أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الغزو الأمريكي نجح عسكرياً وفشل سياسياً والفراغ الحكومي يعيد الاستقطاب الطائفي والإثني















المزيد.....


الغزو الأمريكي نجح عسكرياً وفشل سياسياً والفراغ الحكومي يعيد الاستقطاب الطائفي والإثني


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 3125 - 2010 / 9 / 15 - 17:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


صحيفة الزمان العدد3689 التاريخ 3/9/2010


المفكر العراقي عبد الحسين شعبان لـ(الزمان):

الغزو الأمريكي نجح عسكرياً وفشل سياسياً والفراغ الحكومي يعيد الاستقطاب الطائفي والإثني

د. حسين الأنصاري

تتصاعد الأزمة العراقية يوماً بعد آخر نتيجة عدم التوصل إلى حل نهائي لتشكيل الحكومة العراقية، ولعل هذه الإشكالية لها جذورها التي مهد لها الاحتلال الأمريكي في سياساته التي اعتمدها منذ دخوله للعراق وفتح الآفاق واسعة أمام التدخلات الخارجية والتفتيت الداخلي واعتماد مبدأ المحاصصة، إضافة إلى تدمير البنى التحتية وعدم حماية المصالح العراقية خلافاً لكل الدعوات والشعارات التي رُفعت تحت ستار نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب وترسيخ حقوق الإنسان، الباحث الاستراتيجي والمفكر د. عبد الحسين شعبان في هذا الحوار مع (الزمان) يتناول الأزمة العراقية وأبعاد المشهد الحإلى في ظل الصراع الدائر على السلطة وما ستؤول إليه الأحداث لاحقاً.

* تحيط بالواقع السياسي العراقي اليوم العديد من التجاذبات والمتناقضات وهي بالمحصلة تخضع لتأثير المتغيرات الدولية المحيطة، الداخلية منها والخارجية وهذا التأثير يبدو الآن واضحاً في المشهد الذي تلا الانتخابات الأخيرة وما يدور حتى الآن من صراعات ذاتية وحزبية وإقليمية، يا ترى كيف تنظرون إلى المشهد العراقي وما آل إليه من نتائج منذ 2003 وحتى الآن؟

** المشهد السياسي العراقي ما زال ملتبساً ومشوشاً وحاداً، وهو يثير قلقاً متعاظماً، وخصوصاً حال التعويم السياسي الناجم عن عدم الاتفاق على تشكيل الحكومة وتسمية رئيس الوزراء بسبب الاختلاف حول الكتلة الأكبر وتفسيراتها، فهناك من اعتبرها القائمة التي حصلت على أكثر المقاعد، وهي القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي، وهناك من فسّرها الكتلة الأكبر في البرلمان، والتي قد تنجم عن اتحاد قائمتين أو أكثر، بهدف الحصول على الموقع الأول ككتلة أكبر، وإذا اتفقت قائمة دولة القانون برئاسة نوري المالكي المنتهية ولايته، وقائمة الائتلاف الوطني برئاسة السيد عمّار الحكيم، ومشاركة بدور مؤثر لجماعة مقتدي الصدر فستكون هي الكتلة الأكبر في البرلمان، ومقابل 91 مقعداً لعلاوي، سيكون لقائمة دولة القانون 89+ قائمة الائتلاف 70، وبهذا سيصبح العدد 159، وهي التي ستكون الكتلة الأكبر. وقد مال قرار المحكمة الاتحادية العليا إلى التفسير الثاني حول الكتلة الأكبر، واعتبره الأقرب إلى روح النص، لاسيما مع عدم وجود مذكرات تفسيرية للأعمال التحضيرية عند إعداد الدستور. وبغض النظر عن هذه التقديرات فحتى الآن لم يعلن عن وجود كتلة أكبر (جديدة) في البرلمان، كما أن الانقسام بين أعضاء دولة القانون والائتلاف الوطني، ناهيكم عن الاشتراطات التي يضعها كلٍ على الآخر بشأن رئاسة الوزراء، قد تجعل الاتفاق عسيراً على تسمية مرشح واحد، وقد يعيد الكرة إلى القائمة العراقية وبدعم من كتلة التحالف الكردستاني، لكن العراقية هي الأخرى قد تفشل في تشكيل وزارة، إلاّ إذا تصدّعت الكتل الأخرى وانضم فريق منها إلى العراقية، وقد يحصل العكس أن تتصدع العراقية، وينضم فريق منها إلى الائتلاف أو إلى دولة القانون أو إليهما معاً في حال الاتفاق على تشكيل حكومة الوضع القائم انعكاساً لأزمة دستورية وفراغ سياسي، الأمر الذي قد يؤدي إلى تفقيس بيوض الإرهاب ويعيد العملية السياسية إلى المربّع الأول، لاسيما زيادة حدّة الاستقطاب الطائفي والاثني. ومنذ احتلال العراق العام 2003 وحتى الآن لم تستعد الدولة هيبتها ولم تصبح القوات المسلحة قادرة على حماية البلاد من التحديات الخارجية، ومن التجاوز على حدودها، ولم تتمكن من تحسين الخدمات الضرورية، لاسيما الماء والكهرباء والتعلىم والصحة، إلاّ على نحو محدود جداً، كما أن الأمن ما زال هشّاً ويتعرض لاختراقات خطيرة بين فترة وأخرى، بالرغم من تحسنه النسبي منذ العام 2008، وما زالت المليشيات قائمة وتثير إشكالات بين فترة وأخرى، والتقاسم الوظيفي المذهبي والاثني مازال سائداً والفساد المالي والإداري والرشى مستشرية وموضوع الانسحاب الأمريكي من العراق الذي سيبدأ في شهر آب (أغسطس) القادم ما زال يثير الكثير من التداعيات، خصوصاً بانتهاء العام 2011، الأمر الذي تتحفز له القوي جميعها.

