أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - سِرِّي!















المزيد.....



سِرِّي!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 3124 - 2010 / 9 / 14 - 01:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رزنامة الأسبوع 6-12 سبتمبر 2010
الاثنين
كلُّ عام والسودان بخير. لكن الحكومة ارتأت أن تكون عيديَّتها لنا هي (بيع!) مساحة تبلغ (نصف!) مشروع الجزيرة لـ (الشقيقة!) مصر! (باعتها!) مليون فدَّان، بينما مساحة المشروع الكليَّة هي 2,2 مليون فدان! نعم (باعتها!) لأن الطريقة التي تمَّ بها منح هذه المساحة أشبه ما تكون بـ (البيع!)؛ ومع ذلك فإن محلَّ احتجاجنا ليس هو عدد الأفدنة (المباعة!)، لا سمح الله، وإنما، أوَّلاً، مبدأ (البيع!) نفسه لمشروع مكتمل البنيات الأساسيَّة، منذ أيَّام الاستعمار، و(كان) ناجحاً تماماً لعشرات السنوات؛ وثانياً التكتم على الصَّفقة، وعدم نشر عقد (البيع!)، بل وإخفاؤه حتى عن مجلس إدارة المشروع، دَعْ الملاك الذين لم يتفضَّل أحد عليهم بحقيقة وضع الـ 870 ألف فدان التي يملكونها بالنسبة لـ (المباع!) الكلي؛ وثالثاً، وحتى بافتراض أن أراضي الملاك خارج المساحة (المباعة)، فكيف ستحلُّ مشكلة الرَّي الذي ينبغي ألا يتجاوز، في المرَّة الواحدة، ثلثي المساحة الكليَّة، ما يعني، بطبيعة الحال، أن الأشقاء سيصرُّون على ري كلِّ المساحة (المباعة!) لهم، وليذهب باقي المشروع إلى الجحيم؛ ورابعاً وضع المزارعين السودانيين، وما إنْ كانت الشركات المشترية ستستجلب فلاحين مصريين؛ وخامساً المحاصيل التي ستزرع، إذ أن ما (رشح!)، حتى الآن، يشير إلى القمح الذي سيسدُّ بعض حاجة مصر الاستهلاكيَّة، والذرة التي هي محصول صادر بالنسبة لنا كعلف حيواني، والبنجر الذي سيصنع سكراً يكرَّر في مصر، ليعاد (تصديره) إلينا كمنتج مصري، وبالسِّعر العالمي؛ وسادساً، وسابعاً، وثامناً .. الخ!
وبما أن الحكومة تحب الحديث بلغة (الخطوط الحمراء!)، فيلزمها أن تعي أن (مشروع الجزيرة) هو أحد (خطوط الشَّعب الحمراء!)، وأن وزارة الزِّراعة لا تملك، بموجب قانون 2005م، أن تختطف، هكذا، صلاحيَّة التصرُّف فيه من خلف ظهر مجلس إدارته، ناهيك عن مثل هذه الصَّفقة الضيزى، في الظلام، وبلا أدنى شفافيَّة، ومن خلف ظهر الملاك، بل الشَّعب كله!
و .. سؤال برئ: أفلو كان هذا المشروع قائماً في مصر، أتراها كانت ستتصرف فيه بمثل هذه الخراقة؟!
ثمَّ سؤال أخير: لقد سبق للحكومة المصريَّة أن أعلنت، أواخر مايو من العام الماضي اعتزامها زراعة القمح في يوغندا (قناة الجزيرة، 4/6/09)، فما الذي (أغراها!)، الآن، بالسودان؟! أم أن للأمر علاقة بموقف يوغندا من اتفاقيَّة مياه النيل كدولة منبع؟!

الثلاثاء
حملت النسخة الإليكترونيَّة من مجلة (تايم) الأمريكيَّة، الصادرة اليوم الثلاثاء 7/9/2010م، تقريراً لمراسلها إد روبنس بغرب الاستوائيَّة بجنوب السودان، مروِّعاً للأفئدة، مزلزلاً للأنفس، مخجلاً للضمائر السَّويَّة، إذ يحكي عن فظاعة، وبشاعة، ولا إنسانيَّة (جيش الرَّب للمقاومة LRA)، أحد أكثر التنظيمات الإرهابيَّة عنفاً وقسوة ووحشيَّة في التاريخ العالمي. هذا الجَّيش المكوَّن، بالأساس، من مجموعات من المرتزقة، والذي اشتهر ببتر أعضاء ضحاياه، وإزالة أنوفهم وشفاههم، وخطف الأطفال، وتجنيدهم قسراً، بالمخالفة لكلِّ القوانين الدَّوليَّة في هذا الشَّأن، ما انفكَّ ينشط، منذ 1988م، تحت إمرة قائده السَّفاح جوزيف كوني، ينشر الموت في طريقه، ويشيع الذعر أينما حلَّ، حتى بلغ عدد ضحاياه عشرات الآلاف، ضمن الجغرافيا الشاسعة المبتلية به في منطقة البحيرات الأفريقيَّة وجنوب السودان. ولعلَّ أكثر ما يصدم في التقرير ذلك الفيديو بعنوان "جيش الرَّب يطارد الأطفال في السودان"، والذي يروي فيه الطفل موسى قصََّة اختطافه، ومهاجمته، وطعنه، في كلِّ جزء من جسده، بحراب الإرهابيين، والأكثر إفزاعاً إرغامه على قتل طفلة في السابعة من عمرها، حيث وُضع أمام خيارين مستحيلين: إما أن يقتلها أو أن يقتلوه! وتلك هي الفاجعة التي سوف تلازم موسى، يقيناً، طوال حياته، وتصبغ بالدَّم القاني مجمل مستقبل كلَّ موسى ألقى به حظه العاثر في طريقهم!
