام, و غرامة مالية قدرها 30000 يورو. وتضاعف العقوبة اذا كانت الاجبار واقع على فتيات قاصرات.
يدخل القانون حيز التنفيذ بعد 6 اشهر من اصداره, وهو الوقت الذي يسمح بإجراء حوار مع النساء المرتديات للنقاب الكامل للإقناع.
ترى وزيرة العدل ميشال اليوت ـ ماري, مقدمة مشروع القانون, ان "العيش في الجمهورية بوجه مكشوف مسالة كرامة ومساواة". " النقاب الكامل ينزع هوية الشخص عن هوية الجماعة communié. وهو رفض للاندماج في قيم المجتمع الذي نعيش فيه ". حسب وزير الداخلية يوجد في فرنسا حوالي 2000 امرأة ترتدي النقاب الكامل.
انتقدت الجمعية البرلمانية الاوروبية للمجلس الاوروبي, ومنظمة العفو الدولية هذا الاجراء باعتبار ان منع اخفاء الوجه " ينتهك الحق في حرية التعبير والحرية الدينية للنساء".
كانت الاحتجاجات التي عرفتها مسألة الحجاب في المدارس واسعة, وكانت تثار على انها اعتداء على حرية المعتقد, وعلى حرية التعبير, والحرية الشخصية المضمونة في الدولة العلمانية. فدافعت عنها كل الطوائف الدينية والعديد من منظمات حقوق الانسان.
اما مسألة النقاب الكامل وتغطية الوجه في الاماكن العامة فلم تلق تعاطفا يذكر, او اعتراضات على منع ارتدائه, من قبل الجمعيات المدنية, ولا لدى غالبية المسلمين, رغم محاولة تصوير الامر على انه اهانة موجهة للدين الاسلامي, ولا مساندة تذكر من الاحزاب السياسية. فأحزاب اليمين في مجلس الشيوخ صوتت بالإجماع لإقرار مشروع القانون, وامتنع الاشتراكيون والشيوعين والخضر عن التصويت, ولكن اعدادا منهم, بينهم شخصيات مؤثرة, صوتت بنعم للمنع.
يبقى السؤال, هل يمكن لفرنسا التي احتفلت عام 2005 بمرور قرن على القانون الذي اسس العلمانية فيها بشكل رسمي ان تعيد مراجعة بعض مفردات هذا القانون؟. وهل تغير الوضع الديني فيها, والهبات المتطرفة من هنا وهناك, والارهاب او التهديد به, سيقود الى ضرورة فتح نقاشات معمقة, لإرساء مفاهيم علمانية قادرة على التصدي للتحديات الجديدة, وتضع حلولا "للمشاكل العالقة"؟ بما فيها مشاكل علمنة التربية والتعليم, دون تعارض بين الحريات والالتزامات؟.
واخيرا, هل لمن هو خارج الحضارة الحق في ادعاء حرية لعرقلة بناء الحضارة؟.
#هايل_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