* باعتباركم أحد النخب الناشطة في قضايا حقوق الإنسان والقانون الدولي، كيف تقيّمون مسار التجربة الديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق وفاعلية السلطة القضائية إزاء ما يجري وما تشير إليها الوقائع والممارسات التطبيقية وما هو المنظور المستقبلي لذلك؟

** ما يطلق عليه التجربة الديمقراطية في العراق، بحاجة الى وقفة جدية، فالانتخابات لوحدها لا تعني الديمقراطية، وكذلك إطلاق حرية التعبير وإن شهدت بعض القيود، وعلى الرغم من الإقرار بحق تشكيل الأحزاب والجمعيات، إلاّ أنه لا وجود لقانون حتى الآن ينظم مثل هذا الحق، لاسيما الإعلان عن مصادر التمويل والعضوية والأهداف والوسائل وغير ذلك، الأمر الذي قاد إلى فوضى دون مساءلات أو تحديد لمسؤوليات، وترك الباب مفتوحاً أحياناً لتداخلات خارجية وأجندات أجنبية. إنني أتعامل مع الديمقراطية، كمفاهيم وحقوق وقوانين ومؤسسات وتطبيقات، تستند أولاً وقبل كل شيء إلى سيادة القانون، الذي له الكلمة الفصل، وكذلك مبدأ المساواة دون تمييز بسبب الجنس أو الدين أو اللغة أو اللون أو المنشأ الاجتماعي أو لأي سبب آخر، والديمقراطية ثانياً هي مؤسسات، وهذه ما تزال غائبة أو شكلية، والديمقراطية تعني الشفافية والمساءلة وكل تلك الأمور تتطلب وجود دولة لها هيبة تستطيع أن تفرض قانونها بالتساوي على الجميع ويكون من حقها وحدها احتكار السلاح وحق فرض العقاب على من لا يلتزم بالقانون.
الديمقراطية لا تستقيم مع الطائفية أو الاثنية أو العشائرية أو الجهوية والمناطقية، وهي جزء من منظومة شاملة تتعلق بالحداثة، وعندما أقول الحداثة، فأنا أعني المدنية والعقلانية والعلمانية مضافاً إليها الديمقراطية.
يمكنني القول أن ديمقراطية ناقصة ومبتورة هي أفضل من أية دكتاتورية، ولكن لا يمكن التشبث باسم الديمقراطية، لقبول الاحتلال أو تبريره أو تسويغ معاهدة مجحفة مثل المعاهدة العراقية- الأمريكية.
الديمقراطية لا تقبل بمنطق الاستتباع أو الهيمنة، ودون الوطنية ستكون الديمقراطية مشوّهة، أما محاولة التشبث بالوطنية وجعلها نقيضاً للديمقراطية، فستقود إلى الدكتاتورية والتسلط والحكم الفردي وقد عاني العراق لسنوات طويلة من ذلك. وبخصوص حقوق الإنسان فقد كان العراق من أكثر بلدان العالم انتهاكاً لها وكما وصفه المقرر الخاص فان ديرشتويل: أن أوضاعه استثنائية وبحاجة إلى جهود استثنائية، حيث كان يعاني من القمع المعتق والحكم الفردي الاستبدادي ومن حروب لا مبرر لها على الإطلاق، ومن حصار دولي جائر استمر 13 عاماً، كل ذلك جعل منظومة حقوق الإنسان بالكامل معرضة للهدر. ويعتبر الاحتلال بحد ذاته انتهاكاً سافراً وصارخاً لكامل منظومة حقوق الإنسان السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لاسيما وقد اتسم وجوده بأعمال إرهاب منفلتة من عقالها وعمليات عنف بلا حدود، وأعمال قتل واختطاف واعتقال وتهجير ونزوح، على نحو بشع، وكان العام 2006 هو الأكثر دموية، لاسيما عمليات القتل على الهوية والتطهير الطائفي حيث ارتفع منسوبه إلى حدود كبيرة، لاسيما بعد تفجير مرقدي الإمامين على الهادي وحسن العسكري. وبخصوص السلطة القضائية، فقد نص الدستور على استقلالها ومهنيتها، وهذا يعني عدم تسييسها، لكن جميع الكتل السياسية تحاول دفع القضاء للتسيس لصالحها وتعتبره مسيساً ضدها فيما إذا اتخذ قرارات لا تتفق مع ما تريد. وأظن أن قرارات المحاكم بشأن الاجتثاث، وتأجيل البت بخصوص عقوبات مجلس النواب ومن ثم الاضطرار إلى اتخاذ قرارات كلها تعكس حالة القلق والضغوط التي يتعرض لها القضاء.
أظن باستثناء الأمور السياسية فإن القضاء العراقي كان إلى حدود معينة مهنياً ومقبولاً، رغم أن السلطة القضائية لم تكن مستقلة في السابق، لكنها اليوم وإن كانت مستقلة لكنها تتعرض إلى ضغوط ومحاولات للاحتواء، ناهيكم عن المحاصصة وفي أحيان كثيرة تكون بعيدة عن المهنية والكفاءة. وأعتقد أن مجزرة القضاء التي أدت إلى إقصاء نحو 250 قاضياً، ثم إعادة النظر ببعضهم، قد عرّضت النظام القضائي إلى هزّة يحاول اليوم السعي لتجاوزها، ولدينا قضاة أكفاء ومحترمون في كل الأوقات، ولا بدّ هنا من التعويل على جيل جديد يستفيد من الخبرة المتراكمة ويأخذ الأخطاء والنواقص بنظر الاعتبار، والأمر مرهون باستقرار الأوضاع وتحوّل الصراع من صراع مسلح أو عنفي، إلى صراعات سلمية مدنية حضارية، وكل ذلك سينعكس ايجابياً على القضاء ودوره.