في نهاية التقرير يطرح روبنس السؤال المحيِّر، النابح بالرِّيب والشكوك، والذي ظلَّ يطوف بأذهان جميع المراقبين، ويندرج طيَّ كلِّ التقارير المشابهة: كيف أمكن لجوزيف كوني أن يبقى حيَّاً، حتى الآن، وسط كلِّ هذه الزعازع؟! وكيف يُعقل أن كلَّ هؤلاء الناس عاجزون، حقاً وفعلاً، عن وضع حدٍّ لعمليَّاته الإجراميَّة؟!
روبنس لا بُدَّ يعني بعبارة "كلُّ الناس" حكومة يوغندا، وحكومة السودان قبل نيفاشا، وحكومة جنوب السودان بعدها، وحكومتي الكونغو وأفريقيا الوسطى، بالنظر إلى كون عمليَّات جيش الرَّب ظلت تجري بامتداد الجغرافيا الشَّاملة لشمال يوغندا، وبعض أفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وشرق الكونغو، وربَّما "أجزاء من دارفور" مؤخَّراً. وحتى لا ترتفع بعض الحواجب دهشة، نتمهَّل عند خبر "الأجزاء من دارفور"، لنراجعه في مظانه؛ ففي منتصف مارس الماضي أكد موسيفيني، بالاستناد إلى معلومات مخابراته، على أن القوَّات الخاصَّة بجَّيشه تعقبت كوني إلى شمال شرق أفريقيا الوسطى، حيث تسرَّب من هناك، ضمن مجموعة صغيرة كانت ترافقه، ليختفي في دارفور (أ ف ب، 14/3/10). وقد تطابقت تأكيدات موسيفيني مع معلومات منظمة (إناف بروجكت) الأمريكيَّة غير الحكوميَّة، والتي أضافت أن كوني موجود في منطقة بدارفور خاضعة لسلطة الحكومة، ملمِّحة إلى ما أسمته "احتمال إعادة تفعيل تعاونه معها"؛ غير أن الخرطوم نفت ذلك، ووصفته بالكذب (نفسه).
تساؤلات روبنس ليست، على أيَّة حال، بلا أساس؛ فجيش الرَّب الذي كان قد بدأ نشاطه بشمال يوغندا، عام 1988م، تمدَّد، خلال السَّنوات اللاحقة، إلى عمقه الطبيعي بجنوب السودان، وشَّمال وشرق الكونغو، ثمَّ إلى مناطق في أفريقيا الوسطى متاخمة لدارفور. وكانت حكومة السودان، خلال العامين اللذين سبقا اتفاقيَّة السَّلام الشامل في 2005م، قد سمحت للجَّيش اليوغندي بتعقب فلول هذا الجَّيش في الإقليم الجنوبي. غير أن حكومة الإقليم اتجهت، استراتيجيَّاً، خلال الفترة 2006 ـ 2008م، وتحت الإشراف المباشر لنائب رئيسها د. رياك مشار، وبمساندة الأمم المتحدة وبعض الدُّول، إلى رعاية مفاوضات سلام مضنية، في جوبا، بين حكومة كمبالا وقوَّات كوني. وكادت تلك المفاوضات تتكلل بتوقيع اتفاق نهائي، في 10/4/2008م، لولا تغيُّب كوني المفاجئ عن حضور حفل التوقيع الذي تمَّ ترتيبه، بهذه المناسبة، في قرية على الحدود مع الكونغو، مِمَّا حدا بكبير مفاوضيه للاستقالة، واضطر د. مشار والوفد اليوغندي للعودة بخفي حنين! وفي تفسير ذلك الغياب صرَّح جيمس أوبيتا، الناطق باسم جيش (الرَّب!)، بأن زعيمه يريد "ضمانات!" بشأن "أمنه الجَّسدي!"، علاوة على "تأمين مالي!"، "قبل التوقيع على الاتفاق!" (أجراس الحريَّة، 13/4/08).
