|
إستفتاء تركيا وإستفتاء جنوب السودان ..وكُرد العراق
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 3124 - 2010 / 9 / 14 - 11:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حَدَثيْنِ مُهمَين ، يُمكن ان يستفيد كُرد العراق من دلالتهما ، والركون الى الإيجابيات فيهما ، ودَرْس وتفادي سلبياتهما ، أي فهم نقاط التشابه والإختلاف بين بيئة الحَدثين وبيئة إقليم كردستان ومُستقبل كُرد العراق . الحَدث الاول هو الإستفتاء الذي جرى في تركيا حول تعديل بعض فقرات الدستور ، والحدث الثاني هو الإستفتاء القريب في جنوب السودان حول تقرير مصيرهِ وهل سيبقى ضمن دولة السودان او يختار الإنفصال والإستقلال . - الدستور التركي الحالي كُتبَ بعد الإنقلاب العسكري في 1980 ، وفيه بنود تجعل للسلطة القضائية صلاحيات تضعها عملياً فوق القانون نفسه ، وآليات تُتيح للمؤسسة العسكرية المتنفذة ان تكون لها الكلمة الفَصل في إختيار أعضاء المحكمة الدستورية العليا المحدودة العَدَد ، والدستور المذكور مثلاً لا يسمح في الواقع تقديم الضباط الكبار الى القضاء بتُهم المشاركة في تخريب النظام العام للدولة . وكذلك وتحت غطاء حماية العلمانية ، فان القضاء وبتحالف مع المؤسسة العسكرية ، كان حاولَ مراراً منع الاحزاب التي تتعارض توجهاتها مع الدستور مثل الاحزاب الكردية ، وحتى حزب العدالة والتنمية الحاكم نفسه . أي ان النشاط المحموم لحزب العدالة والتنمية منذ أكثر من سنتين وتمكنه من إستغلال الاكثرية التي يملكها في البرلمان وطرحهِ للإستفتاء مشروعاً لتعديل بعض البنود والفقرات الدستورية ، هو في الحقيقة ، إختبار لشعبية وقوة الحزب من ناحية ، ومن ناحية اخرى لوي ذراع المؤسسة العسكرية التركية والجهات القضائية التي كانت تقف بوضوح ضد الحزب ، وتقليص صلاحيات العسكر والقضاء معاً . ولقد جاءت نتائج الاستفتاء مؤيدة للتغيير وإجراء التعديلات ، رغم مقاطعة الكرد ، وكذلك احزاب المعارضة التركية بشقيها المُحافظ والقومي . من الطبيعي ان مقاطعة الكُرد لم تكن بسبب تقليص دور العسكر او القضاء . بالعكس فان الشعب الكردي في تركيا كان دوماً الضحية الاولى والأكبر لتجاوزات العسكرتاريا التركية والقضاء التركي ، بل ان إنتقائية حزب العدالة والتنمية في طرح التعديلات التي في صالح حزبهِ فقط ، ورفضه القاطع لكل ما تقدمَ به النواب والسياسيين الكرد من طلبات لتعديل الفقرات الدستورية المتعلقة بوجود الشعب الكردي ومستقبله ، هو الذي أجبرَ الكرد على مقاطعة الاستفتاء . في العراق كُتبَ الدستور في 2005 وحصلَ على قبول شعبيٍ واضح من خلال الاستفتاء العام الذي جرى عليه . غيرً ان مقاطعة بعض الفئات لإنتخابات 2005 وكذلك مقاطعتها للإستفتاء على الدستور او رفضها له ، وقبلَ ذلك كلهِ ، كون البلد تحت الاحتلال الامريكي ، وّفرَ أرضيةً للعديد من الجهات ، لكي تُشكك بشرعية الدستور والمطالبة بتغييرات جذرية فيهِ . من أهم الفقرات التي إستطاع الكُرد إدراجها في الدستور ، هي إمكانية رفض التعديلات الدستورية إذا صّوَتَ ثُلثي الناخبين في ثلاث مُحافظات بالضد منها . أي بالقلم العريض : إذا حاولتْ أي جهات سياسية تقديم مشروعٍ لتعديل الفقرات الدستورية التي تمُس بوضع الكرد في العراق الجديد ، فان ثُلثي ناخبي أربيل والسليمانية ودهوك يستطيعون إفشال المشروع !. وهنالك العديد من الفقرات الدستورية التي يُسميها البعض [ ألغاماً ] والمتعلقة خصوصاً بالمادة 140 والمناطق المتنازع عليها وتوزيع الثروات وحصة الاقليم ووضع البيشمركة وحرس الاقليم وصلاحيات الاقليم وشكل العلاقة مع الحكومة الاتحادية وشكل الدولة ( علماً بأن اللجنة البرلمانية التي كانتْ مُكلفة بإعادة النظر في الدستور ، عجزتْ خلال السنوات الماضية عن إكمال عملها وبالتالي رّحلتْ كل القضايا الخلافية الى البرلمان الجديد والذي لم ينعقد لحد الآن بعد مرور أكثر من ستة أشهر على الانتخابات ) . كُل هذه الامور ، مطلوبٌ التباحث الجاد بشأنها وحسمها في المرحلة المُقبلة . السؤال هو : هل سيستطيع البرلمان الجديد ، ان يُمّرر مشاريع قوانين لتعديلات جوهرية في الدستور ؟ وخصوصاً في إتجاه الحَد من صلاحيات الاقليم وإلغاء او التقليل من المُكتسبات التي حصل عليها الكُرد بعد التغيير في 2003 ؟ وما هي الآليات التي يستطيع إتباعها لهذا الغرض ؟ وهل ان الاطراف المتنازعة مُتفقة وراضية بحكُم المحكمة الاتحادية العليا بشكلها الحالي ، إذا أصدرتْ أحكامها في تلك القضايا ؟ طبعاً الفرق واضح بين الحالتين التركية والعراقية ، بالنسبة الى الكُرد ، فكُرد العراق هم في الحقيقة ركنٌ أساسي في عملية التغيير التي حدثتْ في 2003 وبالتالي شركاء فعليين في العراق الجديد ، وكل الاطراف العراقية الاخرى توّصلوا الى قناعةٍ مفادها ، ان العراق الجديد لن تستقيم أمورهُ من دون دورٍ بارز للكرد في إدارة الدولة . بعكس كرد تركيا الذين ما زالوا يناضلون من أجل الإعتراف بوجودهم القومي . ولكن هل ان إحتمال مُراجعة شاملة للدستور خلال السنوات القادمة ، مُستحيل ؟ وهل المُطالبة بتقليص صلاحيات إقليم كردستان وتقنين علاقته بالحكومة الاتحادية ، غير ممكن ؟ كُل شيءٍ جائز في السياسة ، وكل الإحتمالات واردة . ولكن هذا الأمر بحاجة الى صعود تيارات سياسية قومية عربية فوق طائفية ، تتمتع بأغلبية واضحة في البرلمان وبإمكانها فرض أجندتها ، اي بروز احزاب قوية متجاوزة للمذهب ومناوئة في نفس الوقت للطموحات الكردية " المشروعة حسب وجهة نظر الكرد على اية حال " . وسيطرة هذا الإتجاه على الساحة السياسية العراقية حالياً وحتى في السنوات القليلة القادمة ، أمرٌ في غاية الصعوبة وغير مَنطقي . أي بترجمة ما سبقَ الى الواقع الحالي ، إذا إستطاع التيار الذي يقوده " اسامة النجيفي " في الموصل وقسمٌ من المجموعة العربية والتركمانية في كركوك بقيادة " عمر الجبوري " ، على سبيل المثال وقسمٌ من التيار الصدري ، إذا إستطاعوا التمدد وكسب الآخرين في مناطق العراق الاخرى ، بحيث يشكلوا أغلبية كبيرة في البرلمان ، حينها يُمكن الحديث عن إحتمال سلب الكرد مكتسباتهم التي حصلوا عليها . ولكن حتى لو إفترضنا ان ذلك سيحدث ، فان الكرد حينها سيضطرون الى مقاطعة العملية السياسية برمتها ، مما يؤدي الى تداعيات خطيرة ، من بينها تقسيم العراق . الإحتمال الأقرب الى الواقع والمُعاكس للأول ، هو إستحداث أقاليم اُخرى ، وتجري اليوم محاولات حثيثة من أجل تشكيل " اقليم البصرة " . وهذا الاقليم الجديد يعني أمرين في غاية الأهمية : الأول حتمية التنسيق بين إقليم كردستان واقليم البصرة ، حيث يمكن الإستفادة من " تجربة " اقليم كردستان وكيفية إدارة الخلافات المتوقعة مع الحكومة الاتحادية ، والثاني تكريس شكل الدولة الفيدرالية اللامركزية ، حيث سيُنهي تشكيل أقاليم اُخرى رسمياً ، حُكم [ المركز ] الى غير رجعة . العبرة التي يُمكن إستخلاصها من عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا ، هي ان (الأحزاب الحاكمة إذا تمتعتْ بأغلبية مريحة في البرلمان ، فانها تسعى دوماً الى فرض تعديلات وإصلاحات في فقرات الدستور " بحيث تخدم مصالحها الآنية والمستقبلية " وتتجاهل ما يهم الفئات الاخرى ، وهذا ما فعله حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ) . ينبغي على الاحزاب الكردية في العراق ان تتعامل بحذق ودراية مع كافة الاحتمالات المتوقعة على الساحة السياسية