التحليلات العربية والدولية

* تناقضت الآراء والتحليلات العربية والدولية بخصوص إقدام أمريكا على غزو العراق واحتلاله ووضعت أهداف عدة منها، القضاء على الحكم الديكتاتوري، محاربة الإرهاب، نزع أسلحة العراق، إشاعة الديمقراطية، أمن إسرائيل، تحقيق مشروع النظام العالمي الجديد، يا ترى ما الدوافع الحقيقية والإستراتيجية لغزو العراق؟

** الدوافع الحقيقية لغزو احتلال العراق تتلخص في بعض الأولويات، منها ما كان طارئاً ومنها ما كان إستراتيجياً كرد فعل على أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ومنها ما يتعلق بالإستراتيجية الأمريكية، حيث كان النظام العراقي السابق مصدر قلق لها، لاسيما بعد غزو القوات العراقية للكويت العام 1990، وبعد ذلك فرض حصار دولي وقرارات من مجلس الأمن كعقوبات ضد العراق. كانت الإستراتيجية الأمريكية تقوم على الاحتواء المزدوج العراق- إيران، ثم تحوّلت إلى الضغط على العراق ليسقط كالتفاحة الناضجة بالأحضان بعد عقوبات دولية وحصار شامل، لكن أحداث 11 أيلول (سبتمبر) سرّعت في عملية الإطاحة بالنظام العراقي، خصوصاً وقد سبق له وأن هدد بقصف وسط إسرائيل، الأمر الذي يعني موضوعياً، أن إزالته خدمة لها وللإستراتيجية الأمريكية للهيمنة على منابع النفط في الخليج والعراق بغض النظر عن نظامه الدكتاتوري والتأثير على كامل دول المنطقة، تحت ذريعة نزع أسلحة الدمار الشامل، التي كان العراق قد تخلّي عنها منذ العام 1992، بالرغم من مماطلاته، وكذلك مكافحة الإرهاب، حيث ثبت بالدليل القاطع بعد احتلاله العراق، بعدم وجود أية علاقة بين العراق وبين منظمات الإرهاب الدولي وتنظيمات القاعدة، وهو ما أكدته التقارير الدولية والأمريكية، بشأن سلاح الدمار الشامل والعلاقة مع الإرهاب الدولي. أما قضية الديمقراطية، وإن كانت قد طُرحت بُعيد احتلال العراق والتخلص من النظام الدكتاتوري السابق، لكن الولايات المتحدة بسبب ما لاقته من فشل وإحباط، أصبح همها الأساسي هو الاستقرار، وكلاهما لم يتحققا، خصوصاً بعد تفجر غول الطائفية وكابوس الإرهاب، وما زال العراق ينزف حتى الآن على الرغم من مرور ما يزيد عن سبع سنوات من ذلك.
وإذا كانت واشنطن نجحت نجاحاً متوقعاً في الإطاحة بالنظام السابق، فإنها فشلت فشلاً ذريعاً سياسياً بعد نجاحها العسكري، وحتى هذا الأخير تعرّض إلى التراجع بسبب ما تعرّضت له الولايات المتحدة من أعمال مقاومة وممانعة لمشروعها السياسي والحربي، ومجرد قراءة لأرقام الخسائر الرسمية المعلنة تتضح مدي قتامة الصورة فحتى 30 نيسان (ابريل) 2010 سقط 4.378 قتيلاً أمريكياً و31770 جريحاً وخرج من الجيش بسبب إعاقة دائمة أو أسباب طبية أو نفسية 38845 عسكرياً، عدى الأرقام غير الرسمية.

* تواصل الحكومة الأمريكية تأكيدها وفي العديد من المناسبات الالتزام بسحب قواتها من العراق في الموعد المحدد، هل أنجزت أمريكا أهدافها في العراق والمنطقة؟ أم أن الانسحاب جاء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأنموذج الذي روجت له في منطقة الشرق الأوسط الجديد؟