وعلى مدى أكثر من عام ونصف، بعد ذلك، توالت، أنباء الجهود التي واصل د. مشار بذلها لأجل استعادة كوني إلى منصَّة الحلِّ السَّلمي. لكن، ولأن تلك الجُّهود ذهبت أدراج الرِّياح، فقد أصدر الفريق سلفا كير، النائب الأوَّل لرئيس الجمهوريَّة، رئيس حكومة الجنوب، ورئيس الحركة الشعبيَّة لتحرير السودان، توجيهاته بضرورة حسم جيش الرَّب إذا لم يذعن للحلول السِّلميَّة. في النهاية، ولمَّا لم يكن ثمَّة بُدٌّ مِمَّا ليس منه بُدٌّ، فقد شنَّ الجيشان اليوغندي والكونغولي، بمساندة الجَّيش الشَّعبي لجنوب السودان، هجوماً ثلاثيَّاً ضارياً، في ديسمبر 2009م، استهدف معاقل جيش الرَّب، بامتداد الحدود من شمال يوغندا إلى جنوب السودان إلى شرق الكونغو. على أن ذلك الهجوم لم يتكلل بأيِّ نصر، للغرابة، ولم يسفر عن أيَّة نتيجة إيجابيَّة! ضف إلى ذلك أن كوني وبعض كبار مساعديه أضحوا، في الأثناء، مطلوبين لدى المحكمة الجنائيَّة الدَّوليَّة التي أصدرت مذكرات توقيف بحقهم، بعد أن أحالت الحكومة اليوغنديَّة هذا الملف إليها، فأبرمت كمبالا، في نوفمبر 2005م، بروتوكولاً مع الخرطوم تتعاونان بموجبه في تنفيذ هذه المذكرات.
هكذا حقَّ لمراسل (التايم) أن يبدي دهشته إزاء فشل كلِّ تلك المحاولات العسكريَّة والسِّياسيَّة التي تضافرت فيها جهود ثلاث حكومات وثلاثة جيوش؛ فضلاً عن المحاولات العدليَّة الدَّوليَّة، وكذلك الوطنيَّة، حيث توعَّد موسيفيني، إذا أصبح كوني في قبضته، بمحاكمته في يوغندا، وليس في لاهاي ".. هنا سوف نعدمه، لكن إذا أرسلناه إلى لاهاي، سيكتفون، فقط، بوضعه في فندق!" (رويترز، 13/3/10). فرغم كل تلك الجُّهود، ورغم أن هذا التمرُّد بلا قضيَّة واضحة، وأنه لا يتلقى أيَّ دعم من أيَّة جهة معروفة، وأن زعيمه لم يشتهر كمناضل يسعى لتحقيق أيِّ أهداف تحرُّريَّة، بل كمجرَّد بلطجي وقاتل ودجَّال، إلا أن مسبحة السنوات ما زالت تكرُّ، دون أن يتمَّ سحق هذا التمرُّد، أو القبض على زعيمه، أو حتى التوصُّل معه، بأضعف الإيمان، إلى تسوية سلميَّة!
في البحث عن أسباب ذلك الفشل الذريع لا بُدَّ من مجابهة حزمة من الأسئلة الموضوعيَّة المتشابكة عمَّن يوفر الأمن لكوني وجيشه، حيث أن (طرف سوط) الاتهام يطال دائرة واسعة، ربَّما كانت أهمَّ مقوِّماتها، أوَّلاً، أن موسيفيني، شخصيَّاً، متهم بالمتاجرة بمشكلة جيش الرَّب، وعدم الرغبة، بالتالي، في إنهاء هذه المشكلة، كونها، من جهة، تضمن لنظامه استمرار الدَّعم المادِّي والسِّياسي الغربي تحت دعاوى (محاربة الإرهاب)، كما تصرف الأنظار، من جهة أخرى، عن غياب الديموقراطيَّة، وانتهاكات حقوق الانسان في يوغندا (الأخبار، 6/9/10). وثانياً تكاد لا تخفى، حتى على الزائر العابر لكمبالا، الاتهامات التي ما تنفكُّ تمضغها الألسنة هناك، وتثفلها، صباح مساء، حول تورُّط عسكريين واستخباريين كبار في بيع السِّلاح من مخازن الجَّيش اليوغندي إلى كوني، لقاء الماس الذي يحصل عليه هو من الكونغو، وبالتالي مصلحتهم المؤكدة في استمرار الأزمة وتفاقمها (نفسه). وثالثاً أن حكومة الخرطوم مظنونة في توفير الغطاء لجيش الرَّب مقابل الخدمات التي يقدِّمها لها في المجابهة بينها وبين الجيش الشعبي في الجنوب، الأمر الذي حرص الأستاذ علي عثمان طه على نفيه، بتاتاً، في كلمته أمام مؤتمر ولايات التمازج الذي انعقد بأويل مؤخَّراً (نفسه). ورابعاً أن حكومة الجنوب نفسها ليست بمنجاة من اتهامها بالمصلحة في دعم جيش كوني لمقاومة الجيش اليوغندي، وزعزعة الأمن والاستقرار في هذا البلد (نفسه)، وذلك، ربَّما، لتبديد أيِّ أطماع تاريخيَّة محتملة لدى الجارة الجنوبيَّة في الإقليم، حال انفصاله عن الدَّولة السودانيَّة.