العراقية المضطربة ، وتدافع بصلابة عن الانجازات والمكتسبات المشروعة ، في نفس الوقت الذي تتوخى فيهِ الحذر ولا تنجَر الى الاستفزازات وإفتعال الصراعات . .............................................. " الحركة الشعبية " في جنوب السودان ، ناضلتْ من 1985 لغاية 2005 من أجل الحصول على حقوقها المشروعة وقّدمتْ تضحيات كبيرة في سبيل ذلك . وأخيراً إضطرتْ الحكومة السودانية الى الجلوس على طاولة المفاوضات وأبرمت إتفاقاً للسلام في كانون الثاني 2005 مع الحركة الشعبية ، أنْهتْ بموجبهِ الإقتتال وتركت الحركة تُدير ذاتياً الحكم في الجنوب ، إضافةً الى جعلها شريكاً في الحكومة في الخرطوم . وكان من أهم بنود الاتفاق الذي جرى برعاية دولية واُممية ، هو إفساح المجال للشعب السوداني عموماً ولشعب الجنوب خصوصاً ، لمدة ستة سنوات ، من اجل المراجعة والتأني والتأمل ، ثم إجراء إستفتاءٍ في 9/1/2011 ، من أجل تقرير مصير الجنوب ، فإذا إختار الشعب في الجنوب البقاء ضمن الدولة السودانية ، فبِها ، وإذا فَضّلَ الإنفصال عن السودان والاستقلال بذاتهِ ، فلهُ ذلك . أي ان شعب جنوب السودان بقيادة الحركة الشعبية ، له الكلمة في يوم الاستفتاء . ومعظم المؤشرات تُبدي ان نتيجة الإستفتاء ستكون الى جانب الإنفصال والحصول على الاستقلال . ان هذه التجربة في حالة إستكمالها بعد اشهرٍ قليلة ، ستكون سابقةً في غاية الأهمية ليس على مستوى السودان ، بل العالم أجمع ، وتجربةً رائدة في كيفية حل المشاكل المستعصية بطرقٍ سلمية وبرعايةٍ دولية . رغم وجود إختلافات كبيرة بين حالة جنوب السودان وحالة اقليم كردستان العراق ، فليس هنالك ضيرٌ من الإستفادة من هذه التجربة ، بل كان من المفروض خلال السنوات السابقة ان تُبادر حكومة وبرلمان اقليم كردستان بإرسال وفودٍ الى جنوب السودان وتبادل وجهات النظر مع الحركة الشعبية والإستئناس بآراء الاطراف الدولية التي ساهمتْ في وضع تفاصيل الاتفاقية وآليات إجراء الاستفتاء ، وكذلك دعوة سياسيين مرموقين من جنوب السودان لزيارة اقليم كردستان . ليس المطلوب هو إستنساخ هذه التجربة عراقياً ، فذلك غير منطقي ، ولكن من الضروري ان يكون لكُرد العراق تصّورٌ مسبق عن التجارب العديدة في أنحاء العالم ، التي تحمل بعض السمات المتشابهة . ما دام الشعب الكردي في العراق له " حق تقرير المصير " شأنه شأن اي شعبٍ آخر ، فمن المُهم ان تتأقلم المكونات العراقية الاخرى ، تدريجياً ، مع " فكرة " ان يختار الكُرد في يومٍ ما ، إيصال هذا الحق الى مداهُ الأقصى . الحنكة السياسية والخبرة والوطنية ... تتطلب ان يتم هذا الأمر ، بدون إراقة دماء وبدون معارك عبثية .. بل بالإتفاق والشراكة والمصالح المشتركة .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعويضات عراقية لمواطنين أمريكيين !
-
تحديد يوم العيد والسياسيين العراقيين
-
ألقَس بن لادن والشيخ تيري جونز !
-
ألقاب ودَلالات !
-
هل تعرف أمثال هؤلاء ؟
-
متى سيقوم مجلس محافظة دهوك بدورهِ ؟
-
تَحيا العَدالة !
-
- إنتهاء مفعول - أحمد الجلبي !
-
حكومة الكترونية أم بشَرِية ؟
-
هذا الرَجُل !
-
جوانب شوارعنا السياحية مزابل ومكبات للنفايات !
-
أللهمَ اقتل مؤسس حزب شاس الاسرائيلي !
-
مقطعٌ من اللوحة السياسية العراقية
-
رمضانٌ - مبارك - وعيدٌ - سعيد -
-
الانتخابات الاسترالية و انتخاباتنا
-
هل سيرى إقليم كردستان تركيا النور ؟
-
الارهابيون يستحصلون خمسة ملايين دولار شهرياً من الموصل وحدها
...
-
مقاطعة البضائع التركية الايرانية ... نكتة
-
أطفال العراق وثقافة الاسلام السياسي
-
تخبُط قائمة الإئتلاف الوطني
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|