**حققت أمريكا بعض أهدافها في العراق مثل إطاحة النظام السابق وحلّ الجيش العراقي، وتغذية النزعات الطائفية والمذهبية، وإذكاء نار الكراهية، لكنها فشلت في تطويع العراقيين أو إجبارهم على الانصياع والخضوع، وظلّت الأهداف الأساسية غير متحققة كلياً حتى الآن، ومنها استمرار ظاهرة الإرهاب، بل استفحالها، والسيطرة على النفط الذي ما زال حتى الآن محط أسئلة كبرى، لاسيما موضوع التراخيص وحصة الشركات الأمريكية، وعلى الرغم من تفكيك مؤسسات الدولة العراقية وحل الجيش، لكن أمن إسرائيل يبقي مصدر إشكال، حيث لم يتحقق ما كانت تحلم به واشنطن من علاقات عراقية- إسرائيلية، ولا أظن أن أحداً مهما بلغ من استخفاف بالإرادة الشعبية يستطيع أن يقدم على ذلك، دون ردود فعل شرسة.
لقد قررت الولايات المتحدة الانسحاب من العراق لأسباب عديدة منها: الخسائر البشرية المادية التي أشرنا إليها. وثانياً ضغط الرأي العام الأمريكي والأوربي والعالمي الذي وقف ضد غزو العراق، وندد بعدم شرعية ولا إنسانية الغزو، وثالثاً الأزمة الاقتصادية والمإلية الهائلة التي ضربت الولايات المتحدة والعالم أجمع في نهاية العام 2008 وما تزال مستمرة حتى الآن، وهو ما لا تقدر واشنطن أن تتحمله إلى ما لا نهاية.
وقد وضعت ضمن أولوياتها تصفية تنظيمات القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان، الأمر يتطلب نقل جنودها إلى حيث مصدر النيران الأساسية في قندهار وأخواتها، خصوصاً مع امتداد الإرهاب إلى باكستان، ناهيكم عن تصعيد واشنطن ضد طهران وملفها النووي، الأمر الذي يحتاج إلى إعادة نشر القوات وتغيير في الأولويات. لكن واشنطن حسب تقديري ليس بمقدورها الانسحاب بالكامل وترك الساحة لإيران التي تعاظم نفوذها على نحو واسع، ولذلك ستحاول أن تبقي بين 30-50 ألف جندي، مع عدد من القواعد العسكرية، للطوارئ ولاحتمالات مواجهة التحديات إذا ما اضطرت إلى ذلك. ومع أن الاتفاقية العراقية- الأمريكية تنتهي في أواخر العام 2011 ولا مجال لتمديدها، لكنني اعتقد أن اتفاقية جديدة سيتم إبرامها، لكي لا يحدث نوع من الفراغ الأمني والسياسي.

* إن المتابع للشأن العراقي وفي مختلف الجوانب يجد أن هناك تفشياً مريعاً للفساد الإداري والمالي وهذا باعتراف المراقبين، والأطراف الحكومية والإعلام، يا ترى من المسؤول عن ذلك؟ ومن هي السلطة التي ينبغي أن تراقب وتحاسب وتعمل على انتشال وحماية ثروة الوطن والشعب من الهدر والسرقة والرشوة والضياع تحت مسميات وهمية (مشاريع) وعقود لا ينفـّذ إلا جزء يسير منها، وما السبيل للحد من هذه الظاهرة الخطيرة؟