ولعلَّ أعجل نظرة تكفي لالتقاط عناصر القوَّة والضَّعف في كلٍّ من هذه الاتهامات. لكن يكتسي أهميَّة استثنائيَّة تمييز خيوطها البيضاء من السَّوداء، والإجابة الواضحة على أسئلتها الحيرى، الآن، وفي هذا الظرف التاريخي الدَّقيق، حيث لم تتبقَّ على استفتاء الجنوب بين (الوحدة) و(الانفصال)، حسب اتفاقيَّة السَّلام، سوى أشهر قلائل؛ وحيث ترجِّح مختلف القراءات، الوطنيَّة والدَّوليَّة، كفة (الانفصال)؛ وحيث يُتوقع أن يَعْمَدْ جيش كوني لإثارة القلاقل في الأثناء، رغم أن د. مشار يقلل من هذه الإمكانيَّة، ويؤكد على قدرة حكومته على حفظ الأمن مثلما قامت بحفظه خلال انتخابات أبريل الماضي (نفسه)؛ وحيث زار جوبا، مؤخَّراً، وفد مكوَّن من بعض البرلمانيين، وزعماء قبائل شمال يوغندا، طالبين تجديد حكومة الجنوب وساطتها في مساعي التسوية السِّلميَّة، سوى أن د. مشار اشترط أن يجئ هذا الطلب من الحكومة اليوغنديَّة مباشرة.

الأربعاء
أوَّل عهد صديقي الشَّاعر الفذ محمد المكي إبراهيم بالهجرة إلى أمريكا، قبل سنوات طوال، بعد أن أساءت، وقتها، حكومة الإنقاذ معاملته، شكا لي، ذات مؤانسة هاتفيَّة حميمة، من سوء الأحوال هناك، وشحِّ فرص العمل، فعبَّرت له عن دهشتي مِن أن تصادف مثل هذه الصُّعوبات مَن كان في قامة ود المكي علماً، وتأهيلاً، وثقافة، وإبداعاً! لكنه فاجأني قائلاً، بنبرة ملئها الأسى:
ـ "سيبك يا بو أروى .. مين يعرف عيشة في سوق الغزل"؟!
تذكرت ذلك عندما شرَّفني، مؤخَّراً، بزيارة كريمة، صديقي موسى محمد إبراهيم، الموسيقار المبدع الذي قام بتوزيع وتنويت (الملحمة)، والذي تغنت بألحانه البلابل (خاتم المنى)، وعثمان مصطفى (ماضي الذكريات)، وبهاء الدين أبو شلة شفاه الله وعافاه، وغيرهم؛ وهو العازف البارع، والقاسم المشترك في كلِّ الأغنيات، وكلِّ البعثات الفنيَّة خلال الخمسينات والسِّتينات من القرن المنصرم؛ وقد يكفيك أن تذكر أنه صاحب حواريَّتي البيكلو الصغير الشهيرتين مع الأوركسترا في الأغنيتين الخالدتين: (الوسيم) لأحمد المصطفى، و(الفراش الحائر) لعثمان حسين.
موسى يقيم ويعمل بدولة الإمارات منذ خمسة وثلاثين عاماً نال خلالها تكريماً رسميَّاً كثيراً هناك، لكنه لم ينل تكريماً واحداً من الدَّولة هنا!
ـ "لم تكرَّمني بلدي"، قال موسى، "صدِّقني ليس أحنَّ على المبدع، ولا أولى بتكريمه، من بلده"!
فحوى شكوى موسى، على العكس من شكوى مكي، هي اعتراف الآخرين بالمبدع، وتجاهل أهله له! (عيشة) موسى معروفة في سوق الغزل، مجهولة في البلد! أما (عيشة) مكي فمعروفة في البلد، مجهولة في سوق الغزل!
بذكرياته العذبة، وحكاياته الطريفة، رطب موسى نهاراتنا، في رمضان، وآنس أماسينا. لكن الحكاية التي رواها لي من ذكريات أيَّام عبود، والتي وقعت له مع اللواء محمد احمد التجاني، هي من أعجب وأغرب ما سمعت! قال: كان ذلك في نهايات الخمسينات ومطالع السِّتينات، وكنت جاويشاً في قسم الموسيقى تحت قيادة عمنا الملازم، آنذاك، أحمد مرجان، ضمن سلاح النقل الذي كان يقوده اللواء محمد احمد التجاني، فكنت أعمل بالقسم آناء النهار، وأصاحب الفنانين بالعزف ليلاً. كانت أغنية (الوسيم)، أيَّامها، هي عشق الجمهور، تكاد لا تغيب عن أيَّة حلقة من برنامج (ما يطلبه المستمعون)، دَعْ حفلات أحمد المصطفى في بيوت الأفراح ودور السينما والأندية، سواء في العاصمة أو في الأقاليم. وكنت أصاحبه بعزف نغمات أساسيَّة، في كلِّ أغنياته، وأشهر ذلك عزفي على آلة البيكلو الصغير في تلك الأغنية، حتى فاجأني العم أحمد مرجان، ذات صباح، بأن اللواء التجاني، بجلالة قدره، قد أمر بـ (تدويري) في طابور إلى مكتبه شخصيَّاً! وسألني عم أحمد عن (المصيبة) التي ارتكبتها، فأقسمت له بأنني لم أفعل شيئاً يستحق غضبة القائد! لكن ما أن دلفنا إلى مكتبه، وأدَّينا التحيَّة العسكريَّة، حتى فوجئت باللواء التجاني يصدر لي أمراً مشدَّداً بعدم مصاحبة أحمد المصطفي، من تلك اللحظة فصاعداً، في العزف على البيكلو، وبالأخص في أغنية (الوسيم)، قائلاً إنه سيبعث بعناصر من الاستخبارات العسكريَّة لتقصِّي الأمر في كلِّ حفلات أحمد المصطفى، مقسماً أغلظ الأيمان أنني لو كسَّرت أمره، فالويل لي، إذ سيلقي بي في السِّجن الحربي إلى يوم يبعثون!
