|
الحريات الأكاديمية
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3126 - 2010 / 9 / 16 - 18:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحريات الأكاديمية لا يمكن الحديث عن الحرية الفكرية في الإطار الجامعي والأكاديمي بمعزل عن النظام التعليمي والتربوي، وبمعنى أوسع لا بدّ من تناول استراتيجياته ومنطلقاته . وقبل نحو أربعة أعوام شاركت في ندوة مهمة في عمان عن الحريات الأكاديمية نظّمها مركز “عمان لدراسات حقوق الإنسان”، وانبثقت عنها منظمة نقابية للدفاع عن الحريات الأكاديمية، ارتباطاً مع عملية التنمية بمعناها الاجتماعي الشامل .
لقد نما التعليم الجامعي بشكل كبير وبجميع مستوياته في الوطن العربي، سواء خلال المؤسسات الجامعية ومراكز الأبحاث والدراسات العلمية أو عدد الطلبة أو الأساتذة الجامعيين . ومع هذا النمو برزت مشكلات نوعية، لعلّ أهمها موضوع الحرية الفكرية في إطارها الجامعي والأكاديمي، ولم يرافق التطور الكمّي في التعليم الجامعي تطوّر نوعي، لا في أقطار اليُسر (الغنية بالنفط) ولا في أقطار العُسر، بل إن بعض أقطار اليُسر بددت الثروات الهائلة على حروب ومغامرات وصراعات داخلية واستخدامات غير رشيدة ولاعقلانية وغيرها .
وخلال السنوات العشرين الماضية ازداد عدد الجامعات العربية ومراكز الأبحاث الأكاديمية، زيادة ملحوظة بالنسبة إلى الجامعات الرسمية أو الأهلية أو الجامعات الأجنبية، كما ارتفع عدد الطلبة بشكل كبير جداً، وكذلك عدد الأساتذة، وبخاصة من حملة شهادة الدكتوراه، رغم التسرّب الذي حصل في السنوات الأخيرة، بزيادة هجرة العقول والأدمغة المفكرة .
وعلى الرغم من التطور الذي حصل في السنوات الأخيرة واتساع رقعة الحريات، فإن بعض المحاولات الجديدة القديمة لاحتواء وتأطير أساتذة الجامعات والباحثين الأساسيين في مراكز الأبحاث والدراسات ظلّت مستمرة، لاسيما ضمن الاتجاه السياسي أو العقائدي أو الديني أو المذهبي السائد والمتنفذ، تحت واجهات وذرائع مختلفة، علماً أن تلك المحاولات قوبلت بعزوف شديد من جانب الأساتذة والباحثين .
وولّد الانغمار في المهمات الوظيفية والابتعاد عن الأضواء لدى الأكاديميين والعلماء شعوراً باليأس والانكفاء على الذات والانفصام عن المجتمع أحياناً، خصوصاً في ظل أنظمة عتيقة، وإدارات بيروقراطية، ومناهج لا تستجيب لروح العصر، وغياب أو ضمور للحرية الفكرية، وضعف المبادرة، وعدم تشجيع حرية البحث العلمي والأكاديمي .
لقد ظل الباحث الأكاديمي والأستاذ الجامعي يعاني القيود المفروضة عليه للالتزام بالمناهج “المقررة” التي غالباً ما تكون ذات اتجاه محدد “ضيق”، ومن الرقابة المختلفة التي جعلته يعيش في بعض البلدان تحت هاجس الرعب . وظلت حرية البحث العلمي محدودة، إضافة إلى الأنظمة الجامعية الإدارية، كالتعيين والدوام والإجازات والمرض والترقيات والتفرغ، وهذه كلها معوّقات أمام الباحث، وعامل كبح يحدّ من إبداعه، فضلاً عن ضعف الحوافز في الكثير من الأحيان، وتقديم الولاء كشرط أساس لتولّي المسؤوليات والترقيات، وذلك على حساب الكفاءة والإخلاص للوطن .
وانتشرت العديد من الاعتبارات الجديدة القديمة، التي سبق للكثير من البلدان العربية أن سلكت طريقاً يساعد على تخطّيها أو يخفف من تأثيراتها السلبية بعد أن عانت منها في حقبة سابقة، كالتطرف الديني والطائفية والشوفينية والعشائرية والجهوية وغيرها، وقد لعبت الاعتبارات الحزبية والسياسية الضيقة، دوراً كبيراً في التأثير بحرية الجامعات والبحث العلمي، وفي الاستفادة من الطاقات والكفاءات العليا لحسابات بعيدة كل البعد عن التقييمات العلمية والأكاديمية . وجرى تفريغ الجامعات ومراكز الأبحاث تدريجياً من الأغلبية الساحقة من أصحاب الكفاءات والمواهب، إذا كانت لا تتفق مع الاتجاه السائد، ما أدى إلى تدهور خطير للحرية الفكرية وهبوط المستوى الدراسي .