** نشرت منظمة الشفافية العالمية تقارير مثيرة في السنوات الأخيرة بخصوص الفساد المالي والإداري، الذي تفشي في العراق على نحو مريع حيث يعتبر العراق اليوم (حسب آخر تقرير، ثالث بلد في العالم من حيث الفساد). ولعل القوات الأمريكية المحتلة هي المسؤولة الأولى، فالعراق ما زال حالياً تحت الاحتلال، رغم الصخب العالي والرطانة الكثيفة حول استعادة السيادة منذ العام 2004، وبهذا المعني فإن اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها، إضافة إلى قواعد القانون الدولي هي التي تحكم علاقة الإقليم المحتل بالقوي المحتلة. وقد ساهمت القوات المحتلة منذ البداية في تبديد المال العام ونهب الثروة العراقية، خصوصاً في فترة حكم بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق، الذي أسس مجلس الحكم الانتقالي، وحسب أعضاء في مجلس الحكم الانتقالي بعد انتهاء صلاحياته، صرحوا أن بريمر صرف خلال فترة حكمه 8.800 (ثمان مليارات وثمانمائة مليون دولار) دون سجلات أو أوجه صرف معروفة، لدرجة أنه وزّع على ما يسمي منظمات المجتمع المدني 780 مليون دولار خلال فترة 11 شهراً. وخلال الحكومة الأولى (د.أياد علاوي) والحكومة الثانية (د.إبراهيم الجعفري) صرف ما يقدر بـ 20 مليار دولار دون مساءلات وشفافية كافيتين. وحالياً حسب مفوضية النزاهة في العراق كان هناك أكثر من 1000 قضية فساد كبري، شملت نحو 93 من الموظفين الكبار، بما فيهم 15 وزيراً، ووكلاء وزراء ومدراء عامين ومستشارين وهكذا، إضافة إلى أن الفساد شمل تزوير الشهادات إلى درجة خطيرة .
إذا كانت القوات المحتلة حسب القانون الدولي هي المسؤولة الأولى، فإن ذلك لا يعفي الحكومة العراقية من مسؤوليتها، بما فيها القوي السياسية المشاركة فيها، وأظن أن المحاصصة والتقاسم المذهبي والاثني حال دون المساءلة، بسبب التمترس والتخندق، وفشل مجلس النواب لمرات عديدة من مساءلة المسؤولين بسبب الانحياز المسبق، وافتضاح أمر الكثيرين من الذين انخرطوا وتورطوا في أعمال النهب والسرقة والتزوير والحصول على العمولات، ورغم كل عمليات النهب والعقود غير النزيهة، فما زال البلد بحاجة إلى كهرباء وماء وصحة وتعليم وعمل، وتبلغ نسبة البطالة حسب إحصاءات الأمم المتحدة أكثر من 50%، على الرغم تحسن الأجور والرواتب، إلا أن غلاء الأسعار حال دون تحسن الأوضاع المعاشية، إلا على نحو محدود ونسبي، في حين امتلأ البلد بظاهرة القطط السمان من أصحاب الثروة والجاه الجدد!

استبدال الدور الدبلوماسي الأمريكي