تشاورنا، أحمد ومحمديَّة وعبد الله عربي وشخصي، في ما يمكن أن نفعل دون تعريضي لعقاب اللواء التجاني، خصوصاً وأن التلفزيون كان قد بدأ، في ذلك الوقت، بث برامجه على الهواء، وتركي موقعي في أوركسترا أحمد كان من شأنه أن يتسبَّب له في خسارة فنيَّة كبيرة. وبعد كثير من الأخذ والعطاء تفتقت عبقريَّة أحمد عن إجلاسي، في سهرات التلفزيون بالذات، خلف ستارة سميكة وراء الأوركسترا، لأعزف دون أن تلتقطني الكاميرا، ودون أن يراني أحد! وعندما نجحت الخطة، نفذناها في بعض الحفلات الكبيرة في غير التلفزيون، فأطلق عليَّ زملائي العازفون لقب (سرِّي)، ربَّما تيمُّناً بنجم كرة القدم الشهير بفريق (المريخ) في ذلك الزَّمان! ولعلَّ أعجب ما في تلك الحكاية العجيبة أن موسى يختمها، من خلال ضحكة صخابة مجلجلة، بأنه، حتى اللحظة، لا علم له بسبب المشكلة بين سعادة اللواء وبين أحمد المصطفى!

الخميس
توفيت، اليوم، فطومة أكول حسن، أرملة (جو)، أو الشهيد جوزيف قرنق، التي ربضت إلى جانبه تعينه على أهوال النضال حتى آخر يوم في حياته، لتتحمل هي، من بعده، أعباء الحياة، وحدها، زهاء الأربعين عاماً. وكنت خصَّصت لفطومة فقرات من كتابتي التذكاريَّة عن (جو)، ضمن سلسلة (جنوبيون)، في كتابي الصادر قبل سنوات بعنوان (الآخر). فلئن كانت وقعت لـ (جو) وأسرته علائق مثاقفة رائقة، من خلال عمر بأكمله عاشوه في مجتمع الوسط العربوإسلامي، فلم يعمهم كدر عصبيَّة، أو حزازة معتقد، عن رؤية ما يستحق النظر المستبصر في بعض مسالك المستعربين المسلمين، فإن أغلب الجنوبيين يكنون، بعيداً عن توترات القبليَّة والسِّياسة، احتراماً للرجل، وتقديراً لدوره، وإجلالاً لسيرته العطرة. إسأل ليحدِّثك الكثيرون عن كيف كان يصرُّ بعناد، حتى بعد أن أصبح وزيراً، على مواصلة السَّكن في منزل صغير يستأجره بحي الزُّهور بالخرطوم! أما طهارة يده فيشهد بها كلُّ من عمل معه في الوزارة. لم يستغل منصبه لجاه شخصي أو لثروة يكتنزها، رغم تعامله في مال كثير كان يستجلبه لدعم مشروعات وزارته. ولم يستخدم نفوذه يوماً في محاباة أهل أو قبيلة، مع أن ذلك كان ميسوراً لو أراد. ولقد أعانته فطومة، دون شكٍّ، على ألا يريد!
وفي سبيل إنجاز المهام الموكلة إلى وزارته ضحَّى جو، كثيراً، بصحَّته وحياته الأسريّة. كان يعمل، في العادة، حتى السَّاعات الأخيرة من الليل، وما كان يتناول من الطعام إلا أقله. كان (مسيحاً) في إخلاصه لقضيَّته، لكن كان ثمَّة أكثر من (يهوذا) في دهاليز السّياسة وأقبية الخدمة المدنيَّة! وما انفكَّ أولئك يُدخلون العِصي في عجلة حماسته واندفاعه وتفانيه، لدرجة أن النميري نفسه اعترف، بعد يوليو 1971م، بأنه لم يعطه الضوء الأخضر قط! وأنه كان يعمل وحده! وأن كلَّ خططه كانت شيوعيَّة! على أن أكثر ما هالني هو تصريح أرملته فطومة بأن لديها علماً يقينيَّاً بأن "سياسيَّاً جنوبيَّاً مرموقا" لم تسمِّهِ هو الذي "حرَّض النميري على إعدامه!" (مقابلة مع صحيفة "الوفاق"، 21/7/01). وها هي فطومة تغادر الفانية دون أن تبوح باسم هذا المجرم الوضيع!
في 17/7/1971م عاد (جو) من آخر سفرة قام بها إلى جمهوريَّة أفريقيا الوسطى، ضمن مساعيه التي لم تكن لتفتر في سبيل إنجاح الحوار السلمي مع المعارضين الجنوبيين في المنافي، ليجد طفلته طريحة فراش مستشفى الخرطوم، حيث كانت قد توعَّكت في غيابه، فقرَّر الأطباء إجراء عمليَّة جراحيَّة مستعجلة لها. ولمَّا كانت تحتاج إلى نقل دم عاجل فقد تبرّع لها بدمه، رغم أنه، هو نفسه، كان منهكاً وفي حاجة إلى الرَّاحة. لكنه ظل يراوح بين الوزارة والمستشفى حتى وقت متأخر من ليل ذلك اليوم واليوم التالي.