وبسبب غياب الحرية الفكرية وفقدان حرية التعبير، فإن هجرة كبيرة شهدتها البلدان العربية والبلدان النامية عموماً للعقول والأدمغة المفِكرة Brain Drain، إضافة إلى تأثير ذلك في الطموح الشخصي للأستاذ والباحث (موضوعياً وذاتياً)، وإغراءات أخرى دفعت بأصحاب الكفاءات إلى ترك أوطانهم، حيث يتسرّب سنوياً العديد من العلماء والنابغين والباحثين وأساتذة الجامعات بحثاً عن الحرية الفكرية والأمان، وتحسين أوضاعهم من الناحية الإبداعية والشخصية، من خلال الفرص التي تتاح لهم خارج بلدانهم، وفي نزيف خطير وهدر كبير للكفاءات والموارد .
إن علاقة الباحث بالسلطة هي علاقة ملتبسة في الأغلب، خصوصاً ما يتعلق بحريته في البحث والتعبير واستقلاله، فضلاً عن القيود المفروضة عليه التي أصبحت أكثر تعقيداً وارتياباً، وعدائية . ومؤخراً استشكل الأمر مع جماعات التطرف، فأصبح هناك شكل من العداء بينها وبين الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات الأكاديمية والفكرية، لعدم قبولها الرأي الآخر .
وتعرّض الكثير من أساتذة الجامعات والبحث العلمي والعلماء إلى الاغتيال، مثلما حصل في العراق بعد الاحتلال، حيث تمت تصفية ما يقارب 400 أستاذ جامعي وعالم وباحث . وفي الجزائر في فترة التسعينيات، سقط أكثر من 100 مثقف ومبدع بينهم أساتذة جامعات، لا لذنب سوى أن بعضهم لا يُقرّ للجماعات المتطرفة أعمالها الإرهابية .
لقد صدمتني بعض الوقائع المخيفة عن حالنا العربي، حين اطلعت على تقارير التنمية الثقافية العربية بخصوص شحّ المعارف، وبمقارنات خاطفة مع الولايات المتحدة و”إسرائيل”، فإن ما يقرؤه العربي سنوياً لا يتجاوز النصف صفحة، في حين يقرأ المواطن الأمريكي 10 كتب سنوياً، ويقرأ “الإسرائيلي” 6 كتب .
وإذا ما عرفنا أنه يوجد في العالم العربي ما يزيد على 71 مليون أميّ، أي ما يوازي نحو ربع سكان العالم العربي، أدركنا أية حقائق صادمة تلك، لاسيما وأنه في الوقت نفسه يعاني شحّ المعرفة والعلوم والحريات، ومواقف سلبية إزاء نصف المجتمع وأعني به الموقف من النساء والتنوّع الثقافي، خصوصاً في بعض المجتمعات المتعددة التي شكّلت مصدر نزاعات تاريخية منذرة بعواقب وخيمة، ولا يختلف الأمر من دول المشرق إلى دول المغرب، ومن حوض النيل إلى دول الخليج .
الحرية الأكاديمية هي الهواء الذي يتنفس منه الأستاذ والباحث العلمي والطالب، لتحقيق الذات وإضفاء نوع من “الأنسنة” على البحث والإنتاج العلمي والإبداع الأدبي، وصولاً إلى التنمية المنشودة
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغزو الأمريكي نجح عسكرياً وفشل سياسياً والفراغ الحكومي يعيد
...
-
ما يريده بايدن من العراق
-
التنمية الموعودة والشراكة المنشودة!
-
اعتقال العقل
-
الحق في التنمية
-
كوسوفو وقرار محكمة لاهاي: أية دلالة مستقبلية؟
-
جديد الفقه الدولي: كوسوفو وقرار محكمة لاهاي أية دلالات عربية
...
-
جرائم بلا عقاب
-
دلالات قمة نتنياهو أوباما نووياً
-
ثلاث سلطات تلاحق المثقف
-
الثقافة رؤية والسياسة تكتيك
-
سلطة المعرفة وتفتيش الضمائر
-
صدام الأصوليات وحيثيات التبرير!
-
هرطقات ديمقراطية صهيونية
-
نصر حامد أبو زيد ومحنة التفكير والتكفير!
-
الثقافة والابداع من أجل التنمية!
-
عن النقد والمراجعة الفكرية
-
هل لا تزال الماركسية ضرورية؟
-
حين يرحل المفكر مطمئناً
-
أسئلة التنوع الثقافي
المزيد.....
-
هيغسيث: إسرائيل حليف مثالي للولايات المتحدة
-
علماء يكشفون كيف وصلت الحياة إلى الأرض
-
ماسك يرد على ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام
-
برلماني أوكراني: زيلينسكي يركز جهوده على محاربة منافسيه السي
...
-
رئيس جنوب إفريقيا يحذر نظيره الرواندي من عواقب الفشل في وقف
...
-
مستشار سابق في البنتاغون: على واشنطن وموسكو إبرام اتفاقية أم
...
-
منعا للتضليل.. الخارجية الروسية تدعو إلى التحقق بعناية من تص
...
-
ترامب -يعلن الحرب- على دعم فلسطين داخل المؤسسات التعليمية
-
لوبان لا تستبعد استقالة ماكرون
-
ترامب يوقع أول قانون بعد عودته إلى المنصب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|