* ما الدوافع الحقيقية لاستبدال الدور الدبلوماسي الأمريكي للسياسة الخارجية من أسلوب استخدام العنف والقوة وشهوة الحرب المندفعة تحت سطوة الأحقاد الراديكالية الدينية ودعاة اليمين المتشدد إلى تزيين الوجه الأمريكي بدعوات الحوار والانسحاب والتسامح وعقد الاتفاقيات الأمنية في عهد الديمقراطيين؟

**اعتقد أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أدرك أن معضلة العراق هي مقتل الجمهوريين، ولذلك رفع شعاراً انتخابياً عاماً يدعو للتغيير باسم الديمقراطيين مركّزاً على القضايا الداخلية، لاسيما الصحة والضمان الاجتماعي وغيرها، لكنه في الوقت نفسه وضع مسألة الانسحاب على بساط البحث بعد أن وصلت سياسة الولايات المتحدة في العراق إلى طريق مسدود. كما أدرك أوباما أن سياسية مكافحة الإرهاب وإن استمر عليها لكنه عدّل صيغتها مشجعاً على ما سميّ بالحوار بين الأديان والثقافات والحضارات، مركزاً على حل القضية الفلسطينية، بمشروع الدولتين، رغم أنه واجه تحدياً عشية توليه إدارة البيت الأبيض، حين شنت إسرائيل حرباً مفتوحة على غزة أواخر العام 2008 ومطلع العام 2009، وخلال العام ونيّف الماضية بددت إسرائيل كل ما كان يتطلع إليه أوباما بشأن "تسوية" سلمية للقضية الفلسطينية، زادها تدهور سمعة إسرائيل، رغم استمرار صلفها وعربدتها، لاسيما بعد صدور تقرير غولدستون وتقرير بوستروم حول الاتجار بالأعضاء البشرية، وأخيراً فضيحة الهجوم على قافلة الحرية التي نقلت البضائع والسلع والمواد الضرورية إلى غزة ومقتل 9 (تسعة) من الناشطين الأتراك وجرح عشرات وكذلك منع سفينة راشيل كوري من الوصول لشواطئ غزة لتقديم المساعدات الإنسانية.
الفشل الأمريكي لا يعني تخلياً عن السياسة العدوانية أو محاولات فرض الهيمنة والاستتباع، أو العزوف عن أساليب العنف واستخدام القوة، واللجوء إلى الحلول، السلمية بديلاً، لكن الولايات المتحدة أخذت بعد ورطتها في العراق وأفغانستان وانحسار نفوذها وتدهور سمعتها، فضلاً عن ذلك فشل مشاريع الشرق الأوسط الكبير ثم الشرق الأوسط الجديد، وعزلة إسرائيل حالياً إلى الظهور بمظهر جديد حاول أوباما التعبير عنه ببراعة بدقة محامي ورشاقة قلم إعلامي، لكن الوقائع جاءت لتكذّب ما كان قد دعا إليه، وأخذ العالم العربي ينظر إليه وإلى الولايات المتحدة بالشك والريبة، متوقفاً عند خطابه في جامعة القاهرة (حزيران /يونيو 2009)، الذي كان واعداً، لكنه اعتبر نفسه واهماً، فأوباما لم يكن سوي امتداد لسياسة جورج دبليو بوش، ولم يتغير أي شيء بارز يُذكر، سواءً كان الحكام في البيت الأبيض من الجمهوريين أو من الديمقراطيين.