عصر 19/7/1971م اتصل به السَّيد إبراهيم جاد الله، صديقه ووكيل وزارته، ليبلغه بأن محاضرته عن (قضيَّة الجنوب)، والتي كان يُفترض أن يلقيها، ذلك المساء، بكليَّة القادة والأركان، قد تأجَّلت بسبب وقوع انقلاب بقيادة الرائد هاشم العطا! وكانت تلك أوَّل مرَّة يسمع فيها بالخبر!
قضى الأيام الثلاثة التالية مشغولاً بعمليَّة طفلته، حتى وقع الانقلاب المضادُّ عصر 22/7/1971م. كان قد تناول طعام الغداء، ظهر ذلك اليوم، بمنزل ابن أخته جوزيف موديستو بالدّيوم الشرقيَّة، ثمَّ تحرَّك من هناك إلى مستشفى الخرطوم، حيث سمع الأخبار في الطريق. وفي المستشفى قضى تلك الأمسية إلى جوار طفلته، يحتضنها في حنان، ويكثر من تقبيلها، متحاشياً طيف النظرة القلقة يلوح في عيني فطومة! لكنه، في النهاية، لم يعُد يحتمل اصطراع كلّ تلك المشاعر في دواخله، فهبَّ واقفاً. أشاح بوجهه عن فطومة، وهبَّ واقفاً. حدَّق، برهة، في الظلمة المتكاثفة خلف النافذة، ثمَّ همس إليها بآخر كلماته وهو يضغط على الحروف .. حرفاً حرفا:
ـ "يا فطومة أسمعي كلامي ده كويّس .. نميري رجع وراح يكتلني .. دي الحقيقة .. شدِّي حيلك وربِّي الأولاد تربية كويسة .. أنا ما حأشرد .. زول كبير في القبيلة زيِّي يا فطومة عيب يشرد .. أنا حأمشي أسلم نفسي"!
غرقت الغرفة في صمت رصاصىٍّ ثقيل. لم يعد يتردَّد في أذني فطومة غير صدى صوته العميق، وأنفاس طفلتهما المتحشرجة، وعويل الريح بين أغصان الشَّجر المتشابكة بكثافة في باحة المستشفى. وقبل أن ترفع عينيها الدَّامعتين إليه، وتحرّك شفتيها المثقلتين بالجفاف والفجيعة، أحسَّت بكفه تربت على كتفها، وبخطواته تتلاشى في الظلمة السَّحيقة. هكذا تسلل (جو) خارجاً في هدوء، ليتوارى، مرَّة .. وللأبد، عن مدى عيني فطومة الواجفتين!
كانت مسحة اليقين على محياه الهادئ تشي بأنه يعرف جيّداً في أيّ اتجاه تذهب خطواته. لكنه عرَّج إلى بيته الذي ظلَّ يستأجره، محامياً ثمَّ وزيراً، بحي الزهور .. ليجد رتلاً من الجند الغلاظ بانتظاره! طلب منهم، بتهذيب معهود، أن يسمحوا له بدخول البيت لأخذ بعض الغيارات، لكنهم سفهوا طلبه، وسخروا منه، واستهزأوا به، بل وانهالوا عليه ضرباً مبرحاً، بكعوب بنادقهم، وبأحذيتهم العسكريَّة، قبل أن يمسكوا بذراعيه وساقيه، يُأرجحوه، برهتين، يمنة ويسرى، ليقذفوا به في جوف الشَّاحنة الحربيَّة الكئيبة، وهم يتصايحون، تماماً كزبانية جهنم!
ليلة الاثنين 26/7/1971م أعيد (جو) إلى السّجن الذي كان أخذ منه ليلة البارحة الخريفيَّة العكرة، لكن ليس إلى رفاق العنبر، بل إلى .. حجرة المشنقة الرَّطبة، المعتمة، زنخة الرائحة، الواقعة ما بين قسم (المعاملة الخاصَّة) و(زنازين الشَّرقيَّات). فقد (حاكمه) العقيد أحمد محمد الحسن في جلسة صوريَّة لم تستغرق سوى بضع دقائق من اللهوجة الإجرائيَّة بمباني سلاح المدرَّعات بمنطقة الشَّجرة بالخرطوم، أصدر بعدها (حكمه) عليه .. بالإعدام شنقاً حتى الموت!
لم يَضِعْ قبرُه وحده مدفوناً تحت جنح الظلام في مكان قفر مجهول، بل أضافت قوَّات الأمن ضغث اللؤم إلى إبالة الوحشيَّة حين داهمت بيته، وصادرت مكتبته، وأوراقه، ومتعلقاته، ومزقت حتى صوره الشَّخصيَّة!
ـ "كنا أطفالاً"، قال ابنه البكر زكريا، "قصدوا ألا يتركوا لنا منه ولو محض ذكرى صغيرة"!
بعد مرور أيَّام خمسة من إعدامه توفيت طفلته المريضة.
ما أبشع كل ذلك!

الجمعة
لا يكاد الجَّدل ينقطع، إسلاميَّاً، مذ نشر د. أنور ماجد عشقي، رئيس (مركز الشَّرق الأوسط للدِّراسات الاستراتيجيَّة والقانونيَّة)، أفكاره الجريئة، بملحق (الرِّسالة) لجريدة (المدينة المنوَّرة)، بتاريخ 11/6/2010م، وفحواها أن الجَّنَّة منزَّهة عن الجِّنس، وأن الحُور العين لسن للمتعة الحسِّيَّة، وأن آدم وحواء لم يهبطا لارتكابهما المعصية، بل لانكشاف سوءتيهما، وأن الاستمتاع بالحور العين ليس جنسيَّاً، بل معنوي لا تدرك مداه العقول الدُّنيويَّة!
عشقي برَّر تناوله للموضوع بأمرين: أوَّلهما أن الإرهابيين درجوا على الإيعاز للمراهقين بأن قتل الآخرين وتفجير الأماكن، بالعمليَّات الانتحاريَّة، يجعل منهم شهداء يُكافأون، فور استشهادهم، بدخول الجَّنَّة، والاستمتاع بالحور العين. أما ثانيهما فهو أن الكثيرين يتوهَّمون إمكانيَّة الممارسة الجِّنسيَّة الدُّنيويَّة في الجنة، بل إن ثمَّة من يعظ أصحاب الشهوات الشَّاذة بمقاومتها، وكبتها، ريثما يردوا الجَّنَّة، فيكافأون بالولدان المخلدين! ولمن أراد استزادة زيارة موقع (حزب التحرير) على الشَّبكة الدَّوليَّة.

السبت
لكي تتصالح الشخصيَّة السودانيَّة مع ذاتها، لا بد لها من أن تتصالح، أوَّلاً، مع واقعها المتنوِّع تنوُّعاً يمكن أن تذرف، في بيانه، كثير من الكلمات الكبيرة، والنظريَّات عميقة الفكر، شديدة التعقيد، مثلما لا يندر أن تلمحه العين المنتبهة، أيضاً، في أبسط الرُّؤى الشعبيَّة، حتى الميتافيزيقيَّة منها، الشَّاملة له، المشمولة فيه.
من سنخ هذا التمظهر البسيط للتنوُّع السوداني حتى في حقل الميتافيزيقيا، مثلاً، القصَّة الحقيقيَّة التالية التي سمعناها من الفريق سلفا كير ميارديت، النائب الأوَّل لرئيس الجمهوريَّة، رئيس حكومة الجنوب، ورئيس الحركة الشَّعبيَّة لتحرير السودان، يوم قصدناه في جوبا، ذات نهار خريفي أواخر يوليو 2010م، نعزِّيه في الفقيد د. سامسونق كواجي، وزير الزراعة بالإقليم، وأحد الرموز النضاليَّة للحركة.
إجتمعنا في مجلس سلفا بأمانة الحكومة بعاصمة الجنوب، وكنا بالمصادفة، خليطاً من عناصر شتى، مستعربة وغير مستعربة، مسلمة وغير مسلمة، من حكومة الخرطوم، ومن المعارضة السِّياسيَّة، ومن المجتمع المدني. وفي بعض المنعرجات التي تشققت إليها مؤانسات العزاء المعتادة في مثل ذلك المجلس، حكى لنا سلفا أنه، وفي أحد الأيَّام التي أعقبت المفاوضات، قبيل التوقيع النهائي على اتفاقيَّة السَّلام الشَّامل، حدث أن التقى القائد الرَّاحل د. جون قرنق ببعض القيادات السِّياسيَّة والعسكريَّة بالحركة، فضلاً عن بعض السلاطين المحليين وشخصيات الكجور القبليَّة، وذلك في منطقة نيو سايت. وقد كان الغرض من اللقاء التأكيد على الدَّور الكبير الذي لعبه أولئك السَّلاطين، وتلك الشخصيَّات، خلال مرحلة الحرب، والتشديد على الدَّور الأكبر الذي ما يزال يُنتظر أن يلعبوه خلال مرحلة السَّلام.
وواصل الفريق سلفا روايته قائلاً: انخرطت شخصيَّات الكجور القبليَّة في طقس صلاة خاصَّة لمباركة السَّلام. وكان ضمن من جاءوا معنا من نيروبي لحضور اللقاء، الرفيق الصَّحفي مصطفى سِرِّي، وهو نوبي من أقصى شمال السودان. كان طقس الصَّلاة يقوم على همس شخصيات الكجور في أذن ثور ضخم. وشرح بعض الرِّفاق لمصطفى أن الثور، بعد سماعه الهمس، سيهزُّ رأسه، ويتبوَّل، ثمَّ ما يلبث أن يبرك ميمِّماً وجهه شطر الشمال، دلالة على أن الصلاة مقبولة، وأن السَّلام مبارك! وعلى الرَّغم من أن مصطفى ظل صادقاً، طوال الوقت، في حماسه لمشروعيَّة الاختلاف، ولفكر التنوُّع، إلا أنه لم يكن ليصدِّق، بطبيعة الحال، أن شيئاً مِمَّا قالوه له سوف يحدث! مع ذلك، ما أن أكملت شخصيَّات الكجور همسها في أذن الثور، حتى هزَّ رأسه، وتبوَّل مليَّاً، ثم ما لبث أن برك ميمِّماً وجهه شطر الشمال!