* بعد تغيير النظام السابق ظهرت دعوات وإجراءات عديدة نحو إشاعة مفهوم المجتمع المدني وفعلاً تم استحداث المئات من منظمات ومراكز وجمعيات مختلفة إلا أن دورها لم يكن فاعلاً ومؤثراً في مستوي الشراكة أو الرقابة ومتابعة ما ينجز على الصعيدين المهني والإنساني، ما هي المعوقات وكيف يتمّ تجاوزها لترسيخ الأسس الحقيقية للمجتمع المدني؟


** ما زال مفهوم المجتمع المدني ملتبساً لدي النخب الفكرية والسياسية والثقافية، الحاكمة وغير الحاكمة، فبعضهم ينظر إليه كوسيلة للاسترزاق، خصوصاً بعد المغريات التي قدمها بول بريمر والعديد من المؤسسات الأمريكية والدولية، وبعضهم الآخر ينظر إليه بارتياب ويعتبره امتداداً للأحزاب والقوى السياسية والجماعات المذهبية والطائفية، وهو باختصار وجه آخر للسياسة.
أما في الواقع فإن العراق عانى منذ سنوات طويلة من الهيمنة على المجتمع المدني ومن سعى لترويضه وتدجينه، وجعله أحد أصوات السلطة الحاكمة، أي ابتلاعه وهضمه وجعله يتصرف بما يُملى عليه، وهكذا كانت النقابات والاتحادات والجمعيات في ظل النظام الاستبدادي.
وبعد الاحتلال انفتحت ثغرات كبيرة، حاولت بعض مؤسسات المجتمع المدني النفاذ منها، لكن عدم وجود خبرة وتجربة، ناهيكم أن معظم العاملين جاءوا من الوسط السياسي دون تأهيل، وبعضهم كان جزءًا من امتداد للسلطة أو للجماعات المذهبية، وبسبب ما لحق به من فساد وسوء إدارة وبعض المغريات المالية، أحيط المجتمع المدني بنوع من الشبهة، كما أن المنظمات المدنية الحقيقية، كانت ضعيفة وغير مؤهلة، وليس لديها تمويل يُذكر أو أن بعضها رفض التمويل الخارجي لكي لا تختلط الأوراق. إن دور المجتمع المدني أصبح محط تساؤل من الجميع خصوصاً لحداثة التجربة ولجدّة استخدام المصطلح، ولكن مع مرور الأيام برزت منظمات مدنية تدافع عن مصالح أعضائها بمهنية وموضوعية وحيدة ونزاهة، وقامت بعدد من الفعاليات والأنشطة، ومن ضمنها منظمات حقوقية، لاسيما لمراقبة ورصد الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان ورفع تقارير دولية بهذا الشأن، كما حصل في سجن أبو غريب والجادرية ومطار المثنى والعديد من السجون السرية، وقام بعضها بتوثيق عمليات القتل والخطف والاعتقال والتعذيب وهدر الحقوق كاملة. اعتقد أن على منظمات المجتمع المدني إذا أرادت أن تكون فاعلة ومؤثرة، أن تضع مسافة بينها وبين الانخراط في العمل السياسي والحزبي، وأن تكون بعيدة عن الدخول في حلبة الصراع الإيديولوجي، وأن تضع مسافة أيضاً بينها وبين السلطة من جهة، وبينها وبين المعارضة من جهة أخرى، لكي لا يشوب سمعتها ما يؤثر على صدقيتها، وأن تحذر وتتحاشى التعامل مع جهات خارجية مشبوهة، فيما يتعلق بأجندتها الداخلية. وإلاّ كيف يمكن الحديث عن ديمقراطية دون وجود مجتمع مدني أحد رافعات الديمقراطية الحقيقية، ولا بدّ لمنظمات المجتمع المدني أن تتحول إلى قوة شراكة وقوة اقتراح وليس قوة اعتراض أو احتجاج، بحيث تقدم مشاريع قوانين وأنظمة، وتكون مكملاً في خطط التنمية للدولة ككل، مهما كانت ملاحظاتها وتحفظاتها، فدورها الرقابي والرصدي والتعبوي والتنموي يبقي مطلوباً.