في تلك اللحظة، بالتحديد، والحديث ما زال لسلفا، حانت مني التفاتة إلى صديقنا مصطفى، فرأيت وجهه يشحب رويداً رويداً، حتى إذا أكمل الثور تداعيه على الأرض، بكلِّ ثقله، وبوله يرشح ويسرسب من تحته، أطلق صديقنا ساقيه للريح، الأمر الذي كبَّد الشَّباب رهقاً في اللحاق به، وطمأنته، ثمَّ إحضاره إلى حيث كنا قد انفجرنا في ضحك مجلجل، بما فينا قرنق ذاته، بل وشخصيَّات الكجور أنفسهم!
وقبل حتى أن يختم الفريق سلفا حكايته تماماً، كنا قد استغرقنا، نحن أيضاً، في ضحك صخَّاب جعلت أفكر، وسط لجَّته، كم هي عظيمة منظومة وحدتنا المتنوِّعة ثقافيَّاً، بطوابعها وذائقاتها الإسلاميَّة، والمسيحيَّة، والأرواحيَّة، وغير ذلك؛ وما من شعب، على وجه الأرض، بالغاً ما بلغ ارتقاؤه في مدارج التطوُّر المادي والاقتصادي والعلمي، إلا وتخالط ثقافته ضروب من الميتافيزيقيا، حيث مؤسَّسات البنية الفوقيَّة للمجتمع أبطأ في التغيُّر من مؤسَّساته التحتيَّة، وأن الناس في هذه الدنيا ما زالوا أسرى حاجتهم البكرة للسِّحر، ولما لا حصر له من التصوُّرات والأخيلة الميتافيزيقيَّة تعينهم على التماسك شيئاً إزاء نزق الطبيعة وتفلتاتها؛ لكن، بقدر ما تتكافأ الثقافات، على تفرُّدها النوعي واختلافها، من حيث القيمة الرُّوحيَّة لدى شعوبها، تتكافأ، أيضاً، دلالات المعتقدات والتصوُّرات الميتافيزيقيَّة.

الأحد
كان الكاتب الأمريكي مارك توين قلما يغادر غرفة نومه؛ وقد اعتاد أن يقرأ ويكتب وهو مستلق على سريره! وحدث أن زاره، مرَّة، أحد الصحفيين ليحاوره، فما كان من توين إلا أن طلب من زوجته، بعفويَّة تامَّة، أن تدعه يدخل، علماً بأن غرفة النوم ليس بها من أثاث غير سرير الزوجيَّة! فاعترضت الزَّوجة، قائلة:
ـ "لكن، هذا لا يليق .. هل ستدعه يقف بينما أنت مستلق على الفراش"؟!
فاستدرك توين، وردَّ عليها ببساطة:
ـ "الحقُّ معك، يا عزيزتي؛ هذا، فعلاً، لا يليق؛ لذا أطلبي من الخادمة أن تعدَّ له فراشاً آخر"!



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إِعْلامٌ .. أَمْ برُوبَاغَانْدَا (الحلقة الأخيرة)
- إِعْلامٌ .. أَمْ برُوبَاغَانْدَا (6)
- إِعْلامٌ .. أَمْ برُوبَاغَانْدَا (5)
- إِعْلامٌ .. أَمْ برُوبَاغَانْدَا (4)
- إِعْلامٌ .. أَمْ برُوبَاغَانْدَا (3)
- إِعْلامٌ .. أَمْ برُوبَاغَانْدَا (2)
- إِعْلامٌ .. أَمْ برُوبَاغَانْدَا (1)
- الأَمَازُونِيَّات!
- إِنْزِلاقَاتُ الصُّدُوع!
- عَوْلَمَةُ الشَّعْرِ الهِنْدِي!
- سَنَةُ مَوْتِ سَارَامَاغُو!
- رَطْلُ لَحْمٍ آخَر لِشَيْلُوك!
- الدَّوْحَة: أَبْوَجَةُ الذَّاكِرة!
- مَنْ تُرَى يُقنِعُ الدِّيك!
- مَوَاسيرُ الطُّفَيْليَّة!
- حكاية الجَّماعة ديل! (4 4) أَحْلافُ النَّظَائِرِ والنَّقَائ ...
- حكايةُ الجَّماعة .. ديل! (3) هَمُّ الشَّعْبي وهَمُّ الشَّعْب ...
- حكايةُ الجَّماعة .. ديل! (2) إرتِبَاكاتُ حَلْبِ التُّيوسْ!
- حكايةُ الجَّماعة .. ديل (1 2) الاِسْتِكْرَاد!
- مَنْ يَرقُصُ لا يُخفي لحْيَتَه!


المزيد.....




- ماذا نعرف عن صاروخ -أوريشنيك- الذي استخدمته روسيا لأول مرة ف ...
- زنازين في الطريق إلى القصر الرئاسي بالسنغال
- -خطوة مهمة-.. بايدن يشيد باتفاق كوب29
- الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
- ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات ...
- إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار ...
- قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
- دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح ...
- كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع ...
- -كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - كمال الجزولي - سِرِّي!