* إن عملية التنمية الأساسية تستند إلى الثروة البشرية والعراق فقد الكثير من أبنائه لاسيما العقول المبدعة التي هاجرت إلى دول الجوار او الدول الغربية وهم يشكلون اليوم نسبة كبيرة من الكفاءات التي خسرها الوطن، ما الإجراءات الصحيحة التي تعمل على إعادة هذه الطاقات أو استثمارها لخدمة العراق ؟

** لا يمكن عودة الكفاءات والعقول والأدمغة المبدعة، المهاجرة دون توفير ظروف مادية ومعنوية مناسبة، وأولاً وقبل كل شيء استعادة هيبة الدولة وبسط قوانينها وثانياً أوضاع أمنية سليمة وثالثاً توفر حريات عامة وحريات للبحث العلمي والأكاديمي بعيداً عن الطائفية والاثنية ونظام المحاصصات، ورابعاً إنهاء جميع المظاهر المسلحة والميليشيات، وخامساً وضع حد لظاهرة الفساد الإداري والمالي والبيروقراطية المستشرية، وسادساً أجواء اجتماعية ومالية طبيعية، لاسيما تقديم بعض التسهيلات المتعلقة بالسكن والمكافآت وغيرها، وسابعاً توفير بيئة بحثية، من أجهزة ومختبرات ومكتبات وحوافز وغيرها تساعد على ذلك. وبالطبع قبل كل شيء استعادة استقلال البلاد وسيادته على ترابه وثرواته بعيداً عن الاحتلال أو التداخل الأجنبي، او الاستقواء بالخارج.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما يريده بايدن من العراق
- التنمية الموعودة والشراكة المنشودة!
- اعتقال العقل
- الحق في التنمية
- كوسوفو وقرار محكمة لاهاي: أية دلالة مستقبلية؟
- جديد الفقه الدولي: كوسوفو وقرار محكمة لاهاي أية دلالات عربية ...
- جرائم بلا عقاب
- دلالات قمة نتنياهو أوباما نووياً
- ثلاث سلطات تلاحق المثقف
- الثقافة رؤية والسياسة تكتيك
- سلطة المعرفة وتفتيش الضمائر
- صدام الأصوليات وحيثيات التبرير!
- هرطقات ديمقراطية صهيونية
- نصر حامد أبو زيد ومحنة التفكير والتكفير!
- الثقافة والابداع من أجل التنمية!
- عن النقد والمراجعة الفكرية
- هل لا تزال الماركسية ضرورية؟
- حين يرحل المفكر مطمئناً
- أسئلة التنوع الثقافي
- استحقاقات برسم تسليم الحكومة العراقية الجديدة


المزيد.....




- لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء ...
- خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت ...
- # اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
- بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
- لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
- واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك ...
- البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد ...
- ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
- الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
- المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5 ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الغزو الأمريكي نجح عسكرياً وفشل سياسياً والفراغ الحكومي يعيد الاستقطاب الطائفي والإثني